قل حقوق اجتماعية ولا تقل مطالب فئوية [Say Social Rights not Partisan Demands]

[Image from unknown archive] [Image from unknown archive]

قل حقوق اجتماعية ولا تقل مطالب فئوية [Say Social Rights not Partisan Demands]

By : Wael Gamal وائل جمال

  حقا..لقد نجحت الثورة المصرية في إمالة توازن القوى السياسي والاجتماعي لصالح جماهير المصريين، معطية إياهم المبادرة والقدرة لكن الثورة المضادة مازالت تخوض معركتها. وأما وقد تغير ميدان المواجهة من التحرير إلى أماكن العمل، فقد تغيرت جبهة هجوم الدعائي لبقايا النظام القديم ومعهم من تمنعهم مصالحهم من قبول البرنامج الشعبي للتغيير إلى ما أطلق عليه "المطالب الفئوية". 

لا..ليست هذه التسمية قائمة على الصدفة على الإطلاق. فكما حرصت الثورة المضادة على تحجيم ثورة المصريين في إطار "ثورة الشباب" أو حتى "شباب الفيسبوك"، اختارت أن تطلق على نضال المصريين من أجل العدالة الاجتماعية، وهو شعار أساسي للثورة منذ 25 يناير، اسم "المطالب الفئوية". 

من الناحية السياسية، تعني هذه التسمية أن هذه الاحتجاجات أنانية وخاصة بفئات اجتماعية دون غيرها "بالمقارنة بالمطالب الشعبية العامة بالتغيير، والتي في عرف الثورة المضادة يجب أن تتوقف عند بعض التغييرات في الهيكل السياسي الفوقي، ليس أكثر من ذلك. وينبني على هذا المنطق الملفق نتيجتان تقودان لموقف سياسي واحد: يجب إيقاف هذه الاحتجاجات فورا. 

النتيجة الأولى هي أنه لا يجب التضحية بالاستقرار وعودة عجلة العمل وبتعطل الاقتصاد القومي...الخ من أجل فئة أو أخرى يطرح بعضها مطالب غير منطقية ولا مقبولة "كتعيين أبناء العاملين". وتذهب هذه الفكرة إلى حد اتهام عناصر في النظام القديم بالتحريض على احتجاجات العمال والموظفين، كما قالت لنا صحيفة المصري اليوم في عنوانها الرئيسي ليوم الأحد. وهكذا فإن احتجاجات العمال جزء من الثورة المضادة.  

أما النتيجة الثانية فهي ما مثلته إحدى افتتاحيات الأهرام في الأيام الماضية وتتلخص في عنوانها: "الثورة تحت حصار المطالب الفئوية". هذه النسخة من الحرب الإيديولوجية السياسية على احتجاجات العمال تبدأ بالاعتراف بعدالة مطالبهم معترفة بما تسميه "مظالم رهيبة"، لكنها تدعو للإيقاف الفوري لها: "فلننتظر شهرا كاملا علي الأقل‏ حتي لا تحجب المطالب الفئوية العجولة شمس الثورة عن أرضنا الطيبة". هكذا تضرب الأهرام على وتر إنقاذ الثورة من نفسها من أجل وأدها. 

وباستثناء بعض المطالبات المحدودة الموروثة من فكر النظام القديم بتعيين أبناء العاملين، فإن احتجاجات مئات الآلاف من العمال والموظفين المصريين توحدت تقريبا على مطالب واحدة تتعلق بالأجور وعلاقة عمل قانونية والفساد في قيادات المؤسسات التي يعملون بها، خاصة الحكومية منها..فهل هذه مطالب خاصة أو فئوية؟ 

