تعاني المرأة من مشاكل عديدة في كل المجتمعات، وتختلف حدة ونوعية هذه المشاكل من مجتمع إلى آخر. والمرأة العربية ليست إستثناء من هذا التعميم. ولكن المؤكد أن مشاكل المرأة العربية ليس سببها كراهية الرجل لها لأن هذه الكراهية المزعومة لا وجود لها. والزعم بأن الرجل العربي يكره المرأة ـ كما جاء في مقال منى الطحاوي في مجلة “فورين بولسي” Foreign Policy" لماذا هم يكرهوننا" ـ ما هو إلا زعم نمطي يتردد في المجتمعات الغربية، و تردده كل من أرادت لنفسها شهرة و حياة تحت أضواء الإعلام الغربي. لم يكن غريبا اًن أتذكر فيلم "آيان هيرسي علي” عن الإسلام "Obsession" والذي صورت فيه الدين الإسلامي كدين مهين للمرأة والرجل المسلم كرجل يتعامل مع المرأة على أنها جسد لقضاء الشهوات ليس إلا. لقد بدا لي التشابه بين مقال الطحاوي وفيلم هيرسي صارخاً في اللاموضوعية والافتراء والاجتزاء. بل إن افتراء منى الطحاوي جعلني أنظر إلى أطفالي، وكلهن بنات، متسائلاً: هل أنا أكرههن؟ مجرد ترديد التساؤل، كان مدعاة للسخرية. سألت اصغر بناتي: هل أنا أحبك؟ ردت بدون تفكير "أوف كورس يو دو Of course you do".
ما من شك أن هناك تمييز ضد المرأة قد يصل إلى درجة الاضطهاد في بعض الأحيان في الدول العربية ـ والغربية لدرجة من الدرجات. لكني غير مقتنع أن هناك كراهية عامة موجهة ضد المرأة، وغير مقتنع أن هناك كراهية للمرأة بسبب كونها إمرأة. وفي الحقيقة أن القول بوجود تقليل من شأن المرأة لكونها إمرأة أو لأنها شيء نجس ـ كما جادلت الطحاوي في مقالها ـ هو قول ينتمي للقرون السابقة ولا وجود له في مصر على وجه التحديد، وهو طرح مرفوض جملة وتفصيلاً. لقد نشأت في الريف المصري وتعلمت في جامعات الأقاليم وعملت وعشت في العاصمة ولم أر مثالا واحدأ يمكن منه الإستنتاج أن هناك "كراهية" أو "تقليل" للمرأة لكونها إمرأة. و هذا لا ينفي وجود من يعتقد إعتقاداً خاطئاً أن المرأة أقل كفاءة من الرجل، و بالتالي يتم التمييز ضدها في أماكن العمل أو بعض المنازل. مثل هذه الأشياء سوف تضبط بالقوانين وبتحسين أحوال الأسرة الإقتصادية والتعليمية، وهو الشئ المنتظر حدوثة كأحد نتائج الثورة، في حال نجاحها بالطبع.
وفي هذا الصدد أود أن أطرح سؤالين، ستمثل الإجابة عليهما مدخلاً لفهم أسباب المشاكل التي تعاني منها المرأة في المجتمعات العربية:
هل يوجد مثال واحد في التاريخ حصلت فيه المرأة على حقوقها في ظل نظام سياسي إستبدادي فاسد؟
هل ثمة مشكلة من مشاكل المرأة لا يمكن إرجاعها الى خلل في الأسرة التي جاء منها مسبب تلك المشكلة؟
أعتقد أن الجميع سيتفق على أنه لا توجد أمثلة في التاريخ لحصول المرأة على حقوقها في ظل نظام سياسي إستبدادي فاسد. وهذا ما يجعلني أعتقد أن نظم الحكم الإستبدادي الفاسدة هي السبب الرئيس لجزء كبير من مشاكل المرأة. يمكننا البرهنة على ذلك بمقارنة المجتمعات العربية التي ترزح تحت حكام مستبدين مع المجتمعات الغربية التي وصلت إلى درجة متقدمة من درجات الحكم الرشيد. بل إن مشاكل المرأة تتباين حسب تباين درجات الإستبداد بين المجتمعات العربية. فمثلاً، لا يختلف أحد على أن نظام الحكم السعودي هو أكثر الأنظمة العربية إستبداداً ومصادرة للحريات، في المجتمع السعودي تعاني المرأة السعودية من أقصى درجات التهميش والإهانة، لدرجة أنه لا يمكنها قياده السيارة. ولعل لبنان هو المثال المقابل للسعودية، حيث أن لبنان لديه نظام حكم ديمقراطي لم تصل إليه أي دولة عربية أخرى بعد، نجد أن المرأة اللبنانية تمارس حقوقها بدرجة قد تتساوى مع مثيلاتها في المجتمعات الغربية. بل إن درجة تمتع المرأة والرجل بحقوقهم تقل أو تزيد في المجتمع الواحد تبعاً لإختلاف أنظمة الحكم من وقت لأخر. لذلك فأنا أعتقد أن التقليص أو التخلص من الإستبداد والفساد السياسي هو الخطوة الأولى نحو حصول المرأة على كامل حقوقها العادلة و التي سوف تؤسس لنهضة شاملة في المجتمعات العربية، ولهذا قامت الثورات العربية.
