أسباب الثورة في البحرين: حوار مع مريم الخواجة

[ ??????? ???? ???????. ???? ?? ?????? ??? ?????] [ ??????? ???? ???????. ???? ?? ?????? ??? ?????]

أسباب الثورة في البحرين: حوار مع مريم الخواجة

By : Samia Errazzouki
 

نُشرت المقابلة بالأصل في كانون الأول\\ديسمبر ٢٠١٢، قبل شهر من تمكن مريم الخواجة من الدخول إلى البحرين في المرة الأخيرة. حاولت أن تعود إلى البحرين فيما بعد في آب\\أغسطس ٢٠١٣، لكنها مُنعت من الصعود إلى الطائرة بسبب أمر حكومي من البحرين. مؤخراً، في ٣٠ آب\\أغسطس ٢٠١٤ قامت مريم بمحاولة أخرى للدخول إلى البحرين لزيارة والدها المريض، عبد الهادي الخواجة، المضرب عن الطعام. لدى وصولها، صادرت السلطات البحرينية جواز سفرها، وزعمت أنها ليست مواطنة بحرينية وسجنتها. مذاك، سُجنت مريم الخواجة في سجن بلدة عيسى للنساء.  وُجِّهتْ إليها ثلاث تهم: شتم الملك، المشاركة في حملة مركز البحرين لحقوق الإنسان”حملة مطلوب للعدالة ”، والاعتداء على ضابط شرطة (رغم حقيقة أن ضباط الشرطة تعاملوا معها بشكل عدواني ونزعوا الهاتف من يديها، مما اضطرها للذهاب إلى المستشفى). بعد الأسبوع الأول من  سجنها، قررت المحكمة تمديد سجنها لعشرة أيام أخرى.

 نعيد نشر المقابلة التالية كي نسلط الضوء على الخلفية التاريخية للانتفاضة في البحرين من منظور مريم الخواجة.

(أُجريت المقابلة التالية مع مريم الخواجة، الرئيسة بالوكالة لمركز البحرين لحقوق الإنسان ونائبة رئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان. هي حالياً في منفى طوعي في الدانمارك لأسباب تتعلق بأمنها الشخصي، ولكنها ظلت على صلة وثيقة بالأحداث على الأرض في البحرين. وتقوم بنشر آخر التطورات على حسابها على التويتر :

[Twitter, @MARYAMALKHAWAJA] 

سامية الرزوقي: هل يمكن أن تزودينا بنظرة عامة حول الموقف الحالي في البحرين؟

مريم الخواجة: إذا أردت أن تعرفي وضع حقوق الإنسان في أي بلد اسألي: أين يوجد المدافعون عن هذه الحقوق؟ إن معظم المدافعين الأبرز عن حقوق الإنسان في البحرين هم في السجون اليوم. لقد تدهور وضع حقوق الإنسان بشكل متواصل منذ أن بدأت الثورة البحرينية في ١٤ شباط\\فبراير٢٠١١. وقد تمت حتى الآن ١٠٠ عملية قتل خارج نطاق القانون، وهناك تقريباً ١٨٠٠ سجين سياسي، عدد كبير منهم فتيان تحت سن الثامنة عشرة. وفي مركز البحرين لحقوق الإنسان نواصل توثيق حالات استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين، والاعتقالات العشوائية، والاستخدام المميت للغاز المسيل للدموع، والاختطافات، والتعذيب المنهجي (الجسدي والنفسي والجنسي).  إن الاحتجاجات تواصلت على أساس يومي منذ ١٤ شباط ٢٠١١.

  إن إحدى المشكلات الرئيسية لعدم حدوث تقدم لوقف انتهاكات حقوق الإنسان هي ثقافة الحصانة أو الإفلات من العقاب التي توجد في البلاد بالإضافة إلى وجود الحصانة الدولية للبحرين. إن ثقافة الإفلات من العقاب التي يطبقها النظام والملك هي السبب في عدم تغيّر أي شيء. كناشطين بحرينيين كنا نأمل أن ينتهز النظام البحريني فرصة اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق كي يقوم بخطوة في الاتجاه الصحيح ويطبق الإصلاحات الحقيقية. بدلاً عن ذلك، استخدم النظام تقرير الخمسمائة صفحة هذا كأداة ليشتري لنفسه الوقت بينما واصل ارتكاب الانتهاكات نفسها. في بعض الحالات، ساءت الانتهاكات. فضلاً عن ذلك، وفي هذه الفترة، واصلت البلدان الغربية بيع أسلحة للحكومة البحرينية وتواصلت مشاريع الأعمال كالمعتاد. إن الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع ما يزالون في المناصب العليا أو تمت ترقيتهم.

