ما يحدث الآن في مصر يتجاوز إشكالية التضييق على الإعلام بمراحل
حملت الأسابيع القليلة الماضية العديد من نذر الشؤم التي تؤكد أن مساحة التعبير السياسي المستقل في مصر تدخل الآن مرحلة مقلقة للغاية. جاءنا النذير الأول عندما أكدت أحزاب المعارضة عزمها على المشاركة في الانتخابات المقبلة، وهو ما يعني المشاركة في مسرحية هزلية ومزورة بشكل غير مسبوق، وفي ذلك من تزوير للوعي كان يجب على أمثالهم التعفف عنه. وجاء النذير الثاني عندما باع <<عصام إسماعيل فهمي>> صحيفة <<الدستور>> لتحالف من رجال الأعمال يقوده الدكتور <<السيد البدوي>>، رئيس حزب الوفد. ثم توالت نذر الشؤم بسرعة مذهلة لم تتح للمعارضة المستقلة أي فرصة لالتقاط الأنفاس، فما بالكم بتحليل ما يحاك ضدها والعمل على مواجهته. فإذا بقناة <<أون تي في>> تقيل <<إبراهيم عيسى>> من برنامج <<بلدنا بالمصري>> في نفس الوقت الذي علقت فيه السلطات نشاط قناة <<أوربيت>> في <<مدينة الإنتاج الإعلامي>>، وهو ما عنى عمليا وقف برنامج <<القاهرة اليوم>> الذي كان يذيعه <<عمرو أديب>>.
وهذا يعني أن عملية التخلص من <<إبراهيم عيسى>> و<<عمرو أديب>> جاءت في قرار واحد، كما يعني أنهم أقدموا على ذلك على الرغم من أن <<عمرو أديب>> يدير هذا البرنامج كبوق دعاية للرئاسة ومدافع أساسي عن مصلحة النظام الحاكم، هذا بالإضافة لكونه رجل <<واصل جدا>>. وهذا تطور مقلق جدا في حد ذاته، حيث أنه يشير إلى أنهم مصرون على المضي قدما بحملتهم هذه حتى نهايتها، وإن تطلبت ضرب رجالهم في الإعلام. ثم مرت أيام قليلة وإذا بالسيد البدوي يقيل <<إبراهيم عيسى>> من رئاسة تحرير <<الدستور>> وترتب على ذلك دخول الجريدة في أزمة طاحنة يعلم الجميع تفاصيلها وإخراج <<إبراهيم عيسى>> من المسرح الإعلامي برمته بعد أيام من إخراجه من المسرح التليفيزيوني.
ثم بدأت مثل هذه الأخبار تتوالى كالجراد. فبعد يومين من إقالة عيسى من <<الدستور>> نقلت صحيفة <<الشروق>> لكلا من <<حمدي قنديل>> و<<علاء الأسواني>> عدم رغبتها في تمديد عقودهم مع الجريدة مرة أخرى بعد إنتهائها، وهذا على الرغم من أنهما كانا من نجوم الجريدة الكبار (بغض النظر عن رأينا في مضمون كتابتهم). في الوقت نفسه عممت إدارة الصحيفة مذكرة على صحافيي الجريدة حددت فيها مجموعة من القضايا حظرت عليهم التعرض لها في المستقبل، وتشمل قائمة المحظورات هذه <<المؤسسة العسكرية>> و<<أسرة الرئيس>> (كما أكد العاملون بموقع الجريدة الإلكتروني). وعلى الرغم من عدم الإعلان عن أسباب هذه القرارات إلا أن التكهن بها ليس صعبا. أول تفسير لها، وأسهلها، هو أن تكون وصلتهم تعليمات واضحة من <<المؤسسة الأمنية>> بالامتناع عن نشر أي شيء يخص هذه الموضوعات والتخلص من <<مثيري الشغب>> من أمثال الأسواني وقنديل. التفسير الآخر هو أن تكون الصحيفة أخذت هذا القرار من تلقاء نفسها بعد أن أقلقتها الأحداث الأخيرة فقررت أن تبادر بالتأدب لدرء قرصة الأذن القادمة.
