النقابات العمالية في مصر بين الحزب الوطني والإخوان [Labor Unions in Egypt Between the National Democratic Party and the Muslim Brotherhood]

[A Mural by Egyptian Artist Taha Al-Qurani] [A Mural by Egyptian Artist Taha Al-Qurani]

النقابات العمالية في مصر بين الحزب الوطني والإخوان [Labor Unions in Egypt Between the National Democratic Party and the Muslim Brotherhood]

By : Elhamy El-Merghany

عندما جاء عسكر 23 يوليو إلى السلطة في مصر ورغم دعوتهم لإقامة حياة ديمقراطية. إلا أنهم تعاملوا بقسوة واضحة مع إضراب عمال كفر الدوار في أغسطس وبعد أقل من شهر على الثورة. وأقاموا محكمة عسكرية في كفر الدوار برئاسة القائم مقام عبد المنعم أمين رجل السفارة الأمريكية والذي اصدر حكمه بإعدام مصطفى خميس ومحمد البقري الذين قال عنهما اللواء محمد نجيب أنه بكى وهو يصدق على قرار إعدامهم بعد أن أقنعه البكباشي عبدالناصر بخطورة العمال الشيوعيين وضرورة معاملتهم بالقوة لكي لا ترتفع رايات الشيوعية فوق المصانع. 

بعد ذلك عهد لعبد المنعم أمين بملف العمال وقام أمين باختيار سيد قطب عضو جماعة الإخوان المسلمين والآتي من أمريكا مستشاراً ومفتياً في أحوال العمال والنقابات. لقد تحالف الأخوان المسلمين وعسكر 23 يوليو الذين عينوا وزيراً في حكومتهم من الأخوان وعمل قطب مستشاراً عمالياً للثورة. واستمر شهر العسل حتى تمت محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر في ميدان المنشية لينتهي شهر العسل بين العسكر والأخوان. 

لكن العسكر كانوا مهمومين بالنقابات ومعادين للحرية النقابية وكما يذكر شيخ النقابيين العماليين عطية الصيرفي فقد بادرت سلطة يوليو بعسكرة الحياة العمالية والنقابية والمدنية عسكرة ناعمة تختلف عن العسكرة الغليظة التي باشرها القائم مقام عبد المنعم أمين ومعه الشيخ سيد قطب. ولقد بدت هذه العسكرة الناعمة بتكليف عدد من ضباط الجيش بترك مواقعهم والتفرغ للسيطرة على النقابات العمالية بواسطة عدد من الضباط منهم الصاغ أحمد عبد الله طعمية ومعه هيئة التحرير، الصاغ وفاء حجازي، الصاغ وحيد رمضان ومنظمة الشباب التي سيطرت على شباب العمال،  الصاغ خالد فوزي والروابط العمالية المستوردة من الأرجنتين وقتها والتي سيطرت على بعض نقابات الأقاليم. ويثبت التاريخ كيف استطاع العسكر إخراج مظاهرات عمالية تطالب ببقاء الجيش وعدم عودته لثكناته وتهتف "تسقط الديمقراطية" " تسقط الأحزاب" في مارس 1954.

لقد تمت مصادرة الحركة النقابية والعمالية في مصر أو عسكرتها، حسب تعبير عم عطية الصيرفي، وبعد سنوات من إحكام السيطرة  على النقابات العمالية وإفراغها من مضمونها النضالي والزج بقياداتها في المعتقلات، تم إنشاء اتحاد العمال عام 1957 لا ليجسد وحدة العمال التي دافع عنها عمال مصر وقدموا التضحيات وقضوا سنوات في سجون الملكية والجمهورية، بل ليكون أداة لإحكام السيطرة علي الحركة العمالية.

قبل قيام اتحاد العمال كان من حق العمال جمع التوقيعات وإنشاء النقابات ووضع نظامها الأساسي ولوائحها، وعقد جمعياتها العمومية التي تمثل أعلى سلطة نقابية وانتخاب مجلس إدارة النقابة سنوياً ومحاسبته والنضال للدفاع عن حقوق العمال. لقد كانت هذه البنية النقابية تقف في وجه محاولات الحكومة لاحتواء الحركة النقابية والسيطرة عليها بل لقد زاد عدد النقابات من 568 نقابة سنة 1952 إلى 947 نقابة سنة 1956 تمثل أكثر من 450 الف نقابي ، ثم وصل عدد النقابات إلى 1400 نقابة في عام 1958. 

