من تحت الأرض وإلى الشارع راب عربي: شدّ عصب
تلقي هذه المقابلة الأولى نظرة على موسيقى الراب العربية، صدى الشارع، والجمهور في عرض تم في.بيروت
الراب العربي صدى الشارع: مقابلات مع بعض مؤدي ومستمعي الراب في بيروت
يلاقي الراب العربي صدى في الشارع، وتحديداً الآن في شوارع إحدى العواصم العربية ذات الصيت الذائع في النتاج الثقافي والفني والتي نراها الآن تنتفض. في بيروت يتقاطع الراب العربي مع نبض الشارع.
.استقطاب بعض مؤديي الراب في بيروت للجمهور أصبح ملحوظاً للعين المجردة، فالشباب وجدوا تعبيراً عن حالة وعي مجسدة في تدفق الكلمات على إيقاع موسيقى الراب
."شد عصب" هو اسم الحفلة التي قامت تحت أرض بيروت على مسرح مترو المدينة في الثامن من شهر آب\\أغسطس”
في هذه الليلة قصدت الحفلة لأستمع الى آراء (الام سيز) المشاركين في هذا العرض دفعني فضولٌ حول اختيارهم للتسميه (شد عصب). أردت أن أبحث عن الأعماق الفكرية في رؤوس الفنانين وراء الكواليس وأردت الغوص فيها.
اجتمع خلف المسرح سبعة من الام سيز: من لبنان أتى الراس من مدينة طرابلس وناصردين الطفار من بعلبك، من سوريا أتى الدرويش من حمص الوتر من دمشق والأصلي من دير الزور ومن مخيم اليرموك فتحي رحمة “محراك تف” ورائد غنيم. تحدث الفنانون عن حاجة جامعة لشد عصب الروح الجماعية في وقت يخيم فيه الخيبة والشعور باليأس على الشباب العربي بعد نجاح الثورة المضادة بالاستيلاء على الثورات التي انطلقت من تونس نهاية عام 2010. وكان لجمهور المستمعين الذي تجمع خارج صالة مسرح المترو آراء مثيرة للاهتمام عن الراب العربي. فتاة في مطلع العشرينات من العمر بعد توجيهي لسؤال لما تستمعين إلى الراب العربي قالت: أنا نصف سورية نصف يمنية وكان مفهوم الهوية والانتماء معضلة بالنسبة إلي حيث لم أستطع تقديم إجابة واضحة للسائل. ودخل الراب العربي إلى عالمي عندما تكلم عن أفكار كانت تدور في رأسي وعجزت عن صياغتها…. الراب العربي أعطاني مفهوماً واضحاً لهويتي.” شاب بجانبنا يشرب البيرة ويسترق السمع إلى ما قالته الفتاة أضاف: "بسمع راب عربي لأنه كلمتين نضاف احسن من مئة جريدة وسخة”.
بدأت الحفلة، وتركزت الأنظار على المسرح، أياد مرفوعة في الهواء ورؤوس تتمايل مع تدفق الكلام. لساعتين متواصلتين من الزمن كانت الصالة ممتلئة حتى السقف تهز وتتموج مع كل أغنية. عند نهاية الحفلة وصلت حالة الطرب إلى قمتها عند الجمهور الى أن تحولت الحفلة إلى مظاهرة صغيرة. وفعلاً، في اليوم التالي انطلقت مظاهرة في بيروت تنادي بفساد الطبقة الحاكمة، وفشلها بالتعامل مع أزمة القمامة التي اجتاحت شوارع لبنان. الجدير بالذكر ومما لفت انتباهي أن معظم جمهور حفلة شد عصب كان متواجداً في الشارع للاحتجاج. تتابعت الأحداث في بيروت واشتدت أزمة النفايات؛ وعليه ارتفعت وتيرة التظاهر والاحتجاج حتى وصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام السياسي\\المالي\\الطائفي، إلى أن أتت تظاهرة الثاني والعشرين من شهر آب\\أغسطس حيث قامت السلطات بإفلات قوى مكافحة الشغب المدربة على يد الأمريكيين كبرنامج ضمن برامج المساعدات التي تمنحها الولايات المتحدة للبنان؛ فقمعت التظاهرة في وسط البلد (ساحة رياض الصلح) بشكل وحشي . والنتيجة أنه في اليوم التالي توافدت أعداد كبيرة من المتظاهرين استنكاراً لقمع السلطة وتحدياً لها. في هذا اليوم الحافل كان الراب العربي حاضراً بين المتظاهرين أينما تلفتّت. فبين اللافتات التي اقتبس رافعوها مقاطع من أغاني الراب لافتة كتب عليها "حي على خير الشغب" جملة من أغنية الدرويش وناصردين الطفار وهيلوسايكليبو، وعلى حائط في وسط البلد ذي الطابع البورجوازي المهووس بعدائه للفقراء غرفيتي "الأرزة بلها وشراب ميتها دم" من أغنية الراس وناصردين الطفار “لبنان 2”. أما المشهد الذي عبر بضخامة عن ثقل وأهمية تأثير الراب العربي على وعي الشباب وتقاطعه بشكل جذري مع صوت الشارع برأيي كان مجموعة مؤلفة من أربعة شبان مراهقين بعد احتداد وتيرة المواجهة بين المتظاهرين العزل وقوى مكافحة الشغب، لم يوقف الغاز المسيل للدموع كلمات هؤلاء المراهقين عندما التفتوا نحو مجموعة من شرطة حماية مجلس النواب وصرخوا بكلمات ناصردين الطفار: “لما بدك تحكي بالناس الجوعانة جوع مرة، قاتل إسرائيل لنصدق بدك رجوع، في حرامية بتسترزق من الثورة وحرامية عالمعس تنطر دورها…” وكان هذا المشهد المقشعر للحواس يلخص برأيي عمق الراب العربي كأداة معرفية راسخة في صميم وعي وتفكير الشباب العربي الثائر على كل الأنماط المتوارثة من جيل أهالينا. أيضا في الساحة، وجود الأغاني الثورية من حقبة ثمانينات القرن المنصرم لم يكن مرحباً به ولم يعكس أي تأثير عند الشباب على عكس الراب. طريقة تعبير هؤلاء الشبان عن رأيهم في وجه السلطة أكد لي وبعيداً عن انحيازي للراب أن رياح التغيير ستعصف بكل ماهو قديم ومستهلك. الراب العربي يثبت بجدارة أهمية اللغة العربية عبر استنباط التقليد الشعري ووضعه بتصرف الجميع لا حكراً على فئه نخبوية من الناس. نعم الراب العربي هو في مقدمة الحركة الثقافية.
يبقى موضوع المشاركة النسائية في تأدية الراب شق يجب طرحه بأقرب وقت لفتح الباب لمشاركة فعالة للامسيز الإناث. إن هذا النوع من التعبير يفتقر العنصر النسائي، هناك عدد ضئيل جدا لمغنيات الراب في ظل الواقع المليء بمشاكل ومعاناة النساء في مجتمعنا، كم سيكون جميلاً لو سمعنا عن هذه المشاكل من خلال تدفق نسائي عربي.
أصبح لدينا الكثير من مؤدي الراب العربي ولكن هناك البعض منهم ممن يستحقون التركيز والمتابعة، أولاء القلة، يتميز أداؤهم بالتمكن اللغوي والموسيقى التي يصنعونها و أسلوبهم في الإلقاء. يطرحون أسئلة وجودية لواقعنا كشباب عربي ويرون في الراب وسيلة تواصل ووعاء للأفكار.
الآن أتى دور لبنان بالانتفاض على رجعية الحاكم وها هي رياح التغير تدفع بالراب العربي إلى مقدمة الحراك، إلى الشارع، في مواجهة قوى قمع سلطة الفساد والبنوك. نحن نعي كشباب لبناني ثائر وجود إمكانية للفشل في تحقيق ثورة كاملة متكاملة، ولكننا نتطلع لكسر الوضع الراهن المهيمن على أرواحنا. هذه مجرد بدايةٍ تتبلور وسط نوع من الوحدة النادرة بين أطياف المجتمع اللبناني المنعزلة سابقاً عن بعضها البعض. كما تعرفنا واكتشفنا نظراءنا من الشباب العربي المنتفض في البلدان منذ خمسة سنوات، اليوم.