سأقاطع الانتخابات لأنها ستجري فى إطار خارطة طريق ملتبسة، تحت إشراف لجنة انتخابات مشكوك فى نزاهتها، لانتخاب رئيس صلاحياته مجهولة، برعاية حاكم عسكري سلطوي. رغم أن الكثيرين يدركون ذلك إلا أنهم يرفضون المقاطعة من منطلق أن المشاركة هي الخيار الواقعي فى ظل عدم وجود بدائل. فلقد جاء رد الكثيرين على المقال الداعي للمقاطعة الذى نشر بالشروق، يوم 23 أبريل، متمثلاً في سؤال: «ما هو البديل؟»
السؤال غير منطقي، هذا إذا كنا نؤمن بأننا فى ثورة. إن كانت «الثورة مستمرة» فعلى مؤيديها ألا يقبلوا المشاركة فى انتخابات يتنافسون فيها مع رموز النظام الذي قامت الثورة لإسقاطه. فلو كان جائزاً أن يتنافس مؤيدو الثورة مع مناهضيها في انتخابات قبل أن تحقق الثورة أهدافها، لكان من الأولى أن نقبل بما طرحه مبارك قبل خلعه ــ لكنا انتظرنا ستة أشهر لحين انتهاء ولايته ليدخل مرشحو الثورة في انتخابات معه أو مع نجله أو مع أي من التابعين لنظامه.
إن خيار المشاركة مع دعم المرشحين الثوريين هو خيار محفوف بالتنازلات من أجل مكاسب غير ملموسة. من الوارد أن يفوز وزير خارجية مبارك أو رئيس وزرائه، حينئذ لن يكون الاعتراض مسموحاً للثوار الذين شاركوا، فلقد وافقوا منذ البداية على منافسة رموز نظام مبارك والاحتكام لصناديق الاقتراع، لذا سيكون عليهم القبول بما ستفرزه الانتخابات بعد تركهم للمسار الثوري وسلكهم المسار الذي رسمه المجلس العسكري من خلال خريطة الطريق التى وضعها.
●●●
النتيجة المرتقبة؟ رئيس صوري سيضاف إلى البرلمان الصوري الذى لم يستطع أن يحقق للبلد وشعبه فائدة تذكر؛ وتنازعات وسفسطة حول صلاحيات الرئيس. ثم ربما أخيراً يتم وضع دستور للبلاد، ومن المحتمل أن يقلص الدستور من صلاحيات الرئيس فيعجز عن تنفيذ برنامجه الانتخابي: وقتها لن نستطيع أن نحاسبه، ولن نلوم إلا أنفسنا على انجرافنا وراء وهم انتخاب رئيس وتصديق وعوده قبل معرفة حدود منصبه.
حتى ولو خُول الرئيس بصلاحيات، فالأرجح أنه لن يستطيع أن يمارسها طالما خضع هو ومصر كلها للحكم العسكري. فلا يتوقع من العسكريين أن يسمحوا لرئيس مدني أن يعين أو يقيل وزير الدفاع، أو يخضع ميزانية القوات المسلحة للمساءلة، أو يمارس دوره فى رسم السياسة الخارجية للدولة ـ والتي تتضمن علاقات مصر بأمريكا المانحة للمعونة العسكرية لمصر.
ولا يتوقع من المجلس العسكري أن يسلم السلطة حقاً للرئيس، فتسليم السلطة يعني بالضرورة حل المجلس العسكري أو استقالة أعضائه وإخضاع القوات المسلحة للمساءلة الشعبية والبرلمانية ــ وعهدنا بالحكام الذين تثور الشعوب على أنظمتهم أنهم لا يتخلون عن سلطاتهم وامتيازاتهم بسلاسة من تلقاء أنفسهم.
●●●
فلنتوقف عن خداع أنفسنا، ولنحذر من أن نلدغ من جحر مرتين. خدعنا عندما تركنا الميدان يوم 11 فبراير، وعندما صوتنا «على شرعية المجلس العسكري» فى استفتاء مارس، وعندما صدقنا مسرحية محاكمات مبارك ومعاونيه وقتلة المتظاهرين الذين لم يقتص لهم بعد. ولا يغرنا وجود انتخابات رئاسية، أو حتى مناظرات متلفزة بين المرشحين، فذلك ليس مؤشراً قاطعاً على الديمقراطية، بالطبع تجري انتخابات رئاسية ومناظرات فى الديمقراطيات الراسخة، لكن الناخبين فى تلك الدول يعلمون سلطات الرئيس وكيفية محاسبته بشكل لا ريب فيه.
لنقاطع هذه المسرحية التى ألهتنا عن استمرار الثورة، وعن شهداء أحداث العباسية، ومجلس الوزراء، ومحمد محمود، وبورسعيد، وعن وضع دستور يؤسس لديمقراطية سليمة وشاملة، لأنه لا يوجد نصف ديمقراطية. لا يستقيم أن تقبل الثورة بخيار يتنافى مع أهدافها فقط لأن طرفًا آخر، المجلس العسكري، قرر لها ذلك ولم يعطها بديلاً. الثورة تقرر ولا تستسلم لأنصاف حلول. والثوار يحكمون بشرعية الثورة ولا يدخلون فى انتخابات مع مناهضيها.
ستستمر الثورة وتنتصر وتحقق أهدافها، حينها فقط ستجرى انتخابات حقيقية على أساس سليم وليس على المسار الملتبس الذي يريد من في السلطة أن يفرضوه علينا. نعم لمقاطعة أي انتخابات تُجرى، وأى دستور يُعد، تحت حكم العسكر.
[عن جريدة "الشروق".]