مجلة حميد العقابي الافتراضية

مجلة حميد العقابي الافتراضية

مجلة حميد العقابي الافتراضية

By : Hamid Al-Ikabi حميد العقابي

على عكس الكثير من الكتّاب ظلّ الشاعر والروائي العراقي حميد العقابي يرفض كتابة مقالات بشكل دوري في الصحافة لأسباب عديدة أهمّها عدم استقلالية غالبيّة الصحف العربيّة والعراقيّة عن قرار الأحزاب والشخصيّات السياسيّة، ومنذ أخذ موقع فيسبوك بالانتشار، تحوّل جدار حميد العقابي على الموقع الأزرق منبراً لآرائه في الأدب والسياسية، فضلاً عن تعليقاته على التحوّلات التي تطرأ في المجتمع، ومواقف المثقفين، لاسيما العراقيين منهم، تجاه أبناء جلدتهم.

وقد كتب العقابي على صفحته في فيسبوك العديد من المنشورات والشذرات المهمّة التي تتعلق بمسائل شائكة. وكانت منشوراته شجاعة وذكيّة ولمّاحة، وكان لا يخشى الخوض في أي قضيّة، ولا يصمت عن أي حدث حين يجد أن هناك ما يقال فيه، حتّى تحوّل جداره إلى مجلّة خاصة يديرها بنفسه.

تنشر "جدلية" بعض النماذج من منشورات حميد العقابي الذي توفي في مغتربه الدنماركي في 4 نيسان / أبريل عام 2017، توثيقاً لآرائه، لاسيما وأن أن مواقع التواصل الاجتماعي قادرة على بلع التاريخ وهضمه وإحالته إلى النسيان ببساطة تامة.

*** 
(مثقفٌ) عراقي يسمعُ صليلَ سيوفٍ قادماً من ألفي عامٍ، فيكتبُ باستعلاءٍ عن العنفِ المترسخِ في ثقافةِ شعبهِ، متمثلاً ببيت شعر:
(إذا بلغَ الفطامَ لنا صبيّ
تخرّ لهُ الجبابرُ ساجدينا)
..ويعزو كل ظواهر تخلفِ شعبهِ إلى ماضيهِ، وكأنّ شعوب الأرضِ كانت قبل ألفي عامٍ ترفل بالسلام، ولم تكن الشعوب الاسكندنافية قراصنةً ووحوشاً.

لكنه، لم يسمعْ هدير طائرة الـ B52 وهي تصبّ حممها على رأس شعبهِ الأعزل.
بل هو لا يعرف من معلقةِ عمرو ابن كلثوم غير هذا البيت، وربما لو سمع مفتتحها لم يحرك رأسه طرباً:
(ألا هبّي بصحنكِ فاصبحينا
ولا تُبقي خمورَ الأندرينا
مشعشعةً كأن الحصّ فيها
إذا ما الماءُ خالطها سخينا)

9 شباط / فبراير 2017

  ***
في حوارٍ طريفٍ (أو بالأحرى سخيف) بين لوط والرب (كما ورد في التوراة)، يسأل لوط ربَّه وقد قرر الأخير تدمير المدينة: "ماذا لو كان فيها خمسون رجلاً صالحاً؟" فيجيب الربّ: "سأعفو عن القومِ لأجلهم". يعود لوط ويسأل ثانيةً "ماذا لو كانوا خمسةً وأربعين؟"، فيردّ الربُ بأنه سيعفو عن القوم، وهنا يسأل لوط "أبسبب خمسةِ رجالٍ خاطئين تعاقب القوم؟". يدرك الرب مراوغة لوط الخبيثة، فلا يستجيب له.

الأمر نفسه ينطبق تماماً على القضية الفلسطينية، فبخبث اليهود وغباء العرب، تحولت القضية الفلسطينية من جريمة تاريخية كبرى بحق شعبٍ شُرّد من أرضه إلى قضية سياسية تخضع لاختلاف الرأي، ثم تحولت على يد القوميين العرب إلى قضية قومية منخورة الأساس، لتنتهي على يد الإسلاميين إلى قضية دينية تم اختصارها في مدينةٍ ومسجد.

أمّا وقد تسلّمها الآن مقتدى الصدر (وتلك لعمر اللهِ قاصمة الظهرِ)، مهدداً الرئيس الأمريكي بتشكيل جيشِ من البؤساء العراقيين للزحف إلى القدس إنْ تم نقل السفارة الأمريكية إليها، وبغض النظر عن الادعاء الذي خبرنا زيفه، فأن الأمر أصبح متعلقاً بأمر نقل سفارة، أما الأرض وحق الشعب الفلسطيني فقد أصبحا في خبر كان، أو من النوافل التي لا إثم على تركها.
.................................
.................................

في اللغة الدنماركية يقال لفعل المساومة بين البائع والمشتري على سعر البضاعة: إنهما يضرطان بالسِعر.

25 كانون الثاني / يناير 2017

***
ما زلتُ شيوعياً، (وإنْ لم أنتمِ).
وما زلتُ أرى أن (النظام الشيوعي) هو أرقى حلمٍ أزهر في ذهن البشرية.
وما زلتُ برغم الخيبة، أرى أن النظام الشيوعي قابلٌ للتحقق، بل (وبشيء من اليقين) أؤمن بحتمية انتصار العامل الأعزل على الرأسمالي المدجج بكل أنواع الأسلحة.
لكن...

