2017 ماذا شاهد السوريون/ات خلال رمضان

2017 ماذا شاهد السوريون/ات خلال رمضان

2017 ماذا شاهد السوريون/ات خلال رمضان

By : Katty Alhayek كاتي الحايك

 

اعتادت الدراما التلفزيونية السورية أن تُسيطرعلى سوق العرض الرمضاني العربي. لكن هذه السنة كان الوضع مُغاير، فقد تأثرت الدراما السورية إلى حدّ كبير بالأحداث السياسية التي تشهدها سوريا والمنطقة عموماً. مما أدى لخروج ثلث الأعمال السورية من المنافسة الرمضانية هذا العام. كان التسويق من العوامل الأساسية  المسؤولة عن تراجع مستوى الدراما السورية حيث رفضت الكثير من المحطات العربية وخاصة الخليجية شراء الأعمال السورية بأسعار مناسبة خاصةً تلك التي تقع في فئة الأعمال الاجتماعية المعاصرة. لذلك كانت معظم المسلسلات التي عُرضت على القنوات الفضائية خلال رمضان تنتمي إلى فئة البيئة الشامية كباب الحارة (الجزء التاسع) وطوق البنات (الجزء الرابع) أو فئة الفانتازيا التاريخية كمسلسل  أوركيديا المستوحى من المسلسل الأميركي الشهيرGame of Thrones أو فئة الرومانس التي يغلب عليها الإنتاج السوري اللبناني المشترك كمسلسل الهيبة.

 

الضغوطات التي تواجه الدراما السورية وتدني مستوى الأعمال عما عُرفت به هذه الصناعة فيما قبل سنة الـ 2011 دفعت نجوماً كالممثل أيمن رضا للاعتذار للجمهور عما آلت إليه المسلسلات السورية هذه السنة . هذا الوضع المتراجع والضغوطات التسويقية دفعت الفنانة السورية شكران مرتجي لإطلاق هاشتاغ #أنا_مع_الدراما_السورية من خلال حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبةً القنوات العربية بدعم الدراما السورية بعيداً عن المواقف والتصنيفات السياسية. [انظر صورة (1)].


 بينما رحب الكثير من الوسط الفني السوري بالحملات الإعلامية المدافعة عن الدراما، رآها البعض الآخر كنوع من الاختباء وراء "نظرية المؤامرة" والتحجج بالأزمة التسويقية بينما السبب الحقيقي هو "أزمة ذاتية" لهذه الدراما بسبب "غياب النصوص الجيدة"  [انظر صورة (2) كمثال عن تجاذبات حصلت بين الممثلين السوريين\\ات على الفيس بوك حول هذا الموضوع].

 

[ منشور الفنانة السورية شكران مرتجى على صفحتها الفيس بوك حول حملة  #أنا_مع_الدراما_السورية.]

 

 

[منشور للفنان السوري أيمن زيدان رداً على حملة #أنا_مع_الدراما_السورية وردود من الفنانتين نادين خوري و شكران مرتجى.]

 

ضمن سياق تراجع الدراما السورية على مستوى الكم والنوع وتأزم الواقع السياسي الأمني في سوريا، يُمكن أن نتساءل ماذا شاهد السوريون/ات خلال رمضان 2017؟ للإجابة على هذا التساؤل قمتُ بالتواصل مع 30 سوري\\ة ممن لا ينتموا للوسط الفني أو النخب السياسية للتعرف أكثر على آراء  السوريون/ات خاصةً ممن ما زال يُقيم في الداخل السوري بالدراما الرمضانية هذا العام. استعنتُ بثلاث أشخاص يقيمون في دمشق، السويداء، واللاذقية لتوزيع استبيان مُكون من ٦ أسئلة مفتوحة (open-ended questions). تستكشف أسئلة الاستبيان ما هي نوعية المسلسلات السورية التي تابعها الجمهور خلال رمضان المنصرم وما هي أسباب المتابعة وكيف يُقيّم الجمهور السوري الدراما السورية والعربية خلال رمضان المنصرم وبالمقارنة مع السنوات السابقة وماهي مسلسلات الجمهور المفضلة. أجاب على الاستبيان ٢٦ شخص من الداخل السوري من مناطق دمشق، السويداء، القنيطرة، واللاذقية، إضافةً ل٤ أشخاص من خارج سوريا. ينبغي التأكيد على أنّ العينة ليست تمثيلية للمجتمع السوري ولكنها تعكس آراء شريحة من السوريين\\ات ممن شاركوا في هذا الاستبيان.

