[ترجمة عن الأسبانية: جعفر العلوني]
ملابس مستعملة
بيا باروس1
دخل رجلٌ إلى محل ملابس مستعملة. سرعان ما لفتت نظره سترة جلدية رثة ومتسخة. سأل عن سعرها فأجابته البائعة، من بين أسنانها، بسعر سخيف، كما لو أنها كانت تريد أن تعطيه إياها بلا مقابل. ربما أرادت أن تتخلص من السترة لأنها مثقوبة عند جهة القلب ويوجد في بطانتها الداخلية البيضاء بقعةٌ حمراء عجزت جميع منظفات العالم عن إزالتها. خرج الرجل سعيداً من محل الملابس مرتدياً السترة.
وعلى بعد خطوات قليلة من المحل، أطلقت مجموعة من الملثمين النار في أحد الشوارع. انعطفت الرصاصة مائة وثمانين درجة عن مجراها الأصلي بحيث بدا كما لو أن للرصاصة ذاكرة حية. راحت الرصاصة تتمايل بين الأزقة متقدمة بسرعة لتخترق السترة وتدخل مكان الثقب.
إنها حقاً تعرف مكان الثقب. تجمدت ملامح الرجل من أثر الصدمة، في حين سارعت البائعة إلى خلع السترة عنه وعلّقتها مجدداً في الرف المخصص لها.
راحت تقلم أظافرها وهي تنتظر زبوناً جديداً.
رد اعتبار سيرس
دييغو مونيوز بالينزويلا2
لقد شعرت فائقة الجمال سيرس بالملل من سذاجة أوديسيوس. على الرغم من أنه كان رجلاً متقداً، وجميلاً، وحاد الذكاء، إلا أن الحياة معه لم يكن منها أية جدوى. لذلك كانت تحوّله إلى كلب وتركله بقدمها بينما كان يتقرب منها باكياً يطلب السماح والغفران. ثم حولته إلى حصان وامتطته عبر جزيرة أيايا وراحت تجلده بقوة. ثم حولته إلى خنزيرٍ وراحت تطعمه بإذلال. ثم عادت وأعطته الشكل البشري لكي تمارس معه الجنس، فتعود مجدداً لتغضب من حديثه الممل. هكذا قررت أن تطرده من مملكتها، فأعادته إلى سفينته وطاقمه وزودته بكل ما يلزمه من زادٍ لرحلة ستدوم طويلاً.
"اذهب ولا تعد"، أمرت سيرس، بصوتها القوي والحاسم، المسافر الباكي. "قص ما تشاء على البشرية لكي تظهر بصورة جيدة أمام التاريخ".
وهكذا هبت ريح سحرية جرفت أشرعة السفينة.
متلازمة
فيرخينيا بيدال3
تحيطين بي عارية من الحنان. تعصرينني وتحاصرينني وتخنقينني وتثيرين كل غضبي. أحاول أن أتفاداك، ولكنك تعودين وتطاردينتي، تهاجمينني. يأسرني ضبابك المستخ. تخترقينني، تخدرينني، تقمعينني وتخمدين أنفاسي. تلفظين ضبابك الرصاصي الثقيل فأتوجع وأسعل وأتسلل فيك عاصباً عيني ولكنني أتنفس. ها أنا أسلّم نفسي لك، أكرهكِ ولكنني أحتاج إليكِ إن ابتعدت عنك. أنت أنا. تدفعينني فأتخبط وأتجنب أن أتعثر فيك. تفقدينني صوابي، أرفضك. تعرفين جيداً كيف تعزلينني: تحشرينني في زاوية لكي تجعليني وحيداً؛ تنفينني بعيداً لكي تُخضعيني لك. ثم تشعرين بالتعب وتهلكين وتستسلمين، وأرفض أن أشفق عليك. تشعين متوهجة وألمعُ فيك شفقاً وجبالاً فضية تزعج سماءً عابقة. مع ذلك أرفض الاعتراف بكِ، ولكنني لا أستطيع أن أنكر أنني معجب بكِ. هذه فجيعتي: أعاني من متلازمة سانتياغو دي تشيلي.
هَجر
أليخاندرا باسوالتو4
إلى أين تذهبون؟ إلى أين؟ راح الشاعر يصرخ راكضاً وراءنا. لا تتركوني هنا وحيداً، سأموت من البرد.
من بعيد كنا نراه يتبعنا ولكن لم نشعر بأية رحمة تجاهه. فما عسانا أن نفعل بشاعر؟ إنه حمل ثقيل على الظهر!.
تراه سيقطع الخشب؟ أم سيقلم الأشجار؟ أم سيجلب الطعام ويغسل الأطباق ويراقب الأطفال ويرعى الحيوانات؟. رحنا نتساءل فيما بيننا.
من الجسر رأيناه صغيراً يمشي على طول السهل ومعه حقيبته المليئة بالكتب وأقلام الرصاص. مع ذلك كان قلبنا صلباً وأقدامنا ثابتة على الأرض، إذ إننا لم نر أية فائدة من ذلك الشخص. هكذا عدنا إلى بيوتنا ونحن نغني.
لا يوجد شيء مكتوب عن الأحلام
خوان أرماندو إيبلي 5
استيقظَ، فجأةً، مرتاعاً من كابوس كريه: لقد كان الوحش يطارده ووجه مليءٌ بكراهية حمراء. كان الوحش على وشك الانقضاض على ظهره، إلا أنه استطاع أن يستيقظ في آخر لحظة. رفع رأسه ونظر حوله ثم عاد لينام مطمئناً بعد أن شعر بألفة الظلام المحيط بأرجاء غرفته.
