عشرُ قصائد للشَّاعرة الإيطاليَّة سيبيلَّا ألِرامو
Sibilla Aleramo (1876-1960)
سيبيلَّا ألِرامو في سطور:
سيبيلَّا ألِرامو هو الاسمُ المستعار لِرينا فاتْشو Rina Faccio، شاعرة وكاتبة إيطاليَّة وُلِدَتْ بمدينة ألِسَّاندريا في 14 آب/ أغسطس 1876، وتوفِّيَتْ بروما في 13 كانون الثَّاني/ يناير 1960. نادَتْ ألِرامو بالمساواة بين الجنسين، وانطبعَتْ أشعارُها بآلامِ ومعاناةِ المرأة، وكانت ناشطةً في المنظَّمات النَّسويَّة، وقد تطوَّعَتْ في مرحلةٍ من حياتها للعمل في ملجأٍ للفقراء في روما يديرُه الاتِّحادُ النِّسائيُّ. منذ صغرِها عانتْ ألِرامو آلاماً وخسائرَ جِساماً، فقد كانت والدتها مريضةً عقليَّاً، وحاولَتِ الانتحارَ، وفي الخامسة عشرة من عمرها تعرَّضَتْ ألِرامو للاغتصاب وأجبرتها عائلتُها في سنة 1893 على الزَّواج.
في عام 1899 حصلَتْ ألِرامو على فرصةٍ للعمل في ميلانو، فذهبَتْ إلى هناك، تاركةً زوجَها وطفلَها. وفي عام 1902، بعد أن رفضَتْ استدعاءَ زوجها لها إلى المنزل، رحلت إلى روما وقد دمَّرَها انفصالُها عن ابنها. بين عامي 1901 و1905 تعاونت مع مجلَّةٍ تصدرُ عن الاتِّحاد النِّسائيِّ الذي أصبحت في عام 1906 عضواً فيه، إضافةً إلى تعاونها مع مجلَّة "أنطولوجيا جديدة" التي ربطتْها آنذاك علاقةٌ برئيس تحريرها الشَّاعر والكاتب جيوفانِّي تشينا. صدرَتْ في عام 1906 روايتُها "امرأة" التي تحكي فيها عن حياتها، من طفولتها إلى أن اتَّخذَتْ القرارَ المؤلم بالانفصال عن زوجها وابنها. نُشِرَتْ الرِّواية تحت الاسم المستعار، سيبيلَّا ألِرامو، الذي اقترحَه لها جيوفانِّي تشينا، والذي نُشِرَتْ به جميعُ كتاباتها فيما بعد.
بدأتْ ألِرامو، شيئاً فشيئاً، تبتعدُ عن الانخراط في الحركات النِّسائيَّة. انفصلَتْ عن تشينا وبدأتْ حياةَ التِّجوال والتَّسكُّع. خلال الحرب العالميَّة الأولى التقَتْ بالشَّاعر دينو كامبانا ونشأتْ بينهما قصَّةُ حبٍّ على الرَّغم من التَّناقض الكبير بينهما، هي المأخوذة بحبِّ الحياة ومباهجها وهو المحبُّ للانزواء والعزلة والغارق بأمراضه العقليَّة والنَّفسيَّة. في عام 1921 صدرَتْ مجموعتها الشِّعريَّة الأولى "لحظات". وفي عام 1927 صدرَتْ لها روايةٌ بعنوان "أنا أحبُّ إذاً أنا موجود". وفي عام 1929 صدرَ ديوانها "أشعار"، تلَتْه بعد عامٍ من ذلك مجموعةٌ نثريَّةٌ بعنوان "أفراحٌ مُستعمَلة". بين عامَي 1932 و1938 صدرَت لها روايةٌ بعنوان "السَّوط"، ومجموعةٌ شعريَّةٌ بعنوان "نعَمْ للأرض"، ومجموعةٌ نثريَّةٌ أخرى بعنوان "الدُّبُّ الأصغر".
