[الملف التالي عبارة عن سلسلة مقالات نشرتها جريدة الشروق المصرية لمحمد جاد وتعيد جدلية نشرها هنا في ملف واحد، حيث تسلط هذه المقالات الضوء على الميراث الإقتصادي لحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك والدور الذي يلعبه في الثورة المضادة.]
«سياسات العدالة الاجتماعية هى الركيزة الأساسية لرؤية الحزب الوطنى، ومن هذا المنطلق فإن الحزب يتبنى رؤية شاملة لرفع مستوى المعيشة للمواطنين، تتضمن زيادة واضحة فى أجور ومرتبات العاملين بالدولة، ومد شبكات برامج الضمان الاجتماعى والدعم، وغيرهما من نواحى الإنفاق العام التى تمس المواطن المصرى فى حياته اليومية»، ليست تلك الكلمات لأحد مرشحى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، ولكنها كانت لابن الرئيس المخلوع، جمال مبارك، والتى استخدمها ليعبر بها عن الصورة الزائفة التى أراد الحزب الحاكم آنذاك أن يروجها عن مشروعه الاقتصادى، معتمدا على طفرات النمو الاقتصادى التى تحققت فى السنوات التالية لحكومة أحمد نظيف. أما الصورة الحقيقية للتفاوت الاجتماعى الناجمة عن مشروع مبارك الابن فقد عبرت عنها ميادين التحرير الثائرة، لتترك مشهد بناية الحزب المحترق درسا للقوى السياسية الصاعدة، بعدم كفاية الكلام عن العدالة، وحتمية تقديم نموذج اقتصادى بديل. الشروق تطرح أبرز التحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى وموروثة من عهد مبارك، والتى تلعب دور الثورة المضادة فى مقاومة الطموحات الاجتماعية لثورة يناير.
اقتصاد النمو الهش على حساب الفقراء
«فى 2007 كانت البيئة مختلفة، القطاع العقارى كان غير متطور تماما وحدث تحرك سريع جدا لدرجة أنه فى حالات كانت الوحدات تباع كلها فى ربع ساعة»، كانت تلك الكلمات لأحد مسئولى الشركات العقارية الكبرى فى حوار سابق مع صحيفة الشروق، والتى تعبر عن مرحلة طفرة النمو الاقتصادى، الذى اعتمدت عليها المجموعة المقربة من جمال مبارك فى الترويج لمشروعه السياسى. بينما أثبت هذا النمو هشاشته أمام ظروف الأزمة المالية العالمية، وتسببه فى افقار قطاع كبير من المجتمع المصرى، لتترك أحداث الثورة بعد ذلك الاقتصاديين أمام تساؤلات حائرة حول طبيعة النظام الاقتصادى الجديد الذى يحقق نموا على أسس قوية وعادلة.
«طفرة النمو التى تحققت من عام 2004 إلى 2008 جاءت مدفوعة بالإجراءات التحررية التى أُطلقت آنذاك من تحرير سعر صرف الجنيه وعمليات الخصخصة الواسعة، فقد كان الاقتصاد مقيدا لفترة طويلة ومن الطبيعى عند إطلاقه أن يقفز بقوة»، تقول محللة الاقتصاد الكلى ريهام الدسوقى.
وبينما كانت بيانات النمو الاقتصادى تثير التفاؤل، بصعود معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى معدلات تصل إلى 7%، كانت الإحصائيات المعبرة عن الوضع الاجتماعى لا تحقق نفس التطور. فموجة الدعاية الإعلانية التى صاحبت تلك الفترة عن العقارات الفارهة والهايبر مول والأجهزة التكنولوجية المتطورة وغيرها، أعطت انطباعا خاطئا عن تحسن مستوى الرفاهة فى المجتمع، بينما كان الواقع أن هذا الرواج التجارى كان يحدث على قمة الهرم الاجتماعى فقط، حيث كان أفقر 20% من السكان يستهلكون 9.3% من إجمالى كل ما يستهلكه المصريون فى عام 2008/2009، فى نفس الوقت الذى استهلك فيه أغنى20% من السكان ما يمثل 40.2% من إجمالى الاستهلاك فى نفس العام.