(أتمنى) على الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره العاشر أن يعلن عن حلّ نفسهِ، وطيّ صفحة ماضيهِ، على الرغم من آلاف الشموع الخالدة التي أضاءت مسيرته (وأعني الشهداء).

وحجتي في هذا الرجاء... أن الحزب في ظروف العراق الحالية (وعلى المدى المنظور كذلك)، يشكّل عائقاً لولادةِ جيلٍ يساري جديد يبدأ من نقطة الصفر، وعائقاً لتطور يسارٍ اشتراكي ديمقراطي يتخلى عن أفكار طوباويةٍ غدت حلماً بعيد المنال، ففي ظل مجتمع عشائري ديني متخلف لن تنضج حالة الوعي الطبقي مادام العامل والفلاح مسيّرين من قبل رجل الدين.

هل يكون الحزب الشيوعي العراقي شجاعاً ويتخلى عن فهمهِ العشائري للتأريخ وللحالة الراهنة؟

1 كانون / ديسمبر 2016

***
الهوس في كتابة الرواية عند الشباب والشابات، والذي بدأت الأصوات ترتفع في الشكوى والتذمر منه، لسبب قد يبدو معقولاً وهو الخوف من طغيان الاستسهال في الكتابة، أنا أراه هوساً جميلاً ومفيداً لو نظرنا إليه من جانب آخر (غير الاستسهال)، فهو لا يدل على اندفاع الشباب إلى الكتابة (وهذا أمر محمود بالتأكيد) فحسب، بل هناك دلالة أعمق، فالشاب الذي تدفعه الرغبة (حد الهوس) إلى كتابة رواية (بغض النظر عن الموهبة والوعي بالعملية الابداعية)، يشعر بأن في حياتهِ ما يستحق التدوين، وهذا الشعور يدل على الاحتفاء بالحياة وتمجيدِ لحظات عاشها وأدرك قيمتها الحياتية.

هذا الشعور (في رأيي) يشكّل أساسَ الإبداع.

18 آب / اغسطس 2016

***
أظنُّ... أن بين المثقف (الحر) والنظام الديني لا توجد أية نقطة التقاء، وحتى لو تخلّى المثقف (الحر) عن راديكاليته ودخل مع النظام الديني بلعبةِ المساومة، فستكون الخسارة المؤكدة من نصيبهِ.
النظام الديني مبنيّ على الرفض العنيد للثقافة الحرة لأنه يعلم جيداً أن وجوده سيكون في خطر، والأمر بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت.
لذلك أرى أن على المثقف (الحر) أن يعلن عن رفضه التام لكل تعاملٍ مع النظام الديني.
قد يقول قائل: "في هذه الحالة ستكون العزلة هي نصيب المثقف!"
أقول: "لا، إذ عليه التوجه في خطابه إلى الشعب واستنهاضه، وكذلك أن إصراره على رفض النظام الديني يعزز من دور السياسي المعارض".

7 آب / أغسطس 2016

***
(وجود دولة إسرائيل) ليس قضية سياسية، بل هو جريمة تاريخية. لذلك قد يستطيع سياسي (اليوم أو غداً) إقناع البعض بالتطبيع مع هذا الكيان المسخ، أما بالنسبة إلى المثقف (أعربياً كان أم عالمياً) فأن أي شكل من أشكال التطبيع يعني الإقرار بشرعية هذا الكيان، أو بشيء من الخجل هو دعوة إلى طي ملف الجريمة.

8 حزيران / يونيو 2016

***
لا أدري، لماذا تفرد أغلب الصحف العربية (وأعني هنا الصحف الجادة وليست الصحف الرخيصة) صفحة أو صفحتين (بمعدل يصل إلى 20% من صفحاتها) لأخبار الفنانين (ممثلين ومطربين)، وغالباً ما تكون هذه الأخبار سخيفة ومتكررة في أغلب الصحف.

ربما يكون للأمر دافع تجاري لكسب عدد من القراء، لكني لا أعتقد أن هناك مَنْ يشتري الصحيفة الجادة لكي يطّلع على فتحة فستان هيفاء وهبي أو يهمّه موديل سيارة المطربة الإماراتية أحلام الجديدة. إذن هذه حجة باطلة.

لا أخفي، إني من جماعة المؤامرة حدّ الهوس، فأنا أتوجس من أي نشاط فني أو ثقافي مصدره دول الخليج وبشكل خاص مملكة آل سعود. وما نراه اليوم من هوسٍ في متابعة أخبار المطربين والممثلين في الصحف أو الفضائيات (المملوك أغلبها من قبل دول الخليج) لا يخرج عن فكرة المؤامرة لتخدير المواطن العربي أو لتدمير وعيه.

