كان صدام حسين سيئاً بكل المقاييس المطلوبة لحاكم رشيد يسعى لضمان سلاكة وطنه وشعبه، وما من أحد كان ليتمنى بقاءه حاكماً، هو والحلقة العائلية والانتهازية من هزته الضاربة، بما في ذلك قاعدة كبيرة من البعثيين المغلوب على أمرهم (وسنرى ذلك واضحاً في استسلامهم لقدر الغزو العسكري الأمريكي دون مقاومة تذكر) ولكن هل كان سقوطه في ٩/٤/٢٠٠٣ هو الطريقة المثلى لإعادة الطمأنينة والحرية لشعب عانى ما عانى من حماقات صدام المتكررة؟
قد تبدو كذلك في سرديات الإعلام اليميني الأمريكي والتي تتجحفل معها سرديات قوى المعارضة العراقية المهاجرة والمنقطعة تمام الانقطاع لعقود من الزمان عن واقع الحال الشعبي داخل العراق في حروبه وحصاره (وسيتأكد بالتجربة فيما بعد بأن هذا الانقطاع كان جهلاص مطبقاً تكتنفه روح الثارات والانتقام والنهب والحيف في أقل تقدير، إن لم نقل النية المسبقة للتخريب الممنهج وتدمير نسق الدولة المتراكم لثمامين عاماً خلت قبل ذلك). لقد فرضت الولايات المتحدة الوصاية على العراق كقوة احتلال مدعمة بقرار أممي وهذا ما يوجب على العراقيين تحميلها كافة المسؤوليات لما صارت إليه الأوضاع حتي الآن.
لقد أصدر ممثلها، حاكم العراق السيد بريمر، حزمة قرارات كان من نتائجها هيكلة تلك الدولة العريقة بجوانبها المدنية والعسكرية والأمنية والقضائية وإفراغها من خبراتها التراكمية دون تفريق بين السلطة والدولة، وشكلت مجلساً للحكم وفق نظام تحاصصي طائفي إثني لم يألفه العراقيون طوال تاريخهم السياسي، وفتحت الباب لهؤلاء المتحاصصين لملء فراغ الدولة الناضى بأفراد عوائلهم وعشائرهم وأحزابهم من مفتقدي الخبرات والكفاءات الذين قاموا هم الآخرين باتباع نظام الفوضى في الإدارة وفق معطيات طائفية وحزبية لا علاقة لها بالقوانين الوظيفية والإدارية السائدة، وأشاعوا فيما بينهم روح النهب لمقدرات وثروات الدولة من خلال ما يسمى (اللجان الاقتصادية) لكل وزارة مهمتها أخذ نسبة الريع الحزبي والطائفي من عقود الموازنات الاستثمارية والتشغيلية حتى صارت الوزارات كافة مجرد إقطاعيات طائفية وحزبية وسياسية لتنحسر من ثم إلى إقطاعيات عائلية مافيزية وعشائرية، كل ذلك تحت نظر الإدارة الأمريكية التي لم تتصرف بما يمليه عليها واجبها ومسؤوليتها كقوة احتلال لينتهي الأمر الآن إلى انهيار شامل في كافة قطاعات الخدمات دون استثناء وقطاعات الأمن والدفاع المخترقة من قبل قوى إقليمية متنفذة، إضافة إلى انهيار قيمة المواطنة التي كانت القوة المغناطيسية الحفية التي منعت بلداً متعدد الأديان والقوميات والأعراف من التفكك طوال عصور وجوده. وليس جديداً أن نضيف موضوعة نهب ثروات البلاد وتهريبها من قبل العصابات السياسية الحاكمة وبعلم ودراية وسائل الأمن والاستخبارات الأمريكية. ماذا فعلت بنا يا أمريكا؟
إن إرثاً من سرديات حقوق الإنسان ودعاواها في خطاب آبائك الأوائل ومنظريك المحدثين يحملك مسؤولية انهيار وتدمير بلادي ويحملك كل تبعيات ما ترتب عن هذه المسؤولية.