كما أن النمو الاقتصادى لم يقترن بآليات للتوزيع العادل للدخل، فإحدى دراسات البنك الدولى ذكرت أن النمو المرتفع الذى تحقق فى عهد نظيف، كان من الممكن أن يساهم فى خفض معدل الفقر فى مصر بنسبة 30%. «لقد كنا ننبه آنذاك بضرورة الدخول فى المرحلة الثانية من الإصلاح الاقتصادى، بتقديم إصلاحات اجتماعية كإعادة هيكلة الدعم، وكذلك اصلاحات لتحقيق نمو أكثر اعتمادا على الاستهلاك المحلى وأقل عرضة للتذبذب مع الأزمات كإصلاح أسواق التجارة الداخلية، ولكن هذه الإجراءات تأخر تنفيذها »، تضيف الدسوقى.
الدولة أعلنت الحريات النقابية.. فواجهها أصحاب العمل بالبلطجة
[إحتجاجات عمالية عام 2009 المصدر موقع نافذة دمياط]
بالرغم من أن الحركة العمالية تتطور بسرعة كبيرة بعد الثورة، إلا أن قطاعا من مجتمع الأعمال لا يزال يتعامل معها بعقلية النظام القديم، فبعد أن تراجعت التدخلات الأمنية عن قمع الاحتجاجات العمالية بعد الثورة، اتجه بعض من أصحاب العمل إلى استئجار «البلطجية» للتعامل مع العمال فضلا عن الاتجاه إلى معاقبة القيادات العمالية التى أسست نقابات حديثة بعد الثورة بالفصل التعسفى، وفقا لما ترصده التقارير الحقوقية.
«التجربة النقابية فى تطور مستمر، فالاتحادات النقابية فى المدن الصناعية بدأت تشكل قوة احتجاج جماعية جديدة كالتجربة الاخيرة لاحتجاجات خمسة مصانع فى مدينة السادات» تقول داليا موسى، الباحثة بالمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن بعض رجال الاعمال لم يدركوا التحول الاجتماعى الكبير ولا يزالون فى حالة رفض تام لفكرة انشاء نقابات فى مصانعهم، الأمر الذى تسبب فى ممارسات تعسفية.
كل تلك التجاوزات تحدث فى ظل غياب القانون، وبينما يبرر بعض أصحاب العمل تجاوزاتهم ضد العمال بممارسات العاملين غير القانونية، كاحتجاز الإداريين وقطع الطرق، فإن العمال يعانون تأخر صدور قانون الحريات النقابية، الذى يفترض أن يوفر الحماية القانونية للنقابيين الجدد. وذلك بالرغم من إسراع الحكومة فى إعلان مبدئى لحرية العمال تأسيس النقابات خارج اطار اتحاد العمال الرسمى فى مارس الماضى، الا أن قانون الحريات تأخر فى أروقة الحكومة، حتى صدق عليه مجلس الوزراء الشهر الماضى، ومازال فى انتظار موافقة المجلس العسكرى.
(20 : 80).. المعادلة التى تحرم صغار المستثمرين من القروض
20% من عملاء البنوك يحصلون على 80% من رءوس أموالها، تلك هى المعادلة اللصيقة بالقطاع المصرفى فى مصر، التى استفاد منها عدد محدود من كبار رجال الأعمال، وحالت دون اتجاه قروض البنوك إلى القطاع الأكبر من مجتمع الأعمال، بالرغم من الحديث المتكرر فى المؤتمرات المصرفية عن ضرورة تنمية قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة.
«كان من المعتاد وقت النظام السابق قبل عقد مؤتمر الحزب الوطنى السنوى سماع تصريحات من القيادات المصرفية عن اهتمامهم بالمشروعات الصغيرة، ولكن ظل التمويل الموجه لها محدود للغاية ولا يزال الوضع على ما هو عليه بعد الثورة»، يقول الخبير المصرفى أحمد أدم.