سامية الرزوقي: ما هي خلفية الحركة السياسية وحركة الحقوق المدنية في البحرين؟

مريم الخواجة: كانت انتفاضة التسعينيات واحدة من انتفاضات كثيرة في البحرين. وكي نفهم ما قاد إلى انتفاضة التسعينيات والثورة الحالية التي بدأت في ١٤ شباط\\فبراير ٢٠١١، علينا أن نفهم تاريخ الانتفاضات في البحرين ودور حركة الحقوق المدنية. منذ العشرينيات كانت تنشب في البحرين انتفاضات كل عشر سنوات تقريباً. مثلاً، في الخمسينيات، نشبت انتفاضة تزعمها القادة الدينيون للجماعات السنية والشيعية، نُفي السنة منهم إلى جزيرة هيلينا ونفي الشيعة إلى العراق.

في ١٩٧١، انسحب البريطانيون من البحرين ومن الأمور الجيدة التي فعلوها للبحرين هي أنهم تركوا الدستور الذي قدم للناس برلماناً حقيقياً. أُقر الدستور في ١٩٧٣، وانتُخب البرلمان، ولكن في ١٩٧٥ حين حاول الأمير عيسى أن يمرر قراراً لفرض حالة الطوارىء رفضه البرلمان فقام الأمير بحله رداً على ذلك. وحين خرج الناس إلى الشوارع في التسعينيات طالبوا بالعودة إلى دستور ١٩٧٣. حدث تعذيب ممنهج، واعتقالات تعسفية وقُتل أشخاص. وكان الإدراك العام هو أن شقيق عيسى خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي عُين رئيسا للوزراء في ١٩٧١، كان الشخص الذي يحكم البلاد في الواقع. في التسعينيات حدثت انتفاضة طالبت بعودة دستور ١٩٧٣ والبرلمان المنتخب. اعتُقل الناس تعسفياً ومات عدد منهم تحت التعذيب، وتواصلت الحملة لسنوات. إن الشخص الذي أنشأ التعذيب الممنهج في البحرين هو إيان هندرسون Ian Henderson الذي سُمِّي “سفاح البحرين”.

في ١٩٩٩ توفي الأمير عيسى وخلفه ابنه حمد. غيّر حمد بن عيسى آل خليفة المشهد السياسي والشعبي القائم في البحرين. وعد البحرينيين أنهم إذا وقعوا على استفتائه، فإنه سيطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وأن البحرين ستصبح ملكية دستورية، وسيتمكن المنفيون من العودة. دعاها ب “الأيام التي لنا والتي يجب أن نعيشها”. صدق في وعوده في البداية: أطلق سراح السجناء السياسيين، سمح بعودة المنفيين، وتوقف التعذيب. في ٢٠٠٢، بعد تمرير استفتائه، ورغم قيامه بوعد تلفزيوني مسجّل بألا يغير دستور ١٩٧٣، قام بتغيير الدستور من طرف واحد كي يجعل نفسه ملكاً وأعلن “مملكة البحرين”، التي كانت سابقاً “دولة البحرين”. منح نفسه سلطات مطلقة غير مفحوصة. وأصدر أيضاً المرسوم الملكي رقم ٥٦ لسنة ٢٠٠٢، والذي هو أحد الأسباب الرئيسية لوضع البحرين الحالي. منح العفو وأنشأ ثقافة الحصانة لكل الذين تورطوا في انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة، كمثل التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء.

سامية الرزوقي: لماذا  حدثت انتفاضة ٢٠١١ في البحرين؟

مريم الخواجة: منذ أن استلم حمد بن عيسى آل خليفة السلطة أعاد تعيين عمه خليفة بن سلمان آل خليفة كرئيس للوزراء، مما جعله رئيس الوزراء غير المنتخب لأطول مدة في التاريخ. بعد ٢٠٠٢ بدأ الوضع السياسي ووضع حقوق الإنسان بالتدهور ثانية لكن ليس إلى المستويات التي شهدناها في التسعينيات. إن دستور ٢٠٠٢، أنشأ برلماناً مزيفاً مشكلاً من غرفة عليا وغرفة سفلى. احتوت الغرفة العليا على ٤٠ عضواً عينهم الملك. والسفلى عبارة عن غرفة منتخبة، وتحتوي أيضاً على ٤٠ مقعداً. وبسبب عمليات تزوير وغش رهيبة، من المستحيل بالنسبة للمعارضة الحصول على أكثر من ١٨ مقعداً من أصل ٤٠، حتى ولو حصلوا على غالبية الأصوات. بصرف النظر عن هذا، لا يمتلك البرلمان سلطات تشريعية أو رقابية. إن الاحتجاجات المتكررة  التي تطالب بمحاسبة المجرمين الذين ما يزالون في الحكومة وبسكن أفضل ووظائف وإنهاء التمييز، هوجمت بعنف. وكان الإدراك الشعبي هو أن وزارة الداخلية وقوى الأمن وشرطة مكافحة الشغب مرتبطون برئيس الوزراء. وحين اعتُقل الناس لام البحرينيون رئيس الوزراء والملك الذي نُظر إليه على أنه “تقدمي أكثر”، والذي سيقوم بعد ذلك بالصفح عن السجناء وإطلاق سراحهم. كان هذا سيناريو الشرطي الجيد والشرطي السيء.

