أمريكا تبحث عن أرنب آخر في القبعة

[hzoma.blogspot.com ??????] [hzoma.blogspot.com ??????]

أمريكا تبحث عن أرنب آخر في القبعة

By : Wael Gamal وائل جمال

هل يمكن تفادي دخول العالم في كساد آخر عميق يحول أسوأ كوابيس الرأسمالية العالمية إلى حقيقة؟ هكذا تساءل الاقتصادي الأمريكي الشهير نورييل روبيني في مقاله أمس في جريدة الفاينانشيال تايمز البريطانية العريقة تحت عنوان "المهمة المستحيلة: منع كساد جديد".

يشير روبيني إلى أن ماحدث في الولايات المتحدة على مدى الأسبوعين الماضيين، أي الجدل حول سقف الدين الحكومي الأمريكي ثم تخفيض مؤسسة ستاندارد آند بورز الائتمانية لتقييم اقتصاد الولايات المتحدة، لم يكن فقط إلا القشة التي قصمت ظهر البعير.

صحيح أن هذا التقييم كان دعامة أساسية للرأسمالية العالمية والتوازن الدقيق الذي أقامت حياتها عليه خلال السنوات الماضية، وأن تخفيضه، الذي لم يكن يعتقد أحد أنه ممكن، إذ كان يجعل من الأوراق الحكومية الأمريكية تقريبا بلا مخاطر، له عواقب وخيمة لا شك فيها. لكن الأمر يتجاوز قضية التقييم، وحتى قضية الدين الأمريكي، للاقتصاد الحقيقي الذي كان يوشك في كل الأحوال على دخول كساده الثاني الحاد في أعمق أزمات الرأسمالية منذ الثلاثينيات.

فقد شهد النصف الأول من العام الحالي تراجعا عالميا في النمو وصل لحد الانكماش في بعض الحالات. وكانت المؤشرات الاقتصادية الأمريكية سيئة للغاية في فرص التشغيل الجديدة والانتاج الصناعي والاستهلاك مع تراجع ثقة المستثمرين واستمرار الانقباض في قطاع الاسكان. ونفس الشيء يصدق على أوروبا، التي تواجه خطر افلاس عدة دول بها منها دولتان – إيطاليا وإسبانيا – هما أكبر من أن يتم مساندتهما ماليا، بحسب روبيني. وحتى القوى الصناعية الجديدة، كالصين والبرازيل، ليست في وضع إيجابي بتراجع مؤشرات الانتاج الصناعي العالمي.

الأمر لا يتعلق بالأساس إذن بحماقة عدم الانضباط المالي في أكبر اقتصاد في العالم. صحيح أن الأمريكيين ينفقون أكثر بكثير مما ينتجون ويضطرون للاستدانة مما خلق أكبر عجز في الموازنة الحكومية في تاريخ البلاد، وعجزا تجاريا قياسيا. لكن من قال إنه كان هناك خيار آخر من وجهة نظر أرباح الشركات، المحرك الرئيسي الذي يوشك أن يكون الوحيد في النموذج الاقتصادي الأمريكي، الذي هيمن على السياسة الاقتصادية العالمية في العقود الأخيرة؟

لقد قام الاقتصاد العالمي على معادلة هشة لكنها أخرت هذا الكساد الذي نراه الآن لسنوات. فقد قاومت الولايات المتحدة تراجع قوتها الاقتصادية ومن ثم السياسية بصفقة تحفظ أرباح مؤسساتها الكبرى وقت النمو العالمي  مؤقتا من الأزمة. الصين تنتج وتصدر للمستهلك الأمريكي سلعها الرخيصة، بينما يستدين هو وحكومته لشرائها، بينما تمول الصين الدين الحكومي الأمريكي المتضخم بشراء الأوراق الحكومية الأمريكية، ذات التصنيف السوبر، ويبقى الدولار عملة العالم السوبر. الجميع كان يعرف أن هذا التوازن هش لكنه كان الحل الوحيد لابطاء تدهور معدلات الأرباح في أمريكا وخارجها.

