إذا أردت السياسة فعليـك بالاقتصاد

[???? ??????? ??????? ????????. ????? ???? ???????? ?????? ?????] [???? ??????? ??????? ????????. ????? ???? ???????? ?????? ?????]

إذا أردت السياسة فعليـك بالاقتصاد

By : Wael Gamal وائل جمال

رغم أهمية الاقتصاد البالغة، ودوره الحاسم فى حسم اختيارات المصريين لصالح الثورة، يبقى هو بامتياز الجبهة الأقل تقدما فى العام الماضى. فلم تتخذ حكومات المجلس العسكرى المتعاقبة قرارا ذا شأن للتعامل مع الوضع الاقتصادى واكتفت جميعها بالاعتراف بضرورة بعض الخطوات التى يبدو أن عليها إجماعا قبل ان تتوقف دون اعلان الأسباب. وبينما لا نكاد لا نتذكر قرارا اقتصاديا يستحق الوصف، تمطرنا آلة الدعاية الحكومية بنعيق الخراب الحالّ، والافلاس الذى يقرع الأبواب.

أما ساحة النقاش العام فهى مؤممة لشئون أخرى ليس من بينها الاقتصاد وسبل عيش المصريين. تنعقد لجان المائة، والخمسين، والمجالس الاستشارية والتوافقية، ومناظرات الأحزاب وتنبنى الكتل السياسية والانتخابية وتنحل على خلفية المادة الثانية من الدستور أو الموقف من المجلس الرئاسى المدنى..إلخ. ولا مكان للعدالة الاجتماعية إلا بالشعارات العامة الفارغة من العمق العملى، أو بالتصريحات التليفزيونية من نوعية أخجل من نفسى عندما أرى الفقر، مع التحذير من أن حياة الأقلية المصرية المرفهة مهددة (والعياذ بالله) بـ«ثورة جياع». 

من يحكم مصر؟ 

عندما بدأ تقديم مشروع توريث جمال مبارك حكم مصر اعتمدت آلة الدعاية التى تبنى التحالف الجديد لدعمه على مقولات رئيسية منها أن من كانوا يتحكمون فى مقاليد الحكم قبل ظهوره كانوا يفتقرون للكفاءة فى إدارة الاقتصاد. بنى هؤلاء أرضيتهم الطبقية والاجتماعية فى مواجهة بيروقراطية الدولة/الحزب القديمة على أن اقتصادنا ليس رأسماليا بما يكفى وأن تحريره كان ضروريا لتتطور رأسماليتنا وتنافسيتها، ومعها ستجيء حريات لم يكن الأب قادرا على توفيرها. وكانت السنوات من يوليو 2004وحتى يناير2011 كافية ليعرف المصريون المعنى الحقيقى لهذا المشروع فى حكم مصر.

والآن هناك من يحاول إقناعنا أن التوريث كان شأنا سياسيا بحتا، وأنه بانزياح هذا المشروع، فإن القضية تتوقف عند إزاحة الفساد المالى الفج الذى صاحبه كعربون تحالف مع رجال الأعمال. ولا يختلف فى هذا المجلس العسكرى فى الحقيقة مع العديد من غرمائه فى شئون السياسة من مرشحين رئاسيين وأحزاب ليبرالية وإسلامية.

لم يكن التوريث فى الحقيقة شأنا سياسيا بحتا من شئون القصر ولا طموحا شخصيا خالصا. التوريث كان مشروعا اجتماعيا بالغ القسوة والعمق. لقد تبنت حكومات نظيف ومن ورائها التحالف الجديد الذى اختار جمال مبارك فى الحقيقة كعنوان له وليس العكس سياسات غيرت مصر، كانت بالمناسبة تحوز ثناء واعجاب المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية الكبرى. هذا التحالف الجديد رسخ أقدامه بإعادة توزيع ثروة البلاد لصالح شريحة من رجال الأعمال، خالقة معها طبقة جديدة من المهنيين والموظفين ممن يخشون الآن، ولهم كل الحق فى ذلك، ما يسمى بثورة الجياع. سيطرت طبقة الحكم تلك على مقاليد الأمور فى كل درب من دروب الاقتصاد الأساسية باحتكارات وتحالفات أو حتى بوضعية المنتج الكبير المؤثر. فرض هذا التحالف تصوراته ومصالحه الاجتماعية والسياسية حتى فيما يتعلق بدور مصر الاقليمى (وإلا كيف نفهم اتفاقيات الكويز وتصدير الغاز وتحرير التجارة الطوعى؟).