وهاهي قيادات التحركات العمالية تبدأ في بلورة مطالبها الاقتصادية الشعبية العامة كما يقول لنا بيان من أكثر من 30 قيادة عمالية في مواقع تبدأ من النقل العام وقناة السويس إلى مراكز المعلومات وهيئة البريد والعديد من المواقع الصناعية في قطاعات ومحافظات مختلفة. وتحت عنوان "مطالب العمال في الثورة..ثورة – حرية – عدالة اجتماعية"، تؤكد هذه القيادات على 8 مطالب تتضمن رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات وتقريب الحد الأقصى من الحد الأدنى بما بين 10-15 ضعف وعلاوة دورية تتناسب مع الأسعار، إطلاق حرية التنظيم النقابي، محاصرة علاقات العمل المؤقتة التي تجور على حقوق العاملين، وقف برنامج الخصخصة واقالة رموز الفساد في المؤسسات الاقتصادية، الرعاية الصحية كشرط لزيادة الإنتاج، حل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وتنفيذ أحكام القضاء الصادرة عليه والتحفظ على أموال قياداته والتحقيق معهم. وأتحدى أن تجد بين هذه المطالب واحدا لا يخص الملايين من المصريين، فهي حقوق اجتماعية مهدرة منذ عقود وحان وقت الحصول عليها بلا إبطاء. 

إن الأرضية الحقيقة للمعركة ضد مطالب كهذه، أو حتى تجسدها العملي بالنسبة لقطاع بعينه، ليست خسائر الاقتصاد الوطني (فالاقتصاد ليس البيانات المجردة ومؤشراته الجامدة التي طالما أمطرونا بها ، والتي لم تعمل أبدا في صالحنا، ولا يمكن اختصاره في أرباح وخسائر البورصة،  وإنما هو اجورنا وتعليمنا وحريتنا في الدفاع عن أكل عيشنا). 

والحقيقة أنه لا أمل لثورة المصريين في أن تنجز شعارها الرئيسي "الشعب يريد إسقاط النظام"، إلا عبر الإضراب الجماهيري. فهذا الشعار المعجز يجسد طبيعة المعركة خير تجسيد: النظام ليس حفنة السياسيين الذي يتخذون القرارات أو يتحدثون على منصة مجلس الشعب، ولا حتى الطريقة التي نختار بها هؤلاء. النظام هو مجمل توازن القوى الذي ينبني عليه توزيع السلطة والثروة في المجتمع. وبدون انتصار القوة البازغة في ميدان توزيع الثروة فإن الديمقراطية السياسية تبقى شكلية، قد تغير وجوها هنا أو هناك، لكنها تبقي على المسيطرين كفئة  اجتماعية، في موقع السيطرة.

  إن تلك الصورة "الضخمة متعددة الألوان" التي رسمها الآلاف من المصريين البسطاء الشرفاء، الذين تحركهم رغبتهم في حياة أفضل ومن ثم وطن متقدم، صورة خلقتها الانتفاضة السياسية، لم يحركها أحد غير تغير الشروط العامة للتوازن الاجتماعي السياسي في البلاد، وليست تحللا للثورة ولا حرفا لها وإنما مجرد تغيير لجبهة القتال، فبعد أن تم استنفاد كل محتوى ممكن للعمل السياسي في مرحلة النضال من الميدان، اندلع هذا العمل ثانية، أو بالأحرى تحول إلى عمل اقتصادي. 

وفي معمعة ميزان القوى على الأرض فإن النضال الاقتصادي هو جهاز إرسال من مركز سياسي إلى آخر، والنضال السياسي هو الثمرة التي تنتجها دوريا تربة النضال الاقتصادي. وهنا يتبادل السبب والنتيجة موقعيهما باستمرار.

تقول لنا المناضلة والكاتبة الألمانية البولندية روزا لوكسمبورج في كتيب لها عام  1906 عنوانه "الإضراب الجماهيري"، كتبته تعليقا على ثورة روسيا العام الذي سبقه، إن "الإطاحة بالحكم المطلق عملية اجتماعية طويلة مستمرة، وحلها يتطلب زعزعة كاملة لأسس المجتمع، فيصبح الجزء الأعلى أسفلا والجزء الأسفل في الأعلى، يجب أن يتحول «النظام» الظاهري إلى فوضى ومن ثم يجب أن تتحول الفوضى «الفوضوية» إلى نظام جديد". وفي هذا لا بديل عن إصرار ملايين المنتجين الفقراء على تلبية وضمان حقوقهم الاجتماعية.