شريحة المطربين والممثلين هي من أغبى شرائح المجتمع العربي وأكثرها انحطاطاً (لا أعني أخلاقياً بالمفهوم الشرقي)، ولكن لهذه الشريحة سحراً كبيراً على المواطن غير المحصّن بوعي وثقافة تحميه من تأثير هذا السحر، فما أن تتلفظ مطربة أو ممثلة بمفردة إنجليزية تحشرها في حديثها بادعاء واضح، حتى ترى هذه المفردة قد شاعت في أوساط الشباب والشابات يرددونها بشعورٍ دوني واضح، فأصبحت لغة هؤلاء المطربين والمطربات خليطاً من مفردات عربية وأجنبية عادة ما تُلفظ بشكل يثير القرف. وبسبب نرجسيتهم وثقتهم بأنهم ذوو تأثير على جمهورهم نجد البعض منهم (منهن) لا يخجل من إظهار جهله بل التباهي بحماقته، فتجد إحداهن تعلن بصراحة بأنها لا تحب القراءة ولا يهمها ما يجري من أحداث سياسية، وآخر يُبدي تعاطفاً مع فقراء شعبه ومشرديه وهو يملك المليارات في البنوك.

هناك صحف صفراء تصدر في كل العالم ولها جمهور كبير من قرّاء يقرأون دقائق قبل النوم، أو في القطارات، لكن على الجانب الآخر هناك صحف جادة تحترم قارئها الحقيقي، أما في عالمنا العربي المحكوم بنزوات أمراء النفط فقد اختلط الأمر.

من طرائف الأمور المؤلمة أن اغلب الصحف العربية إذا فاضت فيها صفحات الإعلان فأنه لا يزحف إلا على الصفحة الثقافية ليلتهم نصفها أو أكثر، تاركاً صفحات الرياضة وأخبار الفنانات الملونة تنعم بحصانة حدودها.
...................

عالمٌ يراد تسفيهه أكثر مما هو عليه الآن من سفاهة.

1 شباط / فبراير 2016

***
بالتأكيد أن للغرب نظرة استعلائية مقيتة لشعوب الشرق، نظرة كرّسها الاستعمار وأصبحت سائدة بوعي ولا وعي شعوبه (الغرب)، وحتى مفكريه منذ الديمقراطي جداً فولبير (1821 ـ 1880) وحتى الآن، فهم ينظرون إلى الآخر (نحن) كشعوب بدائية غير منتجة اقتصادياً وحضارياً، والذي جعلَ لهذه الفكرة مبرراً لرسوخها في الأذهان أن واقع شعوبنا لم يثبت العكس. وبالرغم من كل العوائق التي وضعها الغرب الاستعماري في طريق نهضة وتطور هذه الشعوب، فأن على الشعوب الحية أن تظهر على الأقل بوادر تحدٍ ومقاومة للاستعمار تكسر هذا المفهوم، لنأخذ الجزائر مثلاً، فبعد أن قدمت مليون شهيد على طريق التحرير عجزت عن بناء دولة متحضرة وظلت تتخبط في سياسات لم تنتج سوى دكتاتوريات وشعب يعتز بتخلفه. أما العراق فهو المثال الصارخ على عجز هذه الشعوب عن بناء أبسط مقومات الحياة الطبيعية.

لا ألقي اللومَ على الشعوب فأنا أمقت فكرة تقسيم الشعوب إلى شعوب متحضرة وأخرى متأخرة وفق تقسيم عنصري مقيت، فليس التخلف أو التحضر يكمن في الجينات، ولكن اللوم يقع على النخب الثقافية المهزومة التي لم تجرؤ يوماً على نقد ماضيها وحاضرها، والتاريخ يشهد أمامنا فكم من المفكرين والعلماء استشهدوا في تصديهم لسلطة الكنيسة ومحاكم التفتيش، ولنقارنها بما قدمه المثقف العربي.
بل لنأخذ مثالاً لايزال ماثلاً أمامنا، وهو ما جرى من جريمة بشعة قام بها الجيش الأمريكي في سجن أبي غريب ونسأل: كم مثقفاً عراقياً وعربياً أدان هذه الجريمة؟ كم شاعراً كتب قصيدة؟ كم رسّاماً صوّر الجريمة؟ هذا ناهيك عن تصريحات مخزية أطلقها مثقفون وسياسيون تستخف بكرامة إنساننا، ليس أبشعها (يمعوّد ما كان يجري على يد النظام الصدامي أبشع بكثير)، وكأن قدر إنساننا أن يختار بين ما هو بشع وما هو أبشع.
...............................

حينما نحترم دماءنا سيحترمنا الآخر رغم أنفه.

15 تشرين الثاني / نوفمبر 2015

***
من الأمور التي لا أتردد في اتخاذ موقف فيها (وبعناد ربما يصل حد التهور) هو إعلاني لموقفي المنحاز للمثقف حينما يكون في مواجهة الغوغاء حتى لو كان مخطئاً، ليس وفقاً لفكرة الأخذ بيد الأخ في حالة كونه ظالماً، وإنما ليقيني بأن انتصار الغوغاء يشكّل انتكاسة عاجلاً أم آجلاً وأنها تنطلق في كل حين من موقف متسيس ومنقادة من سياسي خبيث يحرك خيوطها، وأن فرحها وشماتتها بالمثقف حينما يزلّ أو يخطئ طعنة لي كأني أسمعها تسخر مني.

الخلاف بين السياسي والمثقف في مجتمعاتنا العربية (وفي العراق بشكل خاص) أصبح مألوفاً، ولكن على الرغم من تكراره إلا أن السياسي والمثقف كليهما لم يعيا الدرس.

