الاستفتاء على الدستور السوري: النظام الفردي كما هو

[ANP/AFP,???? ???? ???? ????? ?????? ???????? ?????? ?????? ??????? ?? ????? ??????? ??????I] [ANP/AFP,???? ???? ???? ????? ?????? ???????? ?????? ?????? ??????? ?? ????? ??????? ??????I]

الاستفتاء على الدستور السوري: النظام الفردي كما هو

By : Fawwaz Traboulsi فواز طرابلسي

14مليوناً و 600 الف من السوريين والسوريات مطالبون بأن يقرأوا ويناقشوا مشروع دستور من دزينة من الصفحات قبل أن يستفتوا بقبوله أو رفضه في غضون اسبوعين لا أكثر. للاستحقاق وجهان: امتحان نسبة المشاركين في الاستفتاء، واختتام مسيرة «الإصلاحات»، على اعتبار ان الدستور المقترح هو أم التشريعات وصيغة التعاقد «الجديد» بين الحكام - والأحرى الحاكم الفرد - والمحكومين.

إن نظرة مدقّقة لمواد الدستور الصادر بمرسوم جمهوري في الخامس عشر من هذا الشهر لا تبشّر بأكثر من دعوة للاستفتاء على إبقاء النظام كما هو او يكاد.

إذا استثنينا الرطانة الحضارية والحداثية في المقدمة، بما تحمله من «الاعتزاز بالانتماء العربي» وبموقع سوريا الاقليمي ومخاطر الامبريالية والصهيونية، يلاحظ القارئ ثلاثة امور نافرة:

- اولاً، نقل مهمة «تحقيق الوحدة العربية الشاملة» من المادة الاولى من الدستور الى مقدّمته لسبب خفي تفسيره على كاتب هذه السطور.

- ثانياً، خلو المقدمة من أية اشارة للجولان المحتل ومهمة تحريره من ضمن المهمات الوطنية والقومية التي تضطلع بها سوريا بما هي «قلب العروبة النابض وجبهة المواجهة مع العدو الصهيوني والحامل الأساسي للمقاومة ضد الهيمنة الاستعمارية على الوطن العربي ومقدراته وثرواته» (المقدمة).

- وثالثاً، لا يتوقع لمثل هذا التعريف الانتمائي العربي الصرف لسوريا أن يساهم بشيء في تعاطي النظام مع الجماعات السورية غير العربية، الذين لا يقدّم لها الدستور غير كفالة «التنوع الثقافي» (المادة 9).

على عكس ما تبرّع البعض إعلامياً بالحديث عن إسقاط العلمانية من الدستور، ينبغي التذكير بأن المفردة لم ترد في دستور العام 1973أصلاً. والفقرتان من المادة 3 اللتان تعلنان أن دِين رئيس الجمهورية هو الإسلام وأن «الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع» لم يطرأ عليهما اي تعديل. الجديد هو إضافة فقرة تنص على ان «الاحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية». هل يعني ذلك غير ان البلد الشقيق قد انضم الى النادي اللبناني من حيث طائفية أحواله الشخصية؟ فكم نظام احوال شخصية سوف تفرّخ سوريا؟

حسناً فعل المشرّع بإزالة اية اشارة للاشتراكية في تعريف هوية الدولة والنظام (المادة الاولى) وفي البند الثقافي (المادة 23 عن الثقافة القومية الاشتراكية). ومع إسقاط الاشتراكية يسقط مبدأ المساواة (المادة 19). والنظام لم يكن له من الاشتراكية حتى الاسم. ولكن ثمة بقايا الممانعة... في الاقتصاد. لا يتبنى الدستور الاقتصاد الحر، لكنه يؤسس الاقتصاد على التخطيط والتنمية الشاملة المستدامة والمتوازنة. ويدخِل فوق ذلك تعديلات معبّرة على اشكال الملكية إذ يختصر اشكال الملكية الثلاثة لدستور1973- ملكية الشعب والملكية الجماعية والملكية الفردية - بصيغة ملتبسة هي «الملكية الخاصة من جماعية وفردية».