في كل الأحول هذان التفسيران لا يختلفان كثيرا من حيث الجوهر، فالأول يعني أن مساحة التعبير السياسي المتاحة ستغلق بالشومة الأمنية في حين يعني الثاني انها ستغلق بالرقابة الذاتية الناتجة عن الإرهاب الأمني، وهذا لا يقل خطورة عن التدخل الأمني المباشر. وتشير كافة المؤشرات إلى أننا سنعاني من كلاهما كثيرا في المستقبل القريب. ثم توالت أسماء الممنوعين من النشر، وكان اخرهم هو المعلق الرياضي المعروف <<علاء صادق>> الذي أقيل من التلفزيون المصري وألغي برنامجه لأنه إنتقد تقاعس قوات الأمن عن منع شغب مشجعي <<الترجي>> التونسي، وأثبت أنه كان بمقدورها منع هذا الشغب بسهولة لكنهما تقاعست عن ذلك (وهو ما تعيد للأذهان أحداث مبارة الجزائر)، ودفعه غضبه من ذلك لمطالبة وزير الداخلية بالإعتذار عن هذا التقاعس. فما كان منهم إلا أن طردوه فورا من العمل على الرغم من أن ما قاله كان يقع في دائرة المسموحات حتي وقت قريب.
ولم تسلم حتى صحيفة <<المصري اليوم>> من هذه الحملة المسعورة، فالأخبار الواردة من داخل الصحيفة تؤكد أن حالة الذعر هذه إنتابهم أيضا. فعلى ما يبدو لم يعد يشفع للجريدة كل الخدمات التي أدتها للنظام، ولا كونها كرست كل طاقتها لخدمة سياساته الأمنية، وتبرير تبعيته للإمبريالية، والدفاع عن سياسة الإستغلال التي يتبناها، والتشهير بمعارضيه--كما لم تفعل أي جريدة <<مستقلة>> من قبل. ومعهم حق، فالذي يستغنى عن خدمات <<القاهرة اليوم>> بهذه السهولة لن يتورع عن فعل الشيء نفسه مع جريدة <<المصري اليوم>> إذا ظلت تسمح بهامش معارضة لا يقبلها، حتى لو صاغت هذه المعارضة على أرضية ليبرالية تؤيد مصالح الطبقة الحاكمة، على ما يبدو. كما أن هذه الجريدة أحيانا ما تسمح لكتاب غير ليبراليين بالكتابة فيها لتزيد من مبيعاتها ومصداقيتها، وهو ما لم يعد مقبولا هو الآخر. لذلك لن نستغرب إذا أبلغت <<المصري اليوم>> هي الأخرى مجموعة من الكتاب المغضوب عليهم في الأيام القليلة القادمة بأنها لن تنشر لهم مرة أخرى.
ثم بدأت تفاصيل بيع <<الدستور>> تخرج للنور لتكثف كل نذر الشؤم السابقة. فتفيد آخر الأخبار المتداولة بين المعارضة المستقلة أن الدكتور <<ممدوح حمزة>> كان قد سبق له وعرض على مالك الجريدة <<عصام إسماعيل فهمي>> شراء الجريدة منه (مع مجموعة من رجال الأعمال). ويقال أن الطرفين اتفقا على التفاصيل بما في ذلك سعر البيع قبل بيع الجريدة لمجموعة البدوي بأيام قليلة. لكن لسبب ما قام فهمي ببيع الجريدة فجأة إلى مجموعة البدوي بنفس السعر الذي إتفق عليه مع حمزة. التفسير الوحيد لهذا الحدث، إن صح، هو أن جهة ما ذات نفوذ قوي عرفت بهذا الإتفاق وتدخلت لإحباطه بجلب مشترين آخرين يدفعون نفس السعر لفهمي، واعتقد انه من السهل تخمين طبيعة هذه الجهة. وربما يفسر ذلك تكتم كل أطراف الصفقة على سعر بيع الجريدة في أول الأمر (وهو ما أثار ذلك لغط شديد عندما نشرت <<المصري اليوم>> تفاصيل مغلوطة عن الصفقة بسبب هذا التكتم)، الأمر الذي ترك مساحة كبيرة في أول الأمر لافتراض أن فهمي إنما فضل مجموعة البدوي على مجموعة حمزة لأنهم دفعوا له أكثر ليس إلا. وربما يفسر أيضا، وأكرر إن صح، فشله من بيع الدستور لمدة عام كامل على الرغم من تلقيه العديد من العروض لشرائها، فيبدو أن إصرار الجهات الأمنية تحديد شخص المشتري هو ما عطل بيعها طوال هذه المدة. وهذا يعني أن الموسسة الأمنية ظلت تبحث عن مشتري مناسب لمدة عام كامل إلى أن أصبح البدوي رئيسا للوفد فراقت له فكرة شراء الجريدة (وهو أنسب مشتري: معارض وغني ويثقون فيه).
