في السنوات القليلة الماضية، كُتبت العديد من المقالات والدراسات المختلفة التوجهات، عن المثلية الجنسية في الشرق الأوسط. منها ما كان متضامناً ومنها ما كان رافضاً للفكرة من أساسها، ومنها ما اعتبر نفسه وسطياً برفضه العنف ضد المثليين، لكنه في ذات الوقت عرف المثلية الجنسية على أنها اضطراب نفسي يجب علاجه. وقد تردد الكثير فيما بين الناشطين في مجال حقوق المثليين والمساندين لهم في مجال حقوق الإنسان في المنطقة، عن أن رُهاب المثلية هو واحد من الترسبات التي تركها المستعمر الغربي في الشرق الأوسط وليس العكس- مُذكرين بوجود شخصيات معروفة في الأدب العربي وحتى الإسلامي كانت معروفة بمثليتها، لا بل تغنت علناً بها. رغم ذلك كله، ما زال واقع المثلية في الشرق الأوسط متأزماً وصعباً. فما عدا الانتصارات الصغيرة هنا وهناك، ما زال وضع مجتمع الميم مهدداً بالخطر الذي قد يصل إلى العنف في أي لحظة. وربما من أكثر ما أُثير حوله الجدل في هذا الموضوع هو منع فرقة مشروع ليلى اللبنانية من إحياء حفلاتها في الأردن مرتين ومؤخراً أيضاً، إصدار نقابة الفنانين في مصر قراراً بمنع الفرقة من العودة إلى مصر، وذلك بعد إحيائها حفلاً ناجحاً جداً في القاهرة حضره الآلاف من معجبيهم. خصوصاً بعد ظهور علم الrainbow/القوس قزح، رمز المثلية، ملوحاً بأيدي بعض الحضور في الحفل. بينما ترددت أخبار عن حملة اعتقالات واسعة قامت بها أجهزة الأمن المصرية ضد مجتمع الميم وبعض من المتعاطفين معهم حيث سجلت منظمات حقوق الإنسان في مصر 57 معتقلاً على خلفية رفع علم القوس قزح في حفل مشروع ليلى الغنائي. وقد جاءت ردود الافعال والآراء غزيرة ومتضاربة. فهناك من أيد بشدة حملة الاعتقالات والقرارات الأمنية ضد المثلية الجنسية بحجة حماية المجتمع من “الشذوذ”. حيث عبر الكثيرون على صفحات التواصل الاجتماعي عن رفضهم لما أسموه ب" الانحلال الأخلاقي” او “الميول الشاذة” و “الخارجة عن الطبيعة البشرية” وذهب البعض إلى محاولة التحليل السيكولوجي لـ”الظاهرة” مشددين على ضرورة العلاج أو إقصاء من يرفضه من المثليين أو معاقبته “بالقانون”. أما من رفض تلك الحملة فقد برر تعاطفه على أن ما يحدث من ردود فعل إعلامية ورسمية ضد مجتمعات الميم يتعارض تماماً مع حقوق الإنسان، خصوصاً إن وجود مجتمع الميم ليس بالشيء الجديد. فقامت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بإصدار بيان حول الموضوع نشرته على موقعها الرسمي إضافة إلى صفحة الفيسبوك الخاصة بالمبادرة جاء فيه:
“تدين المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الحملة الأمنية المستمرة منذ 22 سبتمبر الماضي حتى الآن ضد عدد من المواطنين مثليي الجنس، أو من يظن بهم المثلية، على خلفية واقعة التلويح بعلم "قوس قزح"، والمعروف كإشارة للتنوع وقبول مختلف الميول الجنسية وهويات النوع الاجتماعي، وذلك خلال حفل غنائي بأحد المراكز التجارية بالقاهرة، وهي الحملة التي أسفرت عن إلقاء القبض على 57 شخصًا على الأقل منذ الأيام القليلة السابقة على الحفل وحتى الآن في القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى، ولا يقوم دليل واحد على علاقة غالبيتهم الكاسحة بالواقعة التي لا تشكل بحد ذاتها جرمًا يستوجب العقوبة من الأصل، كما لا تشكل العلاقات المثلية الرضائية بين البالغين بشكل عام جرمًا يستوجب العقوبة.”
