كولاج
سأعدُّ قهوتنا من ريش الغربان لتكون حالكةً بما يكفي لظلام الغرفة
قد نلطخ بها جسدينا بلا هوادة حتى لا نبغي فكاكاً
أو أتخذها تعويذةً كي لا يأتي النهار
سأجرّبها كأحمر شفاهٍ أطبعه على شفتيك
ثم نحتفظ بنسخٍ غير قليلة لشفاهنا على المرآة
سأرسم شجرةً في الحائط المقابل للنافذة
وبأطراف أصابعي سأسحب أغصانها لنلهو ونتأرجح معاً
وإن كان لابد لها أن تثمر فسأختبىء في صدرك كجنين أتهجى الأبجدية
وبعد عشرين عاماً منّا سآخذ من كل صنعةٍ جزءاً وأصرْهن إليك
لتدعوني فآتيك سعيا
سأخمّرها بزبيبٍ لتكون أشهى لأنفاس حجَرك
حينما تخاطب الملائكة أن تفرش أجنحتها في السقف وتنام
بينما نقيم ظلمتَنا بمولويةٍ رخيمة
لن يكون غريباً أن أجعلها لوناً لشعري
وأجنبها خصلة البياض التي تشعلك
سأعتقها لنشرب معاً نخب لذتنا ونحن نسقط السماء كريشٍ لجسدينا
ثم نطير.
إغفاءة ربّة
أسرج قنديلا ثم أغفو
يذوي الفتيل على فخذيّ
تبزغ أوركيدا في ترابٍ أبيض
تتذكّر نشأتها الأولى
تراودها سيرة المشّائين أنْ أيُّنا رصّ خبايا الذُّرى وتيجان الكؤوس
أيّنا أهّب العود وراقص الأوتار
أيّنا نادى النّحاسين ومدّ الرّيش تباعاً
تبوح بسرّها:
ويكأنّي مهرةٌ ذبّاحةٌ تعضّ نواجذ الشّهوة فتسقط في غُرّتها شهقاتٌ ولهانة
يمتطيني ربٌ فأكون ربّتَه
والفرائس ترتع لن أقول لها تعالي
لكنّني آتي وآتي حتى ترفلَ قطع السّماوات في هيئة لؤلؤ ويشتعل المرجان فيّ
هذي الفخاخ بحريَ المخبوء للمذَنّبات وأضحياتُ الحجِّ الأسير
ذلك الّذي يتعلّق كربطة عنقٍ في مِبيض الأرض يهزُ ذيلها
علّها تلمح شعر أنفها وتشمئزّ
بينما يشرب زجاجة الويسكي ويعربد!
كنّا نربّي الغابة
طفلةٌ تنعس في بار
تلحسُ عنق الماء
غزالةٌ تتبخترُ حول الطّاولة
ولما انسدلت مع الرّغوة اندلق بساط العشب دفعةً واحدة.
*
ضِحكته مروجٌ تطير
حدقتاه تحطّان في حلبة سباق
صدغاه حصانان يطيران بِعربة
أراجيحه فراشاتٌ زُرقٌ تنوس في عبّادات شمس
ترشف الآماد دوائرُ ونقاطٌ على الضّفاف
تقول النّادلة: في صهوة الكأس قطارٌ في دخانه تكمنُ الحقيقة ومنه تطير الثّعالب.
*
بدبيبٍ بليدٍ يجرّ النّمل قاطرات البيرة فتتأرجح كأردافٍ مهملة
تتسلّق العُباب رسولةٌ في طفلةٍ تتماثل لليقظة أو للنّعاس
كان الرّفث أقربَ إلينا والنّادلة تسأل ثانيةً
بينما كنّا نربّي الغابة في الفقاعات ونقطف ما اسّاقط منها
لنحوكَ ما سيأتي من أعشاش الانتظار.
على أُهبة انتظار
لم أختر الخيط ولا الإبرة
لكنّني، وأنا غير عابئةٍ بأخبار البطالة والسوق السوداء والديْن العام وقرض البنك الدوليّ
أرصّ الأُصص في انتظار العاصفة أو الحلم
أحدّث "شهرزاد" عن جدليّة التناقض والصراعات وروّاد الفضاء ومحصلي الضرائب
والناشطات النسويّات وفريدة عثمان ومس إيجبت وأخواتهنّ
تهزّ رأسها تستبلهني لخمس دقائق ثم تبتسم برقّةٍ أخّاذة لا تخلو من مكر.
كان النهر عريضاً والطريق مسكونةٌ بالحفر
تمدّ المرأة بخدَرٍ ذراعيها
لكأنّما ظهْرَ المقعد الأمامي كرتُ بقائها حيّة
ترخي العنان للأوهام وتهدهد رضيعها واستياءاتها وحقائبَها بالتبادل
تحرّك بؤبؤيها يميناً تسترق السمع وبنظرةٍ حاسرة ربّما سألتْ
إلامَ؟ أو لمَ أنا أو نحن؟
وربما سألتْ: لم لستُ أنا ولسنا نحن؟
تُتمتم بسورة الفلق وتسير.
الحقائب ثقوب العفن المتكوّم في جدران الفراغ
وسبائك الصدأ الجاثم بضع سنين
انحناءُ الريح في مواجهة قطارات الطريق الزراعيّة
استمارات الدعم للمشي الطويل
استعارات الأيتام للآباء خلف أسوار دور الرعاية
وأطراف اللاوعي المبتورة بفعل عصابات التاميل وبقايا الهنود الحمر والحشاشين
الحقائب أصابعُ أعياها الروماتزم ومع ذلك تمسك برائحة أصحابها.
أدركُ الآن أن الأعباءَ نواقيسُ ثكلت أجراسها
وأن ظفريَ المكسور لم يكن إلا صورةً لمرآة الانتظار
والزبيبَ المضمّخ بالتراب بقايا فرحٍ ولّى
كنصٍّ جنائزيٍّ سأربّت على النمل وأواصل سقيا الحديقة
عندما تسقط تفاحةٌ ذات خطأٍ غيرِ مقصود أبصم أنّ الحظّ لم يكن عاثراً
لكنّ لذّة التخفّي والمباغتة قادته إلى السفح
حيث الأعشاب الضريرة تعدّ الأريكة وتشدُّ أوتار العود نحو النبع
سيؤهّب "غرنوي" عطوره للسّفَر
ويغفو الصولجان ريثما تمرّ عفريتةٌ توزّع الخبز وترشّ الأرزّ والزيزفون
تقول للعمّال والحدّادين
طريقكم مفتوحةٌ بالسّعف والحنّاء، هبّوا
للنّار مواسمُ خضراء تنفجر فيها الحقول
وبلا مقابلٍ، تندلق على مدّ النظر في مرمى التائهين ومكسوري الجناح.
ديمة محمود شاعرة وكاتبة من مصر