كان لك نقابة مقر خاص بها يجتمع فيه أعضاء النقابة ليناقشوا مشاكلهم ويمارسوا الأنشطة الاجتماعية المختلفة. وانشأت هذه النقابات مستوصفات خاصة لعلاج العمال وأسرهم مقابل إجور رمزية إضافة إلى إقامة صفوف خاصة لمحو الأمية لدى العمال. إضافة إلى صفوف لتعليم زوجات وبنات العمال الخياطة والحياكة.  أضافة إلى محامي يمثل كل نقابة ويدافع عن قضايا العمال وكانت هذه النقابات تقوم بإبرام عقود العمل الجماعية وتتبني التفاوض مع إدارات الشركات.

لقد أحست الحكومة بالخطر في هذا البيان النقابي الذي يحول دون سيطرتها الكاملة على الحركة النقابية مما دفعها للتفكير في تحطيم هذا البنيان النقابي، وبعد أن كان يوجد في مصر 1400 مقر نقابي تدفع الحكومة لان توفر لها 1400 مخبر لمراقبتها على الأقل، كما أن عدد أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية كان يتراوح بين 15 و21 عضو مما يعنى أن هناك أكثر من 21 الف نقابي يتم انتخابهم كل عام في مؤتمر عام للجمعية العمومية للنقابة.

كان العمال يملكون عقد جمعية عمومية للنقابة في أي وقت وإسقاط مجلس الإدارة وانتخاب مجلس إدارة جديد يحافظ على مصالحهم ويجيد تنظيم الحركة من أجل الأجور الأعلى وشروط العمل الأفضل. لذلك جاءت مصادرة الحركة النقابية من خلال قيام اتحاد العمال الحكومي الذي سيطرت عليه الدولة منذ قيامه وفرضت رموز تنظيماتها السياسية منذ هيئة التحرير وحتى الحزب الوطني على رأس الحركة النقابية التي تم تدجينها وفقدت تمثيلها العمالي.

كما لعبت الأجهزة الأمنية في أمن الدولة والأمن القومي دور في خلق شبكات من العملاء تسيطر علي هذه النقابات وتخرب أي محاولات جادة للدفاع عن حقوق العمال. لقد أصبحت الحركة النقابية الحكومية جزء من أجهزة الدولة وتنظيمها السياسي، بل لقد أصبح رئيس اتحاد العمال هو وزير القوي العاملة بما يعكس هزلية هذا البنيان الاستبدادي ومبناه الواقع في شارع الجلاء والذي أصبح هدفاً للاحتجاجات العمالية التي تفضح دور النقابيين الحكوميين وعملاء الأجهزة الأمنية.

قضي اليسار النقابي سنوات من الاضطهاد والاعتقال والمطاردة،واستبعد العشرات من المشاركة في الانتخابات النقابية التي أصبحت حكر على عملاء الأجهزة الأمنية. بل وتم القضاء على الشخصية الاعتبارية للجنة النقابية في المصنع أو المنشأة وبدلاً من وجود ألاف اللجان النقابية تم اختزال النقابات العمالية في 23 نقابة عامة واختزال النقابات العامة في اتحاد العمال الذي يسيطر عليه 25 عضو من قيادات الحزب الحاكم وعملاء الأجهزة الأمنية.

في أعقاب انتفاضة الشعب في يناير 1977 توصل شيخ النقابيين المصريين عطية الصيرفي لأهمية التعددية النقابية كوسيلة لفك الحصار عن النقابات العمالية وتطبيق الحريات النقابية التي هي جوهر العمل النقابي والتي أقرتها كل المواثيق الدولية. وكتب عم عطية كتابه الهام "عسكرة الحياة العمالية والنقابية في مصر" والذي لاقى رواجاً واسعاً بين صفوف النقابيين اليساريين. وعندما حاول عطية الصيرفي تمرير فكرة التعددية النقابية في أول مؤتمر عمالي لحزب التجمع قوبل بالسخرية والتهكم وعند التصويت على التعددية لم يصوت سوي ثلاثة فقط من أعضاء المؤتمر هم عطية الصيرفي وصابر بركات وكمال عباس، وصوت باقي الأعضاء ضد التعددية ومع محاولات تحرير النقابات القائمة.