المؤلم في هذا الخلاف أنه في كل مرة يُحسم لصالح السياسي ويُهزم فيه المثقف، والسبب لا يُخفى على أحد (سوى المثقف الذي يقع ضمن دائرة الخلاف)، فالسياسي (أعني السياسي في مجتمعاتنا المتخلفة) يدخل المعركة مسلحاً بسلاحٍ فتاك وهو قدرته الخارقة على تحريك الغوغاء، مستغلاً نقطة الضعف القاتلة عند المثقف (أعني المثقف في مجتمعاتنا المتخلفة) وهي النرجسية، التي تجعله يوغل في عنادهِ حتى لو أدرك الخطأ الذي أوقع نفسه فيه. ولأنه ذو نَفَس قصيرٍ يدفعه أحياناً إلى اتخاذ مواقف آنية نابعة من ردود فعل غير متأنية، لذا فأنه يرسم لنفسه منحدراً دون أن يدري، يستغل الطرف الآخر نقطة الضعف هذه أبشع استغلال ليضاعف لكماته، حتى إذا أنهك المثقف وظهر ضعفه، وقف السياسي خلف الدمى التي صنعها بيده ساخراً من المثقف ومتبرئاً من بشاعة صنيعهِ ليؤكد أن المثقف (س) كان يحمل أسباب سقوطه منذ زمن طويل لكنه كان يخفي ذلك، والآن افتضح أمره، وكأنه لم يساهم في إيصال هذا المثقف إلى ما وصل إليه، وفي الوقت ذاته نجد المثقف الذي تحولت مواقفه إلى ردود فعل على استفزاز الغوغاء قد تحول هو نفسه دون أن يدري إلى موقع الغوغاء.

منذ السياب وحتى سعدي، قرأت وكنتُ شاهداً على حالات مؤلمة من الصراع بين المثقف العراقي والغوغاء، هزيمة المثقف فيها كانت مزدوجة، فهي خسارة مثقف وانتصار أغبياء.
وكمثال على ما ذكرت أعود بالقارئ إلى قبل اثنتي عشرة سنة، حينما بلغت الحيرة إلى قمة سطوتها بالعراقي (مثقفاً كان أم أميّاً) وأعني مسألة تغيير نظام صدام حسين عن طريق الاحتلال الأمريكي للعراق والانقسام الشديد الذي أفرز موقفين يقعان على أقصى طرفي التناقض ولا توجد لغة بينهما غير لغة التخوين أو دعم نظامٍ فاق ببشاعته كل التصورات.

كانت هناك ثلاثة أصوات لمثقفين عراقيين ذوي تأريخ وتأثير على الساحتين الثقافية والسياسية أعلنت عن رفضها للتدخل الأمريكي (بشكل شرس وصل حتى الشتائم البذيئة)، هذه الأصوات هي سعاد خيري وهيفاء زنكنة وسعدي يوسف، في مقابل سياسيين نظروا إلى الأمر بنظرة آنية (لا مجال هنا لطرح رأيي حول صحتها أو خطئها). هنا ارتفع صوت الغوغاء عالياً، لكنه اصطدم بجدار عجزه عن إيجاد اتهامات لأصوات لها تأريخها المشرف.

فبأي حجة يتم إسقاطها:
سعاد خيري، مناضلة شيوعية من أصل يهودي.
هيفاء زنكنة، أديبة ومناضلة كردية شيعية، وقد أبلت بلاءً شديداً في عدائها للنظام البعثي (الشوفيني), أصدرت كتاباً عن مأساة حلبجة.
فبأية رذيلة يمكن اتهامهما؟

لكن...
سعدي يوسف، عربي وسنّي.
ما أسهل صناعةَ تهمة. عروبي، قومي، شوفيني، نازي، سنّي، طائفي، قاعدي... والآن (داعشي).
أتذكر حينما قرأتُ صفة الطائفية وهي تلصق بسعدي يوسف، لم أتمالك نفسي من الضحك، لأنها جاءت كمن يصف آينشتاين بالغباء، وللتأريخ فأن أول من أطلق صفة الطائفية على سعدي يوسف هو صاحب موقع (كتابات) ذي الصبغة البعثية الواضحة، ثم وفي وقت قصير تحولت هذه الصفة مرادفة لسعدي على لسان الغوغاء، وحين شاع التفكير الطائفي ولم يعد تطهير النفس من لوثة الطائفية إلا (بالتيزاب) تحول الوهم إلى ما يشبه الحقيقة، ولا يعجز القارئ أن يجترح تأويلاً طائفياً لما يقرأه، بل إن سعدي يوسف نفسه تحولت ردود أفعاله إلى ما يمكن تفسيره بالانحياز الطائفي، فبعد أكثر من ستين عاماً من كتابته لشعرٍ يخلو تماماً من أية رمزية دينية، بدأت تظهر مؤخراً إشارات في شعره ومقالاته تدلّ على انتماء طائفي.
.......................................
..........................................

مَن المذنب؟
من أوصل سعدي إلى هذه الحالة؟
أشد ما يؤلمني هو أن تفرح الغوغاء بانتصارها السافل.

