اعتادت الدراما التلفزيونية السورية أن تُسيطرعلى سوق العرض الرمضاني العربي. لكن هذه السنة كان الوضع مُغاير، فقد تأثرت الدراما السورية إلى حدّ كبير بالأحداث السياسية التي تشهدها سوريا والمنطقة عموماً. مما أدى لخروج ثلث الأعمال السورية من المنافسة الرمضانية هذا العام. كان التسويق من العوامل الأساسية المسؤولة عن تراجع مستوى الدراما السورية حيث رفضت الكثير من المحطات العربية وخاصة الخليجية شراء الأعمال السورية بأسعار مناسبة خاصةً تلك التي تقع في فئة الأعمال الاجتماعية المعاصرة. لذلك كانت معظم المسلسلات التي عُرضت على القنوات الفضائية خلال رمضان تنتمي إلى فئة البيئة الشامية كباب الحارة (الجزء التاسع) وطوق البنات (الجزء الرابع) أو فئة الفانتازيا التاريخية كمسلسل أوركيديا المستوحى من المسلسل الأميركي الشهيرGame of Thrones أو فئة الرومانس التي يغلب عليها الإنتاج السوري اللبناني المشترك كمسلسل الهيبة.
الضغوطات التي تواجه الدراما السورية وتدني مستوى الأعمال عما عُرفت به هذه الصناعة فيما قبل سنة الـ 2011 دفعت نجوماً كالممثل أيمن رضا للاعتذار للجمهور عما آلت إليه المسلسلات السورية هذه السنة . هذا الوضع المتراجع والضغوطات التسويقية دفعت الفنانة السورية شكران مرتجي لإطلاق هاشتاغ #أنا_مع_الدراما_السورية من خلال حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبةً القنوات العربية بدعم الدراما السورية بعيداً عن المواقف والتصنيفات السياسية. [انظر صورة (1)].
بينما رحب الكثير من الوسط الفني السوري بالحملات الإعلامية المدافعة عن الدراما، رآها البعض الآخر كنوع من الاختباء وراء "نظرية المؤامرة" والتحجج بالأزمة التسويقية بينما السبب الحقيقي هو "أزمة ذاتية" لهذه الدراما بسبب "غياب النصوص الجيدة" [انظر صورة (2) كمثال عن تجاذبات حصلت بين الممثلين السوريين\\ات على الفيس بوك حول هذا الموضوع].
[ منشور الفنانة السورية شكران مرتجى على صفحتها الفيس بوك حول حملة #أنا_مع_الدراما_السورية.]
[منشور للفنان السوري أيمن زيدان رداً على حملة #أنا_مع_الدراما_السورية وردود من الفنانتين نادين خوري و شكران مرتجى.]
ضمن سياق تراجع الدراما السورية على مستوى الكم والنوع وتأزم الواقع السياسي الأمني في سوريا، يُمكن أن نتساءل ماذا شاهد السوريون/ات خلال رمضان 2017؟ للإجابة على هذا التساؤل قمتُ بالتواصل مع 30 سوري\\ة ممن لا ينتموا للوسط الفني أو النخب السياسية للتعرف أكثر على آراء السوريون/ات خاصةً ممن ما زال يُقيم في الداخل السوري بالدراما الرمضانية هذا العام. استعنتُ بثلاث أشخاص يقيمون في دمشق، السويداء، واللاذقية لتوزيع استبيان مُكون من ٦ أسئلة مفتوحة (open-ended questions). تستكشف أسئلة الاستبيان ما هي نوعية المسلسلات السورية التي تابعها الجمهور خلال رمضان المنصرم وما هي أسباب المتابعة وكيف يُقيّم الجمهور السوري الدراما السورية والعربية خلال رمضان المنصرم وبالمقارنة مع السنوات السابقة وماهي مسلسلات الجمهور المفضلة. أجاب على الاستبيان ٢٦ شخص من الداخل السوري من مناطق دمشق، السويداء، القنيطرة، واللاذقية، إضافةً ل٤ أشخاص من خارج سوريا. ينبغي التأكيد على أنّ العينة ليست تمثيلية للمجتمع السوري ولكنها تعكس آراء شريحة من السوريين\\ات ممن شاركوا في هذا الاستبيان.
