تحية للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني في ذكرى رحيله.تمر اليوم الذكرى التاسعة والثلاثين لاغتيال الكاتب والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني الذي اغتيل وإبنة أخته لميس إثر إنفجار سيارته على أيدي عملاء إسرائيليين في بيروت في الثامن من تموز1972. ولد هذا الكاتب الفذ في عكا بفلسطين في التاسع من نيسان عام 1936 ولم يكن قد تجاوز السادسة والثلاثين حين اغتيل في بيروت، لكنه كان قد أصبح، كما سيظل، واحداً من أهم الكتاب الفلسطينيين والعرب.
عاش غسان كنفاني في يافا حتى أيار من عام النكبة، 1948، حيث اضطر وعائلته النزوح إلى لبنان ومن ثم سوريا. عاش في دمشق وعمل فيها ومن ثم في الكويت وبعدها إنتقل إلى بيروت حتى اغتياله فيها.
كتب غسان كنفاني المسرحيات، والقصص القصيرة، والروايات والأبحاث والمقالات الصحفية. وإلى يوم إغتياله كان قد أصدر18 كتاباً كما كتب مئات المقالات تنوعت مواضيعها من السياسي إلى الثقافي. ترجمت إعماله إلى أكثر من 17 لغة. وأخرج بعض أعماله في أفلام وأعمال مسرحية وإذاعية.
فتحية لروحك هناك حيث تطل شقائق النعمان على تلالنا نجدك...
وهنا مقطع صغير من بداية روايته "أم سعد" مستل من المجلد الأول لأعمال غسان كنفاني الكاملة الصادر عن مؤسسة الأبحاث العربية.
"أم سعد"
غسان كنفاني
"كان ذلك الصباح تعيساً. وبدت الشمس المتوهجة وراء النافذة وكأنها مجرد قرص من النار يلتهب تحت قبة من الفراغ المروع، كنا نطوي أنفسنا على بعضها كما تُطوى الرايات، وفجأة رأيتها قادمة من رأس الطريق المحاط بأشجار الزيتون، وبدت أمام تلك الخلفية من الفراغ والصمت والأسى مثل شيء ينبثق من رحم الأرض. قمت ووقفت أمام النافذة المشرعة وأخذت أنظر إليها تمشي بقامتها العالية كرمح يحمله قدر خفي.
وجاءت زوجتي ووقفت إلى جانبي ونظرت إلى الطريق، ثم قالت لي: ” ها هي أم سعد وقد جاءت“.
مثل دقات الساعة جاءت. هذه المرأة تجيء دائماً، تصعد من قلب الأرض وكأنها ترتقي سلماً لا نهاية له، وقالت زوجتي فيما نحن نحصي خطواتها: ” ترى كيف تشعر أم سعد الآن؟“
وقلت لنفسي: ” لست أدري“ وكنت أنتظرها لا تعلم شيئاً، فوراء ظهورنا تراكمت دورع الجنود المحطومة فوق الرمل المهجور، وشقت طوابير النازحين مسافات جديدة. كنت أسمع هدير الحرب من الراديو ومنه سمعت صمت المقاتلين، وهو يتكيء على الطاولة ورائي ينوح مثل أرملة، ويطلي بصوته المهزوم كل أشياء الغرفة بالتفاهة: المكتبة، والمقعد، والزوجة، والأطفال، وصحن الطعام، وأحلام المستقبل، ويجعل الحبر بلا لون.
وقالت زوجتي: ” لقد إختفت أم سعد منذ تفجر القتال. وها هي تعود وكأنما على إيقاع الهزيمة .. لقد قاتلوا من أجلها وحين خسروا خسرت هي مرتين، تراها ماذا ستقول الآن؟ لماذا تجيء وكأنها تريد أن بتصق في وجوهنا؟ وكيف تراها رأت المخيم حين غادرته هذا الصباح؟
.....