6 تموز / يوليو 2015

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • مختارات من قصص وشعر حميد العقابي

      مختارات من قصص وشعر حميد العقابي
      القطار تقولُ ليَ ابنتايَ:الصيفُ جاءَالناسُ ترحلُ للمصايفِ،للبحارِونحنُ لم نمضِ لأبعدِ من مدينتنا الفقيرةِأنتَ ترحلُ في قطارٍ عاطلٍخذْنا إلى جزرِ الكناري مرةًأو... فليكنْ للكوتِلم نرَ دجلةًخذْنا إليه
    • الدقائق: نص غير منشور لحميد العقابي

      الدقائق: نص غير منشور لحميد العقابي
      يومُ الأعزل= 1440 دقيقة صمت.دقائقُ... للحِداد، الذي فقدَ جلالَ معناه وهيبةَ رمزيته لكثرةِ ما استهلكتُه مشاعرُ تالفةٌ، غير أنه طقس يصعبُ على الأعزل أن يتخلى عنه، فقَصُرَ حتى أصبح كصلاةِ المسافر.دقائقُ
    • صيد العنقاء

      صيد العنقاء
             صيد العنقاءمحمد إقبال  صياغة: حميد العقابيإهداء إلى : م. إقبالعصفورٌ يخطفُ من عينِ النسرِ سماءَهيعبرُ في السرّ فضاءَهيثقبُ غيماًيملأ كأسَه بالنورِ.

استراحة مخيّم: روايات من مخيم الرشيدية والبحر

لا نعرف الكثير حول سبب تواجد المخيمات الفلسطينية حيث هي اليوم. كما لا نعرف المسارات التي اتخذها سكانها من فلسطين إلى تلك المخيمات. كثيراً ما نظن أنّ اللاجئين، نقلوا عند وصولهم، مباشرة إلى الخيام التي أصبحت في وقت لاحق "مخيمات." انطلاقاً من أفكار حول اللجوء وسُبل كتابة تاريخ مغاير للمخيمات الفلسطينية في لبنان، عملنا في مجموعة الدكتافون على مشروع "استراحة مخيم" الذي تم تطويره بتكليف من مقر دار النمر للفن والثقافة في بيروت خلال فعاليات مهرجان قلنديا الدولي لعام 2016.

عملُنا في مجموعة الدكتافون هو مزيج من الفن الحيّ مع البحث المتعدد الحقول. يتشابك البحث والفن الحيّ منذ الفكرة الأولية للمشروع ثم أثناء تطويرها ولاحقاً في مشاركتها مع الناس. من هذا المنطلق وعلى غرار العديد من المشاريع الفنية التي تنجز مع مجتمعات محلية بدلاً من المشاغل الفنية، تكون منهجية المشروع بأهمية نتيجته.

اهتماماتنا الشخصية والفنية هي أن نبحث بأماكن مهمشة خارج مركزية العاصمة وأن نحكي عن علاقتنا وحقنا بالوصول للبحر والاستمتاع به كمكان عام مفتوح للجميع. في صيف ٢٠١٢ قدمنا مشروعاً كان عنوانه "هذا البحر لي" دعى الجمهور إلى رحلة بقارب صيد من ميناء عين المريسة الى دالية الروشة المتنازع عليها. كان المشروع عبارة عن رحلة على قارب يتوقف عند كل موقع على الشاطىء ليحكي قصته والقوانين التي ترعاه والتعديّات عليه وكيفية استعماله من قبل الناس. في عام ٢٠١٥، قدمنا مشروعاً بالاشتراك مع مجموعة شبابية وناشطة من مدينة صيدا تحت عنوان "مشي تَ دلّيك" حول علاقة سكان صيدا بالمساحات المشتركة والتغيّرات التي تطال مدينتهم من خلال التخطيطات والمشاريع التي تترك تغييراً جذرياً بالأحياء وبشكل خاص على شاطئ صيدا.

يستكمل "استراحة مخيم" اهتمامنا بالبحث في علاقة الأفراد والمجموعات بالبحر وبحيّزهم الطبيعي. المشروع هو عبارة عن تركيب فيديو قمنا بتطويره مع أربعة من سكان مخيم الرشيدية. صوّرنا مساراتهم اليومية من منازلهم باتجاه البحر حيث قادنا كل مُشارك ومُشاركة نحو المشهد الأخير ليختار مكان تواجده مع خلفية البحر. نسج هؤلاء، على طول الطريق، قصصاً عن تاريخ الأرض ووصولهم إلى المخيم وصراعهم للعمار والحياة اليومية في مخيم مفصول عن المدينة تحدّه حقول زراعية والبحر.

يُعرض هذا العمل في غرفة صغيرة حيث يجد الجمهور نفسه وسط أربع قصص تبرز كل واحدة منها على حائط في الغرفة. يبدأ التصوير في منزل كل واحد من المشاركين ثم ينتقل معهم في أزقة وشوارع المخيم حتى الوصول إلى البحر.

أملى تواجُدنا في مخيم الرشيدية في تلك الأيام المحددة نتيجة المشروع. اللقاءات التي أجريناها مع أناس مختلفين كنا قد التقيناهم عن قصد أو عن طريق الصدفة كشفت لنا فضاءات المخيم من خلال الحياة اليومية هناك. كزوار للمخيم، كان ملفتاً لنا التناقض بين انفتاح المكان على البحر والحقول الزراعية المجاورة مع مدخل المخيم الذي هو كناية عن نقطة تفتيش للجيش ونقاط المراقبة التي تضم حتى شاطئ البحر. وضّح هذا التناقض في المكان القمع الملثم والحرية الوهمية التي تعطى لسكان المخيم.