التعددية السياسية تمارسها أحزاب «مرخّصة». كيف لا؟ علماً ان الدستور يمنع تأسيس احزاب على اساس «ديني او طائفي او قبلي او مناطقي او فئوي او مهني او بناء على التفرقة بسبب الجنس او الاصل او العرق او اللون». من يتولى فحص منسوب كل هذه العناصر في طالبي الترخيص والتأكد من خلوّهم من آفات «التفرقة»؟ الجواب في قانون الأحزاب الجديد: لجنة برئاسة وزير الداخلية يعيّنها رئيس الدولة! ويتساءل المرء إزاء هذا اللائحة الطويلة من المحرّمات: هل هي اكثر من لائحة اعذار لرفض اي حزب يراد رفض الترخيص له؟ فهل احزاب «الجبهة الوطنية التقدمية» التي اعتبرت مرخصة حكمًا، منذ صدور قانون الاحزاب، تتوافر فيها حقاً كل هذه الشروط؟ اضف الى ذلك ان بعض ما ورد في الدستور متناقض مع قانون الانتخاب الذي لا يزال قائماً على اساس التوزيع المهني للمرشحين بين عمال وفلاحين ومستقلين.

لن ننسى إلغاء المادة الثامنة. يبقى السؤال عن مفاعليها. كان الدور القائد لحزب البعث يتضمن احتكاره العمل الحزبي في المؤسسة العسكرية وبين الطلاب. هل يعني إلغاء المادة العتيدة فتح باب العمل السياسي والحزبي في هذين القطاعين؟

بيت القصيد هو طبعاً صلاحيات رئيس الجمهورية. حتى لا يضحك علينا أحد بأن المشكلة في الدستور والنظام السياسي كامنة في حكم الحزب الواحد: الدستور السوري، القديم والمقترح، يكرّس نظاماً سياسياً قائماً على حكم الفرد من خلال الصلاحيات الاستثنائية شبه المطلقة لرئيس الجمهورية. لنقل فوراً إن التعديل الوحيد هنا هو ان الانتخابات الرئاسية باتت تنافسية بشروط وان الدستور الحالي يسمح للرئيس الاسد برئاسة تمتد الى 16 سنة اضافية. والطريف أن المشرّع نسي أن يعدّل سنّ الترشيح لرئاسة الدولة فبقي على حاله حسب آخر تعديل أتاح لبشار الاسد في الرابعة والثلاثين من عمره أن يترشّح لخلافة ابيه في العام 2000.

الشعب ينتخب نوابه لمجلس الشعب لكن رئيس الجمهورية هو الذي «يدعوهم الى الاجتماع» بواسطة مرسوم رئاسي، ما يؤكّد انهم لا يصيرون نواباً للشعب الا بمصادقة السلطة الرئاسية التي يُراد لها ان توازي السيادة الشعبية (المادة 60).

ورئيس الجمهورية هو رأس السلطة التنفيذية والتشريعية. الغموض في كيفية تشكيل الوزارة يفيد أنه يعيّن الوزارة ويقيلها فرداً ومجموعاً، مع ان مجلس الشعب زيدت صلاحياته من حجب الثقة عن الوزراء الافراد الى حجب الثقة عن الوزارة برمّتها. عدا عن ذلك، يمارس الرئيس سلطاته التنفيذية في علاقة مباشرة مع الوزراء الأفراد، ويجمع مجلس الوزراء برئاسته، ويطالب الوزراء بتقارير عن نشاطهم، ما يعني انهم مسؤولون تجاهه، فيما يتولى رئيس الوزراء «الاشراف» عليهم (المادة 98). من جهة ثانية، لا يكتفي الرئيس بإصدار القوانين التي يقرّها مجلس الشعب، ولا مجرد اقتراح قوانين على مجلس الشعب، انه يملك سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب وخلالها «اذا دعت الضرورة» ولا يستطيع مجلس الشعب إلغاء القوانين التي يصدرها الرئيس الا بثلثي أعضائه، وللرئيس الى ذلك الحق في استفتاء الشعب (المادة 112) وفي تجميد عمل مؤسسات الدولة «في حال خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية» (المادة 113).

وحتى لا يطول الشرح، للرئيس الحق في حلّ مجلس الشعب (المادة 117). وهو، فوق هذا كله، ليس مسؤولاً عن «الأعمال التي يقوم بها مباشرة» الا في حال الخيانة العظمى. وهذا يعني أن الرئيس ليس مسؤولاً عن الاعمال غير المباشرة التي يقوم بها من هم تحت إمرته بما هو الآمر الناهي في السلطتين التشريعية والتنفيذية وتتويجاً القائد العام للقوات المسلحة والأمنية. ولعل هذا ما يفسّر التصريح الشهير للصحيفة الاميركية بأنه ليس مسؤولاً عن اعمال قواته المسلحة!

هذه قراءة في الدستور السوري المقترح على الاستفتاء، والمفترض أنه يشكل تجسيداً وتتويجاً لـ«الإصلاحات» التي يدعو النظام الشعب السوري أن يوافق عليها لمعالجة أزمة دموية مستمرة منذ ما يزيد عن سنة، اندلعت الاحتجاجات فيها مؤخراً في عقر دار النظام وعاصمتيه السياسية والاقتصادية، وهي أزمة يصفها رئيس الدولة نفسه بأنها تهدّد بتقسيم سوريا.