في ذلك الوقت ازداد الفساد؛ وانخرط ولي العهد بقوة في عملية استصلاح الأراضي التي كانت تتم، وتوجهت العائلة الملكية البحرينية نحو اكتساب المزيد من السلطة الاقتصادية على حساب السكان. استجلبوا عمالة رخيصة من جنوب شرق آسيا، وعاملوا العمال كعبيد، بينما بقي البحرينيون عاطلين عن العمل. إن البحرين تُدار كمشروع أعمال عائلي، ويُعامل المواطنون كرعايا. إذا لم يكونوا مربحين لمشروع عمل العائلة فإنهم يُهمّشون.    

في ٢٠٠٧، وبحسب تقرير هيومان رايتس ووتش “عودة التعذيب”، عاود التعذيب الممنهج ظهوره في البحرين ولكن ضد المدانين في معظم الأحيان. وفي ١٣ آب\\أغسطس شُنت حملة واعتقل النظام الكثير من الناشطين البارزين. وبدأت مجموعات حقوق الإنسان المحلية بتوثيق عودة التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي ضد السجناء السياسيين. وبسبب اقتراب رمضان والعيد، توقع كثيرون أن السيناريو الجاري نفسه سيعاود الحدوث وسيخرج الملك ويصفح عن السجناء السياسيين. ما حدث بدلاً من ذلك هو أن الملك وولي العهد غضا الطرف عن الحملة الأمنية للمرة الأولى. كان هذا حين توضح أن شيئاً ما تغيّر. تواصلت هذه الحملة، وسُجن حوالى ٥٠٠ شخص؛ وكان ٢٠٪ من السجناء السياسيين أطفالاً. حدثت أيضاً حالات اختطاف متكررة. كان الناس يختفون من عدة ساعات إلى عدة أيام ثم يُعثر عليهم نصف عراة ومرميين في الشارع. وكانت تُلتقط صور معظم الأطفال الذين دون السن القانونية وهم عراة ثم يتم ابتزازهم للعمل كمخبرين للأجهزة الأمنية. تواصل هذا الوضع حتى بداية الانتفاضة الجماهيرية في شباط\\ فبراير ٢٠١١. وفي اليوم الذي تنحى فيه مبارك في القاهرة (١١ شباط\\فبراير ٢٠١١)، أعلن الملك البحريني على شاشة التلفزيون الوطني أن كل عائلة بحرينية ستقبض ١٠٠٠ دينار. ولّد الإعلان ردود فعل سلبية لدى الناس الذين ردوا قائلين: “ألا تساوي حريتنا إلا ١٠٠٠ دينار لهذا الملك؟” فيما بعد أثناء احتجاجات دوار اللؤلؤة أطلق المحتجون حملة لاستخدام الألف دينار لكل أسرة من أجل حركة الاحتجاج.

سامية الرزوقي: ما هي بعض التكتيكات التي يستخدمها النظام البحريني والتي استُخدمت في انتفاضات سابقة لقمع التمرد؟

مريم الخواجة: فضلاً عن الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل وانتهاكات أخرى إن أحد الأمور التي يقوم بها النظام البحريني بشكل أفضل هي ممارسة لعبة التسمية. في البداية، سمّى النظام البحريني المعارضة كلها اشتراكية ناصرية، ثم سماها شيوعيين وعملاء لإيران وإرهابيين. والآن المعارضون هم إرهابيون وعملاء إيرانيون في آن. إن السبب في هذا هو أن النظام البحريني يحاول أن يفهم ما هو التهديد الحالي على المسرح الدولي ثم يطلق هذه التسمية على المعارضة.

إن الأسلوب الآخر هو استخدام التهم الملفقة والقضايا المفبركة ضد المتمردين.