تاريخ الأرض والوصول إلى المخيم

"بحصار المخيمات، لولا البساتين كانت الناس ماتت من الجوع." هكذا يحكي سكان مخيم الرشيدية الذي يقع على الساحل اللبناني جنوب مدينة صور. مخيمٌ محاط بأراضٍ   زراعية وبساتين حمضيات، جميعها تُروى من قنوات مياه تاريخية مصدرها منطقة رأس العين.

يحتضن الموقع برك رأس العين لمياه الشفة، اثنان منها في تلة الرشيدية والتي تعد أحد أقدم العيون على الساحل اللبناني.1 كما تشكل منطقة رأس العين وتلة الرشيدية جزءاً أساسياً من "صور القديمة" التي امتدت على الساحل. سَكنها أهل صور قديماً لكثرة المياه فيها وإمكانية زراعتها، فيما تركوا صور التي نعرفها اليوم مكاناً للحكم والعبادة. يُروى أنّ اسكندر المقدوني هدم صور المبنية على تلة الرشيدية لأن الكاهن رفض إدخاله إلى المعبد. ما تبقى من صور القديمة هي قرية الرشيدية.2

خلال سنوات الانتداب الفرنسي، وهبت السلطات الفرنسية أراضٍ كثيرة في مدينة صور للوقف الكاثوليكي.3 من ضمن هذه الأراضي الموهوبة كانت أراضٍ  على تلة الرشيدية التي كانت تحوي كنيستين. هنا أنشأت السلطات الفرنسية في العام 1936 مخيماً لمئات اللاجئين الأرمن الفارين من المجازر في منطقة كيليكيا. وصول اللاجئين الأرمن تبعه بعد حوالي العقد من الزمن وصول اللاجئين الفلسطينيين. روَت لنا امرأة مسنّة من الرشيدية، أنها وصلت هي وعائلتها في البداية من شمال فلسطين إلى بلدة مارون الراس الجنوبية: "من مارون الراس رحنا على بنت جبيل ومن هونيك على البص بمدينة صور. لقانا القائم مقام. كان في قطار يوصل لهون. نطرناه. ركبنا فيه صوب سوريا. وصلنا على حما، لقينا سيارات أخدتنا على الجامع. كان في كتير فلسطينية، قعدنا ٧ أيام. جابوا سيارات وسألوا كل واحد شو بيشتغل وأخدوه على بلد يشتغل فيها. أبوي قال بده يروح على الشام. قالوله ممنوع. رحنا على حوران. رجعنا على الشام وبعدين حملنا حالنا ورجعنا على لبنان وقعدنا ببلدة تبنين لأن كان عنا قرايب فيها".

ولكن في العام 1950 أي بعد بضع سنوات من سكنهم في القرى الجنوبية - اتخذت السلطات اللبنانية قراراً بإجلاء الفلسطينيين القاطنين في القرى الجنوبية (تبنين والمنصوري والقليلة وبنت جبيل وغيرها) ونقلهم إلى مخيمات، من ضمنها مخيم أنشأته في محيط المخيم الأرمني القديم. كان عبارة عن شوادر. قام الأهالي بتثبيت الشوادر عبر بناء حيطان من طين وتراب. كانت الحمّامات مشتركة؛ حمام لكل ثمانية بيوت على بعد خمسين متراً من البيوت.

بعد مرور حوالي العقد على مجيىء الفلسطينيين، بدأ اللاجئون الأرمن بالرحيل وأخذ الفلسطينيون مكانهم". كان هناك 311 بيتاً أرمنياً، بقي منها 200 بيت. وهذا ما يُسمى اليوم بالمخيم القديم.

أما المخيم الجديد، فقامت ببنائه منظمة الأونروا في العام 1963 لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون في "ثكنة غورو" في بعلبك. قررت الحكومة اللبنانية إخلاء الثكنة، وتم بناء "المخيم الجديد" في الرشيدية على مقربة من "المخيم القديم". كان عبارة عن شبكة طرقات عمودية وأفقية، فيها وحدات سكنية، كل منها ذات مساحة 99 متر مربع تحتوي على ثلاث غرف وحمام وساحة. انتقل إليه سكان ثكنة غورو، بالإضافة إلى البعض الذي ترك المخيم القديم للسكن هنا. لكن الغرف كانت صغيرة والسقف منخفض جداً. مع الوقت، أغلبية العائلات هدمت هذه البيوت وعمرت بديلاً عنها.


على مر العقود، عمل جزء كبير من سكان الرشيدية في البساتين المحيطة، إمّا في الضمان الموسمي أو كعمال مياومين، واستفادوا بذلك من كثرة المياه في المنطقة. يشرح أبو حسين، أحد الأشخاص الذين عملنا معهم في هذا المشروع:
"لو ما عنّا ميّ بالمخيم ما كنا عشنا. عنا ميّ كتير ومن زمان: قنايا راس العين ونهرين وبرك. من البرك منضخ ميّ للخزان ومن الخزان للشبكة وبعدين للبيوت والأراضي الزراعية."