لذلك أتفق مع الذين يرون فيما يحدث الآن محاولة لتضييق الخناق على مساحة الإعلام الحر الموجودة في مصر (على ضيقها بالفعل وارتباطها بالدولة حتى قبل الحملة الحالية). لكنني أود أيضا أن أنبه الجميع أن هذا المخطط يجري تطبيقه بالفعل منذ مدة طويلة بأسلوب <<الحتة حتة>>، وأنهم تقريبا إنتهوا من تنفيذه والجميع نيام. في حقيقة الأمر، لم تفق المعارضة المستقلة من نومها هذا إلا بعد أن إنتهوا من تنفيذ مخططهم بالكامل، وعندما أفاقت ظنت أنهم إنما يبدأون في التضييق على الإعلام للتو، وفي ذلك سؤ تقدير خطير. وعلى ذلك أظن أن نجاح مخططهم هذا لا يعني بالضرورة عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام ٢٠٠٤ كما يظن البعض. فقبل عام ٢٠٠٤ كانت قناة الجزيرة توفر مساحة رحبة للمعارضة المصرية لتتواصل مع جمهورها. أما الآن فأي متابع للقناة سيلاحظ أنها أعادت ترتيب حساباتها مع النظام وضيقت من الهامش الذي كانت تتركه للمعارضة في الماضي. ويظهر ذلك ليس فقط في مضمون ما تنقله القناة عن مصر لكن أيضا في الأزمة التي عصفت بمكتبها في القاهرة وأدت لاستبعاد <<حسين عبد الغني>> من المكتب لأنه رفض الانصياع لسياسة القناة الجديدة تجاه مصر. وأذكركم أنه استبعد من المكتب منذ شهرين فقط، بعد صراع دام أربعة أشهر مع إدارة القناة. وهذا يعني أن المخطط الذي نشاهد اخر فصوله الآن بدأ يؤتي أول ثماره منذ ما يزيد على الستة أشهر، وعلى هذا الأساس نحن في مرحلة متقدمة منه للغاية.
يترتب على كل ذلك أسئلة مهمة للغاية، مثلا: ماذا ستفعل المعارضة المستقلة في مواجهة هذا التضييق المسعور؟ هل ستلجأ للإعلام البديل كما يظن البعض؟ وهل تستطيع تعويض المساحة التي تصادر منها الآن بالكتابة على المدونات ومواقع الانترنت والفيس بوك؟ أنا شخصيا أظن أن عقد الآمال على <<نضال الانترنت>> هو وهم كبير (مع عدم التقليل من أهميته). وأظن أيضا أن النظام هو من البله بحيث يصدق هذا الوهم هو الآخر، ولذلك أتوجس قيامه قريبا بحملة شرسة ضد عدد من المدونين على سبيل <<ذبح القطة>>. وعلى نفس المنوال لنا أن نسأل ماذا ستفعل المعارضة إذا ما امتد ذلك التضييق المسعور ليطال حق التظاهر أيضا؟ فمن المنطقي أن النظام سيتبع هذه الحملة بحملة أشرس ضد التظاهرات وكافة أشكال النشاط السياسي في الشارع؛ أم هناك من يظنون أنه سيترك هذه المساحات على التضييق المعتاد في الوقت الذي يرفض فيه التسامح حتى مع إبنه البار <<عمرو أديب>>. أظن أن الإجابة واضحة، سينقض النظام على كافة مساحات التعبير السياسي المتاحة كالثور الهائج. ما يحدث الآن في الجامعات من تضييق غير مسبوق على كل الأنشطة الطلابية (وهو ما تتجاهله المعارضة المستقلة لسبب لا أفهمه)، بما في ذلك معارض الصور التي تحتفل بمناسبات وطنية عادية جدا، وإعتقاله لنشطاء الطلاب لأتفه الأسباب، هو خير مثال على ما ينوي فعله بصفة عامة. ونفس التضييق يحدث في ساحة النضال العمالي أيضا. المشكلة لن تنحصر في التضييق على الإعلام كما يتمنى البعض.
