سعوديون في إسرائيل: التطبيع يحفر مجراه

سعوديون في إسرائيل: التطبيع يحفر مجراه

سعوديون في إسرائيل: التطبيع يحفر مجراه

By : Abdullah Alduhailan عبداللة الدحيلان

 لم تدَع وزارة الخارجية السعودية مجالا لأي طرف كي يصفها بالتقصير وإهمال سمعة الوطن والمواطنين في الخارج، إذ لم تتوقف بياناتها عن متابعة فتاة استغلت وجودها مع أسرتها خارج الحدود كي تهرب منهم لدولة أخرى، كاشفة في شبكات التواصل أن الداعي لهذه الخطوة هو التعنيف الذي تعرضت له من والدها. لم يتوقف دور الخارجية عند هذا الحد، بل قامت، مؤخرا، بتوعية المواطنين المسافرين إلى الخارج عن الإجراءات التي من الواجب اتخاذها لتجنب التعرض للمشكلات هناك.

مقارنة بين هذه المسارعة في الاستجابة لطارئ ما خارج حدود الوطن، ومرور قرابة الشهر على التزام وزارة الخارجية السعودية الصمت حيال الزيارة التي قام بها اللواء المتقاعد أنور عشقي ووفد معه إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، والالتقاء هناك بقيادات وشخصيات إسرائيلية، وخروج عشقي في وسائل إعلامية ليخاطب جمهور الاحتلال بأنه آن الأوان كي يتم تفعيل "المبادرة العربية" التي أعلنت في القمة العربية في بيروت عام 2002، ومد اليد للعدو الصهيوني لعقد الصلح والاعتراف بالكيان، منوهاً في تلك الزيارة بأنه يرى نتنياهو رجلا قويا وباستطاعته المساعدة على إحلال السلام بالمنطقة.

هناك من يقلل من أهمية هذه الزيارة بحجة أنه سبق للخارجية أن صرحت أن عشقي وآخرين، لا يمثلون الدولة، وأنّ آراءهم تخصهم. وهذه الحجة متهافتة وتنقضها الأنظمة السعودية التي تعتبر الأراضي المحتلة، ودولاً أخرى بينها العراق واليمن وإيران، من الدول المحظور السفر لها، ويعاقب عليها القانون المحلي. فهل ينبئ هذا الصمت بشيء ما يحفر مجراه عربيا؟

مؤشرات لا لبس فيها

عندما يطلق مسؤول سعودي سابق تصريحاً يدعو فيه الإسرائيليين إلى زيارته في بيته بالدرعية، ويكون هذا المسؤول بحجم رئيس الاستخبارات العامة (السابق)، حينها لا يكون سراً إذا قلنا إن الأمير تركي الفيصل ينفذ بنود المرحلة القادمة في النظرة الجديدة إلى إسرائيل، مستندا في ذلك الى "المبادرة العربية". ما يعني أنه من الظلم أن نحمِّل شخصاً مثل عشقي تركة هذا الاستهتار الممنهج بالقضية، والذي تتحمله على السعودية كل الأقطار العربية من دون استثناء.

كما أننا عندما نعود إلى كانون الأول/ديسمبر الماضي، وإلى صحيفة "إيلاف"، فسنجدها نشرت حواراً مع المدير العام لوزارة خارجية العدو دوري غولد لم تتم فيه الإشارة إلى القضية الفلسطينية، ولا إلى أن ممارسات الاحتلال الإرهابية هي سبب الأزمة، بل تم تقديم إسرائيل كفاعل سياسي في المنطقة، من الممكن التوافق معه من أجل إنهاء كل الأزمات، وبالتالي نزع صفة العدو منه والعيش معه بسلام. حوار كهذا من قبل الصحيفة لم يأتِ كتصرف فردي منها، نظرا لحجم الضيف وما تحدث به، ولكن بضوء أخضر أعطي لها، تماما كما تم منح موافقات عربية لحوادث ماضية، إما ضمنية أو مباشرة، وذلك خلال الأعوام الخمسة الماضية، كي يتم التقدم بخطوات بطيئة من التطبيع عبر حقول الاقتصاد والثقافة والرياضة، وفي المؤتمرات والأنشطة والندوات، تمهيدا للتطبيع السياسي لاحقا.