كان النظام السابق قد أسس الصندوق الاجتماعى للتنمية فى مطلع التسعينيات، بالتزامن مع تطبيق برنامج قاسٍ للتحرير الاقتصادى لتطبيق الالتزامات المصرية تجاه الدائنين الدوليين، فيما عرف بسياسات التكيف الهيكلى.
وعلى الرغم من تركيز الدعاية الحكومية على مدى العقدين الماضيين على ضرورة اعتماد الشباب على انشاء مشروعات الخاصة، الا أن ارتفاع تكاليف القروض الصغيرة من البنوك والصندوق الاجتماعى إلى جانب فشل العديد من المشروعات الصغيرة فى سياساتها التسويقية بسبب قلة الخبرة حالا دون تحقيق نجاح بارز فى هذا المجال يوازى الخسائر الاجتماعية التى ترتبت على سياسات التحرر الاقتصادى.
فمن كل مئة مشروع متناهى الصغر ينجح عشرة فقط فى الحصول على التمويل، وتركز 95% من البنوك فى مصر على الائتمان الكبير، تبعا لتقديرات الخبراء، «لقد واجهت البنوك أزمة كبيرة فى العثور على عملاء جديرين بالاقراض بعد سقوط العديد من كبار العملاء فى أزمة نواب القروض الشهيرة، وبالرغم من ذلك ازداد تركز القروض لدى الكبار ولم يحدث توسع على مستوى صغار رجال الأعمال»، كما يضيف أدم.
ويوضح الخبير المصرفى أن عدم توسع البنوك فى تمويل الكيانات الصغيرة يرجع إلى عدة عوامل، منها نقص الخبرة الكبيرة فى مؤسسات القطاع الخاص وعدم توفير المساندة الكافية لها كى تكون جديرة بالائتمان، بالإضافة إلى اتجاه نسبة كبيرة من البنوك المخصخصة إلى التركيز على القروض الاستهلاكية لتحقيق ارباح سريعة بهدف تغطية عجز المخصصات الكبير لديها الذى كان موروثا من البنوك المشتراة.
وإلى جانب قروض كبار العملاء، استحوذت الديون الحكومية على نسبة كبيرة من سيولة البنوك العامة «اذا استمررنا على هذا الوضع سنظل فى دائرة مغلقة، حيث تمول البنوك الديون الحكومية لتغطية العجز، دون أن تساهم السيولة المصرفية فى تحقيق التنمية».
ويعتبر تركز القروض من العيوب التى أوقعت بنك القاهرة فى براثن التعثر، قبل تجهيز الحكومة لصفقة بيعه التى تم إيقافها، فقد استحوذ 26 عميلا على نحو 60% من قروضه، منهم 14عميلا فقط وصلت مديونياتهم إلى 13 مليار جنيه، وهو ما جعل معظمهم إما متعثر أو هارب.
ويرى أدم أن تعديل قانون البنوك بالسماح للمصارف لتملك المشروعات سيساهم بدرجة كبيرة فى توجيه سيولتها الى استثمارات أكثر تنوعا «اعتقد أن البنوك هى الاقدر على إجراء دراسات الجدوى والتسويق للمشروعات، لذا فدخولها كمستثمر هو الذى سيحل مشكلة نقص الخبرة فى القطاع الخاص»، هذا بجانب تقديم الحكومة اشكالا اكبر من المساندة لبنك ناصر فى تقديم القروض الصغيرة، «هذه هى الوظيفة الاساسية للبنك خاصة أن لديه العديد من الفروع المنتشرة على مستوى الجمهورية».
رمسيس: الإسلاميون والليبراليون لا يعبرون عن الأحلام الاجتماعية للثورة
بالرغم مما تشهده الحياة السياسية حاليا من صراع قوى بين التيارين الاسلامى والليبرالى، إلا أن المفكرة الاقتصادية، نادية رمسيس، ترى أن الرؤية الاقتصادية للتيارين بعيدة عن تطلعات الجماهير الثائرة، وأن التيار السياسى المعبر عن المطالب الاجتماعية فى المجتمع لم يبزغ بعد.