في النهاية لا نعلم على وجه الدقة السبب الذي يدفع النظام لفعل ذلك الآن. ما نعرفه هو أنه عقد النية بالفعل على عدم التسامح مع أي فعل نقدي مستقل بعد الآن، لكن يبقى السؤال: ما الذي دفعه لذلك؟ معظم التفسيرات ترد ذلك لأسباب لحظية: على سبيل المثال، إنه يفعل ذلك الآن بسبب إقتراب الانتخابات القادمة وموضوع خلافة الرئيس (سواء إنتهت بالتوريث أم لا). وهذا تحليل منطقي، لأن هذه القضايا حساسة ومخزية بالفعل. فكما تعلمون ستشهد الانتخابات القادمة تزويرا هو الأول من نوعه في تاريخ مصر، حيث سيزور النظام الانتخابات لأول مرة لبعض أحزاب المعارضة على نطاق واسع لاستبدالهم بالإخوان في البرلمان. بالبلدي <<هتكون مسخرة محصلتش قبل كده>> وسيتطلب تطبيق ذلك قمع المعارضة الشريفة تماما. وبالفعل كشف النظام عن نيته في ألا يتهاون مطلقا في تطبيق مهزلة الانتخابات القادمة، وعليه لا يمكن له أن يسمح بوجود أصوات أو أنشطة نقدية حتى ولو كانت نصف حرة في أثناء هذه الفترة. ولا يوجد له سبيل لتحقيق ذلك غير تطهير وسائل الإعلام من مثيري الشغب والتضييق على العمل السياسي في الشارع. وفي أغلب الظن سيزيد من ذلك أكثر في أثناء مرحلة الخلافة على الرئاسة.
لكن الأسباب اللحظية التي تدفع النظام للقيام بذلك ليست بالأهمية التي تبدو عليها، فهو في كل الأحوال لن يعيد المساحة التي يصادرها الآن بعد إنتفاء أسبابها اللحظية (لنقل مثلا بعد إنتهاء الانتخابات)، فما يحدث الآن يعكس مشكلة بنيوية عميقة تفوق أهميتها أهمية هذه الأسباب اللحظية بمراحل. إن أي تحليل لهذه الأحداث لابد وأنه سيتفق مع أنها تعكس فكر عقلية أمنية عسكرية شديدة التحجر. ما يحدث الآن هو بالضبط ما يفعله أي لواء جيش أو شرطة إذا واجه إعلام مناهض له وترك له الأمر ليفعل ما يشاء. وهو ما يشير إلى أن المؤسسة الأمنية تقترب من تهميش دور السياسيين غير الأمنيين في الملف الإعلامي تماما. يحدث ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه كل المؤشرات على تزايد نفوذ المؤسسات الأمنية في الحكم بصفة عامة، حتى باتت تحتكره تقريبا.
يتضح إذن أن هذه الأحداث ما هي إلا جزء من إنقلاب <<ميري>> علي أسطورة <<الحرس الجديد>> التي رأت في فتح مساحات التعبير السياسي قليلا ما يفيد النظام كثيرا. كانت هذه السياسية أكثر خبثا من سياسة الإغلاق الأبله التي سبقتها بكل تأكيد، ونجحت بالفعل في إعادة المواطنين لحظيرة الإعلام المصري بعد أن تركوها للجزيرة وأمثالها لأعوام طوال. والأهم من ذلك أنها نجحت في فرض أجندة ليبرالية تامة على كل أشكال النضال في الشارع بفتح مساحة تشجع ذلك، كما ساهمت كل منابر الإعلام الجديد هذا في قياد الحركة السياسية نحو النضال الليبرالي بشكل واضح.