 

أكثر المسلسلات السورية مشاهدة هذا العام


في الداخل السوري، أوضح خمسة أشخاص أنهم لم يتابعوا أي مسلسل سوري خلال موسم رمضان المنصرم بسبب انقطاع التيار الكهربائي وأيضاً بسبب فقدان الثقة بالدراما السورية بسبب الأزمة التي تُعانيها منذ بداية الحرب. بينما اشتكى أيضاً بقية المشاركين\\ات من آثار هذه العوامل على حياتهم ومشاهدة البرامج التلفزيونية، إلا أنهم\\ن تمكنوا على الأقل من مشاهدة مسلسل واحد. يأتي مسلسل الهيبة في قمة المسلسلات التي تابعها الجمهور السوري (15 شخص من المشاركين\\ات في الاستطلاع).  مسلسل الهيبة هو إنتاج مشترك سوري ولبناني ويأخذ طابع التشويق والإثارة في إطار رومانسي. تبدأ قصة المسلسل بوفاة عادل زوج عليا (الفنانة اللبنانية نادين نسيب نجيم) في كندا. ووفقاً لوصية عادل تعود عليا مع ابنها الصغير لدفن زوجها في بلدته الحدودية بين لبنان وسوريا "الهيبة" لتواجه سلسلة من التحديات مع عائلة زوجها الذين يتاجرون بالسلاح ولتقع في حب شقيق زوجها جبل ( الفنان السوري تيم حسن). عن أسباب متابعة مسلسل الهيبة تقول هيفاء (53 سنة ومقيمة في دمشق): "أكثر مسلسل تابعته كان الهيبة لأن قصته جديدة وغريبة وغير مكررة وأيضاً لأنه بعيد عن معالجة أحداث الأزمة السورية بشكل مباشر).

"الهيبة"

 


يحل في المرتبة الثانية من حيث المتابعة مسلسل شوق ( 12 شخص من المشاركين\\ات في الاستطلاع). يُركز هذا المسلسل على الحرب السورية وخاصةً قضايا خطف النساء السوريات من قبل التنظيمات الإسلامية المتطرفة من خلال قصة الناشطة المعارضة روز ( الفنانة السورية سوزان نجم الدين). مقاربة الواقع السوري كان أحد الأسباب الأساسية لمتابعة هذا المسلسل، تقول ميسون (40 سنة ومقيمة في دمشق): "أحببت شوق لأنه مسلسل واقعي وقدم لنا آراء متعددة تعكس ما نعيشه يومياً". تُوافق أماني (31 سنة ومقيمة في السويداء) وتُضيف: "تابعت شوق لأنه يحكي واقعنا ولأنه متكامل من حيث قوة السيناريو والإخراج والتمثيل، كل طاقم العمل كان مبدعاً في هذا المسلسل." رُغم محبة الجمهور لهذا العمل بسبب واقعيته، إلا أن هذه النقطة بالتحديد أثارت الكثير من الجدل حول المسلسل. فقد أشار العديد من النُقاد في مجال الدراما إلى تشابهات بين قصة روز والقصة الحقيقية للناشطة السورية رزان زيتونة التي يُعتقد أنها اختطفت سنة 2013 من قبل جماعات إسلامية في مدينة دوما. استاءت شخصيات في المعارضة السورية من هذا الاستيحاء الدرامي واصفة إياه بالمشوه خاصةً أن الفنانة سوزان نجم الدين التي تقوم بدور روز مشهورة بتأييدها الشديد للنظام السوري. إلا أن مخرجة العمل رشا شربتجي نفت أن تكون قصة روز مقتبسة من قصة  رزان زيتونة، ومن ناحية أخرى أكدت نجم الدين أن قصة مستوحاة من شخصية حقيقية غير شخصية زيتونة وهي تعيش حالياً في دبي بعد نجاتها من مختطفيها.      