وعليه، يظهر أنّ ما قام به عشقي ليس خلافاً ثقافياً وفكريا أو موقفاً فردياً لا يمثل فيه أحدا، كما يحلو للبعض تفسيره وتبريره للتخفيف من وطأة الأمر، ولكن هي زيارة سبقها الكثير من التودد إلى العدو، كخطوة ضمن خطة عربية تهدف إلى الاعتراف بإسرائيل. ويترجم ذلك توجه الإعلام العربي عموما، والخليجي خصوصاً، والذي يمتلك فيه السعوديون والقطريون الحصة الأكبر، الرامي إلى عدم تأكيد النظرة العدائية للاحتلال وجرائمه، بخاصة منذ انتفاضات الربيع العربي، وصرف النظر عن فلسطين إلى نيران عربية أخرى مشتعلة قوامها الطائفية ومشاريع تفتيت المنطقة، إضافة إلى استهداف المقاومة كفكرة، واعتبارها مشروعاً بلا جدوى وجر الخسائر للقضية، بل والذهاب أبعد من ذلك ووصمها بالإرهاب. كل ذلك يدلل على أن رفض التطبيع والتمسك بالقضية لم يعد حديثا حالما هدفه "المتاجرة لكسب التعاطف الجماهيري" كما كان يقال سابقا، بل تفسير ما يجري من تواصل عربي مع إسرائيل عموما عبر ما يقدم أحياناً كمحض "صدف فردية بريئة".

المساحة المتاحة للاعتراض

في حالة مثل الوضع السعودي التي بها تجريف كامل للعمل السياسي، حيث تنص الأنظمة على منع التجمعات وإنشاء الأحزاب والنقابات، يكون خيار العرائض الشعبية وإعلان المواقف في شبكات التواصل الاجتماعي هي القناة المتاحة. ولكن الملاحظ أن هناك قلباً لمضامين إدانة مثل هذه الخطوات عبر التركيز على أشخاص بعينهم، كما جرى مع أنور عشقي، وفصل ذلك عن سياق عام كان له الدور في تشجيعه ودعمه وتسهيل هذه الخطوة له.

في حالات سابقة، كان مقبولا أن تصاغ هذه العرائض، التي تُعنى بالشأن المحلي وتطالب بالإصلاح وفسح المجال للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، كمناشدات تشمل مطالبات، ويتم تضمينها تسجيلاً لموقف ما. ولكن في وضع مثل التطبيع مع العدو الصهيوني لن يستقيم ذلك، لأنه تهديد استراتيجي خطير للمستقبل والوجود والذاكرة لا يخص فئة دون أخرى. لذا كان حريا بكل من اتخذ خطوة بهذه الاتجاه، الوعي بأن الديباجة المستنسخة من عرائض أخرى لها ظروفها ومواضيعها، وتختلف شكلا ومضمونا عما نحن بصدده الآن. فنحن أمام موجة جارفة لا يمثل فيها عشقي أي وزن. وعلى الموقف أن يكون واضحا في إدانة الفعل والسياقات التي أدت إليه، وإعلان البراءة منها والتشديد على أن التطبيع خيانة، والتوضيح أن كل المحاولات السابقة باءت بالفشل، وعلى رأسها المبادرة العربية نفسها التي جاء الرد الإسرائيلي عليها بالرفض بعد يومين فقط من إعلانها، وارتكبت مجزرة جنين الشهيرة، إضافة إلى الاستمرار في بناء عشرات المستوطنات ومواصلة سياسة الفصل العنصري...

لا أحد يشكك في نيّات كل من أعلن وسجل موقفه بخصوص هذه الزيارة، ولكن حتى يستقيم العمل، ولو في نطاق ضيق، يجب التوضيح بأن الأشخاص ليسوا الهدف المنشود بحد ذاته، بقدر بيان وجود سياسات وراءهم..

[يعاد نشرها ضمن اتفاقية شراكة وتعاون بين "جدلية "و"السفير العربي"]

رسام الكاريكاتير العراقي أحمد فلاح

[ هذه المساهمة ضمن ملف خاص حول رسامي كاركاتير عرب في زمن ما بعد موجة الثورات الأخيرة .انقر/ي هنا للاطلاع على جميع مواد الملف، الذي أعده  لـ”جدلية“ أوس داوود يعقوب.]


يكاد المشهد العربي بتناقضاته السياسية والاجتماعية والثقافية أن يكون رسماً كاريكاتيرياً. وثمّة تجليات للحراك الجماهيري الذي قاد إلى ثورات الربيع العربي، منها بحكم المؤكد ما يرتبط بفن الكاريكاتير الذي استحال إلى استنطاق ضمير شعبي ارتبط بالمزاج الشعبي. هذا الاستنطاق ترجم إلى علاقة عضوية مباشرة بين الكاريكاتير والحراك المدني. إنها لحظة لقاء تحت خيمة الغضب. في العراق مثلًا، كان لي شرف أن يطبع المتظاهرون رسوماتي بأحجام كبيرة ويرفعونها كلافتات احتجاج. تلك هي اللحظات الفارقة في العلاقة التي تصل حد التماهي على مستوى السخرية المرّة وعلى مستوى المطالبات بالتغيير.