وربما يجادل البعض بأن الأنظمة الإستبدادية الفاسدة مكونة من رجال وبالتالي فإن عزو مشاكل المرأة الى كراهية الرجل لها أمرٌ منطقيٌ! بكل تأكيد غالبية المستبدين من الرجال، ولكن الاستبداد له منظومة قائمة على أصحاب المصالح من الرجال و النساء. و أيضاً هذا لا ينفي صفة الإستبداد السياسي عن النساء. هناك أمثلة عديدة على هذا في وقتنا الحاضر. أنظر ماذا فعلت ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي المخلوع، وتأمل كيف كانت سوزان مبارك مستبدة في مصر. و في مصر تحديداً، يزعم الكثيرون أن سوزان مبارك كانت هي الحاكم الفعلي للبلاد في السنوات العشر الأخيرة والتي وصل فيها الكل، رجالاً و نساءً، إلى الحضيض. و من الغريب في هذا الصدد أن سوزان مبارك أسست جمعيات ومجالس قومية للمرأة وللطفولة وللأمومة على أعلى مستوى سياسي و إجتماعي في مصر، ولكن هذه الجمعيات كانت مكونة من زوجات سدنة نظام مبارك ومن مستفيدات من النظام الإستبدادي الذي قاده مبارك و زوجته في مصر. تأمل هذا التناقض الساخر بين إمرأة تُسخِر كل ما في مصر لخدمتها و لتوريث الحكم لإبنها، وفي نفس الوقت تؤسس مجلساً للأمومة! ربما كانت تنوي تعليم الأمهات كيف يكن إنتهازيات، مستبدات وفاسدات. مكنتني الظروف من أن أتعامل لمدة عامين مع سيدة من سيدات المجلس القومي للمرأة الذي أسسته سوزان مبارك، والحق أقول إن هذا المجلس وأعضاؤه كانت علاقتهن بقضايا المرأة تبدأ وتنتهي في الحوارات التليفزيونية، كانت هذه المجالس للوجاهة الإجتماعية والتقرب لآل مبارك ليس إلا.
و في مصر بعد الثورة، كان للنائبة البرلمانية عن الإخوان المسلمين "عزه الجرف" طلبات مثيره للجدل. فمن بين ما طالبت به، إلغاء قانون التحرش الجنسي لأن ـ من وجهة نظرها المرأة التي تخرج من بيتها بدون زي إسلامي هي التي تثير الرجل و بالتالي فالخطأ خطأها. طالبت السيدة الجرف أيضاً بتقليل سن زواج البنات الى 14 سنة، أي أنها تريد البنات أن يتزوجن في سن الطفولة! ولن يكون إستنتاجاً بعيداً أن نقول أن من دوافع الجرف من طلبها بتقنين زواج البنات أطفالاً هي "السترة" و "الخوف من الإنحراف". و طبعاًً في هذا السن الطفولي سيكون الآباء مخولين بإختيار الزوج لطفلتهما والذي سيكون غالباً في ضعف عمرها. السيدة عزه الجرف هي إمرأة، وهذا هو تصرفها تجاه المرأة عندما وصلت للبرلمان المصري، للأسف! كأب لثلاث بنات، مجرد التفكير في أن النائبة الجرف تطالب بسن تلك القوانين والتي قد تطبق على بناتي، يشعرني بالغضب والاستماتة لتحقيق أهداف الثورة. ولكني بكل تأكيد لا أختزل كل النساء في النائبة الجرف. لماذا لم تعلق منى الطحاوي على هذا< أرمي من هذا الى أن بعض مشاكل المرأة تشترك المرأة ذاتها في صنعها، كما في هذه الحالة. و مثال آخر على ذلك هو مشكلة الختان. ما لم تقله منى الطحاوي في مقالها و يعلمه الجميع في مصر، هو أن الأم و الجدة هما غالباً من يدفع في إتجاه الختان و في حالات كثيرة رغما عن أنف الأب، الذي قد لا يعلم شيئاً عن الموضوع من أساسهِ. و ليس المقصود أن تٌحمل المرأة مسؤولية الإضطهاد الموجهة ضدها، ولكن وجب التنويه أن المرأة تشارك في صناعة بعض أوجه هذا الخلل.