بعد العام 1969 وإعطاء الشرعية لوجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، عمل سكان الرشيدية في أراضي الجفتلك المحيطة بالمخيم من دون دفع رسوم الضمان. كل مزارع اختار أرضاً وزرعها وباتت عرفياً تعتبر ملكاً له. فأراضي الجفتلك ذات ملكية عامة، منها أملاك لوزارة المالية ومنها للتربية وأغلبيتها ملك للجمهورية اللبنانية. لكن زراعة أراضي الجفتلك اقتصرت على الحشائش: علت، فاصوليا، خس، بقدونس، كزبرة، فجل، وغيرها. وذلك، بسبب عدم ملكيتهم لهذه الأراضي، مُنعوا من زراعة الأشجار المثمرة فيها. فبحسب قانون الملكية اللبناني، من يزرع شجرة يملكها.

اليوم، تخضع هذه الأراضي الزراعية التي يتميّز بها المخيم لتحوّلات كثيرة بسبب معركة العمار بين أهالي المخيم والسلطات اللبنانية.

\"\"

معركة العمار

بسبب قربه إلى فلسطين وموقعه على الشاطىء، لطالما حمل البحر فدائيين من الرشيدية في قوارب إلى إسرائيل للقيام بعمليات عسكرية، فتعرّض المخيم لهجمات إسرائيلية عديدة، أبرزها في 1973، 1978، 1982 حيث تم تدمير 600 ملجأً ونزوح خمسة آلاف نسمة.4

بعد العام 1985، قامت الدولة اللبنانية بالسيطرة الكاملة على مداخل المخيم واقتصر دخول السكان على مدخل واحد يحرسه الجيش اللبناني. هذا الحصار يعيشه المخيم حتى اليوم، ويأخذ أشكالاً مختلفة. مُقيّد ضمن حدود واضحة والبحر، ليس بإمكان المخيم أن يتوّسع عمرانياً، إنما يحصل ذلك على حساب المساحات المشتركة، مثل ملعب كرة القدم وشاطىء البحر، وعلى حساب الأراضي الزراعية.

"أول ملعب فوتبول بالمخيم كان هون، بقلب المخيم. كان حلو لأن كنا نقعد على البرندات ونتفرج على الماتش ونشجعهم. بعدين صار المخيم يضيق علينا، وبلشت هالناس كل شوي تعمر على أرض الملعب. هلق بطل موجود. صار فيه بدل منه ثلاثة، بس كل واحد عملته منظمة. القديم ما كان محسوب على حدا. أهل المخيم هنني يللي عملوه." هكذا روَت منى، التي تسكن بالقرب من حيث كان ملعب كرة القدم الأول في المخيم. حدثتنا أيضاً عن بدء عمليات البناء في هذه الأيام على الأراضي الزراعية. "الطلب على البيوت عم يزيد، خصوصاً مع مجيء اللاجئين من سوريا. صار مربح أكثر الواحد يعمر ويأجر من أنه يزرع. شوفي حارة الكواكنة مثلاً، كانت زراعية واتعمرت. صاحب الأرض سوّرها من شي عشر سنين (وضع يد يعني) وصار يزرعها. من خمس سنين صار يعمّر فيها. يعمل غرف ويأجر للمهجرين السوريين. هو بالأساس عمّر الغرفتين استراحة. بس ما مشي حاله. أجرهم بعدين سكن. وكمان صار يبيع شقف أرض والناس تعمر." منى وغيرها كثر أيضاً حكوا عن شاطىء الرشيدية.

تعرّض شاطىء صور ومن ضمنه شاطئ الرشيدية الى عملية شفط الرمول خلال الحرب الأهلية. عرّض هذا البيوت المواجهة للبحر الى خطر الهدم والتلف بسبب الأمواج. يواجه سكان المخيم هذه المشكلة من خلال بناء جدار بين البيوت والواجهة البحرية باستخدام الردميات الناتجة عن عمليات حفر الطرقات. بالرغم من قباحتها، فهي حل مناسب لأنها لا تكلّفهم شيئاً سوى نقلها. سكان الواجهة الأمامية في معظم الأحيان هم الأفقر في المخيم. اختاروا السكن على الشاطىء لتدنّي سعر الأراضي فيه. روى لنا صاحب استراحة على البحر: "أهلي دوّروا على الرخص مش على البحر." كما شرح أن جزء كبير من بحر الرشيدية الآن عبارة عن ردميات مكدسة على طول الشاطىء، بالإضافة إلى نفايات يتم إلقاؤها في قنوات المياه التي تصب في البحر، ليعود الموج ويلقيها على الشاطىء. الأونروا لا تقوم بتنظيف الشاطىء. يقتصر عملها على تجميع النفايات من الحاويات الموّزعة في الأحياء، لترميها لاحقاً في المكب المتواجد على أطراف المخيم. يتم نقلها فيما بعد الى مكب في بلدة قانا، وذلك بعد أن تمّ إغلاق مكب راس العين الغير صحي والموازي للبحر في العام 2015.

معركة العمار أيضاً تعقدت بقرار الدولة اللبنانية منع إدخال مواد البناء إلى المخيم من دون الحصول على تصريح، مما يأخذ وقتاً طويلاً وفي معظم الأحيان لا يُمنح. يصف سكان المخيم. هذا المنع على أنّه تواطؤ بين المنظمات الفلسطينية وبين السلطات اللبنانية التي تعطي تراخيصاً فقط للنافذين في المخيم الذين بدورهم يبيعونه للسكان بأسعار مضاعفة. معركة العمار تطال مخيمات الجنوب كلها. آخرها كان خبر إصابة شخصين أحدهما شرطي في بلدية صور والآخر فلسطيني من سكان مخيم البصّ، على خلفية محاولة إدخال مواد بناء إلى المخيم من دون تصريح.