أكثر المسلسلات السورية مشاهدة هذا العام
في الداخل السوري، أوضح خمسة أشخاص أنهم لم يتابعوا أي مسلسل سوري خلال موسم رمضان المنصرم بسبب انقطاع التيار الكهربائي وأيضاً بسبب فقدان الثقة بالدراما السورية بسبب الأزمة التي تُعانيها منذ بداية الحرب. بينما اشتكى أيضاً بقية المشاركين\\ات من آثار هذه العوامل على حياتهم ومشاهدة البرامج التلفزيونية، إلا أنهم\\ن تمكنوا على الأقل من مشاهدة مسلسل واحد. يأتي مسلسل الهيبة في قمة المسلسلات التي تابعها الجمهور السوري (15 شخص من المشاركين\\ات في الاستطلاع). مسلسل الهيبة هو إنتاج مشترك سوري ولبناني ويأخذ طابع التشويق والإثارة في إطار رومانسي. تبدأ قصة المسلسل بوفاة عادل زوج عليا (الفنانة اللبنانية نادين نسيب نجيم) في كندا. ووفقاً لوصية عادل تعود عليا مع ابنها الصغير لدفن زوجها في بلدته الحدودية بين لبنان وسوريا "الهيبة" لتواجه سلسلة من التحديات مع عائلة زوجها الذين يتاجرون بالسلاح ولتقع في حب شقيق زوجها جبل ( الفنان السوري تيم حسن). عن أسباب متابعة مسلسل الهيبة تقول هيفاء (53 سنة ومقيمة في دمشق): "أكثر مسلسل تابعته كان الهيبة لأن قصته جديدة وغريبة وغير مكررة وأيضاً لأنه بعيد عن معالجة أحداث الأزمة السورية بشكل مباشر).
"الهيبة"
يحل في المرتبة الثانية من حيث المتابعة مسلسل شوق ( 12 شخص من المشاركين\\ات في الاستطلاع). يُركز هذا المسلسل على الحرب السورية وخاصةً قضايا خطف النساء السوريات من قبل التنظيمات الإسلامية المتطرفة من خلال قصة الناشطة المعارضة روز ( الفنانة السورية سوزان نجم الدين). مقاربة الواقع السوري كان أحد الأسباب الأساسية لمتابعة هذا المسلسل، تقول ميسون (40 سنة ومقيمة في دمشق): "أحببت شوق لأنه مسلسل واقعي وقدم لنا آراء متعددة تعكس ما نعيشه يومياً". تُوافق أماني (31 سنة ومقيمة في السويداء) وتُضيف: "تابعت شوق لأنه يحكي واقعنا ولأنه متكامل من حيث قوة السيناريو والإخراج والتمثيل، كل طاقم العمل كان مبدعاً في هذا المسلسل." رُغم محبة الجمهور لهذا العمل بسبب واقعيته، إلا أن هذه النقطة بالتحديد أثارت الكثير من الجدل حول المسلسل. فقد أشار العديد من النُقاد في مجال الدراما إلى تشابهات بين قصة روز والقصة الحقيقية للناشطة السورية رزان زيتونة التي يُعتقد أنها اختطفت سنة 2013 من قبل جماعات إسلامية في مدينة دوما. استاءت شخصيات في المعارضة السورية من هذا الاستيحاء الدرامي واصفة إياه بالمشوه خاصةً أن الفنانة سوزان نجم الدين التي تقوم بدور روز مشهورة بتأييدها الشديد للنظام السوري. إلا أن مخرجة العمل رشا شربتجي نفت أن تكون قصة روز مقتبسة من قصة رزان زيتونة، ومن ناحية أخرى أكدت نجم الدين أن قصة مستوحاة من شخصية حقيقية غير شخصية زيتونة وهي تعيش حالياً في دبي بعد نجاتها من مختطفيها.
"شوق"
يأتي في المرتبة الثالثة مسلسل أزمة عائلية. يَتبع هذا المسلسل نمط كوميديا الموقف (وإن كانت كوميديا سوداء في المعظم) لرواية قصة عائلة سورية خلال الحرب الحالية مكونة من الأب "جهاد" (الفنان السوري رشيد عساف) الذي يعمل كأستاذ تربية قومية اشتراكية وينتمي لحزب البعث وزوجته "رندا" (الفنانة السورية رنا شميسّ) التي تحلم بالهجرة خارج البلاد وأولادهما الثلاثة "يزن" [طالب في كليّة الهندسة المعلوماتية] والذي يعرض العائلة لعدة مشاكل بسبب طموحه لأن يكون هاكر، و"نورما" [طالبة جامعية في قسم علم الاجتماع] والتي تحاول أن تُطبق نظريات وتجارب دراستها على محيطها و"سلمى" [طالبة بكالوريا]. تراوحت آراء الجمهور حول المسلسل بين الإعجاب بعكسه الواقع بطريقة كوميدية والنفور بسبب اتهامه بالتسييس والتحيز لوجهة نظر النظام السوري دون مراعاة تنوع أفكار المجتمع.