سقط جمال مبارك إذا.. لكن مشروعه حى وقاعدته الاجتماعية حية ومسيطرة. فسمعنا عن محتكر يدخل السجن وتواصل شركته خارجها ممارساتها الاحتكارية، ولم نسمع عن خطوة واحدة ولا تصور واضح متكامل عن كيفية مواجهة هذا المشروع السياسى الاجتماعى المتمكن من شرايين البلاد ولا حتى عن الاستقواء فى مواجهته بالقوة الوحيدة صاحبة المصلحة والقدرة فى ذلك: العمال والفلاحون والموظفون، الذين يتركون وحدهم بلا نصير على خط نار استكمال الثورة حقا لتحرير البلاد من مشروع التوريث.

ضيق الأفق وضيق المصلحة

عندما تقف الغالبية العظمى من أحزاب ما بعد الثورة ومسئولى ما بعد الثورة ومرشحى رئاسة مابعد الثورة لتتحدث عن أن أولوية بلادنا الآن هى تحجيم عجز الموازنة، يتبادر السؤال الميلودرامى إلى الذهن: ولماذا ذهب يوسف بطرس غالي؟ هذا هو مشروعه وهذا فكره. ويزيد الأمر سوءا إذا وسعنا نظرتنا للعالم فنرى شبه إجماع بين اقتصاديين من نوعية بول كروجمان وروبرت سكيدلكى وروبرت شيللر وجوزيف سيتجليتز وحتى محمد العريان، الاقتصادى المصرى الذى يدير أحد أكبر صناديق الاستثمار فى العالم، على أن خطط التقشف التى تواصل اعطاء الأولوية لتقليص عجز الموازنة (مخفية فى ذلك انحيازا اجتماعيا صارخا لصالح الشركات الكبرى ورجال الأعمال على حساب الطلبة والعمال والموظفين الذين عليهم العمل أكثر وتقاضى أجورا أقل والتكيف مع تقليص الخدمات العامة) كارثية وقد تودى بالرأسمالية كنظام للهاوية.

وعندنا، هل تسمع مرشحا رئاسيا يتحدث عن كارثية موازنة التقشف التى تطبق حاليا؟ وفى بلد قامت فيها ثورة قامت (الحقيقة أقول لكم وإن كانت صادمة) على أكتاف فقراء وجوعى؟ هل سمعنا عن معركة سياسية تستحق الاسم من أى من رموز العمل السياسى فى هذا الإطار؟

هذا ليس فقط ناتجا من عدم كفاءة من خبرائنا الاقتصاديين ومسئولى الدولة لدينا أو ضيق أفقهم فى قضايا الاقتصاد. فكل خطوة فى اتجاه العدالة الاجتماعية، وإن كانت قصيرة وبسيطة، تفرض معركة. هكذا رأينا الغبار الكثيف المتعلق بالمعونة الاقتصادية وسيادة قرارنا الاقتصادى، من أناس يدافعون بأيديهم وأسنانهم فى برنامجهم ودعايتهم عما لا تحلم المعونة بفرضه من شروط اقتصادية تتعلق بتحجيم الانفاق العام واعطاء الاولوية للتصدير وفتح الاسواق وجذب الاستثمار الأجنبى.

نفس الشيء ينطبق على الضريبة العقارية. فهاهى مقاومة المضاربين فى العقارات وأباطرة الفساد من الصحفيين الكبار، ونواب مجلس الشعب وغيرهم من الراغبين فى اخفاء ما يملكون لأنهم لا يملكون تفسيرا شرعيا له، تنتصر فى مواجهة هذا القانون العادل البسيط، وتجرده من أنيابه بإعفاء المسكن الأول، بحسب ما أعلنته الحكومة قبل أيام. وهو ما سيجعل تطبيقه مستحيلا. (القانون يفرض ضرائب لأول مرة على الاستثمارات العقارية السفيهة فى الساحل الشمالى والمجمعات السكنية الفاخرة المبنية بموارد البلاد الشحيحة بغرض الاتجار والمضاربة أساسا ويجلب لميزانية الدولة مليارات تحتاجها للانفاق على التعليم والصحة والمواصلات).