«لدينا قوى ليبرالية تقول إنها تريد مكافحة الفقر، بينما تتبنى فكرا يمنح الامتيازات الكبيرة لمجتمع الاعمال وتعيد انتاج نظرية تساقط ثمار النمو الاقتصادى التى أثبتت فشلها، وفى المقابل تتبنى العديد من التيارات الاسلامية رؤية جامدة للتراث الدينى بحيث تقصر فكرتها عن العدالة الاجتماعية فى الزكاة والبر وليس اعادة توزيع الدخل»، تقول أستاذة الاقتصاد السياسى بالجامعة الأمريكية، مشيرة إلى أن رضا القوى العالمية عن التشكيلة السياسية الظاهرة فى الساحة المصرية الآن يعطى مؤشرا على مدى تبنى تلك التيارات لمنهج الليبرالية الاقتصادية الجديدة، الذى كان مسئولا عن إطلاق الثورة.
وترى رمسيس أن الدخول القوى للتيار الدينى فى العمل السياسى بما يحمله من رؤية جامدة للتراث الدينى قد يساهم فى تعميق النشاط التجارى على حساب النشاط الصناعى الذى كان يعانى أصلا من التراجع منذ انتهاء الحقبة الناصرية، «يتأثرون بالتراث الاسلامى الذى يشجع على ممارسات التجارة، متجاهلين أن شكل الحياة الاقتصادية فى الماضى كان مختلفا تماما عن الوضع الذى نعيشه الآن، لذا فأنا أتوقع أن يساهم صعود التيار الدينى فى صعود طبقة جديدة من رجال الأعمال تركز على النشاط التجارى أو ما يمكن تسميته بالمركانتلية البازغة».
وترى رمسيس أن النخبة الحاكمة حاليا ونسبة كبيرة من مجتمع الاعمال ليست بعيدة هى الأخرى عن فكر النيوليبرالية الجديدة الذى عانى منه المجتمع وساهم فى إشعال الثورة «النخبة الحاكمة تعتبر أن إجراءات عادلة مثل الحد الأدنى للأجور والضرائب التصاعدية من السياسات الاشتراكية، لذا تقاومها بشدة».
وفى المقابل تعتبر رمسيس أن عدم تشكل القوى السياسية التى تدافع عن الاهداف الاجتماعية للثورة، يرجع إلى اهتمام شرائح كبيرة من الشباب الثائر بالتغيير السياسى، كالجدل حول تشكيل الحكومة أو المجلس الرئاسى، دون مساندة الاحتجاجات الاجتماعية القائمة فى مواقع عدة كالمواقع العمالية، «يجب أن تتكتل القطاعات الواسعة فى المجتمع لمساندة المطالب الاقتصادية العادلة، وألا يقصر الناشطين الشبان اهتمامهم على العمل السياسى فالتغيير سيأتى من أسفل وليس عن طريق تغيير الحكومات فقط».
الضرائب لا تزال تخدم الأغنياء فقط
كانت زيادة الضريبة على الدخل وتطبيق ضريبة أرباح رأسمالية على توزيعات الشركات، الاصطلاحين الماليين اللذين اختارت الحكومة السابقة تطبيقهما لإرضاء الرأى العام الثائر على سياسات النظام السابق المنحازة للشرائح الثرية. وبالرغم من أن صندوق النقد الدولى المعروف بانحيازه للسياسات الليبرالية أثنى على تلك الحزمة المالية واعتبرها تعديلا مهما لتحقيق العدالة، الا أن قطاعا من مجتمع الأعمال مارس ضغوطا على تلك الإصلاحات حتى أجبر الحكومة على سحب ضريبة الارباح الرأسمالية، ولاحقت ضريبة الدخل انتقادات عدة، بسبب حالة التباطؤ الاقتصادى بعد الثورة، حتى استطاعت الحكومة أن تمرر زيادة متواضعة على الشرائح الأكثر ثراء من 20% الى 25%، وصدرت تصريحات حكومية أخيرة بإمكانية تأجيل تطبيقها. «الشركات لم تتوقف عن الربح بعد الثورة حتى نبرر بذلك تأجيل الضرائب التصاعدية، ولكننا كنا فى حاجة الى ضرائب تراعى مستويات الربح فى كل قطاع، بحيث تتدرج الضريبة بين القطاعات المختلفة بما يتراوح بين 23% و27% وبحد أقصى 30%» برأى الخبير المالى والضريبى هانى الحسينى، مشيرا الى أن تطبيق تلك الشرائح التصاعدية سيوفر للدولة ايرادات اضافية تتراوح بين 10 مليارات الى 15 مليار جنيه.
