أطلقت الفنانة اللبنانية المستقلة تانيا صالح في أواخر عام ٢٠١٧ فلماً دعائياً لألبومها الجديد ربما يعد من أوائل music album trailers في العالم العربي. أتى فلم تقاطع والذي هو من إنتاج شركة KKV النرويجية المنتجة للألبوم، محملاً بالرمزية ومعالجاً للكثير من المواضيع الاجتماعية والسياسية كما اعتدنا في اعمال تانيا صالح السابقة.
الألبوم اعتمد على مجموعة من قصائد رواد الشعر العربي الحديث مثل محمود درويش، بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، بيرم التونسي، نزار قباني، صلاح جاهين، أحمد فؤاد نجم وغيرهم مع موسيقى تمزج بين التقليدي والإلكترونيك. في الفيديو جمعت تانيا مع الموسيقى، مقاطع تصويرية ذات رمزية عالية، تسجيلات شعرية صوتية، وفن الرسم على الجدران، والتي قامت بمعظمها تانيا صالح بنفسها في تونس.
لعبت المادة المصورة دوراً كبيراً في ربط القصائد مع الواقع العربي الحالي وعززت من فكرة التقاطعيه في الألبوم. تفتتح تانيا صالح الفلم بأغنية باللهجة اللبنانية من ألحانها وكلماتها تطرح سؤالاً يسأله الجميع؟ ما هي الحقيقة وراء ما يحدث في عالمنا؟ وما هذا الوضع الغير مفهوم؟ “ما عم بفهم شي من شي”
“ما عم بفهم مين مع مين” واصفة الوضع السياسي الحالي بالتعقيد والتشابك. يرافق الكلمات فيديو مصور لتانيا وهي تبدأ برسم جدارية كبيرة لامرأة تخيط ثوباً يتبين لنا في آخر الفلم تماماً انها تخيط خارطة للوطن العربي، وكأن تانيا في البومها هذا تقوم بمحاولة أخيرة للَّم الخارطة المبعثرة بجمعها لتلك القصائد من بلدان عربية مختلفة، وهي تنبه المشاهد الى أننا “مسيرين مسيسين” وراء زعمائنا المتقاتلين. فيأتينا صوت محمود درويش في المقطع الثاني بالرد، بأننا نعيش من أجل الحب وإن كان خاسراً أحياناً فيقول مخاطباً الحب “فانتصر أنتَ انتصر/ انتصر سلمت يداك/ وعُد إلينا خاسرين وسالماً”. تختار تانيا صالح رسم جدارية لرجل يزحف على ركبتيه وهو يطارد كرة السلام وهي مربوطة حول خصره على طريقة الجزرة والعصا، في محاكاة لفكرة الأمل المستمر بتحسن الأمور، لكن يبدو ان المواطن العربي يبحث عن الأمل في المكان الخاطئ غير مدرك بأنه قريب منه.
لقطة من فيديو تقاطع لجدارية من أعمال الفنانة تانيا صالح. عن حساب الفنانة في تويتر
يستمر الفيديو محاكياً للكثير من هموم العالم العربي فيجد “الربيع العربي” مكانه في قصيدة بدر شاكر السياب وصلاح جاهين مترافقة مع لقطات من أغنية الفنانة الراحلة سعاد حسني “الدنيا ربيع والجو بديع” وجدارية لشجرة وافرة وزهور نضرة تُخفي فيما بينها قنابل موقوتة. ولا تنسى تانيا صالح الحرب الأهلية اللبنانية في قصيدة “خناقة مع الله” للشاعر يونس الابن وهو يتعاتب مع الله ويطلب منه إيقاف جنون الحرب. أما الحرب السورية وقضية اللاجئين فقد جسدتها في صورة امرأة تغسل جسدها العاري في الشارع، بعد أن أخذت الحرب بيتها وحولتها إلى لاجئة، كأنها تعري ذنوبنا جميعاً وتضع الحرب أمامنا في صور أرشيفية للدمار الرهيب الذي يلف مدينة حلب السورية.
المرأة والتعليم ايضاً جسدا في قصيدة “ليليت” للشاعرة جمانة حداد و جداريات تمثل امرأة تنفض الجهل كما تنفض التراب عن سجادتها أو أخرى تحمل الكتب على رأسها لأن “العلم نور” وأخيرة ترقص مرتدية بدلة رقص تلبسها فوق ثوب أسود كسواد شعرها الطويل فيغطي جسدها تماماً و لا يظهر منه سوى وجهها، بينما تقف امرأتان، ربما أم و ابنتها، ترتديان ما يشبه النقاب إلا إن فتحة العينين تشبه قضبان السجن. تحمل الصغيرة في يدها الآيس كريم بينما الكبيرة تظهر إحدى يديها وهي تحمل بين أصابعها المطلية الأظافر سيجارة مشتعلة، كدلالة على الإنسانة الطبيعية المحبة للحياة وراغبة فيها والسجينة في مجتمع لا يرغب برؤيتها. وكان للهجرة جدارية أيضاً تتمثل في عائلة من أم وأب وطفلين يحملون تابوتاً أو ربما حقيبة سفر مكتوباً عليها “وطن” مصاحبة لقصيدة في “بلاد الآخرين” للشاعر اليمني عبد الله البردوني. إلا أن أكثر ما أثار انتباهي هو أن تانيا صالح قد تكون أول من جسد فنياً مأساة العمالة الأجنبية في الدول العربية. فيأتي مطلع أغنية “ليس في الغابات عدلٌ” من كلمات الشاعر جبران خليل جبران مترافقاً مع جدارية ترسمها تانيا صالح تمثل امرأة ترتدي يونفورم العاملات الأجنبيات و هي مشنوقة بحبل يتدلى من شباك أحد البيوت، إشارة إلى حوادث الانتحار المتكررة التي تقوم بها عاملات المنازل الأجنبيات هرباً من قسوة العيش و العمل المستمر و العبودية، فتكتب تانيا عبارة “يس مدام” على الحائط فتكون آخر كلمات المرأة المنتحرة، وهي بمثابة الصدمة البصرية لنا، حيث تمثل التناقض الصارخ بين الطاعة التامة “للمدام” و بين كسر قيود العبودية و لو بالموت.
نجحت تانيا صالح في ربط الكثير من الأفكار والمواضيع وجمعها في عمل فني متكامل ومختلف فاستحق ألبوم تقاطع عنوانه بجدارة.