سامية الرزوقي: ما هي أوضاع السجناء السياسيين المحتجزين حالياً في البحرين وبأية طرق ظل السجناء نشيطين، كما في سجن الحوض الجاف؟

مريم الخواجة: شكّل السجناء السياسيون ائتلافاً في السجن وكتبوا بياناً قالوا فيه باختصار إنه إذا كنت ستسجن جميع الثوار فإن ثورة ستحدث داخل سجونك. هُوجم السجناء في زنزاناتهم، وضُربوا وأُخذ بعضهم إلى الزنزانة المنفردة لمجرد الاشتباه بأنهم يقودون هذا الائتلاف.

ما يزال التعذيب المنهجي موجوداً (الجسدي والنفسي والجنسي). وبعد نشر تقرير االلجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، انتقل التعذيب من مراكز التعذيب الرسمية إلى مراكز غير رسمية. مثلاً، منذ بضعة أيام، أخذت قوى الأمن شاباً إلى بناء للسكن الشبابي حيث ضُرب بقسوة وسرقت نقوده وهاتفه النقال، ثم رُمي في الشوارع في مدينة جدحفص.

إن الجهاز القضائي في البحرين ليس مستقلاً أو عادلاً، بل يُستخدم كأداة  لملاحقة المتمردين ومعاقبتهم. وفي العامين الماضيين، شهدت البحرين آلاف القضايا السياسية المستندة إلى تهم ملفقة. وفي الصيف، حُرم السجناء السياسيون من التكييف رغم حرارة البحرين التي لا تُحتمل. وفي بعض النقاط لم يُسمح لهم بالاستحمام. وأحياناً لم يُسمح لهم بالصلاة أو استخدام المرحاض. وما يزال كثير من السجناء السياسيين يعانون بسبب التعذيب الشديد ومحرومين من الرعاية الطبية الملائمة. وما يزال لدينا حالات لقاصرين تحت الثامنة عشرة  يُسجنون ويُحاكمون أحياناً وفق قانون الإرهاب الذي شُجب عالمياً.

سامية الرزوقي: كيف تردين على المزاعم القائلة بأن الانتفاضة متأصلة في صراع طائفي بين السنة والشيعة؟

مريم الخواجة: قام النظام البحريني، ولعدة عقود، بتهميش وتمييز ممنهجين ضد الأغلبية الشيعية في البحرين.هناك مناطق معينة في البحرين لا يُسمح للشيعة بأن يعيشوا فيها. وثمة وظائف لا يُسمح للشيعة البحرينيين بتوليها. وهناك صف للتربية الدينبة إجباري من الابتدائية إلى المستوى الجامعي، يدرس فيه الطلاب أن كل من هو شيعي ذاهب إلى جهنم.

في ٢٠٠٦، كشف “تقرير البندر” إذكاء النظام للنعرة الطائفية واختراقه للمنظمات غير الحكومية كي يفككها. كشف التقرير عن هندسة سكانية في البحرين وآليات الإقصاء. كان النظام البحريني يعمل بنشاط على إنشاء نظام قائم على إقصاء غالبية السكان في البحرين، الذين هم شيعة. إن إحدى الطرق التي يتم بها هذا هو منح حقوق المواطن السياسية لغير البحرينيين (التجنيس). عشرات الآلاف من الباكستانيين واليمنيين والسوريين والأردنيين تم تجنيسهم ومنحهم الحقوق السياسية للمواطن لسببين: الأول، كي يخدموا في قوى الأمن والمخابرات والجيش، بينما لا يُسمح للمواطنين البحرينيين، سنة وشيعة، بأن يعملوا في هذا المجال. ثانياً، لتغيير البحرين ديمغرافياً من غالبية شيعية إلى غالبية سنية، بما أن معظم الذين يتم تجنيسهم هم من السنة.

رغم كل هذا، حين خرج الناس إلى الشوارع في ١٤ شباط\\فبراير، لم تكن مطالبهم مرتبطة بالتهميش والتمييز الممنهجين ضد الغالبية الشيعية في البحرين. فقد دعا الناشطون السياسيون والمدنيون الملك إلى تنفيذ الوعود التي قطعها منذ عشر سنوات. لكن بعد الاستخدام المفرط للقوة وقتل المحتجين السلميين بدأ الناس يطالبون بإسقاط النظام. شن النظام حملة طائفية جداً. عرف أنه إذا تمكن من نعت الحركة في البحرين بأنها “انتفاضة شيعية” سيكون عندئذ من السهل ربطها بإيران. سيجعل هذا أيضاً الانتفاضة تبدو كما لو أنها غير متأصلة في مظالم شعبية ويبرر حملة القمع أيضاً. فعل النظام هذا عبر استهداف الناس لمجرد أنهم شيعة. دمر أكثر من ٣٠ مسجداً شيعياً، بعضها له أهمية تاريخية كبيرة. وأثناء الاعتقالات واقتحام المنازل والاستجوابات والتعذيب كانت قوى الأمن وأجهزة الاستخبارات تستخدم أيضاً لغة طائفية تحقيرية. كان هذا مدوناً كله في تقرير لجنة تقصي الحقائق البحرينية المستقلة.