(عن الشروق)

Firing Ibrahim Eissa From Al-Dostour Exposes The Reality Of The Wafd's New President

وأخيرا خلع السيد البدوي برقع الحياء بفصله إبراهيم عيسى وطاقمه من الدستور

 

وحدث ما كنا نتخوف منه ونتوجس حدوثه. فقد أقال بالفعل مجلس إدارة صحيفة الدستور إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الجريدة أمس، ووقع القرار كلامن رئيس مجلس إدارة الجريدة د. السيد البدوي (رجل الأعمال المعروف ورئيس حزب الوفد الذي يتم تلميعه منذ شهور) والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة رضا إدوارد (وهو وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد أيضا). وواجه صحفيو الدستور ذلك القرار على الفور باعتصام مفتوح بمقر الجريدة (بعد ساعات من صدور القرار)، وهو ما يعني دخول الجريدة في أزمة طاحنة لمدة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها. ثم تلى ذلك فصل كل أعضاء سكرتارية التحرير: شادي عيسي ومحمد فوزي، مساعدا رئيس التحرير، وعبدالمنعم محمود سكرتير عام التحرير. وهذا يعني أن ما تعرضت له الجريدة لا يقل عن مجزرة واسعة لاستئصال مراكز ثقل سياسة التحرير القديمة.

لا أظن أن هذا القرار فاجأ أحد، فمنذ أن أشترى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، ومعه مجموعة من رجال الأعمال الوفديين الجريدة من مالكها السابق ونحن نتوجس إزاحة إبراهيم عيسى عن الساحة ليهدئوا بذلك من وتيرة معارضة النظام ومحاربة التوريث التي كانت تنتهجها الدستور تحت قيادته. لكن ما فاجأني أنا شخصيا هو تنفيذهم لمخططهم بهذه السرعة، فكنت أتوقع أن يكونوا أكثر حصافة من ذلك. لكن يبدو أن السيد البدوي لا يبالي بأية حصافة فقرر خلع برقع الحياء بكل بساطة وبسرعة البرق. لماذا لم ينتظر بضعة أشهر قبل أن ينفذ مخططه، وهو ما كان سيكفل له الوقت اللازم للتغطية على أغراضه الحقيقية؟ هل وصلت له تعليمات أمنية بضرورة الاسراع في تنفيذ المخطط؟ هل يريد أن يغلق فم الدستور قبل الانتخابات التي ستشهد تزويرا واسعا للوفد؟ أم أن تحالفاته الجديدة لا تتحمل الحصافة أصلا (فمن المعروف عن رجال الأعمال أنهم يرهقون أنفسهم في تحقيق شيء غير ممكن)؟ 

للأسف ما قيل على صفحات الانترنت من أن سبب فصل إبراهيم عيسى هو اعتراض البدوي علي نشر مقال ما أو وجود خلافات بينه وبين إبراهيم عيسى بشأن المرتبات هو تفسير غير مقنع على الاطلاق، وضار جدا أيضا. فلا يمكن إقالة شخص بوزن إبراهيم عيسى من صحيفة كصحيفة الدستور (تدور كلها حول شخص إبراهيم عيسى) بهذه السهولة على خلفية خلافات عادية كهذه. وعلى الرغم من سخافة هذه تفسيرات نراها للأسف تقنع الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة. الثابت هنا هو أن البدوي يبيت النية لهذا القرار منذ اللحظة الأولى...تشير كل الدلائل إلى أنه أخذ قرار إسكات إبراهيم عيسى مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا كنا نتوقع أن يفعل ذلك. بل كان ذلك هو السبب الرئيسي والوحيد لشرائه الجريدة. لنترفع إذن عن التحليلات السخيفة التي لا تفعل أي شيء سوى تبرير القرار بالبحث عن أسباب <<معقوله>> و<<محترمة>> له، ولنبدأ جميعا من الاعتراف بأن البدوي فصل إبراهيم عيسى وطاقمه للتقليل من حدة الجريدة في معارضة النظام...كجزء من مخطط متعدد الخطط والأطراف يهدف لتهدئة الاحتقان في البلد وتسهيل عملية انتقال السلطة بشكل عام (برلمان، رئاسة، إلخ).