من ناحية أخرى، كان عجز الميزانية الأمريكية المتضخم نتاج سياسة أخرى ذات طابع محلي، سياسة تعبر عن انحيازات سياسية واجتماعية واقتصادية واضحة للشركات الكبرى. فهذا العجز ترافق مع توجهين مرتبطين ببعضهما: أولا، تخفيض الضرائب على الشركات والأغنياء وتخفيض الفائدة من قبل الاحتياطي الفدرالي لتسهيل الاقتراض الاستثماري، مما تسبب في تجفيف موارد الدولة. وثانيا، تخفيض هائل في الانفاق الاجتماعي على الصحة والتعليم وفقراء الأمريكيين. ثم جاءت السياسة الاقتصادية، التي دفعت ثمنا باهظا لحماية مصالح الشركات الكبرى في الخارج بتمويل حربي بتريليونات الدولارات، لتقلب كل المعتقدات الاقتصادية بدعم خرافي للشركات المتداعية بفعل الأزمة المالية وصل لحد التأميم، لتدعم الموازنة الرأسمال الكبير بتريليونات أخرى، بعجز سيكون على المواطنين الأمريكيين سداده من جيوبهم.

في وسط كل هذا الوضع المأساوي، جاء الصراع، الذي هو سياسي في منابعه، بين الجمهوريين والديمقراطيين  حول سقف الدين ليزيد الطين بلة لا أكثر. الصراع سياسي لأن الكونجرس نفسه الذي عليه أن يضع سقفا للدين، كان مقصودا من قانونه في الستينيات أن يتحكم البرلمان في الاقتراض، هو الذي يقرر الانفاق. رفض الجمهوريون رفع سقف الدين الذي طلبه الديمقراطيون دون تخفيض الإنفاق، وكان بالأولى تقليص الانفاق منذ البداية. هذا التنابذ السياسي أعطى انطباعا بأن الصفوف ليست موحدة في مواجهة الكارثة، مما كان دافعا إضافيا لقرار ستاندار آند بورز التاريخي.

الآن على الرأسمالية العالمية مواجهة واقع جديد: دولار أضعف بما لذلك من تداعيات هائلة على التجارة  العالمية وعلى التوازن الهش الأمريكي الصيني. ارتفاع في تكلفة الاقتراض الأمريكي قد تؤدي لمزيد من التباطؤ وضعف القدرتين الحكومية وللقطاع الخاص على تحريك السوق. والحل؟ يقول روبيني إن الرأسمالية العالمية استخرجت كل الأرانب من قبعتها السحرية على مدى 3 أعوام في مواجهة الكساد المر الأول وإنه ربما تنجح إذ وصلت لصيغة "توسع فيها الانفاق الحكومي لتحفيز السوق على المدى القصير ثم تعود لسياسة تقشف على المدى المتوسط". ويتشكك روبيني قائلا: "ربما لم يعد هناك أرانب أخرى".

بل سيكون على الرأسمالية العالمية أيضا أن تواجه الحركة الاجتماعية المتصاعدة من الأغلبية الرافضة تحميلها مرارة الأزمة بعد أن مولت أرباح الكبار على مدى عقود من جيبها. (أنظر إلى اسبانيا واليونان وبريطانيا وحتى أمريكا نفسها في ويسكونسن).

هذا الواقع المرير الذي يمر به الاقتصاد العالمي، يضع تحديات جديدة أمام الاقتصاد المصري الذي يحاول تغيير مساره بعد الثورة. فالان انقطع الطريق أمام أساطير الماضي، التي تحاول شق طريقها مرة أخرى لحاضر ما بعد ثورة العدالة الاجتماعية. الاستثمار الأجنبي المباشر لم يعد بديلا متاحا ناهيك عن كونه حلا سحريا لمشاكلنا الاقتصادية. الوضع الجديد يسدل الستار أيضا على اوهام حزم المساعدات المبالغ فيها بشدة التي أعلن عنها في مؤتمر مجموعة الثمانية في مايو الماضي (بين 20 و40 مليار دولار لم نسمع عنها بعد انتهاء المؤتمر). أما التوجه للتصدير كمحرك للاقتصاد فأعتقد أنه سيكون غير واقعي في هذه الظروف الجديدة.