 

"شوق"


يأتي في المرتبة الثالثة مسلسل أزمة عائلية. يَتبع هذا المسلسل نمط كوميديا الموقف (وإن كانت كوميديا سوداء في المعظم) لرواية قصة عائلة سورية خلال الحرب الحالية مكونة من الأب "جهاد" (الفنان السوري رشيد عساف) الذي يعمل كأستاذ تربية قومية اشتراكية وينتمي لحزب البعث وزوجته "رندا" (الفنانة السورية رنا شميسّ) التي تحلم بالهجرة خارج البلاد وأولادهما الثلاثة "يزن" [طالب في كليّة الهندسة المعلوماتية] والذي يعرض العائلة لعدة مشاكل بسبب طموحه لأن يكون هاكر، و"نورما" [طالبة جامعية في قسم علم الاجتماع] والتي تحاول أن تُطبق نظريات وتجارب دراستها على محيطها و"سلمى" [طالبة بكالوريا]. تراوحت آراء الجمهور حول المسلسل بين الإعجاب بعكسه الواقع بطريقة كوميدية والنفور بسبب اتهامه بالتسييس والتحيز لوجهة نظر النظام السوري دون مراعاة تنوع أفكار المجتمع.      

 

"أزمة عائلية"

 

ومن المسلسلات التي ذكرها أيضاً المشاركين\\ات في الاستطلاع مسلسل "غرابيب سود" الذي أنتجته قناة MBC السعودية بهدف كشف العالم السري لداعش وما يُعرف ب"جهاد النكاح". أثارت عدة أسباب جدلاً واسعاً حول هذا المسلسل انتهى بإيقاف عرضه عند الحلقة 20 [انظر صورة (3)]. يُعتقد أن من أسباب إيقاف المسلسل تناول واقعة مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة بشكل أثار استياء أسرة الفقيد وغضباً شعبيا ورسميا في الأردن وأيضاُ في العراق بسبب مزاعم الشحن الطائفي. إضافةً لذلك يُعتقد أن تصوير المسلسل لامتلاك مقاتلي "داعش" لجوازات سفر قطرية وكويتية أدى لتدخل سياسيين كويتيين لوقف بث العمل.

 

"غرابيب سود"

 

[صورة (3) تُظهر هذه التغريدة الرسمية من قناة الجزيرة القطرية الغضب القطري من مسلسل "غرابيب سود".]

 