وإذا ما دققنا في المطالب وبنية حركة الاحتجاج يتوضح لنا أن المسألة هي نظام قمعي إزاء سكان مقموعين. فما يهم في البحرين ليس إن كنت سنياً أو شيعياً؛ بل إن كنت موالياً أم لا. واليوم يوجد في البحرين وزراء شيعة وهم الداعمون الأكبر للنظام، مثل سميرة رجب. هناك سنة أيضاً مثل إبراهيم شريف الذي سُجن بعد أن تم  تعذيبه وحكمت عليه محكمة عسكرية لأنه انتقد النظام. هذه هي الحقيقة.

سامية الرزوقي: كيف واصل مركز البحرين لحقوق الإنسان عمله رغم أنه مُنع في البحرين؟

مريم الخواجة: إن غالبية الذين يعملون مع مركز البحرين لحقوق الإنسان يفعلون هذا على أساس تطوعّى. إنهم أشخاص يؤمنون بدفع البحرين إلى الأمام كي تصبح بلداً أفضل للجميع، حتى ولو كان لهذا عواقبه، وكانت العواقب حقيقية جداً. إن أعضاء مجلس الإدارة في المركز وأعضاءه استهدفتهم المضايقات وحملات التشهير، والاعتقالات والسجن والتعذيب الوحشي والمحاكمات غير العادلة ومنع السفر؛ وتطول القائمة. ما لا تفهمه هذه الأنظمة القمعية هو أن ثقافة حقوق الإنسان صارت راسخة ومتأصلة، وفي كل مرة يعتقلون فيها ناشط حقوق إنسان بارزاً، فهم يفتحون ممراً لمئات الناشطين الجدد كي يظهروا. يواصل مركز حقوق الإنسان البحريني العمل وسيواصل العمل رغم الأدوات والآليات التي يستخدمها النظام لإيقافه.

في مركز حقوق الإنسان فريقان: لدينا وحدة توثيق في البحرين، يديرها سيد يوسف المحافظة الموجود حالياً في السجن، وفريق دولي. إن الأشخاص على الأرض مسؤولون عن التوثيق ومتابعة الحالات وانتهاكات حقوق الإنسان؛ بعد ذلك يرسلونها  إلى الخارج إلى الفريق الدولي الذي يساعد في كتابة البيانات والتقارير. إن هذه البيانات والتقارير تُرسل إلى منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات والحكومات. ثم تُستخدم كأداة للدعوة إلى رد دولي أفضل إزاء وضع حقوق الإنسان في البحرين. التويتر أداة رئيسية أيضاً لتوثيق الانتهاكات، للتواصل فيما بيننا، ولإطلاع الناس خارج البحرين على ما يجري على الأرض.

[للاطلاع على النسخة الانجليزية، اضغط\\ي هنا]

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • Quick Thoughts: Samia Errazzouki on Morocco and Western Sahara

      Quick Thoughts: Samia Errazzouki on Morocco and Western Sahara

      On 10 December 2020, the United States announced that Morocco and Israel had reached an agreement to normalize their relations, which was followed on 22 December by a joint Moroccan-Israeli declaration confirming the specifics of their upgraded relationship. Simultaneously, Washington recognized Morocco’s internationally-rejected claim of sovereignty over Western Sahara. The latter initiative came as the ceasefire in Western Sahara between Morocco and the Polisario Front, in force since 1991, collapsed into renewed hostilities. Mouin Rabbani, editor of Quick Thoughts and Jadaliyya Co-Editor, interviewed Samia Errazzouki, Jadaliyya Co-Editor and former Morocco-based journalist, to get a better understanding of the context and implications of these developments.

    • A Crackdown on the Press is Demolishing What’s Left of Morocco’s Liberal Reputation

      A Crackdown on the Press is Demolishing What’s Left of Morocco’s Liberal Reputation

      Morocco has long enjoyed a reputation as one of the most progressive countries in the Arabic-speaking world. When protests swept the Middle East and North Africa in 2011, many observers spoke of the “Moroccan exception” and the “Moroccan model,” citing a series of apparently liberalizing reforms made by the king.