وقد قام عدد من النشطاء بنشر تعليقاتهم على صفحات الفيسبوك الخاصة به، معبرين عن رفضهم للحملة الأمنية الأخيرة. فعلقت الناشطة منى سيف وتحت حملة #الحريةـللميم الإلكترونية، مستذكرةً ما كتبه شقيقها علاء عبد الفتاح المعتقل بتهمة التحريض على التظاهر منذ أكثر من سنتين :
“لأن علاء صوته تايه عننا في لحظات باشوفها مهمة ولأنه كان بيتحمل قدر كبير من الهجوم والتشويه عشان مواقف ناس بتعتبرها "شائكة" و "مش وقتها” قلت استحضر صوته وكلامه “لما ننصف اضعفنا هتبقى ثورة مش انقلاب، الجنائيين، اطفال الشوارع، المثليين، اي حد مش بيجي في بالك اصلا و انت بتفكر في فئات المجتمع هم دول اللي نقيس عليهم”
#الحريةـللميم “ #free_Alaa
أما الناشطة السياسية والحقوقية المصرية والحاصلة على جائزة لودوفيك تراريو لحقوق الإنسان عام ٢٠١٤ فقد كتبت في تعليق لها على الحملة التي تشنها القوات الأمنية المصرية ضد أفراد مجتمع الميم ومن يساندهم:
“البلد اللي رئيسها نزل العلم من على أرضها و باعها بتحبس ولد و بنت علشان رفعوا علم بألوان قوس قزح.
البلد اللي رئيسها بيدعم الصهاينة بتحقق. مع ولد و بنت بيدعموا حق بشر في التواجد و الحياة .. المثلية او دعمها مش جريمة ..الجريمة الحقيقية هي اللي بيقتل و يحبس و يبيع الأرض ..
#الحرية_للميم#الحرية_لأحمد_علاء#الحرية_لسارة_حجازي “
من جهته نشر فنان الكاريكاتير والكاتب والناشط المصري محمد أنديل على صفحته في الفيسبوك كاريكاتيراً وكتب عن موضوع رُهاب المثلية رابطاً بينه وبين مفهوم الاختيار وما يحمله من مسؤولية ربما لم يتعود المواطن العربي على تحملها:
“توجيه المدفع نحو مجموعة قليلة وضعيفة من الناس ووصمهم بالخطيئة والدنس والنجاسة لمجرد ان قضيتهم في الحياة قضية مرتبطة بالاختيار هي طريقة ناجحة جداً وفعّالة في تبويظ علاقة الناس بمنطق "الاختيار" أصلاً وبالتالي تهيئتهم لقبول القمع والسيطرة والإهانة، وعشان كدة كان في الشهور الأولى التالية لعزل مبارك وفي خضم مناقشات المصريين عن الحريات والهوية ومسئوليات الناس تجاه بعض وتجاه المجتمع اللي عايشين فيه أي مناقشة عن الحرية أو "الليبرالية" بالمفهوم السياسي الضيق كانت بتنتهي بأسئلة طفولية ساذجة من عينة "يعني انتوا عاوزين الأخ ينام مع أخته بقى ولا إيه؟"
بينما اكتفى فنان الكاريكاتير المصري مخلوف بنشر كاريكاتير يعبر عن الموضوع مع عبارة: “الطبيعة البشرية vs الطبيعة البشرية برضه” ربما إشارة منه الى إن المثلية الجنسية هي طبيعة مثلها مثل المغايرة الجنسية.