الهدف الرئيسي من وراء شراء رجال الوفد الصحيفة هو إغلاق أحد أهم أبواق المعارضة المستقلة في الدعاية ضد النظام وتوريث الحكم، ولهذا السبب يجري تلميع حزب الوفد وقياداته منذ فترة الآن. وذلك إنما يكشف أن السيد البدوي وحزبه لا يختلفان عن جمال مبارك وحزبه.

لكن يبقى السؤال: ماذا ستفعل المعارضة المستقلة تجاه ذلك؟ هل ستسكت على ما يفعله البدوي وحزبه بعد أن أثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من حملة تجفيف أقلام المعارضة المستقلة؟ هل ستظل تتعامل مع حزب الوفد على أنه من المعارضة، وتتعامل مع رئيسه على أنه معارض لامع؟ وهل ستستطيع المعارضة المستقلة فتح مساحات إعلامية وتثقيفية مستقلة في المستقبل؟ أين ستنشر أخبارها وآرائها؟

في كل الأحوال يشير قرار فصل إبراهيم عيسى بهذا الشكل الفج أننا على أعتاب فترة حرجة جدا ستضيق فيها المساحات المفتوحة أمام المعارضة المستقلة (وهي قليلة بالفعل) بشكل خانق وغير مسبوق، وأن التنكيل بالمعارضة المستقلة سيأتي من النظام وبعض مؤسسات المعارضة على حد سواء. إذا نجحوا في ذلك لا سمح الله ستختلف ساحة صنع الرأي العام في البلد بشكل مخيف. إقالة إبراهيم عيسى حدث مخيف ومؤسف جدا، وفيه تهديد مباشر لنا كلنا، ويجب أن نتعامل معه على انه كذلك. ولن يكون الأخير بكل تأكيد، بل هو بداية حملة للتقليل من المساحات القليلة المفتوحة أمام المعارضة، وملاحقة كتابها، صحفي صحفي. وتشمل هذه الحملة توسعة مساحة المعارضة المنضبطة، ولذلك تنوي الحكومة السماح لثلاث صحف جديدة بنشر إصدارا يوميا، وهم: <<الكرنك>>، جريدة هشام قاسم الجديدة (كان قاسم من أهم مؤسسي المصري اليوم)، و<<اليوم السابع>> ولها موقع إنترنت معروف وتنشر جريدة اسبوعية بالفعل، و<<الفجر>> جريدة عادل حمودة الأسبوعية. وهذا يعني أن المرحلة القادمة ستشهد مضاعفة مساحة الصحافة <<المستقلة>> اسما والتضييق على الصحافة المستقلة فعلا.

لا أعلم إلى أين سينتهي إضراب الدستور، وما إذا كان سيفشل أم ينجح في الوصول إلى حل وسط ما. لكن حتى لو نجح في الوصول إلى حل وسط ستظل الخسارة كبيرة لأن هذا سيعني ان طاقم الجريدة سيعمل تحت التهديد المستمر. كما لا أفهم سر شماتة البعض في إبراهيم عيسى والدستور بسبب اختلافهم معه، فعدم تقدير فداحة هذا الحدث هو قمة الغباء السياسي. وأقول لهؤلاء: أنتم اللاحقون أيها البلهاء.