إنضمت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ليمور ليفنات إلى جوقة المنددين برسالة وقع عليها 53 ممثلاً وكاتباً مسرحياً إسرائيلياً يعلنون فيها عن رفضهم الإشتراك في أي فعاليات فنية أو عروض مسرحية ستقام في أي مستوطنة بنيت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مستوطنة اريئيل. وبحسب مركز"بتسيلم"م لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، فإن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة يفوق عددها ال 150 مستوطنة إضافة إلى أكثر من 100 بؤرة إستيطانية. يعيش قرابة النصف مليون مستوطن في هذه المستوطنات التي يقع تحت سيطرتها أكثر من 40 بالمئة من أراضي الضفة.
بنيت مستوطنة اريئيل هذه عام 1978وتعد رابع أكبر مستوطنة في فلسطين يعيش فيها حوالي 18 الف مستوطن بحسب آخر إحصاءات لشهر يوليو/تموز 2010. الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنة تصل إلى أكثر من 14 الف دونم، صودر قسم كبير منها بحجج أمنية ومن ثم أعلنت أنها „أراضي دولة“ وأقيمت عليها المستوطنة. في يوليو عام 2008 أقرت الحكومة الإسرائيلية تشيد 27 مصنعاً في المستوطنة. ويعد وجود هذه المستوطنة كما غيرها من المستوطنات خرقاً سافراً للقانون الدولي.
تم تجميد العمل على بناء جزء من جدار الفصل بشكل مؤقت في المنطقة المحيطة بمستوطنة اريئيل ومباشرة البناء ستؤدي إلى المصادرة والإستيلاء على 3200 دونم إضافية. كما سيعزل الجدار المخططة إقامته حول المستوطنة، سبع قرى فلسطينية في محافظة سلفيت، يعيش فيها عشر الاف نسمة، عن باقي قرى المحافظة وأراضيهم. ويذكر أحد الناشطين الإسرائيلين على صفحات مدونته أن الحكومة الإسرائيلية تحاول تسويق هذه المستوطنة على أنها „مستوطنة بيضاء“ نظيفة يقطنها علمانيون يهتمون بالمسرح والفن. وتقوم هذه المستوطنة المتحضرة برمي نفاياتها الصناعية ومياه المجاري في أراضي سلفيت مما يجعل قسماً من الأراضي الفلسطينية المتبقية بحوزة أهلها، حتى الآن، غير صالحة للزراعة ويؤدي إلى تلويث مياه الشرب ولا داعي للحديث عن الأمراض الناتجة عن كل ذلك. ومن البديهي بأن أضيف أن الشارع المؤدي إلى المستوطنة لا يسمح للفلسطينين من سكان الضفة بسلكه.
الجريمة التي اقترفتها اريئيل، المستوطنة المتحضرة، المستوطنة البيضاء النقية هي أنها أرادت أن تفتح مسرحًا لها وأن تدعو دور المسارح الإسرائيلية كالكامري والبيما في تل أبيب وغيرها وفي باقي أنحاء البلاد، لإقامة عروضها على „أرضها“ فقوبلت برسالة من قلة من الممثلين الذين أعربوا عن رفضهم للإشتراك في هذه الأعمال الفنية! يا للهول!
لابد من الإشارة هنا إلى أن إدارات المسارح الإسرائيلية المرموقة قد وافقت على إقامة عروضها في اريئيل بل إن أربعاً منها كتبت رسالة ترد فيها على رسالة الممثلين والكتاب الإحتجاجية وتقول بأنها ستعرض أعمالها أمام محبي المسرح من الإسرائيليين أينما كانوا!
إذًا، ليست هناك مسارح إمتنعت عن العرض. كل ما في الأمر أن هناك 53 ممثلاً وكاتباً أعلنوا أنهم لن يشاركوا في العروض المسرحية، التي ستقام في اريئيل بدء من شهر كانون الأول، نوفمبر، فقامت الدنيا ولم تقعد. ولم يكن رئيس بلدية اريئيل والوزيرة الإسرائيلية هما وحدهما اللذان أعلنا عن إستيائهما من خلط الممثلين بين الفن والسياسة! بل إنضم لهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو وطالب الممثلين بالإمتناع عن أعمال من هذا النوع لأن المقاطعة الداخلية، على حد قوله، ستؤثر على وحدة الصف الإسرائيلي وخاصة في هذه الفترة والمفاوضات مع السلطة الفلسطينية على الأبواب والمقاطعة العالمية في مجالات مختلفة لإسرائيل تزداد. طبعاً إنضمت إلى جوقة الإستهجان والنقاش حول رسالة الممثلين هذه جملة من الصحف الإسرائيلية، في وقت يتحدث فيه البعض عن أن خمسة من الثلاثة والخمسين شخصاً الذين وقعوا على الرسالة قاموا بسحب اسمائهم.