"أزمة عائلية"
ومن المسلسلات التي ذكرها أيضاً المشاركين\\ات في الاستطلاع مسلسل "غرابيب سود" الذي أنتجته قناة MBC السعودية بهدف كشف العالم السري لداعش وما يُعرف ب"جهاد النكاح". أثارت عدة أسباب جدلاً واسعاً حول هذا المسلسل انتهى بإيقاف عرضه عند الحلقة 20 [انظر صورة (3)]. يُعتقد أن من أسباب إيقاف المسلسل تناول واقعة مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة بشكل أثار استياء أسرة الفقيد وغضباً شعبيا ورسميا في الأردن وأيضاُ في العراق بسبب مزاعم الشحن الطائفي. إضافةً لذلك يُعتقد أن تصوير المسلسل لامتلاك مقاتلي "داعش" لجوازات سفر قطرية وكويتية أدى لتدخل سياسيين كويتيين لوقف بث العمل.
"غرابيب سود"
[صورة (3) تُظهر هذه التغريدة الرسمية من قناة الجزيرة القطرية الغضب القطري من مسلسل "غرابيب سود".]
خواطر حول ماضي وحاضر الدراما السورية
العديد من المشاركين\\ات في الاستطلاع اعتبر أن مستوى الدراما السورية هذا العام انحدر لدرجة سيئة جداً متحسرين على فن سوري كان يجلب بنظرهم\\ن للسوريين\\ات فخراً وطنياً على المستوى العربي. حتى أن البعض اعتبر أن مستوى الأعمال الدرامية هذه السنة كان منحدراً بالمقارنة مع السنوات الستة الماضية من عمر الحرب السورية. فمثلاً تقول وديان (37 سنة ومقيمة في دمشق): "هذه السنة المستوى أقل من السنوات الماضية فقد غابت عن الشاشة الرمضانية مسلسلات تركت أثر بجودة أعمال مثل ضبوا الشناتي والندم و الولادة من الخاصرة." لكن أيمن (29 سنة ومقيم في اللاذقية) لا يوافق بالضرورة على رأي وديات فهو يقول: "الدراما السورية ما زالت بخير، هناك الكثير من المحطات العربية التي حاربت الدراما السورية هذا العام وقد خسرنا العديد من الأعمال القيمة التي غُيبت من الموسم الرمضاني. أعتقد لو أنه تم عرض هذه الأعمال لكانت قد رفعت من مستوى الدراما. على رغم من ذلك لا أعتقد أن المستوى العام تأثر." هذه الانقسامات في الآراء حول مستوى الدراما السوري بين أعضاء الجمهور تُشابه الانقسامات بين أعضاء الوسط الفني التي عسكتها في بداية المقال. ربما تعكس الانقسامات الحالية والشعور بتردّي مستوى الفن السوري حالة الإحباط الحالية والحنين إلى مسلسلات سورية قديمة كانت تُمثّل بالنسبة إلى الكثير من السوريين\\ات تعبيراً إيجابياً عن الإبداع والفخر الوطني قبل 2011. من المسلسلات التي سماها ال مشاركون\\ات كأفضل مسلسل سوري على الإطلاق: ضيعة ضايعة، الفصول الأربعة، حمام القيشاني، تخت شرقي، يوميات مدير عام، بقعة ضوء، الولادة من الخاصرة، وأشواك ناعمة. يقول مروان (28 سنة، لاجئ سوري مقيم في ألمانيا): "مسلسلي السوري المفضل ضيعة ضايعة لأنه يُمثل قمة الإبداع السوري، والإبداع يتجسد بأني ما زلت أشاهد هذا المسلسل عدة مرات بدون ملل وفي كل مرة أكتشف تفصيل جديد يُعبر عن حياتنا ومعاناتنا." أما بالنسبة ليارا (25 سنة مُقيمة في القنيطرة) فتذكر أن مسلسلها السوري المفضل على الإطلاق هو: "ضبوا الشناتي لأنه يحكي الواقع تماماً بأسلوب كوميدي من نوع المضحك المبكي مما يجعله مريحاً للمتابعة." من جهتها ريم (27 سنة مُقيمة في دمشق) فتقول: "الفصول الأربعة هو المسلسل الذي أكرر مشاهدته مرة تلو الأخرى، هو أكثر مسلسل يشبه حياتنا وطبيعة أسرنا، هذا المسلسل يُمثل ذكرياتي مع عائلتي وحنيني لزمن سوريا الجميل." في الختام تعكس الآراء المستطلعة مزيجاً مُعقداً من التفاعلات بين منظور المشاهدين\\ات وواقعهم\\ن اليومي حيث يتمثل ذلك في آراء إما تعكس الحنين إلى ماضي كان خلاله الفن السوري في أوجه ممثلاً بمسلسلات مثل ضيعة ضايعة والفصول الأربعة، أو الهروب من مرارة الواقع الحالي على كافة المستويات لمشاهدة مسلسلات كالهيبة أو مسلسلات غير سورية، أو إعلان الفخر وتأكيد التضامن والولاء للدراما السورية في السراء والضراء والإشارة لمسلسلات كشوق كدليل على الجودة المتواصلة للدراما السورية.