خواطر حول ماضي وحاضر الدراما السورية


العديد من المشاركين\\ات في الاستطلاع اعتبر أن مستوى الدراما السورية هذا العام انحدر لدرجة سيئة جداً متحسرين على فن سوري كان يجلب بنظرهم\\ن للسوريين\\ات فخراً وطنياً على المستوى العربي. حتى أن البعض اعتبر أن مستوى الأعمال الدرامية هذه السنة كان منحدراً بالمقارنة مع السنوات الستة الماضية من عمر الحرب السورية. فمثلاً تقول وديان (37 سنة ومقيمة في دمشق): "هذه السنة المستوى أقل من السنوات الماضية فقد غابت عن الشاشة الرمضانية مسلسلات تركت أثر بجودة أعمال مثل ضبوا الشناتي والندم و الولادة من الخاصرة." لكن أيمن (29 سنة ومقيم في اللاذقية) لا يوافق بالضرورة على رأي وديات فهو يقول: "الدراما السورية ما زالت بخير، هناك الكثير من المحطات العربية التي حاربت الدراما السورية هذا العام وقد خسرنا العديد من الأعمال القيمة التي غُيبت من الموسم الرمضاني. أعتقد لو أنه تم عرض هذه الأعمال لكانت قد رفعت من مستوى الدراما. على رغم من ذلك لا أعتقد أن المستوى العام تأثر." هذه الانقسامات في الآراء حول مستوى الدراما السوري بين أعضاء الجمهور تُشابه الانقسامات بين أعضاء الوسط الفني التي عسكتها في بداية المقال. ربما تعكس الانقسامات الحالية والشعور بتردّي مستوى الفن السوري حالة الإحباط الحالية والحنين إلى مسلسلات سورية قديمة كانت تُمثّل بالنسبة إلى الكثير من السوريين\\ات تعبيراً إيجابياً عن الإبداع والفخر الوطني قبل 2011. من المسلسلات التي سماها ال مشاركون\\ات كأفضل مسلسل سوري على الإطلاق: ضيعة ضايعة، الفصول الأربعة، حمام القيشاني، تخت شرقي، يوميات مدير عام، بقعة ضوء، الولادة من الخاصرة، وأشواك ناعمة. يقول مروان (28 سنة، لاجئ سوري مقيم في ألمانيا): "مسلسلي السوري المفضل ضيعة ضايعة لأنه يُمثل قمة الإبداع السوري، والإبداع يتجسد بأني ما زلت أشاهد هذا المسلسل عدة مرات بدون ملل وفي كل مرة أكتشف تفصيل جديد يُعبر عن حياتنا ومعاناتنا." أما بالنسبة ليارا (25 سنة مُقيمة في القنيطرة) فتذكر أن مسلسلها السوري المفضل على الإطلاق هو: "ضبوا الشناتي لأنه يحكي الواقع تماماً بأسلوب كوميدي من نوع المضحك المبكي مما يجعله مريحاً للمتابعة." من جهتها ريم (27 سنة مُقيمة في دمشق) فتقول: "الفصول الأربعة هو المسلسل الذي أكرر مشاهدته مرة تلو الأخرى، هو أكثر مسلسل يشبه حياتنا وطبيعة أسرنا، هذا المسلسل يُمثل ذكرياتي مع عائلتي وحنيني لزمن سوريا الجميل."  في الختام تعكس الآراء المستطلعة مزيجاً مُعقداً من التفاعلات بين منظور المشاهدين\\ات وواقعهم\\ن اليومي حيث يتمثل ذلك في آراء إما تعكس الحنين إلى ماضي كان خلاله الفن السوري في أوجه ممثلاً بمسلسلات مثل ضيعة ضايعة والفصول الأربعة، أو الهروب من مرارة الواقع الحالي على كافة المستويات لمشاهدة مسلسلات كالهيبة أو مسلسلات غير سورية، أو إعلان الفخر وتأكيد التضامن والولاء للدراما السورية في السراء والضراء والإشارة لمسلسلات كشوق كدليل على الجودة المتواصلة للدراما السورية.

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • Reflection on Researching Fandom, Politics, and Arabic-Speaking Audiences

      Reflection on Researching Fandom, Politics, and Arabic-Speaking Audiences
      [This article is part of a special dossier on fandom and politics in the Southwest Asian/ North African (S.W.A.N.A.) region. Read all of the pieces, as well as the introduction, here.] I encountered
    • النسوية التقاطعية وكيف يمكن تطبيقها على الوضع السوري

      النسوية التقاطعية وكيف يمكن تطبيقها على الوضع السوري
      يعود الفهم النسوي المعاصر لمصطلح "التقاطعية" لسنة 1989 عندما صاغت المناضلة الأمريكية والعالمة الرائدة في مجال نظرية العرق النقدية "كيمبرلي ويليامز كرينشو" هذا المصطلح لوصف وتحليل تجارب الاضطهاد والتم
    • المِثلية والهوية الجِنسِيَّة في الفن الشعبي السوري