هل من حاجة لمزيد؟

بلى. كيف يمكن تصوّر «الحوار» الذي يدعو إليه الراعي الروسي والصيني، وقد صدرت نتائج الحوار سلفاً؟

[عن جريدة ”السفير“ اللبنانية]

 

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • حروب الردة أو اغتيال المستقبل

       حروب الردة أو اغتيال المستقبل
       ما من شك في أن المنطقة شهدت في الآونة الاخيرة تقدماً لافتاً لقوى الردّة المضادة للثورات، وهي ليست «ثورات مضادة»، حسب التعبير الدارج، لأن لا شيء فيها من التغيير أو الثورة، إنما هي ردة ضد هذا وتل
    • نقاش نقدي لتطبيقات النموذج الجنوب إفريقي على فلسطين

      نقاش نقدي لتطبيقات النموذج الجنوب إفريقي على فلسطين
      أود في هذه المقالة التعرض بالنقاش النقدي لاستخدامات النموذج الجنوب إفريقي لتفسير القضية الفلسطينية وتخيّل الحلول التطبيقية المناسبة لها. تنطلق معظم التطبيقات الفلسطينية من رفض حلّ الدولتين للنزاع الف
    • مَن يُحاسِب؟ ومَن يُحاسِب مَن؟

      مَن يُحاسِب؟ ومَن يُحاسِب مَن؟
      لأول مرة في تاريخ العالم العربي الحديث نجحت انتفاضات شعبية سلمية في إطلاق مسارات أفضت إلى تنحي أربعة رؤساء دولة عن الحكم. ولأول مرة في التاريخ ذاته، أحيل هؤلاء الرؤساء إلى المحاكمة، وجاهياً أو غ

Firing Ibrahim Eissa From Al-Dostour Exposes The Reality Of The Wafd's New President

وأخيرا خلع السيد البدوي برقع الحياء بفصله إبراهيم عيسى وطاقمه من الدستور

 

وحدث ما كنا نتخوف منه ونتوجس حدوثه. فقد أقال بالفعل مجلس إدارة صحيفة الدستور إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الجريدة أمس، ووقع القرار كلامن رئيس مجلس إدارة الجريدة د. السيد البدوي (رجل الأعمال المعروف ورئيس حزب الوفد الذي يتم تلميعه منذ شهور) والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة رضا إدوارد (وهو وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد أيضا). وواجه صحفيو الدستور ذلك القرار على الفور باعتصام مفتوح بمقر الجريدة (بعد ساعات من صدور القرار)، وهو ما يعني دخول الجريدة في أزمة طاحنة لمدة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها. ثم تلى ذلك فصل كل أعضاء سكرتارية التحرير: شادي عيسي ومحمد فوزي، مساعدا رئيس التحرير، وعبدالمنعم محمود سكرتير عام التحرير. وهذا يعني أن ما تعرضت له الجريدة لا يقل عن مجزرة واسعة لاستئصال مراكز ثقل سياسة التحرير القديمة.

لا أظن أن هذا القرار فاجأ أحد، فمنذ أن أشترى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، ومعه مجموعة من رجال الأعمال الوفديين الجريدة من مالكها السابق ونحن نتوجس إزاحة إبراهيم عيسى عن الساحة ليهدئوا بذلك من وتيرة معارضة النظام ومحاربة التوريث التي كانت تنتهجها الدستور تحت قيادته. لكن ما فاجأني أنا شخصيا هو تنفيذهم لمخططهم بهذه السرعة، فكنت أتوقع أن يكونوا أكثر حصافة من ذلك. لكن يبدو أن السيد البدوي لا يبالي بأية حصافة فقرر خلع برقع الحياء بكل بساطة وبسرعة البرق. لماذا لم ينتظر بضعة أشهر قبل أن ينفذ مخططه، وهو ما كان سيكفل له الوقت اللازم للتغطية على أغراضه الحقيقية؟ هل وصلت له تعليمات أمنية بضرورة الاسراع في تنفيذ المخطط؟ هل يريد أن يغلق فم الدستور قبل الانتخابات التي ستشهد تزويرا واسعا للوفد؟ أم أن تحالفاته الجديدة لا تتحمل الحصافة أصلا (فمن المعروف عن رجال الأعمال أنهم يرهقون أنفسهم في تحقيق شيء غير ممكن)؟ 