يمكن للمدقق أن يعزو المشاكل التي تتعرض لها المرأة العربية والمصرية على وجه التحديد الي خلل ما في الأسرة. بل إنني أزعم أن كل المشاكل التي تعاني منها المرأة المصرية سواء في المنزل أو العمل أو الشارع منبعها خللاً أسرياً. فالرجل الذي يتحرش جنسياً بإمرأة في العمل أو الشارع أو الأماكن العامة، هذا الرجل لم يتلق التربية الصحيحة في نطاق أسرته لأسباب مختلفة، منها على سبيل المثال: الفقر، الجهل، المرض، التقليد و التنميط. و كذلك يمكننا تفسير إهانة الرجل لزوجته أو العكس على أسس متعلقة بالأسرة التي تربي فيها الزوج والزوجة. وبما أن الكل، رجالاً و نساءً، ولدته و ربته إمرأة، فلا يمكننا ـ من وجهة نظري ـ فصل مشاكل المرأة عن مشاكل الأسرة، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال معالجة مشاكل المرأة بمعزل عن مشاكل الأسرة، خصوصاً في مجتمعاتنا الشرقية، والتي تمثل فيها الأسرة كياناً مقدساً وسياجاً إجتماعياً للقاء الرجل بالمرأة.
وفي نطاق الأسرة، توجد طبقات من العلاقات الثنائية والجماعية المتداخلة، كالعلاقة الزوجية وعلاقات الأبوية، الأمومة، البنوة والأخوة. وحيث أن أطراف هذه العلاقات هما رجل وإمرأة، إبن و إبنة، أخت و خ، فإنه بامكاننا التأصيل لكل المشاكل التي تواجه المرأة علي النطاق الأوسع وهو المجتمع بالرجوع إلى العلاقات الثنائية المختلفة بين الرجل و المرأة في نطاق الأسرة. وهذا يذكرني بقول سمعته منذ زمن بعيد و مفاده أن سلامة المجتمع من سلامة الأسرة. فلو ربي الآباء أبنائهم الذكور علي إحترام و تقدير الأخت، و على قدم المساواة مع الأخت، سوف تختفي ظواهر سلبية كثيرة مثل التحرش الجنسي وتفضيل الرجل علي المرأة في أماكن العمل. ولو رأي الأبناء احتراماً متبادلاً بين الآباء، لنقلوا هذا الإحترام إلى بيوتهم المستقبلية، والعكس قد يكون متوقعاً في أحيانا كثيرة. وفي صدد معالجة مشاكل المرأة عن طريق معالجة مشاكل الأسرة، ربما كان من الضروري أن تصدر الدولة، حال رشدها، بعض القوانين التي من شأنها أن تقوم العلاقات الأسرية في حال إنحرافها.
وبالنظر إلى العلاقات الثنائية والجماعية المتعددة في نطاق الأسرة، نجد أن واحدة منها قائمه علي المعاشرة الحميمية، وهي العلاقة الخاصة بين الزوج و الزوجة. وعلي أهميتها و مركزيتها في العلاقة بين الرجل و المرأة، إلا أن أي خلل يعتريها لا يجب النظر اليه على أنه إمتهان للمرأة أو أن يسمح لهذا الخلل أن يضرب باقي العلاقات الأسرية. و في هذا الصدد فإن تصدير منى الطحاوي لمقالها بقصة خيالية لإمرأة كان زوجها لا يهتم بمشاعرها الحميمية للدرجة التي جعلتها تتلذذ بشرب القهوة غير آبهةِ بموت زوجها، كمدخل لمشاكل المرأة وللتدليل على كراهية الرجل للمرأة، لهو أمر في منتهي التسطيح والإجحاف. وفي ذلك أيضاً يتشابه طرح منى الطحاوي مع طرح آيان هيرسي علي، فكلتاهن وظفتا خللا ما في العلاقة الجنسية للتدليل على امتهان وكراهية الرجل للمرأة. للعلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة أصولها و طقوسها، وما يصيبها من خلل ربما كانت بعض أسبابه هي عدم الفهم أو عدم القدرة، وفي هذا يتساوى الرجل و المرأة. ومثل هذا الخلل سيكون من السهل جدا معالجته لو كان الزوج قد تربي في منزل أبيه على احترام مشاعر المرأة متمثلة في أخته و أمه.