كان هذا ما ينتظره الوحش لكي يتقدم هذه المرة بشكل نهائي وحاسم. لطالما شعر بالفخر من ظله المظلم.
بند الإيمان
خوان أرماندو إيبلي
تتخيل الأغنام إلهاً رحيماً وطيباً بشكل لا متناهٍ، قادراً على أن يغفر حتى للذئاب.
تتخيل الذئاب، بدورها، إلهاً قوياً قادرا ًعلى كل شيء، تعبده وتخشاه حتى الأغنام.
أبانا الذي في السماوات
خوسيه لياندرو أوربينا6
بينما راح الرقيب يسأل الأم والأخت، أخذ الجنرال الفتى من يده وراحا إلى جهة أخرى من المنزل.
- أين والدك؟ سأله الجنرال.
- إنه في السماء. أجابه الفتى.
- ماذا تقول؟ هل مات؟ سأل الجنرال مستعجباً.
- كلا – أجابه الفتى-. كل ليلة ينزل من السماء ليتناول الطعام معنا.
نظر الجنرال إلى الأعلى واكتشف الباب الصغير الذي يأخذ إلى السماء.
جمع
خوسيه لياندرو أوربينا
- ما مجموع خمسة زائد خمسة؟ سأله الرجل الذي كان يحمل سكينا.
- سبعة، أجاب الرجل وقد شعر بألم في حلقه من أثر السكين التي تضغط على عنقه.
كانوا قد قطعوا له إصبعين، وبما أنه كان يعرف أنهم لن يتوقفوا، اغتنم الفرصة ليخصم على الفور الإصبع المقبل.
أحجية الزمن
أليخاندرو خودوروسكي7
عندما نظر المسافر خلفه ورأى أن الطريق لا يزال على حاله، أدرك أن أثر قدميه لم يكن خلفه، وإنما كان يسبقه.
الموهبة
أليخاندرو خودوروسكي
- أستاذ، لدي مشكلة كبيرة مع ابني. لقد أحضر اليوم درجات الامتحان وقد حصل على درجة ممتاز في الرسم وسيئ جداً في الرياضيات.
- وماذا ستفعل؟ سأله الأستاذ.
- أعتقد أنني سأتعاقد مع أستاذ يعطيه، فوراً، دروساً خصوصية في الرياضيات.
- خطأ. ضعه فوراً عند أستاذ يعطيه دروساً خصوصية في الرسم. كل واحد منا ينفع لشي في هذه الحياة، ولكن لا ننفع كلنا للشيء نفسه يا عزيزي.
طريق خاطئ
أليخاندرو خودوروسكي
رجل أعمى يحمل عصاه البيضاء في منتصف الصحراء راح يبكي لعدم قدرته على العثور على الطريق. لقد كان طريقه خالياً من العقبات.
الكم والنوع
أليخاندرو خودوروسكي
لم يكن يحبها هي، وإنما كان يحبُّ ظلها. كان يفضل أن يزورها فجراً، ذلك أن حبيبته تكون في هذا الوقت أطول.
[ترجمة عن الأسبانية: جعفر العلوني]
الهوامش:
1- بيا بارروس Pía Barros (1956) كاتبة تشيلية معروفة تنتمي إلى حركة جيل الثمانينيات. اشتهرت بقصصها القصيرة. نالت العديد من الجوائز الأدبية. من أعمالها القصصية : "ثياب مستعملة" و "أشخاص لا حاجة لهم".
2- دييغو مونيوز بالينزويلا Diego Muñoz Valenzuela (1956( كاتب تشيلي. طور أكثر من نوع أدبي ولكنه برع في القصة القصيرة. منع أعماله القصصية نذكر: "لم ينته شي" و "أماكن سرية". حاصل على جائزة المجلس الوطني للكتاب.
3- فيرخينيا بيدال Virginia Vidal (1932-2016) روائية وصحفية تشيلية. عملت كأستاذة جامعية في أكثر من جامعة، وساهمت في تأسيس العديد من المجلات الأدبية. من أعمالها الروائية نذكر: "سم وخناجر" و "نملة ترسم حصان".
4- أليخاندرا باسوالتو Alejandra Basualto (1944) شاعرة وروائية من تشيلي. طورت أكثر من جنس أدبي وبرعت في الشعر والقصة القصيرة. من أعمالها القصصية "إمرأة من جبصين".
5- خوان أرماندو إيبلي Juan Armando Epple (1946) روائي وقاص من تشيلي. يعمل حالياً كأستاذ في جامعة أوريغون الأمريكية ويعدُّ من أبرز كتاب القصة القصيرة في أمريكا اللاتينية، بشكل عام، وتشيلي خصوصاً. من أعماله القصصية نذكر: "بصبغة الدم".
6- خوسيه لياندرو أوربينا José Leandro Urbina (1949) كاتب وأستاذ جامعي من تشيلي. نُفي إلى الأرجنتين. وعاش فترة بين الولايات المتحدة وكندا. له العديد من الأعمال الأدبية منها: "اجتماع السيئات"
7- أليخاندرو خودوروسكي Alejandro Jodorowski (1929) كاتب وشاعر ومخرج سينمائي ومسرحي تشيلي- فرنسي. يكتب باللغة الفرنسية والإسبانية. نال العديد من الجوائز العالمية. من أعماله القصصية نذكر: "ظل منتصف النهار".