    • حياة بلقاسم شابة تجسد مستقبل المغرب قُتلت في قارب الهجرة

      حياة بلقاسم شابة تجسد مستقبل المغرب قُتلت في قارب الهجرة

      اسمها حياة بلقاسم، من مواليد تطوان شمال المغرب، كانت تستعد لبداية سنتها الثانية في كلية الحقوق. وعلى غرار الملايين من المغاربة فقد فقدت الأمل في أي مستقبل مشرق في بلادها، ولهذا اتخذت القرار الصعب بأن تعبر البحر الأبيض المتوسط بحثا عن حياة أفضل في أوروبا.

العراق: خطاب التقسيم والأقلمة

‪
عاد خطاب التقسيم و“الأقلمة“ إلى الواجهة مع تدهور الوضع في العراق و“تمدّد“ الدولة الإسلامية وسيطرتها على الموصل وأجزاء مهمّة من البلاد، حتى أصبحت تشكل خطراً حقيقيّاً يهدد وجود الدولة العراقية. فصرنا نسمعه يتداول في التقارير الإخبارية وتعليقات ”الخبراء“ والمراقبين ونقرأه في تعليقات عدد من العراقيين. ولا شك أنّ الإشارات والتصريحات القادمة من القيادات الكردية بخصوص إعلان وشيك عن استقلال كردستان العراق تضيف زخماً إلى خطاب التقسيم والأقلمة في ما تبقّي من العراق. إن الهدف من هذه المقالة السريعة هو التركيز على خطاب التقسيم والأقلمة وليس التعرّض إلى موضوع كردستان الشائك. لكن لا بد أن نسجّل أن من حق أكراد العراق تقرير مصيرهم ومستقبلهم واختيار شكل وهوية الدولة التي يريدون العيش ضمن حدودها مستقبلاً. فلقد عانوا كثيراً من عنف الدولة العراقية ومن ظلمها وإقصائيتها في الماضي. لكن اختيار هذه اللحظة الكارثية، بالذات، لتعجيل موضوع الاستقلال خطأ جسيم. وستكون له تبعات سلبية على المدى البعيد، مهما كانت أرباحه السياسية على المدى القريب.


بالعودة إلى خطاب التقسيم والأقلمة (والثانية تقود إلى الأوّل)، فإنّه يبدو غريباً في زمن العولمة الذي تتهاوى فيه الجدران (باستثناء جدار الفصل العنصري في فلسطين)، الحقيقية والمفترضة، وينحو فيه العالم عموماً نحو التكامل الاقتصادي والدخول إلى منظومات وكيانات وتكتّلات سياسية واقتصادية كبرى. لكن إحدى الحجج التي يسوقها الذين يروجون لفكرة التقسيم هي أن العراق يشكل حالة استثنائية. فهو دولة ”مصطنعة“ بحسب هؤلاء، وبذور فشلها تكمن في الكيفية والظروف التي تأسّست بها. كما أن الطائفية، بحسب هؤلاء، متجذرة في ثقافة البلد وتاريخه وليست تمظهراتها الأكثر حدة في العقود الأخيرة إلّا دليلاً على ذلك. وهناك أيضاً من يفضّل التقسيم على أساس أنه أهون الشرور. ويرى فيه حلّاً لإشكالية الصراعات الطائفية ووسيلة لحقن الدماء. بالإضافة إلى كل ما تقدّم هناك افتراض أن الأقلمة واللامركزية ستضمن نظاماً أكثر عدالة في توزيع الثروات وأن التقسيم سيخلص المناطق التي طالما همّشتها أو عاقبتها الحكومة المركزية من الظلم والإهمال.


بغض النظر عن النوايا والغايات فإن الافتراضات التي يستند عليها هذا الخطاب خاطئة. كل الدول الحديثة كيانات مصطنعة. فالدول ليست نباتات طبيعية أو كائنات حية! والأمثلة كثيرة في المنطقة وفي العالم بأسره. هناك أجزاء كبيرة من أراضي الولايات المتحدة (التي يحرص بعض سياسييها بالذات على الترويج لمقولة أن العراق دولة مصطنعة ولا بد من تقسيمها) تم شراؤها من فرنسا في صفقة ”شراء لويزيانا“ عام ١٨٠١ في عهد توماس جيفرسون. وتضمنت الصفقة أكثر من مليوني كلم مربع (١٥٪ من الولايات المتحدة): ولايات آركنسا ومزوري وآيوا وأوكلاهوما وكانساس ونبراسكا وأجزاء من مينيسوتا، وأجزاء من ولايات أخرى. وهذه أساساً اغتصبت من سكانها الأصليين ومن المكسيك. أليست الولايات المتحدة دولة مصطنعة أيضاً؟ 