وحين يتداول الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل واسع الرسم الكاريكاتيري الذي يفضح السياسيين ورجال الدين، والذين هم يشتركون جميعاً بالفساد، يتحول الرسم هنا إلى وثيقة بصرية تعزز الإدانة، وتصبح محاكمة شعبية للأنظمة السياسية المستبدة والناهبة لمقدرات الشعوب. لكن الكاريكاتير العربي، وأنا أتناوله هنا من الزاوية العراقية، لم يتقدم على الحراك الشعبي، بل هو يحايثه ويوازيه، قد يقود إلى زيادة زخمه الاحتجاجي، وهذا ما هو مهم في الظرف الراهن.

والحال، قد تتعلق المسألة بالوظيفية السائدة في فترة ما قبل ثورة الاتصالات، حيث ركن الكاريكاتير إلى زاويته على صفحات الجرائد والمجلات. وقد ترتبط بوظيفته المحفوظة بالذاكرة الجمعية وهي النقد الاجتماعي الساخر، لكن حلحلة هاتين المسألتين بدأت فعلياً منذ بداية الربيع العربي، حيث تهشمت "قدسية" النظام السياسي وشخصية القائد الأوحد أو القائد الملهم والقائد الضروري، مما أتاح لرسام الكاريكاتير فضاء أوسع لتناول الظواهر السياسية وتشريح شخصيات الفساد والفشل عبر الألوان والخطوط.

وفي العراق، لم ينجو الرسامون بطبيعة الحال من البطش الحكومي والميليشياوي نتيجة هذه العلاقات الجماهيرية المتنامية. فقد الزميل الراحل أحمد الربيعي حياته ثمناً لأنه رسم إحدى الشخصيات الدينية الإيرانية ببورتريه كاريكاتيري لم يمس منزلة رجل الدين ولم يقلل من أهميته، لكن العقلية السياسية والميليشياوية المتخلفة تنظر إلى الكاريكاتير على أنه انتقاص من الشخصية التي يتناولها وإن كانت بورتريهاً فنياً. ومن خلال تجربتي، فإن عشرات رسائل التهديد والوعيد تصلني أسبوعياً من سياسيين ورجال عصابات وميليشيات مرتبطة بالحكومة لأنني أتناول شخصيات دينية وسياسية مرتبطة بالفساد الذي ينخر مفاصل الدولة العراقية، ومع أني نفذت بجلدي منذ أن شعرت بحبل السلطة يقترب من رقبتي وفررت خارج العراق، إلا أن رسائل التهديد لي ولعائلتي لم تتوقف.

وبالرغم من هذا الرعب الذي تخلّفه رسائل التهديد، إلا أنه يكشف، بشكل واضح، حجم التأثير على الساسة، والرعب من الرسم، كما الرعب من بقيّة الفنون الأخرى.

شخصيًا، أؤمن أن التماهي في العلاقة بين الحراك الشعبي العربي والكاريكاتير قاد إلى تطور وتنامي كل منهما، كما أنه أدى، وأنا هنا أتحدث عن تجربتي الشخصية، إلى تجديد وابتكار في الأسلوب ليكون الكاريكاتير صوتًا لضمير المزاج الشعبي الثائر على الأنظمة الرجعية التي تحاول إفقاره وتحقيره بشكل
مستمر.

***

أحمد فلاح  رسام كاريكاتير من العراق. من مواليد 1987. طالب معهد فنون. عُرف برسومه الصادمة والجريئة، وهي توزّع السخرية والنقد على جميع السياسيّين العراقيّين من دون تمييز. وهذا ما وجد له صدى لدى العراقيّين، حيث راحوا ينشرون رسومه على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم من هذا السياسيّ أو ذاك.وفي مطلع العام 2014 على وجه التحديد، لم يكن أحمد فلاح معروفًا كما هو اليوم، إلّا أنّه تعرّض إلى تهديد من قبل إحدى الميليشيات المسلّحة، ممّا اضطرّه إلى الهرب إلى عاصمة إندونيسيا جاكارتا، وكان يومها قد رسم غلافًا لمجلة اسمها "فكر" وهي إحدى المجلّات الصغيرة وغير المعروفة، يدين فيه فساد أحزاب الإسلام السياسيّ أيضًا.

ومن جاكاراتا، عاد" فلاح" إلى الرسم بجرأة أكبر، ولم يكن فلاح الأول بين الفنانين والرسامين الساخرين ممن تلقوا تهديدات مختلفة، حيث تعرض العديد منهم لتهديدات واعتداءات مختلفة، بسبب لوحاتهم الساخرة من الوضع السياسي في البلاد.ويتناول "فلاح" اليوم كل الأزمات السياسية في العراق من خلال رسوماته. ويقول فنانون إن "فلاح" يستخدم أسلوب إسقاط دلالات الماضي على أشخاص الحاضر في رسوماته الساخرة. ويعترف الرسّام الشّاب أن وجوده خارج العراق منحه فسحة أكبر من حرية التعبير عن رأيه. وقال: "لو كنت في العراق لتعرضت للتصفية (القتل) مباشرة".  

 \"\"

 \"\"

\"\"

\"\"

\"\"