      المِثلية والهوية الجِنسِيَّة في الفن الشعبي السوري

      في السنوات الثلاث الأخيرة، اكتسب موضوع المثلية الجنسية في سوريا تغطية إعلامية متزايدة وبُعداً سياسياً عالمياً، مع انتشار أخباراضطهاد تنظيم داعش للرجال المثليين وصور إعدامهم عن طريق رميهم من أعلى أسطح الأبنية. كما هو الوضع في مُعظم دول العالم، تهميش مجتمع الميم"َLGBTQ" [تسمية تُشير إلى مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً] ليس جديداً على المجتمع السوري، حيث القوانين تُجرم كافة النشاطات والممارسات الجنسية خارج إطار الزواج التقليدي بين رجل وامرأة مُغايري الجنس. الاستثناء القانوني الوحيد هو أن القوانينالسورية فضفاضة بما يتعلق في الحق بتغيير الجنس،  بشكل يُجيز هذا الموضوع استناداً إلى تفسيرات طبية ودينية. وقد ازداد اهتمام الإعلام الدولي مؤخراً  بموضوع المثلية الجنسية في سوريا،  ليتصدر الأخبار العالمية مع خبر تشكيل كتيبة من المتطوعين الدوليين الذين يُعرفون عن أنفسهم بأنهم "مثليو الجنس" لمحاربة تنظيم داعش في الرقة إلى جانب القوات الكردية. هذا الحدث تم شَجبه من قبل بعض الناشطين\ات،  مُتّهمين\اتالإعلان عن تأسيس هذه الكتيبة بأنّه "pinkwashing" وهو مصطلح يصف استخدام الدفاع عن قضايا مجتمع الميم كذريعة سياسية لتغطية جرائم القوات السياسية والعسكرية المعنية. كماأشار بعض الناشطين\ات أن كتيبةً كهذه من شأنها أن تخدم الأجندة الإمبريالية العالمية للـ"الحرب على الإرهاب"،  والتي استغلت فيما سبق الخطاب النسوي لشن الحرب على العراق وأفغانستان. من جهتهانفت "قوات سوريا الديمقراطية" وجود هذه الكتيبة كجزء منها أو من "وحدات حماية الشعب" الكردية مع تأكيد احترامها لحقوق المثليين. هذا الجدل الحالي يستدعي التساؤل كيف تناول السوريون\ات قضايا المِثلية الجِنسِيَّة في الثقافة الشعبية السورية المعاصرة. وهو تساؤل يصب في محور صفحة صوت الشعب "Vox Populi" لهذا الشهر حول الهوية الجندرية والتعددية الجنسية والإنتاجات الثقافية التعبيرية في الشرق الأوسط.

      تطرق الأدب السوري لموضوع المثلية الجنسية خاصة بين النساء كما في رواية "عاهرة ونصف مجنون"  لحنا مينة و"حالة شغف" لنهاد سيريس و"رائحة القرفة" لسمر يزبك.  ولكن تم انتقاد بعض من هذه الروايات لعدة أسباب كالاعتماد على الصور النمطية في تناول الموضوع،  وتصوير قضية المثلية كموضوع مُكتسب وليس كجزء طبيعي من الهوية الجنسية لشريحة من المجتمع السوري. العمل الأدبي والمسرحي السوري الذي عالج موضوع المثلية الجنسية عند الرجال بشكل أفضل وكجزء من السياق الطبيعي لحياة وهوية الشخصيات،  هو مسرحية "طقوس الإشارات والتحولات" لسعد الله ونوس. رغم وجود هذه الأعمال الأدبية إلا أنّ الإنتاج المعرفي الذي تناول موضوع المِثلية الجِنسِيَّة بشكل أكثر جرأة تمثّل بالدراما التلفزيونية السورية، فخلال الأعوام الماضية على الأقل ستة أعمال ناقشت بشكل أو آخر قضايا تتعلق بالهوية الجنسية والجندرية. من المهم الإشارة إلى الفرق بين جمهور الأدب السوري وجمهور الدراما التلفزيونية السورية، فبينما يُخاطب الأدب الجمهور المثقف، فإن الدراما التلفزيونية تستهدف عامة الجمهور من كافة الخلفيات والطبقات الاجتماعية. رغم هذا الفرق من ناحية الجمهور المستهدف إلا أن ّ الصُور النمطية  هيمنت على معظم الإنتاجات المعرفية الشعبية السورية عند التطرق لموضوع الهوية الجنسية. ولكن تبقى الدراما التلفزيونية النوع الفني الذي قدّم  تصويراً أكثر تنوعاً ومقاربة للواقع من باقي الأشكال الفنية الشعبية وإن كانت درجة الجرأة والنمطية تختلف من مسلسل لآخر.

      المسلسل الأقل جرأة كان أشواك ناعمة (2005) الذي قدم مُعالجة خجولة لموضوع شهوة الملابس المغايرة "cross-dressing" عبر شخصية نضال التي قامت بتأديتها الممثلة سلافة معمار. في المسلسل ترتدي نضال، وهي طالبة في الثانوية العامة، ملابس ذكورية وتتصرف كفتى في المدرسة وتوشك في نقطة معينة من الأحداث على القيام بعملية تحويل جنسي. لايُعالج المسلسل رغبة نضال بالتشبه بالرجال و بالتحول الجنسي كجزء طبيعي من هوية نضال وإنما كنزعة منها لإرضاء والدها الذي لم يُرزق بطفل ذكر يُرضي أمنياته في الحياة. ومع نهاية المسلسل تُساعد المُرشدة النفسية في المدرسة، التي تقوم بدورها الممثلة سلمى المصري، نضال لتتصرف كأنثى وتتخلى عن سلوكها السابق.

