الرابعة صباحاً. ١٣ شباط، ١٩٩١.
تحوم طائرتان أمريكيتان (إف-١١٧) في سماء العامريّة غرب بغداد. تطلق الأولى صاروخاً «ذكيّاً» يزن ألفي رطل نحو الهدف.
الهدف: ملجأ رقم ٢٥ في العامريّة، حيث ينام ألف من المدنيين هرباً من مسلسل القصف اليومي.
يخترق الصاروخ المبنى من فتحة التهوية. تطلق الطائرة الثانية صاروخاً، لا يقلّ ذكاءً عن سابقه. يصل إلى هدفه في عمق المبنى.
يقتل، بل يحرق، الصاروخان الذكيّان ٤٠٨ مدنيّين: ٢١٦ امرأة، ٥٢ طفلاً، أصغرهم في يومه السابع.
الكثير من الجثث تفحّمت، وأُخرجَت بلا ملامح. رائحة الأجساد المحترقة ظلّت في المنطقة لأيّام.
البنتاغون قال إن ملجأ العامرية كان موقعاً عسكريّاً. وإنّه تم رصد إشارات إلكترونية تشير إلى اتّصالات لاسلكيّة في الأيام التي سبقت الهجوم. مدير عمليّات البنتاغون قال «القنبلتان سقطتا في المكان الذي تمت برمجتهما لتسقطا فيه.»
الصحفيون الأجانب، الذين زاروا الموقع مباشرة بعد القصف، لم يجدوا أي دليل على أنه كان موقعاً عسكرياً.
مارلن فتزواتر، الناطق الرسمي باسم بوش الأب، قال: لا نعرف لماذا كان هناك مدنيون. لكننا نعرف أن صدّام حسين لا يشاركنا قيم تقديس حياة البشر. . فهو يقتل البشر عمداً.»
حملة القصف كانت قد بدأت في السابع عشر من كانون الثاني ١٩٩١، لتحرير الكويت من الغزو العراقي. ١٣٤ جسراً، معامل، مراكز اتصالات، محطات توليد الكهرباء، مصاف، مراكز تحلية المياه. . . إلخ.
جيمس بيكر، وزير الخارجية: «سنعيد العراق إلى العصر ما قبل الصناعي.»
خسائر العراق من القصف بحسب تقرير اليونسيف كانت: ٢٣٢ بليون دولار.
احتفل صدام بنصره وبعيد ميلاده الميمون في نيسان. واحتفل الأمريكان بنصرهم باستعراض عسكري ضخم في الثامن من حزيران في واشنطن.
انتهت حرب، واستمرّت حرب، من نوع آخر، كانت قد بدأت في آب ١٩٩٠، اسمها: الحصار.
١٩٩٦، برنامج «سكستي منتز»، على قناة سي بي إس: «سؤال: لقد مات نصف مليون طفل من جرّاء الحصار حتّى اليوم. هذا يفوق هيروشيما. هل يستحق الأمر هذا الثمن؟ مادلين آلبرايت، مبعوثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة: إنّه خيار صعب، لكنّنا نعتقد إنه يستحق، الأمر يستحق هذا الثمن.»
[إنقاذ المدنيين، بالحصار المدمّر، من نظام لا يقدّس الحياة.]
لن ترفع العقوبات حتى عام ٢٠٠٣. حين يعود أبطال حرب ١٩٩١ (كولن باول وديك تشيني) مع بوش الصغير ورمسفيلد، لتسويق وتسويغ وشنّ حرب جديدة.
[إنقاذ المدنيين، بالقصف والدمار، من نظام لا يقدّس الحياة.]
***
أصبح ملجأ العامريّة المدمَّر مزاراً ومتحفاً في التسعينيّات. يزوره أهالي الضحايا والوفود الأجنبية. واستغلّه النظام العراقي لأغراضه بالطبع.
أغلق الموقع بعد ٢٠٠٣. وهناك وحدة عسكرية فيه حالياً.
لن يكون هناك ذكر أو استذكار رسمي لجريمة العامريّة اليوم. فمعظم أهل المنطقة الخضراء، هم ورثة الاحتلال الأمريكي، وأولاده.
يستعيدون جرائم النظام البائد، وجرائم داعش، لأغراضهم الانتخابية، والنهبيّة، والطائفيّة.
اليوم سأتذكّر ضحايا العامريّة.
وضحايا القصف «الإنساني» الذين يموتون الآن، في كلّ مكان.