عبر سواتر ترابية متعرجة بناها الجيش العراقي، عبرت قوافل الإيزيديين الناجين من تنظيم داعش من نقطة الخاتونية على الحدود السورية إلى “منفذ الفاو” غير الرسمي على الجانب العراقي، بعد أسابيع من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على بلدة الباغوز وطرد التنظيم المتطرف من شرقي دير الزور. تستغرق رحلة الهاربين ساعات عدّة يسيرون فيها تحت هدير طائرات التحالف الجوي، محاولين تفادي الإصابة بالطلقات النارية والشظايا والألغام في مغامرة الهروب من جحيم المعارك الدائرة في آخر جيب للتنظيم في منطقة وادي الفرات.
يتحمل كثيرون في اليوم الواحد مشقة هذا الطريق الذي تزداد صعوبته على الجرحى والمصابين، ففي السابع من شهر آذار فقط اضطرت 27 امرأة وطفل للوصولللفاو سالكين الطريق الوعر المؤدي إلى الجانب العراقي مشياً على الاقدام، وذلك بعد رفض الحكومة العراقية إدخالهم في سيارات خصصها البيت الإيزيدي في مدينة عامودا، أما بقية الرحلة فتتضمن وصولهم إلى أقرب نقطة للمعبر، حيث ينتظرهم من تبقى لهم من عوائلهم ليتوجهوا بعدها إلى ” خانصور” شرق شنكال ومنها الى مخيمات النزوح في مدينة دهوك بكردستان العراق.
وتغلق الحكومة العراقية المنفذ الحدودي الوحيد لعبور الناجين الإيزديين بين وقت وآخر، مانعة الضحايا الهاربين من العودة لبلادهم، وهوماوصفه زياد رستم المتحدث باسم البيت الإيزيدي ”بالموقف المخيب للآمال والمخزي“ مشيراً إلى أن الجانب العراقي رفض استقبال مواطنيه الإيزديين وأجبرهم على العودة للبيت الإيزدي، إلى أن تسمح إدارة الساتر بمرورهم كما حصل أواخر آذار/مارس الماضي.
وكشف رستم عن تسليمهم 129 مختطفاً إيزيدياً لمجلس شنكال، ليصبح عدد المختطفين الإيزيدين المحررين 327 منذ إطلاق سوريا الديمقراطية حملتها العسكرية”عاصفة الجزيرة“ في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بدعم جوي ولوجستي من التحالف الدولي بهدف طرد تنظيم الدولة من مناطق سيطرته بريف مدينة البوكمال الواقعة علي الحدود السورية العراقية.
وكان التنظيم الإرهابي اجتاح منطقة شنكال الجبلية الواقعة شمال غرب العراق وهي الموطن الأصلي للإيزديين، وارتكب بحقهم مجزرة راح ضحيتها الآلاف حيث أعلن “المجلس الإيزيدي الأعلى” في آب/أغسطس عام 2016، عن مقتل 10 آلاف شخص واغتصاب 6 آلاف امرأة وفتاة في سوريا والعراق على يد التنظيم، فيما تم تجنيد الصبيان الذين تجاوزوا سن السابعة للقتال كجزء من داعش تحت اسم “أشبال الخلافة“.
وكشف مكتب إنقاذ المخطوفين عن تحرير ٣٤٥١ إيزيديا فيما يزال مصير 2966 آخرين مجهولاً حتى الآن.
المختطفون الإيزديون في مناطق المعارضة
وتحدث الناشط الإيزيدي علي الخانصوري عن نقل مسلحين منشقين عن داعش لعشرات النساء والأطفال الإيزديين الى مناطق المعارضة السورية، لبيعهم في أسواق النخاسة في الشمال وحتى إلى تركيا بمبالغ طائلة.
و غالبية المنشقين من التنظيم هم عراقيون وتركمان من مناطق الموصل والفلوجة ممن انضموا للتنظيمات المتشددة، وفي مقدمتها جبهة النصرة وأحرار الشرقية وأحرار الشام بحسب الخنصوري.
وقال الناشط الإيزيدي المنحدر من شنكال “تم تحرير عدد من النساء والأطفال الإيزديين من إدلب وجرابلس والباب، إذ يتخذ التنظيم من المختطفين دروعاً بشرية كما حصل في معارك الباغوز وقتله لخمسين إيزدية، كما جند داعش الأطفال الذكور في معسكرات أشبال الخلافة وأجبرهم على القتال إلى جانبه في الجبهات فقتل العديد منهم، كما أجبر الباقين على تنفيذ عمليات انتحارية ضد من اعتبرهم التنظيم من أعداء الدولة“.
وعن الأطفال الإيزيدين العائدين، يشير الخانصوري إلى أن غالبيتهم نسوا لغتهم الأم ” الكرمانجية ” وأصبحوا يتقنون لغة من استعبدهم من الدواعش، فبعضهم يتحدث الإنكليزية أو الفرنسية والتركية إضافة الى اللهجات العربية المختلفة كالتونسية والسورية والمصرية.
السعوديون هم الأنشط في سوق النخاسة
تصدر السعوديون قائمة الرجال المشترين للإيزديات في ”دولة الخلافة“، إذ ”لا يكتفي المجاهد السعودي بشراء إيزدية واحدة او اثنتين، فغالبا كان يبيعهن، حين يمل منهن ليعود ليشتري أخريات“، بحسب أبو شجاع دنايي، وهو من المناضلين المعروفين في المنطقة بإنقاذ الإيزديين فيما يحل الليبيون والتونسيون في الدرجة الثانية، ليأتي بعدهم المصريون والمهاجرون القادمون من أوربا الشرقية وأمريكا وفرنسا وروسيا والصين.