العالم الجديد يقودنا للبحث عن أرنبنا السحري في قبعة أخرى: تستند على مصالح المواطن المصري المنتج وتتوجه لاحتياجاته وتوسع إمكانياته بتسليحه بالصحة والتعليم والكرامة. تبني نفسها على السوق المحلية الواسعة وتستهدف التنمية. قبعة تمثل مصالح الأغلبية بنظام عادل في الفرص والعوائد. فقد انكشفت ألاعيب الساحر القديم.

* عن جريدة الشروق 

Firing Ibrahim Eissa From Al-Dostour Exposes The Reality Of The Wafd's New President

وأخيرا خلع السيد البدوي برقع الحياء بفصله إبراهيم عيسى وطاقمه من الدستور

 

وحدث ما كنا نتخوف منه ونتوجس حدوثه. فقد أقال بالفعل مجلس إدارة صحيفة الدستور إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الجريدة أمس، ووقع القرار كلامن رئيس مجلس إدارة الجريدة د. السيد البدوي (رجل الأعمال المعروف ورئيس حزب الوفد الذي يتم تلميعه منذ شهور) والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة رضا إدوارد (وهو وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد أيضا). وواجه صحفيو الدستور ذلك القرار على الفور باعتصام مفتوح بمقر الجريدة (بعد ساعات من صدور القرار)، وهو ما يعني دخول الجريدة في أزمة طاحنة لمدة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها. ثم تلى ذلك فصل كل أعضاء سكرتارية التحرير: شادي عيسي ومحمد فوزي، مساعدا رئيس التحرير، وعبدالمنعم محمود سكرتير عام التحرير. وهذا يعني أن ما تعرضت له الجريدة لا يقل عن مجزرة واسعة لاستئصال مراكز ثقل سياسة التحرير القديمة.

لا أظن أن هذا القرار فاجأ أحد، فمنذ أن أشترى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، ومعه مجموعة من رجال الأعمال الوفديين الجريدة من مالكها السابق ونحن نتوجس إزاحة إبراهيم عيسى عن الساحة ليهدئوا بذلك من وتيرة معارضة النظام ومحاربة التوريث التي كانت تنتهجها الدستور تحت قيادته. لكن ما فاجأني أنا شخصيا هو تنفيذهم لمخططهم بهذه السرعة، فكنت أتوقع أن يكونوا أكثر حصافة من ذلك. لكن يبدو أن السيد البدوي لا يبالي بأية حصافة فقرر خلع برقع الحياء بكل بساطة وبسرعة البرق. لماذا لم ينتظر بضعة أشهر قبل أن ينفذ مخططه، وهو ما كان سيكفل له الوقت اللازم للتغطية على أغراضه الحقيقية؟ هل وصلت له تعليمات أمنية بضرورة الاسراع في تنفيذ المخطط؟ هل يريد أن يغلق فم الدستور قبل الانتخابات التي ستشهد تزويرا واسعا للوفد؟ أم أن تحالفاته الجديدة لا تتحمل الحصافة أصلا (فمن المعروف عن رجال الأعمال أنهم يرهقون أنفسهم في تحقيق شيء غير ممكن)؟ 