من هنا يصير المشهد السياسى مفهوما وطبيعيا إذ أنه مكبل بضيق المصالح التى تحكم. وإذا لم نخض مواجهة مع حكام مصر المسيطرين عليها غيلة من ساحة الاقتصاد، هؤلاء الذين يستمر كل شىء لحساب مصالحهم من وراء الستار، كيف يمكن أن نحصل على تغيير ديمقراطى حقيقي؟ كيف يمكن أن ينفتح الأفق لتداول سلمى للسلطة؟ كيف نكتب دستورا يعبر عن المصريين حقا؟ وكيف نبنى مصرا للمصريين وليس لأرباح الشركات الكبرى؟

هذه المواجهة يجب أن تنطوى على شيئين لا بديل عنهما: أولهما، مشروع اجتماعى اقتصادى سياسى بديل يقوم على مصالح الغالبية ويستند للاستنتاجات الخطيرة لتطور الرأسمالية العالمية فى السنوات القليلة الماضية. أما الشىء الثانى، فهو الاستناد على القوة الوحيدة التى يمكن أن تدفع بديمقراطية بلادنا وسياساتها أبعد مما يتخيل أحد: أغلبية سكان بلادنا أصحاب الحق الأصلى فيها وفى ثروتها، والذين يخوضون بالفعل معركة تحرير مصر من المشروع السياسى لجمال مبارك. لا أمل فى السياسة دون الاقتصاد يا سادة، ولذلك تسبب الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات الاجتماعية هذا الرعب المقيم لحكامنا.

 [ عن جريدة "الشروق" المصرية] 

Firing Ibrahim Eissa From Al-Dostour Exposes The Reality Of The Wafd's New President

وأخيرا خلع السيد البدوي برقع الحياء بفصله إبراهيم عيسى وطاقمه من الدستور

 

وحدث ما كنا نتخوف منه ونتوجس حدوثه. فقد أقال بالفعل مجلس إدارة صحيفة الدستور إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الجريدة أمس، ووقع القرار كلامن رئيس مجلس إدارة الجريدة د. السيد البدوي (رجل الأعمال المعروف ورئيس حزب الوفد الذي يتم تلميعه منذ شهور) والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة رضا إدوارد (وهو وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد أيضا). وواجه صحفيو الدستور ذلك القرار على الفور باعتصام مفتوح بمقر الجريدة (بعد ساعات من صدور القرار)، وهو ما يعني دخول الجريدة في أزمة طاحنة لمدة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها. ثم تلى ذلك فصل كل أعضاء سكرتارية التحرير: شادي عيسي ومحمد فوزي، مساعدا رئيس التحرير، وعبدالمنعم محمود سكرتير عام التحرير. وهذا يعني أن ما تعرضت له الجريدة لا يقل عن مجزرة واسعة لاستئصال مراكز ثقل سياسة التحرير القديمة.

لا أظن أن هذا القرار فاجأ أحد، فمنذ أن أشترى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، ومعه مجموعة من رجال الأعمال الوفديين الجريدة من مالكها السابق ونحن نتوجس إزاحة إبراهيم عيسى عن الساحة ليهدئوا بذلك من وتيرة معارضة النظام ومحاربة التوريث التي كانت تنتهجها الدستور تحت قيادته. لكن ما فاجأني أنا شخصيا هو تنفيذهم لمخططهم بهذه السرعة، فكنت أتوقع أن يكونوا أكثر حصافة من ذلك. لكن يبدو أن السيد البدوي لا يبالي بأية حصافة فقرر خلع برقع الحياء بكل بساطة وبسرعة البرق. لماذا لم ينتظر بضعة أشهر قبل أن ينفذ مخططه، وهو ما كان سيكفل له الوقت اللازم للتغطية على أغراضه الحقيقية؟ هل وصلت له تعليمات أمنية بضرورة الاسراع في تنفيذ المخطط؟ هل يريد أن يغلق فم الدستور قبل الانتخابات التي ستشهد تزويرا واسعا للوفد؟ أم أن تحالفاته الجديدة لا تتحمل الحصافة أصلا (فمن المعروف عن رجال الأعمال أنهم يرهقون أنفسهم في تحقيق شيء غير ممكن)؟ 