للأسف ما قيل على صفحات الانترنت من أن سبب فصل إبراهيم عيسى هو اعتراض البدوي علي نشر مقال ما أو وجود خلافات بينه وبين إبراهيم عيسى بشأن المرتبات هو تفسير غير مقنع على الاطلاق، وضار جدا أيضا. فلا يمكن إقالة شخص بوزن إبراهيم عيسى من صحيفة كصحيفة الدستور (تدور كلها حول شخص إبراهيم عيسى) بهذه السهولة على خلفية خلافات عادية كهذه. وعلى الرغم من سخافة هذه تفسيرات نراها للأسف تقنع الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة. الثابت هنا هو أن البدوي يبيت النية لهذا القرار منذ اللحظة الأولى...تشير كل الدلائل إلى أنه أخذ قرار إسكات إبراهيم عيسى مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا كنا نتوقع أن يفعل ذلك. بل كان ذلك هو السبب الرئيسي والوحيد لشرائه الجريدة. لنترفع إذن عن التحليلات السخيفة التي لا تفعل أي شيء سوى تبرير القرار بالبحث عن أسباب <<معقوله>> و<<محترمة>> له، ولنبدأ جميعا من الاعتراف بأن البدوي فصل إبراهيم عيسى وطاقمه للتقليل من حدة الجريدة في معارضة النظام...كجزء من مخطط متعدد الخطط والأطراف يهدف لتهدئة الاحتقان في البلد وتسهيل عملية انتقال السلطة بشكل عام (برلمان، رئاسة، إلخ).

الهدف الرئيسي من وراء شراء رجال الوفد الصحيفة هو إغلاق أحد أهم أبواق المعارضة المستقلة في الدعاية ضد النظام وتوريث الحكم، ولهذا السبب يجري تلميع حزب الوفد وقياداته منذ فترة الآن. وذلك إنما يكشف أن السيد البدوي وحزبه لا يختلفان عن جمال مبارك وحزبه.

لكن يبقى السؤال: ماذا ستفعل المعارضة المستقلة تجاه ذلك؟ هل ستسكت على ما يفعله البدوي وحزبه بعد أن أثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من حملة تجفيف أقلام المعارضة المستقلة؟ هل ستظل تتعامل مع حزب الوفد على أنه من المعارضة، وتتعامل مع رئيسه على أنه معارض لامع؟ وهل ستستطيع المعارضة المستقلة فتح مساحات إعلامية وتثقيفية مستقلة في المستقبل؟ أين ستنشر أخبارها وآرائها؟

في كل الأحوال يشير قرار فصل إبراهيم عيسى بهذا الشكل الفج أننا على أعتاب فترة حرجة جدا ستضيق فيها المساحات المفتوحة أمام المعارضة المستقلة (وهي قليلة بالفعل) بشكل خانق وغير مسبوق، وأن التنكيل بالمعارضة المستقلة سيأتي من النظام وبعض مؤسسات المعارضة على حد سواء. إذا نجحوا في ذلك لا سمح الله ستختلف ساحة صنع الرأي العام في البلد بشكل مخيف. إقالة إبراهيم عيسى حدث مخيف ومؤسف جدا، وفيه تهديد مباشر لنا كلنا، ويجب أن نتعامل معه على انه كذلك. ولن يكون الأخير بكل تأكيد، بل هو بداية حملة للتقليل من المساحات القليلة المفتوحة أمام المعارضة، وملاحقة كتابها، صحفي صحفي. وتشمل هذه الحملة توسعة مساحة المعارضة المنضبطة، ولذلك تنوي الحكومة السماح لثلاث صحف جديدة بنشر إصدارا يوميا، وهم: <<الكرنك>>، جريدة هشام قاسم الجديدة (كان قاسم من أهم مؤسسي المصري اليوم)، و<<اليوم السابع>> ولها موقع إنترنت معروف وتنشر جريدة اسبوعية بالفعل، و<<الفجر>> جريدة عادل حمودة الأسبوعية. وهذا يعني أن المرحلة القادمة ستشهد مضاعفة مساحة الصحافة <<المستقلة>> اسما والتضييق على الصحافة المستقلة فعلا.

لا أعلم إلى أين سينتهي إضراب الدستور، وما إذا كان سيفشل أم ينجح في الوصول إلى حل وسط ما. لكن حتى لو نجح في الوصول إلى حل وسط ستظل الخسارة كبيرة لأن هذا سيعني ان طاقم الجريدة سيعمل تحت التهديد المستمر. كما لا أفهم سر شماتة البعض في إبراهيم عيسى والدستور بسبب اختلافهم معه، فعدم تقدير فداحة هذا الحدث هو قمة الغباء السياسي. وأقول لهؤلاء: أنتم اللاحقون أيها البلهاء.