      يختلف مسلسلماملكتأيمانكم (2010) عمّا قبله من المسلسلات السورية بتطرقه مباشرةً لموضوع المثلية الجنسية إلا أنّ هذا التطرق كان سلبياً وقُوبِل بالاستياء من مجتمع الميم السوري والعربي. المسلسل تطرق لموضوع الميول الجنسية من خلال قصتين: القصة الأولى تُصور الشاب المثلي جنسياً كمُغتصب ومعتدي على الفقراء والأطفال عبر شخصية شادي الذي يستغل جنسياً زميلاً فقيراً له مقابل المال وعندما يرفض الأخير الاستمرار في الموضوع، يغتصب شادي ابن أخته الصغير. القصة الثانية تُوحي بانتشار المثلية الجنسية بين أعضاء مجموعة القبيسيات والآنسة هاجر ليس كمثال إيجابي عن الموضوع وإنما  كإشارة أخرى لنفاق وفساد هذه المجموعة حسب رأي فريق عمل المسلسل.

      بشكل غير مباشر، قدّم مسلسل صبايا 2 (2010) شخصية سامي (الذي يمثلها فادي صبيح) وهو شاب رقيق تغلب على تصرفاته وطريقة لباسه وسلوكه الصفات الأنثوية رغم ضخامة هيئته. رغم أن الهدف الأساسي من تقديم هذه الشخصية هو الكوميديا، إلا أن جدلاً واسعاً وقع في ذلك الحين بين كاتبة الجزء الأول من مسلسل صبايا رنا الحريري وكاتبي الجزء الثاني مازن طه ونور الشيشكلي حيث اتهمت رنا كلاً من مازن ونور بتقديم نموذج عن المثلية الجنسية عبر شخصية سامي يتنافى مع ما تعتبره قيم وعادات المجتمع.

      خصّص مسلسل ناطرين  (2013) حلقة من حلقاته بعنوانإحساسغريب لموضوع المثلية الجنسية بين الرجال بشكل مباشر ولكن دون التسمية الصريحة للعلاقة والمشاعر المتبادلة. اعتبر كثير من نقاد الدراما السورية أن هذه الحلقة كانت طرحاً جريئاً لموضوع المثلية الجنسية من خلال تصوير مشاعر غيرة رغيد ( يجسد دوره الممثل محمد فرزات) على صديقه نبيل (يؤدي دوره الممثل مصطفى المصطفى) من ياسمين (تجسد دورها الممثلة رزان أبو رضوان) المغنية الشابة التي تُحب نبيل ويُعكر وجودها دينامية العلاقة ما بين الصديقين.

      المسلسل اللبناني-السوري عشقالنساء (2014) يتضمن قصة خروج من الخزانة (Coming out) من خلال تسليط الضوء على حياة نديم (الذي يؤدي دوره الممثل اللبناني جو صادر) الذي يعترف في منتصف المسلسل لوالدته غادة (التي تقوم بدورها الممثلة اللبنانية ورد الخال) بأنه مثلي جنسياً. لكن غادة وبالرغم من أنها طبيبة وصاحبة مستشفى وتعيش علاقة حب خاصة مع صديق العائلة المحامي عادل (يؤدي دوره الممثل السوري باسل خياط)، لا تتفهم ابنها وترفض هويته بشكل قاطع. تنتهي قصة نادربالانتحار. وتتماشى هذه النهاية مع الصورة النمطية التي تنتشر في الإعلام عند تناول قصص الخروج من الخزانة وتُعرف بـ"bury your gays trope" التي تنتهي بها كل قصص الشخصيات المثلية بنهايات حزينة كالانتحار والقتل وفقدان الرشد.