في عام 1936 وقعَتْ ألِرامو في حُبِّ الشَّاعر والصَّحفيِّ فرانكو ماتاكوتَّا الذي بادلَها الحبَّ وكان يصغرُها بأربعين عاماً، وقد دامَتْ علاقتُهما عشرة أعوام. مع نهاية الحرب العالميَّة الثَّانية انضمَّت ألِرامو إلى الحزب الشُّيوعيِّ الإيطاليِّ وانخرطَتْ بقوَّةٍ في الحقلين السِّياسيِّ والاجتماعيِّ من خلال تعاونها مع صحيفة "الاتِّحاد" الشُّيوعيَّة. توفِّيَتْ في سنة 1960 بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرض ودُفِنَ جثمانها في مقبرة Verano في روما.
* * *
النُّصوص:
[مِن "غابة الحُبِّ"، الأشعار الكاملة، النَّاشر: موندادُوري، 1947]
ورداً كان يدوسُ
ورداً كان يدوسُ في هياجِه
والجسدَ الأبيضَ الذي أحبَّ.
مع كلِّ رضَّةٍ كنتُ أذوي أكثر
آهِ لِكائنٍ تخرجُ غُصَّاتُه سُدَىً.
ورداً كان يدوسُ،
ويهوي كالمجنون بقبضته
ويبصقُ
على الجبين الذي عشِقَه.
طاحنٌ أذاهُ
أكثر من جميعِ عذاباتي.
ولكنْ إذْ نجوتُ الآنَ،
إذْ أموتُ،
فإنَّني أموتُ مِن أذاه.
*
أكونُ كما ينبغي أن أكون
أكونُ طوالَ النَّهار كما ينبغي أن أكون.
أتفهَّمُ، وأرضى، ولا أبكي.
كأنَّني أتعلَّمُ الاعتدادَ بالنَّفس،
أو كما لو أنِّي رجُل.
ولكنْ، عندَ أوَّلِ رجفةِ بنفسَجٍ في السَّماء
كلُّ سَنَدٍ نهاريٍّ يزول.
أنتَ، تتأوَّه شوقاً إليَّ في البعيد:
أيُّها المساء، المساءُ العذبُ المعَدُّ لي!
لَيُخيَّلُ إليَّ أنَّني امتلكتُ بين أصابعي
تعبَ الأرضِ كلِّها.
لم أعُدْ أكثرَ من مجرَّدِ لمحةٍ،
لمحةٍ بعيدةٍ، وأورِدة.
*
آب
إنَّه آبُ، إنَّها الظَّهيرةُ، مروجٌ عاليةٌ مِن حولي،
ها أنا أُتِمُّ مِن عمري أعواماً وأعواماً، وبعد أعوامٍ طِوالٍ
ها أنت تكتبُ إليَّ بيدِك التي أحِبُّ، تكتبُ
أنَّني شابَّةٌ ما أزال، وأنَّني غجريَّتك التي لا تقيمُ بمكان،
غجريَّتُكَ أنتَ يا سرِّيَ العذب، يا مَن ليس لي،
أيُّها الشَّاهقُ أعلى من أيِّ وقتٍ مضى، يا حبِّيَ الشَّاهق،
وابتسامتُك العذبةُ التَّحنانِ من بعيدٍ
تضيءُ حياتي وموتيَ على حدٍّ سواءَ، حياتي
وموتيَ الفريدَين، والطَّافحَين بالدُّموعِ والأمجاد.
*
أنظرُ إلى عينيَّ
أنظرُ إلى عينيَّ السَّحيقتَي الظِّلال
إلى الأثلام الرَّقيقةِ على صدغيَّ،
أنظرُ، أأنتَ هوَ وجهيَ المتعَب المسكين
المطروق طويلاً بمطرقةِ الزَّمن؟
ظلُّ حلمٍ غامضٍ يجثمُ عليَّ ويعذِّبُني.
آه، إنَّها الزَّهرةُ الأخيرةُ تتفتَّحُ فيَّ!
لا أريدُ، مثلَ حجَرٍ مُعتِمٍ،
أن أموتَ مُقمَّطَةً بالظَّلام،
أريدُ من جذريَ السَّحيق أن أرفعَ فجأةً
أغنيةً، أغنيةً أخيرةً لمسائيَ الأخير.
*
أغلقُ كتابكَ
الآنَ أُغلِقُ كتابكَ،
وأحُلُّ ضفائري،
أيُّها القلبُ الوحشيُّ،
القلبُ الموسيقيُّ...
الذي بكلِّ ما فيه من حياةٍ
ينبضُ في أغنياتي
كأنَّما هو وداعٌ لي.