توالي الفشل والإخفاق في الوصول للعضوية في نقابات المصانع والمنشآت ومن نجح في اختراق البنيان الأمني كان من السهل فصله حتى لو تسلل لعضوية النقابة العامة. وتبنت مجلة صوت العامل في الثمانينات الترويج لفكرة التعددية النقابية التي ظلت حلم يراود النقابيين اليساريين حتى عام  2008 ليتجسد في الواقع.

بعد إضراب استمر 14 يوم وتجمع موظفي الضرائب العقارية من كل محافظات مصر أمام وزارة المالية، وبعد تحقيق أهداف الإضراب ومساواة موظفي الضرائب العقارية بموظفي الضرائب العامة من حيث الأجور والمميزات ولدت في مصر أول نقابة عمالية مستقلة لموظفي الضرائب العقارية ثم تبعتها نقابة أصحاب المعاشات ونقابة الفنيين الصحفيين وتحول حلم عطية الصيرفي وصابر بركات وفريق صوت العامل إلي حقيقية وواقع.

لم تظهر أي مشاركات للإخوان المسلمين في الحركة النقابية طوال السنوات الماضية حتى بدأت مشاركات محدودة في انتخابات الدورة النقابية 2001-2006 ثم الدورة الأخيرة 2006-2011. ولم تكن هناك رؤية نقابية مستقلة للجماعة تجاه الحركة النقابية، بل لقد شاهدنا إضرابات عمال الاسبستوس ضد صاحب العمل الذي هو احد قيادات الجماعة. وبدلاً من دعم حركة بناء النقابات المستقلة التي تنمو وتطور بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير يسعي الأخوان المسلمين لوراثة الحزب الوطني من خلال تحركهم للاستيلاء على مبنى اتحاد العمال واعتبار أن ذلك تحرير للنقابات العمالية!يوجد عدد من الحقائق التي يجب عدم إغفالها ومنها:

-  تآكل عضوية النقابات العمالية خلال السنوات الأخيرة.

- حرمان عمال المناطق الصناعية الجديدة ومناطق الاستثمار من تكوين نقابات عمالية.

-  خضوع الهيكل النقابي الحالي لسيطرة الحزب الحاكم والأجهزة الأمنية.

- سرقة ملايين الجنيهات من اشتراكات العمال وتحويلها لمشروعات فاشلة مثل بنك العمال والشركات التي ساهم بها الاتحاد.

- مد فترة الدورة النقابية لست سنوات بما يؤدي لترهل اللجان النقابية.

-  السماح للنقابيين الذين تجاوزت أعمارهم 65 سنة الترشيح من خلال لجان مهنية.

- الوقوف ضد مصالح العمال حتى أصبح شعار"تسقط النقابة" قاسم مشترك في معظم الاحتجاجات العمالية.

لذلك فإن استمرار العمل بقانون النقابات الحالي رقم 35 لسنة 1976 وتعديلاته يعد انتهاك صارخ للحريات النقابية وعدوان على الحقوق العمالية. وإذا كان وزير القوى العاملة قد صرح في حضور مدير عام منظمة العمل الدولية أنه سيصدر قانون يسمح بالتعددية النقابية. فإن ذلك لم يحدث حتى الآن ويستمر العمل بالقانون الاستبدادي وتم الترويج لدعوة للانتخابات العمالية في نوفمبر القادم على نفس القانون القديم؟!

لقد قدم الآلاف من العمال استقالتهم من النقابات الحالية وطالبوا بوقف الخصم الإجباري للاشتراكات من أجورهم. بينما تصر القيادات الفاسدة على استمرار هذا الوضع والذي يسعى الأخوان المسلمين للسيطرة عليه من خلال احتلالهم المبني لتحل سيطرة حزب الحكومة بسيطرة واستبداد الأخوان المسلمين. ونستبدل سيطرة مجاور بسيطرة الأخوان. هل هذه هي مكتسبات ثورة 25 يناير؟! 

لن تتحقق فكر وقيم إتحاد العمال إلا من خلال قيام نقابات مستقلة وتعددية نقابية. إن يقظة وحرص القواعد العمالية هو وحده القادر على تحرير النقابات وبناء النقابات المستقلة التي تبني كل يوم من مستشفى منشية البكري إلي عمال النقل العام ومن عمال المحاجر إلى الصيادين في المنيا وكفر الشيخ وتتواصل خطوات البناء بروح ما بعد 25 يناير.