أما الكاتب المصري أحمد ناجي والذي أثارت روايته الجريئة "استخدام الحياة” عند نشرها الكثير من النقاشات المحتدمة بين متهم له بالترويج للفاحشة وبين مدافع عن حقه الأدبي والشخصي بالتعبير، مما أدى إلى اعتقاله وسجنه لعام كامل. فقد قرر هو أيضاً آن لا يقف صامتاً أمام انتهاك حرية الرأي والحرية الشخصية لشريحة أُخرى من المجتمع فكتب مقالة في موقع المدن الإلكتروني بعنوان "إطلاق الكلاب على مشروع ليلى" جاء فيها:
“انحيازات "مشروع ليلى" واضحة. لا يهربون من المواجهة ولا حتى بتغيير المسار، ولا تضطرهم الظروف إلى تقديم تنازلات، على عكس الفرق الأردنية أو المصرية. "مشروع ليلى" هو مشروع حياة وانحيازات أعضاء الفريق. خلال عشر سنوات راقبنا تقلباتهم ونضجهم، ومعهم نضجنا وتقلّبنا، لكن تأثيرهم تجاوزنا إلى أجيال جديدة وجدوا في "أنا" حامد سنو التي تتكرر في كل أغانيه تعبيراً عنهم.”
شادي أبو زيد وهو شخصية كوميدية معروفة ومؤسس صفحة المحتوى الغني للكوميديا الاجتماعية، والذي قد سبق وتعرض لهجوم إعلامي عنيف بعد أن نشر فيديو له مع صديقه الممثل أحمد مالك وهما يوزعان بالونات مصنوعة من الواقي الذكري على أفراد من الشرطة المصرية في عيدهم فاتهمته وسائل الإعلام بتعمد إهانة الشرطة خاصة أن تاريخ ذلك اليوم كان أيضاً ذكرى ثورة 25 يناير، 2011 التي عرف عن شادي أبو زيد تأييده لها. اختار أبو زيد مرة أخرى الكوميديا الساخرة للتعبير عن ما يحدث من ضجة إعلامية أو “الخناقات"، كما أسماها، حول موضوع حفلة مشروع ليلى ورفع علم القوس قزح، فنشر فيديو بثه مباشرة على صفحة المحتوى الغني، استغل فيه التشابه بين كلمتي “مثلي” و”مثالي” وامتنع عن التعليق عندما جاءت ردود الأفعال توحي باختلاط القصد من الفيديو على المعلقين مما زاد من سخرية الموضوع وعدم وضوحه. وقد حصل الفيديو على نسبة مشاهدة تعدت ال47 ألف.
بعد صمت لعدة أيام أطلق مغني فرقة مشروع ليلى اللبناني حامد سنو حملة على موقعchange.org بعنوان:
Stop violations against LGBT in Egypt / دعوة لوقف انتهاك حقوق مجتمع الميم في مصر
مطالباً فيها الحكومة في مصر بالتوقف عن انتهاك حقوق المثليين وإنهاء حملة الاعتقالات التي تشنها على المثليين ومؤيديهم منذ أسابيع قليلة ماضية.
تلى الحملة إصدار فرقة مشروع ليلى بياناً طويلاً، باللغتين الإنجليزية والعربية نشرته على وسائل التواصل الاجتماعي يوضح أسباب تأخر صدور البيان لعدة أيام على إنه كان بمثابة محاولة لعدم تأجيج الوضع و حماية لمجتمع الميم في مصر. إلا إنه وبعد الأحداث الأخيرة قررت الفرقة إصدار البيان والذي يعلن استنكار ها لحملة الاعتقالات التي أطلقتها الحكومة المصرية ضد مجتمعات الميم ومسانديهم من المغايرين في مصر.
كانت أغلب ردود الأفعال على البيان رافضة للمثلية الجنسية متهمةً مشروع ليلى وحامد سنو شخصياً بتشجيع “الانحراف” تارة، وأخذ الدعم من “جهات غربية” تارة أخرى، بينما وجه البعض اللوم لحامد سنو لمجاهرته بمثليته واعتبروا ذلك “إثارة متعمدة لقضية حساسة، واستغلالها لكسب الشهرة”. فيما علق آخرون بأن البيان رغم بلاغته، جاء متأخراً وليس كافياً وطالبوا مشروع ليلى بإطلاق الحملات وجمع التبرعات من أجل إطلاق سراح المعتقلين على خلفية ما حدث.