وكان جزء أساسي من سر نجاحهم في كل ذلك هو السماح لهم بمهاجمة فساد النظام الحاكم بشدة (وهو ما أعطى إعلامهم مصداقية كبيرة) من أجل إعلاء مصالح البرجوازية المصرية الأكثر فسادا وتبعية للإمبريالية (والتي هم منها)، فهي التي تملكت كل الصحف والقنوات التلفزيونية الجديدة في النهاية. ولم يكن لهذا التاقض الداخلي في المصالح بين النظام الحاكم والطبقة الحاكمة أن يستمر أطول من ذلك دون أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على النظام. لذلك لم يعد العسكر يقبلون <<بالكلام الفارغ ده، اللي ودا البلد في ستين داهية>>، على حد ما أتصور رد فعل أي ضابط، لدرجة أنهم لم يعودوا يقبلون بعمرو أديب نفسه (بطل معادلة إدارة إعلام نصف مفتوح لتجديد شباب الطبقة الحاكمة).
لكن على الرغم من أن ما يحدث الآن يمثل رد فعل تلقائي لقوة متحجرة لا تفهم سوى البطش، إلا أنه أيضا رد فعل غبي لا يأتي إلا من نظام شديد الضعف. فما يفعلونه الآن لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في الماضي سيجلب عليهم خسارة فادحة لأن هذا النوع من الإغلاق الغبي سيدفع المواطنين (من معجبي عمرو أديب إلي معجبي إبراهيم عيسى، وهذه مساحة واسعة جدا) للخروج عن حظيرتهم <<نصف المفتوحة>> والبحث عما يلبي إحتياجاتهم في أماكن أخرى. كما أنه يضر بمصالح الطبقة الحاكمة الاقتصادية التي تعتمد بشكل أو آخر على ثقافة إستهلاك ليبرالية تحتاج إلى حد أدنى من الانفتاح. والأهم من ذلك أنهم يضرون بمخزون الهيمنة الطبقية التي تطلب بنائها ستة أعوام كاملة ويخيفون رجال الأعمال من الإستثمار في الإعلام بهذا الشكل العملاق والأكثر كفاءة (لقدرته على نقد النظام). يريدون أن يستبدلوا كل ذلك بالشومة والإعلام الضيق غير المهيمن، ويريدون أن ينفذوا ذلك في أثناء إفلاس كل سياسات النظام، خارجيا وداخليا--وهذه مهمة صعبة للغاية. ويظهر جبروت الهيمنة التي سيفقدونها في حادثة الجزائر السابقة، والتي أثبتت أن للطبقة الحاكمة هيمنة رهيبة على الشعب على الرغم من ظننا بعكس ذلك. وهذه الهيمنة لا يمكن أن تدوم بدون نقد النظام بأسلوب عمرو أديب اللاذع. ويوم يستبدلون عمرو أديب بأمثال ممتاز القط وأسامه سرايا تنتهي هذه الهيمنة تماما.
هم يقعون الآن في مأزق كبير، فـ<<نصف الفتح>> يضرهم بالضبط كما يضرهم <<الإغلاق التام>>، ولا قدرة لهم لتحمل تبعات أيا منهما على المدى الطويل. وهم منقسمون أيضا، فبكل تأكيد يجهز الجانب الآخر العدة الآن للقيام بهجوم مضاد على إنقلاب العسكر هذا، وفي أغلب الظن سوف تساعدهم الظروف مرة أخري ما أن تبدأ خسائر مخطط العسكر في الظهور. لكن يبقى أملهم الوحيد في الخروج من هذا المأزق هو أن تتعامل المعارضة المستقلة مع هذه الفرصة ببلاهة شديدة كعادتها دائما. وللأسف أظن أنه يمكن للنظام بكافة أجنحته أن يراهن على ذلك كما يتضح من موقف المعارضة من الانتخابات، ومن إصرارها على الإلتفاف حول الدكتور محمد البرادعي بالرغم من تجاهله لكل نداءاتهم وتفضيله لتلقي القلادات في الخارج والنضال ضد مرض الأيدز في بوركينا فاسو على إقتناص هذه الفرصة (وهذا غرض نبيل بكل تأكيد، لكن من يريد أن يغير مصر لا يكرس له عشرين يوم لكل يوم يقضيه في معارضة العسكر). لهذه الأسباب أطنهم سينجحون في تجاوز أزمتهم مرة أخرى.