بقيت نقطة هامة لا يجب إغفالها وهي سيطرة النقابات الصفراء على العديد من الخدمات الاجتماعية مثل الجمعيات الفئوية وصناديق الزمالة والتي تقوم علي مدخرات العمال والتي تقدر بملايين الجنيهات. لذلك فإن الخطوة الأولى على طريق تحرير النقابات وبناء النقابات المستقلة هو تحرير إدارة صناديق الزمالة والجمعيات من سيطرة النقابيين واختيار قيادات جديدة لها وفصلها عن النقابات لكي لا تضيع مدخرات العمال ويستولي عليها النقابيين اللصوص عند الانسحاب من النقابات الحالية وبناء نقابات مستقلة.

إذا كان عمال الأخوان حريصين على البقاء في صفوف الثورة وعدم انتقالهم إلي الصف الآخر فعليهم إلا يسعوا للاستيلاء علي مبنى اتحاد اللصوص بل يسعوا لدعم بناء النقابات المستقلة ودعم التعددية وضم الصفوف لفرض قانون التعددية وإنهاء البنيان الاستبدادي وسيطرة الأجهزة الأمنية .

إن التاريخ لا يرحم. والثورة لن ترحم. وإننا لن نستبدل سيطرة الحزب الوطني بسيطرة الأخوان. ولن نسمح بقيام نقابات طائفية أو حزبية فالنقابات يجب أن تظل نقابات عمالية لا حزبية ولا طائفية بل مستقلة وديمقراطية. هذا هو طريقنا للتحرير. 

Firing Ibrahim Eissa From Al-Dostour Exposes The Reality Of The Wafd's New President

وأخيرا خلع السيد البدوي برقع الحياء بفصله إبراهيم عيسى وطاقمه من الدستور

 

وحدث ما كنا نتخوف منه ونتوجس حدوثه. فقد أقال بالفعل مجلس إدارة صحيفة الدستور إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الجريدة أمس، ووقع القرار كلامن رئيس مجلس إدارة الجريدة د. السيد البدوي (رجل الأعمال المعروف ورئيس حزب الوفد الذي يتم تلميعه منذ شهور) والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة رضا إدوارد (وهو وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد أيضا). وواجه صحفيو الدستور ذلك القرار على الفور باعتصام مفتوح بمقر الجريدة (بعد ساعات من صدور القرار)، وهو ما يعني دخول الجريدة في أزمة طاحنة لمدة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها. ثم تلى ذلك فصل كل أعضاء سكرتارية التحرير: شادي عيسي ومحمد فوزي، مساعدا رئيس التحرير، وعبدالمنعم محمود سكرتير عام التحرير. وهذا يعني أن ما تعرضت له الجريدة لا يقل عن مجزرة واسعة لاستئصال مراكز ثقل سياسة التحرير القديمة.

لا أظن أن هذا القرار فاجأ أحد، فمنذ أن أشترى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، ومعه مجموعة من رجال الأعمال الوفديين الجريدة من مالكها السابق ونحن نتوجس إزاحة إبراهيم عيسى عن الساحة ليهدئوا بذلك من وتيرة معارضة النظام ومحاربة التوريث التي كانت تنتهجها الدستور تحت قيادته. لكن ما فاجأني أنا شخصيا هو تنفيذهم لمخططهم بهذه السرعة، فكنت أتوقع أن يكونوا أكثر حصافة من ذلك. لكن يبدو أن السيد البدوي لا يبالي بأية حصافة فقرر خلع برقع الحياء بكل بساطة وبسرعة البرق. لماذا لم ينتظر بضعة أشهر قبل أن ينفذ مخططه، وهو ما كان سيكفل له الوقت اللازم للتغطية على أغراضه الحقيقية؟ هل وصلت له تعليمات أمنية بضرورة الاسراع في تنفيذ المخطط؟ هل يريد أن يغلق فم الدستور قبل الانتخابات التي ستشهد تزويرا واسعا للوفد؟ أم أن تحالفاته الجديدة لا تتحمل الحصافة أصلا (فمن المعروف عن رجال الأعمال أنهم يرهقون أنفسهم في تحقيق شيء غير ممكن)؟ 