يبدوا بديهياً لي، إستحالة مناقشة أمور المرأة بمعزل عن الرجل، والعكس صحيح. وأيضاً لا يمكننا إلا النظر إلى المرأة من منظور أوسع، يشمل المرأة كمواطنة، كأم، كأخت، كزوجة، كإبنة. وبالتالي فإن التركيز على مشاكل المرأة بمعزل عن مشاكل نظام الحكم و الأسرة سوف لا يفضي إلى أي نتيجة إيجابية مرجوة، بل ربما يكون عاملاً سلبياً آخر من عوامل الهدم المجتمعي. إن مشاكل المرأة سوف تتقلص جداً في حال معالجة مشاكل الأسرة، والمفتاح الرئيسي لعلاج مشاكل الأسرة يكمن في إيجاد أنظمة حكم رشيدة تضمن الحريات وترسي أسس المساواة، تؤمن فرص عمل مجزية تقلص من الضغوط الإقتصادية على الأسرة و تنشيء نظماً تعليمية متطورة، تنهض بكل مكونات الأسرة، و من ثم بالمجتمع.
نخلص من الإجابة على السؤالين المطروحين في بداية المقال أن مشاكل المرأة منشأها سياسياً إجتماعياً. وحيث أن الثورة ما هي الا تمرداً مجتمعياً على النظام السياسي القائم! و الثورة المصرية بالتحديد كانت ثورة مجتمع بإمتياز، وهو ما لا يخطئه البصر. فإن هذا بدوره يعضد محاولة الكاتب لتحديد أسس مشاكل المرأة معتمداً على البعدين، السياسي والإجتماعي. وبالتالي فإن نجاح عملية التحرر السياسي و بناء الدولة الديموقراطية سيكون إنتصاراً لثورة المجتمع بكل مكوناته و سيجلب معه منظومة سياسية وإجتماعية جديدة للقضاء على كل أشكال وأساليب التمييز والإضطهاد لأي مكون من مكونات المجتمع، سيجلب معه نظاماً للعدالة الإجتماعية و الإقتصادية، وستنهار معه مقومات الكثير جداً من المشاكل التي تعاني منها المرأة. في هذا الصدد، الكاتب يتبنى وجهة نظر متكاملة ويعتقد أن المعالجة السياسية الإجتماعية ـ المصاحبة للثورة ـ كفيلة بإنهاء الكثير جداً من مظاهر التمييز أو إضطهاد المرأة، ويؤمن أن محاولة التعامل مع المرأة أو الرجل ككيانات منفصلة لن يجلب أي نفع و لن يفييد أياً من الطرفين. وتأسيس نظام سياسي إجتماعي جديد هو بالتحديد ما قامت من أجله ثورة المجتمع المصري بكل مكوناته، والتي كان في مقدمتهما وفي قلبها الكثير من المصريات.
كانت الفتاة المصرية بين من دعا ورتب وقاد الثورة المصرية. ففي الفديو الشهير لها قبل الثورة بأيام، حرضت أسماء محفوظ الرجال على الثورة، فاستجاب لها الشباب و الشيوخ و النساء في سيل عارم لم يتصوره أي مخلوق. سقطت سالي زهران شهيدةً في أيام الثورة الأولي، فقام عالم مصري ـ رجلاً، هو عصام حجي ـ بوكالة ناسا الأمريكية بتسمية أحد الأقمار الصناعية "سالي زهران". رأينا نواره نجم تصدح بصوتها الجبلي و عزيمتها الفولاذية متحدية النظام و طغاته. رأينهن محمولاتٍ على الأعناق يهتفن و يلوحن بالأعلام المصرية ومن خلفهن يردد الرجل. وعلى بعد الآف الأميال من رائدات ميدان التحرير، كان صوت أطفالي البنات الثلاثة يدوي في كل مكان في منزلنا "الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد إسقاط النظام". كان هتاف إبنتي ذات الأعوام الخمسة له وقع خاص على مسامع عمها الذي كان ثائراً في التحرير على مدار الثمانية عشر يوماً عندما كن يحدثنه عبر الهاتف. في خضم تلك الأيام العظيمة في تاريخ أمتنا، كان بناتي في مدرستهن يقصصن لزميلاتهن من الأمريكان أن الشعب المصري يريد القبض على "الباد جايز Bad guys". مشاهد النساء و الأطفال و الفتيات في الثورة المصرية جعلت أطفالي البنات يشعرن بالزهو والفخار والكرامة، فقد عينت كبراهن نفسها كمتحدثة باسم الثورة المصرية في مدرستها.