وبالرغم من أن قانون الضرائب العقارية كان من السياسات المالية القليلة التى تبناها وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى ووصفها الخبراء بالعدالة، لتخضيعها عقارات فاخرة كعقارات الساحل الشمالى للضرائب، فإن القانون تعطل تطبيقه بعد الثورة.الا أن المجلس العسكرى أجله الى 2013.
ويرجح الحسينى أن مقاومة الفئات مرتفعة الدخل للقانون لعبت دورا رئيسيا فى تأجيله، معتبرا أنه «لا نحتاج فقط الى ضريبة عقارية، ولكن إلى ضريبة ثورية على الأرباح الاستثنائية التى تحققت من نشاط تسقيع الاراضى والمضاربة العقارية التى تحققت خلال العقد الماضى وساهمت فى تكوين ثروات كبيرة دون أن تساهم فى خلق قيمة مضافة للاقتصاد».
ضريبة المبيعات أيضا لم يطلها تغيير بعد الثورة بالرغم من أنها كانت من أكثر ضرائب المكروهة فى عهد النظام السابق نظرا لتحميل الشركات أعباءها على المواطنين «يجب إعادة النظر بشكل شامل فى تلك الضريبة بحيث تتركز أعباؤها على السلع الكمالية للشرائح العليا من الدخل كالسيارات الفاخرة، وفى نفس الوقت تطبق الدولة سياسات شاملة لتطوير خدمات كالنقل العام».
لا مساس بسياسة مبارك فى الدعم
[المصدر مدونة هاني سعيد]
قبل الثورة قال 87% من المواطنين، للمركز القومى للبحوث الاجتماعية، إن السلع المدعومة لا تكفيهم، وبعد الثورة لم يتغير نظام الدعم فى مصر بالرغم من هتاف الآلاف فى ميدان التحرير بـ«العيش» منذ اندلاع الثورة. «ليس معقولا أن تظل سياسات الدعم تدار بنفس العقلية التقليدية بعد ثورة يناير، وألا يرى المواطنون سياسات عاجلة تخفف عنهم المصاعب المعيشية»، تقول هانيا الشلقامى، أستاذة العلوم الاجتماعية بالجامعة الأمريكية، معتبرة أن هناك «حاجة ملحة لبرامج عاجلة لا تقتصر فقط على تحسين كفاءة نظام الدعم القائم باستهداف المستحقين على نحو أدق، ولكننا فى حاجة إلى رؤية اجتماعية شاملة توفر الحد الأدنى من الدخل لكل أسرة بما يضمن لها حياة كريمة، وإعانة بطالة للمتعطلين». كان النظام السابق يتبنى حزمة من السياسات الاجتماعية كمعاش الضمان الاجتماعى وسياسات دعم الكهرباء والبوتاجاز، إلا أن دعم السلع التموينية ظل أحد أبرز أشكال الدعم التى تستحوذ على اهتمام المواطن، خاصة فى ظل اتساع الفجوة بين مستويات الاجور والمعاشات وأسعار السلع، وكان هذا الدعم ضريبة يدفعها النظام السابق لضمان وجود حد أدنى من الرضا الشعبى عن سياساته التحررية. «نظام الدعم القائم يمثل اهدارا للموارد لأنه انفاق بلا هدف، حيث يجب أن يستهدف نظام الدعم مساعدة المواطنين على الارتقاء بدخولهم وليس فقط مساندتهم بشكل مؤقت» كما ترى الشلقامى. مشيرة إلى أن «استثمار الدولة فى مجال الحماية الاجتماعية يعتبر من أقل المجالات عبئا فى التكلفة بينما يكون عائدها التنموى والسياسى كبيرا للغاية»، معتبرة أنه حتى الآن لم تدرج قضية الحماية الاجتماعية ضمن سياساتنا الاقتصادية والمالية.