      حتى لحظة كتابة هذه المادة، يُعتبر المسلسل السوريقلمحمرة  (2014) العمل الدرامي الأكثر جرأة وواقعية من حيث تصويره لمجتمع الميم السوري. أحد الخطوط الأساسية في المسلسل قصة نورس (يؤدي دوره مصطفى سعد الدين)، الطالب الجامعي في كلية الفنون والذي يُفضل العزلة الاجتماعية بسبب صراعه مع هويته الجنسية ورفض أسرته لتقبل الموضوع. بينما يُحاول نورس الانتحار في الحلقة  14 إلا أنه يتجاوز ذلك ويخوض كما باقي الشخصيات صراعه الوجودي مع الزيف الاجتماعي في فترة ماقبل وبعد الثورة السورية. النقطة الأقوى في تناول قلم حمرة لموضوع المثلية الجنسية أن العمل لا يفصل  بين الهوية الجنسية والسياسية لنورس. ففي الحلقة ٢٤ عندما تعرض عليه مديرة غاليري فرصة الشهرة والمنح الدراسية للغرب لترويج أعماله الفنية بناء على ميوله الجنسية واضطهاده من قبل المجتمع، يستاء نورس ويرفض الموضوع. وفي نهاية المسلسل، بينما تسافر معظم الشخصيات لخارج سوريا ويستقر الكثير في لبنان، يختار نورس البقاء في البلد ويساعد في الأعمال الإغاثية.

      يؤكد تاريخ المنطقة العربية أن التمثيل الإعلامي لقضايا الهوية الجندرية والتعددية الجنسية له تبعات سياسية على شعوب المنطقة. لذا فوسط الاهتمام الإعلامي العالمي الحالي بقضايا مجتمع الميم في إطار الحرب السورية، من المهم تسليط الضوء على الإنتاجات الثقافية التعبيرية المُقاومة للصور النمطية كمسلسل قلم حمرة والتي تلقي الضوء على مدى تعقيد وتقاطع الهوية السياسية والجنسية والطبقية لأفراد مجتمع الميم. فالتمثيل الإعلامي المُقارب لواقع معاناة مجتمع الميم لا يفصل ما بين هذه المعاناة وباقي أشكال القمع والاضطهاد والقتل التي تستهدف المجتمعات المحلية في ظل الحروب الحالية التي تعصف في دول كسوريا. 

محمود درويش: إلهي لماذا تخلّيت عنّي؟

بينما كان قراؤه، شرقاً وغرباً، يحتفلون بذكرى ميلاده في الثالث عشر من آذار، صادرت إدارة معرض الرياض للكتاب دواوين محمود درويش (1941-2008) بعد اعتراض محتسبين من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما وصفوه بعبارات ”زندقة وكفر وإلحاد.“ ويبدو أن قصيدة ”إلهي لماذا تخلّيت عني؟“ من ديوان ”ورد أقل“ كانت القصيدة التي أغضبت المحتسبين كما يظهر الفديو أدناه. نعيد نشر القصيدة هنا مع ترجمة بالانكليزية تحية للشاعر الغائب الحاضر ولحرية القراءة. وشملت مذبحة المنع والمصادرة ٤٢٠ كتاباً ”مخالفاً“ في كافة الحقول، ومن ضمنها دواوين بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ومعين بسيسو.


محمود درويش: إلهي لماذا تخلّيت عني؟


إلهي.. إلهي؟ لماذا تخلّيت عنّي؟ لماذا تزوّجت مريم؟

لماذا وعدت الجنود بكرمي الوحيد.. لماذا؟ أنا الأرملة.

أنا بنت هذا السكون، أنا بنت لفظتك المهملة

لماذا تخلّيت عني إلهي، إلهي.. لماذا تزوّجت مريم؟

تنزّلتَ فيَّ كلاماً، وأنزلتَ شعبينِ من سنبلة،

وزوّجتني فكرة فامتثلتُ: امتثلتُ تماماً لحكمتك المقبلة

أطلّقتني؟ أم ذهبت لتشفي سواي/عدوّي من المقصلة؟

أمن حقّ من هي مثلي أن تطلب الله زوجاً. . وأن تسأله:

إلهي.. إلهي.. لماذا تخلّيت عنّي،

لماذا تزوّجتني يا إلهي، لماذا.. تزوّجت مريم؟


* من ديوان ورد أقلّ (١٩٨٦)

 

[الشريط التالي يظهر لحظة الاعتراض وقراءة مقطع من القصيدة.]