إن بدايات تشكّل الهوية الوطنية العراقية الحديثة تسبق الاحتلال البريطاني وتعود إلى القرن الثامن عشر. وكان لبروزها وتبلورها علاقة بالمصالح الاقتصادية المشتركة وتشكّل وحدة إدارية تجمع مدن العراق الرئيسية مركزها بغداد (انظر دراسة عصام الخفاجي المهمّة في هذا السياق: “تشكّل العراق الحديث”). إن الرواية التبسيطية التي يتم ترديدها والتي تدّعي أن بريطانيا هي التي شكّلت العراق من ثلاث ولايات عثمانية وهذا يعني أو يفترض عدم وجود أي تجانس أو فضاء وطني مشترك آنذاك أو قبلذاك خاطئة تاريخياً وإشكالية. لكنها، بالطبع، تتناغم مع رواية المركزية الأوربية التي يكون وصول الأوربي فيها إلى أرض ما هو بداية التاريخ الحديث. وكل ما قبله ظلام دامس.


أما بالنسبة للطائفية، فلا شك أنّها اليوم، بعد كل ما جرى ويجري، ترسّخت في المجتمع العراقي. لكن، لا بد من التمييز بين التوتّر والصراع الموجود بين الجماعات المختلفة في كل مجتمع والذي تتصاعد حدته وتخف بحسب الظروف السياسية والاجتماعية من جهة، وبين الطائفية السياسية المنظّمة من جهة أخرى. الأخيرة ظاهرة حديثة وليست متجذرة في تاريخ العراق ولكنها ترسّخت في الأذهان والممارسات والخطاب، خصوصاً منذ عام ٢٠٠٣. حتى أصبح من الصعب على الكثيرين أن يفكروا خارج إطارها. أولئك الذين ينطلقون من مبدأ هوياتي، وهم ليسوا قلة للأسف، يُسْقِطون صراعات الحاضر أو أحداث التاريخ القريب (العقود الثلاثة الأخيرة) على خارطة الماضي لنسج سردية لاتاريخية، مهما استعانت بأحداث حقيقية، ذات أهداف سياسية. ليس القصد هنا التقليل من معاناة ومظلومية أي مجموعة البتّة ولا تجميل الماضي والقفز فوق مآسيه، خصوصاً بعد ما حدث منذ عام ٢٠٠٣. لكنها دعوة للتفكير خارج مقولة الطائفة وخطابها ومعادلاتها. لم تبدأ الطائفية عام ٢٠٠٣ بكل تأكيد، لكن ترسيخ الطائفية السياسية ومأسستها كهوية سياسية بدأ في ٢٠٠٣. حيث تم جعلها العملة السياسية الرئيسية والوحيدة (مع العرق) في النظام السياسي الفاشل الذي تم تأسيسه بعد تفكيك الدولة العراقية. هناك لحظات مفصلية تسبق هذا التاريخ كانت مهمة في هذا السياق، ومن بينها أسلوب وخطاب النظام البائد في قمع انتفاضة ١٩٩١. كما لا شك أن لسنين الحصار أثرها أيضاً في تخريب النسيج الاجتماعي والفضاء المدني في العراق وإجبار شرائح كبيرة على الهجرة إلى الشتات وخلق فراغات. إن هيمنة “الطائفة” كمقولة ومعيار وخطاب تؤدي إلى إعادة سرد الماضي والتاريخ من منظار طائفي وتغفل، بل تسقط، عوامل ومقولات أساسية في فهم أي مجتمع في أي مكان، وهي التموضع الاقتصادي والاجتماعي والمناطقي والأيديولوجيا.


إن التقسيم الذي يروج له بعض السياسيين سيؤدي بالضبط إلى ما يفترض أن يحول دونه. فخلق أقليمين مبنيين على أساس طائفي، شيعستان وسنستان، سيؤدي إلى حملات تهجير جديدة وحروب أهلية مستمرّة، بالذات من، وفي، ما يسمّى “المناطق المختلطة.” وهذا المصطلح الجديد نسبياً والمستورد هو واحد من المصطلحات التي تم ترسيخها بعد الاحتلال. وهو يعكس الخطاب الطائفي وهيمنته. فهو يفترض أن وجود المناطق المختلطة هو استثناء، بينما العكس (كان) هو الصحيح. لا ننكر أن هناك مناطق في العراق كان غالبية سكانها من هذه الجماعة أو تلك. لكن الكثير من مناطق العراق كانت دائماً “مختلطة” بنسب متفاوتة ولم يكن الأمر غريباً أبداً قبل عصر الطائفية. ولم يستدع ابتداع مصطلح ليدل على ذلك. تغير الحال، للأسف، بعد الحرب الأهلية الدامية والتطهير العراقي في بغداد وغيرها. المهم، إن التقسيم (أو الأقلمة) سوف يكمل عملية التطهير العرقي ويسرّع في عمليات تهجير كل جماعة إلى إقليمها. فهل فكّر دعاة التقسيم بما سيحدث في منطقة بغداد الكبرى مثلاً؟ وبمناطق أخرى “مختلطة”؟