هذه الحكايات بالإضافة للكثير غيرها كان قد عبّر عنها المشاركون الأربعة في مشروع "استراحة مخيم." أردنا العمل على مادة بحثية تساهم بصياغة خطاب مختلف عن المخيمات الفلسطينية في لبنان.

المشاريع المجتمعية

المشاريع المجتمعية ليست ببسيطة. السياسات الأخلاقية للمشروع تكون من خلالها على المحك. كيف يمكننا أن نخلق فناً مع المجتمع المحلي وليس فقط عنه؟ كيف يمكننا تمثيل الناس بالطريقة التي هم يريدون أن يتم تمثيلهم بها مع الحفاظ على فكرة العمل الفني؟ هذه الأسئلة تصبح ملحة أكثر حين نتعامل مع مجتمع مهمش أرادت دولتنا أن تعطينا امتيازات عليه.

العمل مع مجتمع محليّ يعني أن نسمح للقاءات أن تحدث وللعمل الفني أن يتغيّر وللجدول الزمنيّ أن يتم تحويله وللقصص أن تُكتشف من خلال اكتشافنا للمكان. على سبيل المثال، كانت فكرتنا الفنية أن ندعو كل شخصية مشاركة في المشروع إلى أن تصمم المشهد الأخير في الفيديو وتختار خلفيتها مع البحر. في الواقع، لم يتجاوب أحد مع هذا الاقتراح لأسباب عديدة كإرادة الابتعاد عن النظرة الرومانسية للبحر والقرب الجغرافي من فلسطين.

العمل مع مجتمع محلي يعني أيضاً أن نبحث عن الأسباب الشخصية والسياسية وراء تقاسم هذه الحكايا معنا واحترام هذه الأسباب مع إبقاء مسافة نقدية في تعاطينا معها. تقول إحدى الشخصيات المشاركة إنّ غرضها من مشاركة الناس لقصة وصولها إلى المخيم وللعنف الذي كانت عائلتها ضحيته خلال حرب المخيمات مع أحزاب لبنانية أنّ على الفلسطينيين أن يروا قصصهم كي لا تموت معهم.

مثل العديد من مشاريع مجموعة الدكتافون، وجدنا أنّ سرد تاريخ المساحات هو مفتاح لفهم الحالة الراهنة للأمور. روايات الفلسطينيين الذين هُجروا إلى لبنان في عام 1948 تكشف عن وجود نقص في التنظيم من قبل الدولة اللبنانية التي نشهده حالياً مع اللاجئين السوريين الذين يصلون بأعداد كبيرة منذ عام 2011. تروي أم خليل وصولها إلى سوريا بعد أن توقفت مع عائلتها في لبنان وبالتالي أجبرتهم السلطات السورية العودة إلى لبنان إذ كان هو أول ميناء لوصولهم. اليوم تُعرف هذه الممارسة باسم «قانون دابلن» الذي ينص على ترحيل اللاجئين إلى أول ميناء حيث تم تسجيلهم في أوروبا بغض النظر عمّا يفضلون أو يخططون له.

نذكر من خلال هذا المشروع أن تجاهل آلام وخيارات الناس والعنصرية المتعمدة وشيطنة اللاجئين في القرى والمدن اللبنانية، والدعوات لتجميعهم في مخيمات يتم السيطرة عليها بسهولة وبالتالي الهجوم عليها بسهولة، ليس بشيء جديد. في حين أن العالم كله مشغول بمناقشة ما يسمونه أزمة اللاجئين، نأمل أن نتذكر أهمية الاستماع إلى أولئك الذين هم بأنفسهم في قلب هذه الأزمة. كما ونأمل أن نتذكر أن ترك الناس في طي النسيان مع موارد وحقوق قليلة ليس حلاً بل عدم وجود
أي حل.

 

لقراءة هذا المقال باللغة الانجليزية، اضغط/ي هنا


بحث وإدارة فنيّة وكتابة المقال: تانيا الخوري وعبير سقسوق
كاميرا: كرم غصين
مونتاج: علي بيضون
تصميم صوت: مجد الحموي
المشاركون: حسين الزيني وخديجة المصري وحسن عجاوي وزهراء فاعور

مصادر البحث
1 من تقرير عن برك رأس العين من إعداد "الجنوبيون الخضر"
2 جميع المعلومات عن صور القديمة استندت الى مقابلة قمنا بها مع المهندس والباحث نصر شرف الدين في حزيران 2016
3 من مقابلة قمنا بها مع المهندس والباحث نصر شرف الدين في حزيران 2016
4 Rebacco Roberts, Palestinians in Lebanon: Refugees Living with Long-Term Displacement, Journal of Refugee Studies (2011)24 (2): 416-417

- مقابلات مع سكان من مخيم الرشيدية
- صوَر جويّة وخرائط
- إفادات عقارية من الدوائر العقارية في مدينة صور
- مقابلات مع المهندس نصر شرف الدين والمهندس والباحث اسماعيل الشيخ حسن والمهندسة والباحثة لينا أبو رسلان
- تقرير الأونروا عن مخيم الرشيدية