إن لم تكن تلك هي مشاهد حب و تقدير متبادل بين الرجل و المرأة المصرية، فماذا تكون إذاً؟ في الثورة كانت كل الأيادي متشابكة، لا فرق بين الناعم منها و الخشن. وصنعت تلك الأيادي المتشابكة التاريخ علي مرأى و مسمع العالم كله. الثورة المصرية هي الميلاد الجديد للشعب المصري بكل مكوناته، وهي لحظة تاريخية و مفترق طرق في تحديد مستقبل أمتنا. وليس من المنطقي أن نشتت الفكر و الجهد بالتركيز على أحداث فردية فعلها إما أشخاص مرضى أو عملاء للنظام البوليسي القمعي الذي يجاهد كي لا يموت. فالإعتداءات التي ارتكبت في حق بعض النساء، و منهن منى الطحاوي، حدثت لكونهن ثائرات و مكون أصيل من مكونات الثورة. فلا يجوز إذا تفسير هذه الإعتداءت بأنها نتاج كراهية الرجل للمرأة، لأنه تفسير مستقطع من خارج السياق. وبالتالي فإن من يتبنى مثل هذه التفسيرات المشوهة و المشبوهة، إنما يضر بالأمة في مثل هذه اللحظة التاريخية و يجرنا الى معارك وهمية مستهلِكاً جهدنا ووقتنا، بل و يستعدي كل من لا يريد خيراً بمصر في الخارج و الداخل ضد الثورة في مراحل تعثرها.
أود أن أعيد التأكيد أن الإنتهاكات التي حدثت في مصر بعد الثورة ضد المرأة كان سببها الرئيس هو أن تلك المرأة قد شاركت في هز عروش الطغاة، وهو شئ خارج نطاق تخيل المستبدين. وفي كل المرات، كان شباب مصر ورجالها يهبون للدفاع عن المرأة باستثناء فئات يعرفها الجميع لها مصالح في بقاء النظام المستبد. فمثلاً ،بعد أن عرى عساكر المجلس العسكري ـ وهم ليسوا من أجناد مصر ـ الفتاة في ميدان التحرير إبان أحداث مجلس الوزراء، قام الشباب بعمل العديد من الفعاليات للرد علي هذه الإنتهاكات كحملة "إحنا آسفين يا ست البنات" و "مليونية الحرائر" و التي نظمت فيها ربما اكبر مسيره نسائيه في تاريخ مصر مسيجةٍ بصفوفٍ من الرجال والشباب لحمايتهن. كذلك في قضية كشف العذرية التي أقامتها سميرة إبراهيم ضد بعض أطباء الجيش، كان الشباب معها خطوة بخطوةٍ في كل جلسات المحاكمة، حتى أن محامي سميرة كان رجلاً متطوعاً للدفاع عنها. وفي أحداث العباسية الأخيرة عندما إعتقل الجيش عدد من الفتيات، على الفور بدأ الشباب حملة "عاوز أختي، بنات مصرخط أحمر" والتي أدت الى الإفراج عن الفتيات المعتقلات، واللائي خرجن هاتفات "يسقط يسقط حكم العسكر." ومن الأشياء المثيرة للسخرية أنه عندما كانت منى الطحاوي تُهين الرجل المصري والعربي والمسلم في الصحف والمحطات التليفزيونية العالمية، كانت الثائرة رشا عزب تحاور و تتحدي لواءات المجلس العسكري بمنتهى القوة مدافعة عن الثائر الرجل علاء عبد الفتاح و عن الثوار جميعاً. و قد قابلت و سمعت رشا عزب عندما القت محاضرة في الندوه المصريه في نيويورك في الثالث و العشرين من مارس هذا العام، و فيها تكلمت عن بطولات زملائها الثوار من الشباب و لم نسمع منها أي كلام عن التحرش الجنسي أو كراهية شباب الثورة لشاباتها ـ كما كتبت منى الطحاوي في مقالها.
نخلص من هذا بأن المصري والمصرية بدأوا طريق الثورة معاً، وهم الأن فيها معاً، و سيقودونها إلى النجاح معاً، يداً بيد، قلباً بقلب، عقلاً بعقل، ولا مجال للفصل بينهما تحت أي مسمى أو دعوى ، حتى ولو بدا الحرص على مصلحة المرأة في ظاهرها. نجاح الثورة سوف يضعنا علي الطريق الصحيح لمعالجة كل مشاكلنا الإجتماعية، والإقتصادية، والإنسانية، والتعليمية، شريطة أن نبقى متحدين كما بدأنا متحدين، مؤمنين بأن الرجل والمرأة صنوان لهما كرامة واحدة لا يمكن تجزئتها أو إجتزائها.