للأسف ما قيل على صفحات الانترنت من أن سبب فصل إبراهيم عيسى هو اعتراض البدوي علي نشر مقال ما أو وجود خلافات بينه وبين إبراهيم عيسى بشأن المرتبات هو تفسير غير مقنع على الاطلاق، وضار جدا أيضا. فلا يمكن إقالة شخص بوزن إبراهيم عيسى من صحيفة كصحيفة الدستور (تدور كلها حول شخص إبراهيم عيسى) بهذه السهولة على خلفية خلافات عادية كهذه. وعلى الرغم من سخافة هذه تفسيرات نراها للأسف تقنع الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة. الثابت هنا هو أن البدوي يبيت النية لهذا القرار منذ اللحظة الأولى...تشير كل الدلائل إلى أنه أخذ قرار إسكات إبراهيم عيسى مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا كنا نتوقع أن يفعل ذلك. بل كان ذلك هو السبب الرئيسي والوحيد لشرائه الجريدة. لنترفع إذن عن التحليلات السخيفة التي لا تفعل أي شيء سوى تبرير القرار بالبحث عن أسباب <<معقوله>> و<<محترمة>> له، ولنبدأ جميعا من الاعتراف بأن البدوي فصل إبراهيم عيسى وطاقمه للتقليل من حدة الجريدة في معارضة النظام...كجزء من مخطط متعدد الخطط والأطراف يهدف لتهدئة الاحتقان في البلد وتسهيل عملية انتقال السلطة بشكل عام (برلمان، رئاسة، إلخ).

الهدف الرئيسي من وراء شراء رجال الوفد الصحيفة هو إغلاق أحد أهم أبواق المعارضة المستقلة في الدعاية ضد النظام وتوريث الحكم، ولهذا السبب يجري تلميع حزب الوفد وقياداته منذ فترة الآن. وذلك إنما يكشف أن السيد البدوي وحزبه لا يختلفان عن جمال مبارك وحزبه.

لكن يبقى السؤال: ماذا ستفعل المعارضة المستقلة تجاه ذلك؟ هل ستسكت على ما يفعله البدوي وحزبه بعد أن أثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من حملة تجفيف أقلام المعارضة المستقلة؟ هل ستظل تتعامل مع حزب الوفد على أنه من المعارضة، وتتعامل مع رئيسه على أنه معارض لامع؟ وهل ستستطيع المعارضة المستقلة فتح مساحات إعلامية وتثقيفية مستقلة في المستقبل؟ أين ستنشر أخبارها وآرائها؟

في كل الأحوال يشير قرار فصل إبراهيم عيسى بهذا الشكل الفج أننا على أعتاب فترة حرجة جدا ستضيق فيها المساحات المفتوحة أمام المعارضة المستقلة (وهي قليلة بالفعل) بشكل خانق وغير مسبوق، وأن التنكيل بالمعارضة المستقلة سيأتي من النظام وبعض مؤسسات المعارضة على حد سواء. إذا نجحوا في ذلك لا سمح الله ستختلف ساحة صنع الرأي العام في البلد بشكل مخيف. إقالة إبراهيم عيسى حدث مخيف ومؤسف جدا، وفيه تهديد مباشر لنا كلنا، ويجب أن نتعامل معه على انه كذلك. ولن يكون الأخير بكل تأكيد، بل هو بداية حملة للتقليل من المساحات القليلة المفتوحة أمام المعارضة، وملاحقة كتابها، صحفي صحفي. وتشمل هذه الحملة توسعة مساحة المعارضة المنضبطة، ولذلك تنوي الحكومة السماح لثلاث صحف جديدة بنشر إصدارا يوميا، وهم: <<الكرنك>>، جريدة هشام قاسم الجديدة (كان قاسم من أهم مؤسسي المصري اليوم)، و<<اليوم السابع>> ولها موقع إنترنت معروف وتنشر جريدة اسبوعية بالفعل، و<<الفجر>> جريدة عادل حمودة الأسبوعية. وهذا يعني أن المرحلة القادمة ستشهد مضاعفة مساحة الصحافة <<المستقلة>> اسما والتضييق على الصحافة المستقلة فعلا.

لا أعلم إلى أين سينتهي إضراب الدستور، وما إذا كان سيفشل أم ينجح في الوصول إلى حل وسط ما. لكن حتى لو نجح في الوصول إلى حل وسط ستظل الخسارة كبيرة لأن هذا سيعني ان طاقم الجريدة سيعمل تحت التهديد المستمر. كما لا أفهم سر شماتة البعض في إبراهيم عيسى والدستور بسبب اختلافهم معه، فعدم تقدير فداحة هذا الحدث هو قمة الغباء السياسي. وأقول لهؤلاء: أنتم اللاحقون أيها البلهاء.