النجار: البيروقراطية الفاسدة ورأسمالية الخبطة.. عقبات فى طريق الثورة
[المصدر موقع الاهرام]
خلق جيل جديد من رجال الأعمال، هو الحل فى رأى الخبير الاقتصادى، أحمد سيد النجار، لكى تكون الرأسمالية المصرية متماشية مع أهداف الثورة التى شاركت فيها وأيدتها القاعدة العريضة من المجتمع، حيث يرى رئيس وحدة البحوث الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن نسبة كبيرة من مجتمع الأعمال القائم نشأ بالتعاون مع طبقة فاسدة داخل بيروقراطية الدولة، وكلاهما يمثل حجر عثرة أمام الإصلاحات الاقتصادية المطروحة فى ميادين الثورة. «لدينا طبقة من البيروقراطية الإدارية والسياسية تتعامل مع أصول الدولة على أنها ملكية خاصة، ومجتمع أعمال شكلت النسبة الكبرى منه ثروتها من خلال الاقتصاد الأسود، كتجارة المخدرات وغسل الأموال، لذلك يمارس أعماله من منطلق ثقافة «الخبطة»، هذا بجانب من نسميهم «عيال الدولة» والمتمثلين فى رجال الأعمال الذين يصنعهم النظام لكى يكونوا مجرد واجهة له، بينما يشارك رجال النظام الحاكم بنسبة كبيرة فى ملكية أعمالهم». ليس من قبيل المبالغة اعتبار النظام السابق مساهما فى صناعة طبقة من الرأسماليين، من خلال الامتيازات الضخمة التى منحها لهم، «أحد كبار مصنعى الملابس فى مصر والذى كان مقربا من النظام حصل على دعم صادرات بقيمة 48 مليون جنيه فى عام 2010 فقط، بالرغم من أن صادراته الى الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية من خلال اتفاقية الكويز، بينما لا تحصل شركة مثل غزل المحلة على دعم مماثل».
فيما تمثل الرأسمالية التقليدية نسبة غير كبيرة من مجتمع الأعمال برأى النجار «هناك نماذج مثل محمود العربى مؤسس مجموعة توشيبا، وهى نماذج للرأسمالية التى تبدأ بالورشة وتراكم ثرواتها تدريجيا، ولكن أعتقد أنه نموذج نادر فى مصر». لذا يرى النجار أن قطاعا كبيرا من الرأسمالية المصرية، التى تكونت فى ظل الظروف السيئة التى سلف ذكرها، لن يحقق التنمية الاقتصادية التى تتطلع لها الثورة، بل ستقاوم إصلاحات مطلوبة مثل الحريات النقابية والضرائب التصاعدية، ومن هذا المنطلق يرى النجار ضرورة أن تقوم الدولة بإنشاء حضانات للاستثمارات الصغيرة فى مختلف المحافظات تقدم لها تمويلا لا تزيد الفائدة عليه على 1.5% إلى 2%، وتستطيع الإنفاق عليه من الوفورات التى تحققها من إعادة هيكلة سياساتها المالية فى مجالات كدعم الطاقة والصناديق الخاصة. كما يجب أن تدخل الدولة بشكل مباشر كمستثمر فى ظل انخفاض معدل الاستثمار إلى 15.2% من الناتج الإجمالى «علينا ألا نقلق من فكرة عودة القطاع العام، ففى ظل تداول السلطة الديمقراطى ستتوافر الآليات الشفافة للمراقبة على استثمارات الدولة».