للأسف ما قيل على صفحات الانترنت من أن سبب فصل إبراهيم عيسى هو اعتراض البدوي علي نشر مقال ما أو وجود خلافات بينه وبين إبراهيم عيسى بشأن المرتبات هو تفسير غير مقنع على الاطلاق، وضار جدا أيضا. فلا يمكن إقالة شخص بوزن إبراهيم عيسى من صحيفة كصحيفة الدستور (تدور كلها حول شخص إبراهيم عيسى) بهذه السهولة على خلفية خلافات عادية كهذه. وعلى الرغم من سخافة هذه تفسيرات نراها للأسف تقنع الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة. الثابت هنا هو أن البدوي يبيت النية لهذا القرار منذ اللحظة الأولى...تشير كل الدلائل إلى أنه أخذ قرار إسكات إبراهيم عيسى مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا كنا نتوقع أن يفعل ذلك. بل كان ذلك هو السبب الرئيسي والوحيد لشرائه الجريدة. لنترفع إذن عن التحليلات السخيفة التي لا تفعل أي شيء سوى تبرير القرار بالبحث عن أسباب <<معقوله>> و<<محترمة>> له، ولنبدأ جميعا من الاعتراف بأن البدوي فصل إبراهيم عيسى وطاقمه للتقليل من حدة الجريدة في معارضة النظام...كجزء من مخطط متعدد الخطط والأطراف يهدف لتهدئة الاحتقان في البلد وتسهيل عملية انتقال السلطة بشكل عام (برلمان، رئاسة، إلخ).

الهدف الرئيسي من وراء شراء رجال الوفد الصحيفة هو إغلاق أحد أهم أبواق المعارضة المستقلة في الدعاية ضد النظام وتوريث الحكم، ولهذا السبب يجري تلميع حزب الوفد وقياداته منذ فترة الآن. وذلك إنما يكشف أن السيد البدوي وحزبه لا يختلفان عن جمال مبارك وحزبه.

لكن يبقى السؤال: ماذا ستفعل المعارضة المستقلة تجاه ذلك؟ هل ستسكت على ما يفعله البدوي وحزبه بعد أن أثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من حملة تجفيف أقلام المعارضة المستقلة؟ هل ستظل تتعامل مع حزب الوفد على أنه من المعارضة، وتتعامل مع رئيسه على أنه معارض لامع؟ وهل ستستطيع المعارضة المستقلة فتح مساحات إعلامية وتثقيفية مستقلة في المستقبل؟ أين ستنشر أخبارها وآرائها؟

في كل الأحوال يشير قرار فصل إبراهيم عيسى بهذا الشكل الفج أننا على أعتاب فترة حرجة جدا ستضيق فيها المساحات المفتوحة أمام المعارضة المستقلة (وهي قليلة بالفعل) بشكل خانق وغير مسبوق، وأن التنكيل بالمعارضة المستقلة سيأتي من النظام وبعض مؤسسات المعارضة على حد سواء. إذا نجحوا في ذلك لا سمح الله ستختلف ساحة صنع الرأي العام في البلد بشكل مخيف. إقالة إبراهيم عيسى حدث مخيف ومؤسف جدا، وفيه تهديد مباشر لنا كلنا، ويجب أن نتعامل معه على انه كذلك. ولن يكون الأخير بكل تأكيد، بل هو بداية حملة للتقليل من المساحات القليلة المفتوحة أمام المعارضة، وملاحقة كتابها، صحفي صحفي. وتشمل هذه الحملة توسعة مساحة المعارضة المنضبطة، ولذلك تنوي الحكومة السماح لثلاث صحف جديدة بنشر إصدارا يوميا، وهم: <<الكرنك>>، جريدة هشام قاسم الجديدة (كان قاسم من أهم مؤسسي المصري اليوم)، و<<اليوم السابع>> ولها موقع إنترنت معروف وتنشر جريدة اسبوعية بالفعل، و<<الفجر>> جريدة عادل حمودة الأسبوعية. وهذا يعني أن المرحلة القادمة ستشهد مضاعفة مساحة الصحافة <<المستقلة>> اسما والتضييق على الصحافة المستقلة فعلا.

لا أعلم إلى أين سينتهي إضراب الدستور، وما إذا كان سيفشل أم ينجح في الوصول إلى حل وسط ما. لكن حتى لو نجح في الوصول إلى حل وسط ستظل الخسارة كبيرة لأن هذا سيعني ان طاقم الجريدة سيعمل تحت التهديد المستمر. كما لا أفهم سر شماتة البعض في إبراهيم عيسى والدستور بسبب اختلافهم معه، فعدم تقدير فداحة هذا الحدث هو قمة الغباء السياسي. وأقول لهؤلاء: أنتم اللاحقون أيها البلهاء.