ويشير أبو شجاع إلى أن أرقام الشراء تجاوزت آلاف الدولارات لا سيما للعذراوات والصغيرات في السن، وكانت صورهن تعرض وهن شبه عاريات في أسواق النخاسة التي غالبا ما كانت إلكترونية وعبر تطبيقات الواتس اب والتليغرام وغيرها، وأضاف :” الجميلات كن يهدين للأمراء في التنظيم، ومن خلال دخولنا لتلك الأسواق كنا نشتري بمبالغ طائلة بناتنا ونساءنا وأطفالنا لتحريرهم من نير الاستعباد الذي تعرضن له“.
ويشير جاسم محمد الباحث في قضايا الإرهاب إلى أن النساء احتليّن جزءاً بارزاً من اهتمام الجماعات الجهادية كداعش والقاعدة، إذ تم استغلالهن بصورة سلبية وبشعة،”فهن مادة أساسية في خطابه الإعلامي، وفي كل مرة يضع داعش تحرير النساء شرطا في تبادل الرهائن لاستقطاب مزيد من الأنصار والمقاتلين، وهذا يمثل استراتيجية التنظيم بهدف إحداث تغيير ديموغرافي وخرق النسيج الاجتماعي وتهجين المنطقة وتصنيفها على أساس الدين والمذهب، كما حدث في شنكال عقب اجتياحهلمدينة الموصل في يوينو 2014″.
ندوب نفسية
أدت هذه الأهوال التي عاشتها الإيزيديات الناجيات لإصابتهن بمشاكل جسدية ونفسية حادّة كالصدمة والاكتئاب الحاد إلى درجة الشروع بالانتحار، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية الذي نشر في 23 ديسمبر 2014 حتى إن بعضهن حاولن الانتحار خلال وجودهن في مركز طبي بمدينة دهوك بإقليم كردستان العراق المخصص لرعاية الناجيات من داعش.
مديرة المركز نغم نوزت وصفت لمصادر إعلامية حالة الناجيات بالـ“صعبة” بسبب ظروفهن المعيشية في مخيمات النازحين والتي لا تساعد على تحسنهن وتجاوز الأزمة النفسية التي لحقت بهن جراء ما تعرضن له من قبل مقاتلي داعش.
وأصدرت الأمم المتحدة تقريراً في حزيران/ يونيو 2017 أشارت فيه إلى أن تنظيم داعش “يسعى إلى محو الإيزيدين من خلال عمليات القتل والاستعباد والعبودية الجنسية والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة“.
وفي منتصف آذار/مارس الماضي تم الكشف عن 71 مقبرة جماعية في قضاء شنكال تعود لضحايا إيزيديين قتلهم تنظيم داعش إبان سيطرته على المدينة عام 2014.
وحضر مراسيم كشف هذه المقابر مسؤولون من الأمم المتحدة وممثلون عن الحكومة العراقية، وحكومة إقليم كوردستان، فضلاً عن حضور المئات من ذوي الضحايا، وانتشل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد) رفات الضحايا في قرية كوجو التابعة لمدينة شنكال(سنجار).
وقالت بعثة الأمم المتحدة في العراق ‹يونامي› في بيانها “:تشير الدلائل إلى أن المئات من سكان كوجو – رجال وفتيان بسن المراهقة ونساء ينظر إليهن ممن فاتهن سن الإنجاب – قُتلوا على يد مقاتلي داعش في شهر أب/أغسطس عام 2014، بينما تم اختطاف أكثر من 700 امرأة وطفل“.
ديانة توحيدية
ويقدر عدد الإيزيديين في العالم بأكثر من مليون إيزيدي يعيش حوالي 550 ألف منهم في العراق، حسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيما يتوزع الباقون في سوريا وإيران وتركيا وأرمينيا وجورجيا وأذربيجان وأوربا، ويعتبر معبد لالش نوراني في كردستان العراق من أقدس الأماكن لديهم.
ويرجع الباحث في الشؤون الإيزيدية سالم الرشيداني تاريخ الديانة الإيزيدية، إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ”فهي واحدة من أقدم ديانات الشرق القديمة مشيراً إلى أن الإيزديين أول من عبدوا الله. ” بحسب قوله
وأتباع الديانة الإيزيدية– موحدون يواجهون الشمس في صلواتهم، ويؤمنون بأنه لا صلة بين المخلوق والخالق، لذلك لا يؤمنون بالأنبياء، وليس لهم نبيّ مُتّبع مثلما في الديانات الإبراهيمية، لكنهم يؤمنون في تناسخ الأرواح وأن الروح أزلية لا تموت ولا تتلاشى وإنما تنتقل بين الأجيال المتعاقبة، كما أنهم يُقدّسون المتصوفة، وتعتبر عين زمزم في لالش نوراني من الأماكن المقدسة لديهم، ويصوم الإيزيديون أربعين يوما في السنة بدايةً من شهر يناير/كانون الثاني.
[تنشر هذه المادة ضمن اتفاقية تعاون مع "صالون سوريا"]