أنا وأنتَ فقدنا أعيُنَنا في نفسِ السَّموات،
ذاهلَين ومُضطَرِمَين مضينا بنفسِ الإيقاع،
وبحُرِّيَّةٍ بكَينا، من دون أن أراك وتراني،
أو أعرفك وتعرفني، بعيونٍ ليليَّة.
الآنَ في أغانيك
حياتُكَ بأكملها
كأنَّها وداعٌ لي.
أيُّها القلبُ الوحشيُّ،
القلبُ الموسيقيُّ،
الآنَ أُغلِقُ كتابكَ،
وضفائري أحُلُّها.
*
يدايَ
كسيرةَ القلبِ
أقبِّلُ يديَّ
لأنِّي تذكَّرتُ أنَّك كنتَ تراهما جميلتين،
يدَاكِ، كنتَ تقول،
محكومٌ عليهما بلا رحمةٍ بالكتابة،
يداكِ خُلِقتا لأجل أعمالٍ أكثر عذوبةً،
لأجلِ مُداعباتٍ طويلةٍ،
كنتَ تقول، وبين يديكَ كنتَ تُبقيهما
خفيفتَين مُرتعشتَين،
الآنَ إذْ أتذكَّرُ
وأنتَ بعيدٌ
أنَّك لم تقبِّلْ منِّي سوى يديَّ،
أداعبُ شفتيَّ بهوادة.
*
لا اسمَ لهُ
لا اسمَ لهُ،
لا أريدُ أن أسمِّيه حُبَّاً
هذا الذي أشعرُ به نحوك،
لا أريدُ أن تسخرَ من قلبي
مثلما يسخرُ الآخرون من أغانيَّ،
ولكن انظرْ،
حتَّى وإن لم يكن ذلك حُبَّاً
مع أنَّه مؤكَّدٌ
أنَّني من بين كلِّ ما يحيا في هذا العالَم
لا أعبأ بشيءٍ كما أعبأ بك،
بعينيك
عندما في الأحايين تضحكان لي،
وبمصيرك الذي لا تأتمنُني عليه،
وبالحبِّ الذي تكنُّه لي ولا تبوحُ به،
مهما كان طفيفاً وضئيلاً،
حتَّى وإن لم يكن ذلك حُبَّاً،
فإنَّه لا شيء في العالم أغلى على قلبي منه،
وحتَّى هذا،
حتَّى حبُّكَ هذا لي
لا اسمَ له...
*
بهجةٌ أن أحبَّكَ
بهجةٌ أن أحبَّكَ
بهجةٌ لا حدودَ لها
أن أصدِّقَ ضحكةَ عينيك،
ونشوةٌ بعدُ
يقيني بأنِّي سأُغنَّى بفمِكَ يوماً،
في وقتٍ لاحقٍ، في السَّنوات التي لن تكون ملكي،
إذْ ترتعشُ حياتي الآن
على الحافةِ القصوى...
*
صمتٌ، ودفءٌ ...
ثمَّة صمتٌ، ودفءٌ،
في هذه الغرفة المستوحدةِ حيث أنتظرُك،
ثمَّة وردةٌ أرجوانيَّةٌ،
مُتعَبَةٌ بالفِعل، على حافةِ الذُّبول،
هي أيضاً ترجِّفُها نظراتُكَ العسليَّة،
آهِ ما أرقَّ هذه السَّاعة
التي أتحوَّلُ فيها إلى فتنةٍ صامتةٍ،
إلى وردةٍ واهنةٍ،
ودفءٍ على جفنيك، وظلٍّ يُداعبُك.
*
شعلتي
شعلتي،
التي لم تروِّضها أيُّ رياحٍ عاتية،
ما تزالُ تنزو وتُصارع
لئلَّا يأتيَ الموتُ ويجدَها مُنطفِئة؛
متَّقدَةً تريدُ
أن تهاجرَ إلى أرضٍ غريبةٍ أخرى،
مُعلَّقةٍ تتأرجح في الأثير،
الأرضِ التي منها جاءتْ أوَّل مرَّةٍ، الوطنِ الواضحِ،
الذي تعرفُ اسمَه.
[اختارها وترجمها عن الإيطاليَّة: أمارجي]