أما بالنسبة للعدالة في توزيع الثروات والتحسّن في توفير الخدمات، فإن التقسيم أو الأقلمة لن يغيّرا طبيعة الطبقة السياسية الحاكمة ( وهي الأكثر فساداً وفشلاً ). بل إنهما، في ظل المناخ السياسي السائد وممارساته و”ثقافته،” سيزيدان من فرص الفساد والإثراء غير الشرعي للسياسيين على حساب المواطنين، الذين لن يتغيّر شيء في حياتهم وواقعهم عملياً باستثناء الإطار الشكلي. ليست صدفة أن أبرز الأصوات التي تدعو إلى التقسيم والأقلمة من غير العراقيين هي لسياسيين أميركيين سابقين يرتبطون حالياً بشبكات مصالح اقتصادية ضخمة لها مطامعها ومصالحها في العراق (انظر، مثلاً، مقالة زلماي خليلزاد، الذي كان السفير الأمريكي في العراق بين ٢٠٠٥ و٢٠٠٧ والذي يترأس الآن مجموعة غريفوند الاستشارية). فمن الذي سيتفيد من الأقلمة؟


هل سيسرع الساسة الفاسدون الذين أنتجتهم “العملية السياسية” والذين دأبوا على سرقة ثروات الشعب لعقد من السنين دون أن ينجزوا مشروعاً واحداً لكي يفعلوا عكس ما يفعلونه في هذا الإقليم أو ذاك؟ ما دامت الثقافة السياسية والنخبة السياسية هي نفسها فإن الأقلمة لن تعني إلا المزيد من الفساد والطائفية.


إن اللامركزية وإعطاء صلاحيات أكبر لمختلف المناطق في أي بلد وتوزيع أكثر عدالة للثروات وغيرها هي أهداف منطقية وضرورية بحد ذاتها. ومن حق المواطنين في مناخ ديمقراطي حقيقي أن يناقشوا بشكل علني نظام الحكم الذي يفضلون أن يعيشوا في إطاره وأن يصوّتوا على ذلك. إن إنجاز اللامركزية وكل ما تعد به من إيجابيات سيكون ممكناً في بلد يعمل نظامه بشكل “طبيعي” وفق آليات ومؤسسات ناجحة وفعّالة ويمتلك بنية تحتية. لكن العراق بوضعه الحالي المزري لا يمتلك الحد الأدنى مما يسمح أساساً بانتقال ناجح ومنظم إلى نظام مختلف، مهما كان شكله. التقسيم سيكون تقسيماً وتوزيعاً، ليس أكثر عدالة بالضرورة، للخراب والفساد.


لقد بات واضحاً، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة وبعد احتلال الموصل ومراقبة ردود فعل النخبة السياسية الكارثية واللامسؤولة، أن ما يسمّي بـ”العملية السياسية” لن تنتج إلا المزيد من الخراب والتمزق والفساد. كما أنها ليست بمستوى المخاطر والتحديّات التي تهدد وجود العراق ككيان، بل إنّها بفسادها وطائفيتها كانت سبباً في تفاقمها.


إن الحل الوحيد لإنقاذ العراق وشعبه من مستقبل أكثر ظلاماً وخراباً هو التخلص من النظام الطائفي وخطابه المقيت وممارساته الكارثية. لا بد من تشكيل حكومة إنقاذ وطني وكتابة دستور جديد، أساسه المواطنة والمساواة. إن هذه اللحظة الحالكة في ليل العراق تتطلب إعلاء الروح الوطنية العراقية لاستعادة وبناء وطن للجميع، وليس لطائفة أو عرق.


معالم العراق تُنْسَف وخارطته تتمزّق وبستانه الكبير يفقد نخيله وأشجاره، وأبناءه، أمام جرّافة الإرهاب ونار الطائفية والفساد. والساسة في بغداد يتشاورون ويتحاصصون. لا بد من الحفاظ على ما تبقّى قبل أن يحترق البستان بأكمله!‬