للأسف ما قيل على صفحات الانترنت من أن سبب فصل إبراهيم عيسى هو اعتراض البدوي علي نشر مقال ما أو وجود خلافات بينه وبين إبراهيم عيسى بشأن المرتبات هو تفسير غير مقنع على الاطلاق، وضار جدا أيضا. فلا يمكن إقالة شخص بوزن إبراهيم عيسى من صحيفة كصحيفة الدستور (تدور كلها حول شخص إبراهيم عيسى) بهذه السهولة على خلفية خلافات عادية كهذه. وعلى الرغم من سخافة هذه تفسيرات نراها للأسف تقنع الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة. الثابت هنا هو أن البدوي يبيت النية لهذا القرار منذ اللحظة الأولى...تشير كل الدلائل إلى أنه أخذ قرار إسكات إبراهيم عيسى مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا كنا نتوقع أن يفعل ذلك. بل كان ذلك هو السبب الرئيسي والوحيد لشرائه الجريدة. لنترفع إذن عن التحليلات السخيفة التي لا تفعل أي شيء سوى تبرير القرار بالبحث عن أسباب <<معقوله>> و<<محترمة>> له، ولنبدأ جميعا من الاعتراف بأن البدوي فصل إبراهيم عيسى وطاقمه للتقليل من حدة الجريدة في معارضة النظام...كجزء من مخطط متعدد الخطط والأطراف يهدف لتهدئة الاحتقان في البلد وتسهيل عملية انتقال السلطة بشكل عام (برلمان، رئاسة، إلخ).

الهدف الرئيسي من وراء شراء رجال الوفد الصحيفة هو إغلاق أحد أهم أبواق المعارضة المستقلة في الدعاية ضد النظام وتوريث الحكم، ولهذا السبب يجري تلميع حزب الوفد وقياداته منذ فترة الآن. وذلك إنما يكشف أن السيد البدوي وحزبه لا يختلفان عن جمال مبارك وحزبه.

لكن يبقى السؤال: ماذا ستفعل المعارضة المستقلة تجاه ذلك؟ هل ستسكت على ما يفعله البدوي وحزبه بعد أن أثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من حملة تجفيف أقلام المعارضة المستقلة؟ هل ستظل تتعامل مع حزب الوفد على أنه من المعارضة، وتتعامل مع رئيسه على أنه معارض لامع؟ وهل ستستطيع المعارضة المستقلة فتح مساحات إعلامية وتثقيفية مستقلة في المستقبل؟ أين ستنشر أخبارها وآرائها؟

في كل الأحوال يشير قرار فصل إبراهيم عيسى بهذا الشكل الفج أننا على أعتاب فترة حرجة جدا ستضيق فيها المساحات المفتوحة أمام المعارضة المستقلة (وهي قليلة بالفعل) بشكل خانق وغير مسبوق، وأن التنكيل بالمعارضة المستقلة سيأتي من النظام وبعض مؤسسات المعارضة على حد سواء. إذا نجحوا في ذلك لا سمح الله ستختلف ساحة صنع الرأي العام في البلد بشكل مخيف. إقالة إبراهيم عيسى حدث مخيف ومؤسف جدا، وفيه تهديد مباشر لنا كلنا، ويجب أن نتعامل معه على انه كذلك. ولن يكون الأخير بكل تأكيد، بل هو بداية حملة للتقليل من المساحات القليلة المفتوحة أمام المعارضة، وملاحقة كتابها، صحفي صحفي. وتشمل هذه الحملة توسعة مساحة المعارضة المنضبطة، ولذلك تنوي الحكومة السماح لثلاث صحف جديدة بنشر إصدارا يوميا، وهم: <<الكرنك>>، جريدة هشام قاسم الجديدة (كان قاسم من أهم مؤسسي المصري اليوم)، و<<اليوم السابع>> ولها موقع إنترنت معروف وتنشر جريدة اسبوعية بالفعل، و<<الفجر>> جريدة عادل حمودة الأسبوعية. وهذا يعني أن المرحلة القادمة ستشهد مضاعفة مساحة الصحافة <<المستقلة>> اسما والتضييق على الصحافة المستقلة فعلا.

لا أعلم إلى أين سينتهي إضراب الدستور، وما إذا كان سيفشل أم ينجح في الوصول إلى حل وسط ما. لكن حتى لو نجح في الوصول إلى حل وسط ستظل الخسارة كبيرة لأن هذا سيعني ان طاقم الجريدة سيعمل تحت التهديد المستمر. كما لا أفهم سر شماتة البعض في إبراهيم عيسى والدستور بسبب اختلافهم معه، فعدم تقدير فداحة هذا الحدث هو قمة الغباء السياسي. وأقول لهؤلاء: أنتم اللاحقون أيها البلهاء.