إن أي مواطن إسرائيلي يخرج من تل أبيب في مركز البلاد متوجها شمالاً لا بد أن يمر بإشارات مرور على الطريق السريع تشير إلى الطريق لمستوطنة اريئيل كما تشير إلى الطريق إلى أي مدينة أخرى في طريقه. وعند الوصول إلى مفترق اريئيل، تبدو المستوطنة كأي مدينة حالمة على سفح جميل وهادىء لا يبعد أكثر من 20 إلى 30 دقيقة سفراً بالسيارة عن مركز تل أبيب المزدحم والملوث. أما الضفة والإحتلال والآخر الفلسطيني فكلها تبدو للمواطن الإسرائيلي العادي بعيدة أقصى البعد من تلك الجهة من الشارع وكأنها في عالم آخر.
بل إن إسرائيل تقوم بتقديم إمتيازات وتخفيض ضرائب وتشجيع لأي شخص يريد العيش في المستوطنات. كما نرى من تقرير بتسيلم حول الموضوع والصادر في يوليو/تموز الأخير.
”لغرض حث المواطنين الإسرائيليين على لانتقال للسكن في المستوطنات، فقد أوجدت إسرائيل إكراميات وحوافز مقدمة للمستوطنات والمستوطنين بغض النظر عن أوضاعهم المالية التي تكون في بعض الأحيان جيدة وراسخة. معظم المستوطنات في الضفة الغربية معترف بها بأنها مناطق تطوير أ وهي بهذا تستحق لسلسلة من الإكراميات: إكراميات في مجال السكن، التي تتيح شراء الشقق النوعية والرخيصة وهبة فورية مع قرض مدعوم، إكراميات شاملة في مجال التربية والتعليم وتضم من بين ما تضم التربية المجانية من عمر ثلاثة سنوات، يوم تعليم طويل، سفريات ورواتب محسنة للمعلمين، هبات ودعم للمصانع والمشاريع الزراعية، بما في ذلك التعويض عن المصاريف الخاصة بالضرائب المفروضة على منتجاتهم من قبل الاتحاد الأوروبي، ضرائب مخففة مقارنة مع البلدات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر. بالإضافة إلى ذلك تقوم الحكومة بتقديم الميزانيات الزائدة في إطار هبات التوازن التي تنحاز لصالح المستوطنات مقارنة مع البلدات الإسرائيلية في مجال الخط الأخضر.“
من الصعب الحديث اليوم عن معسكر يسار اسرائيلي فعال أو عن معارضة حقيقة لما تقوم به اسرائيل من إنتهاكات وممارسات عنصرية وإحتلال على جميع الأصعدة. كل ما نسمعه مجرد أصوات فردية لا أكثر. وما يحاول الساسة الإسرائيليون القيام به هنا هو تسديد الضربة القاضية للأصوات الفردية التي بقيت تعارض الإحتلال والكذب.
تقول الحكاية إنه في بلاد بعيدة كان هناك أمير قامت ساحرة شريرة بتحويله إلى ضفدع وبقي المسكين على هذه الحال إلى أن جاءت الأميرة التي أحبته وعندما قبلته عاد الضفدع ليصبح أميراً. وهكذا هو الحال هنا. يريد هؤلاء الساسة الإسرائيليون أن يسددوا هذه الضربة القاضية لأي صوت فردي معارض عن طريق قبلة يطبعها الإسرائيليون على فم المستوطنات، أي الضفدع، ليعود المسكين ويكون أميراً. ولكن ما يحدث هو أن هذا الضفدع يكبر ويكبر ويبتلع ما حوله. ولن يتحول إلى أمير بل أن من يقبله سيصبح ضفدعًا هو الآخر.