شهد العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم (ثمانية) انتخابات تشريعية على الصعيدين المحلي والوطني، باستثناء إقليم كردستان. وهي انتخابات لم تفض إلى مسارات تخرج النظام من أزماته المتوالية كما هو مفترض من المخرجات الانتخابية. ودائماً مايجري البحث عن معالجات تنحصر في النظام الانتخابي ( قانون الانتخابات إدارة الانتخابات، طرق التصويت، نظام توزيع المقاعد، الإئتلافات والقوائم الانتخابية ..الخ) ولا يتم التطرق كثيراً إلى الهيئة الانتخابية، والسلوك التصويتي للناخبين. فبالرغم من اختلاف القوانين الانتخابية المتبعة، و نظم الانتخاب المتعددة، ونسب المشاركة المتباينة في الانتخابات العراقية، إلا أننا نشهد في كل مرة مايعرف بأزمة مابعد الانتخابات. وهي أزمة ناتجة عن عوامل متعددة. إلا أن من بين العوامل الهامة التي لم تحظ بالاهتمام الكافي هو أنها انتخابات بلا مضمون انتخابي. بمعنى أن خيارات الناخب لا ترتبط غالباً بأي صلة بالبرامج الانتخابية للمرشحين، ولا حتى التوجه السياسي - الفكري للمرشحين كمعايير للتصويت كما يجري في دول العالم. رغم أن العراق بلد ذا تجربة حزبية مبكرة في المنطقة. وهذا الواقع شخصته القوى السياسية التي لم تول اهتماماً حقيقياً ببرامجها الانتخابية. إذ أصبحت تلك البرامج متشابهة إذا لم تكن متطابقة في الأعم الأغلب. فضلاً عن ذلك، وارتباطاً معه، عدم تمتع الكيانات السياسية والمرشحين بالمعايير السياسية والتوجهات الفكرية الخاصة لأنها لاتشكل حاجة وظيفية في التمثيل الشعبي أو الانتخابي، قدر ما تتطلبه من مقولات و سلوكيات أخرى .
لذا ينبغي السؤال هنا كيف يبني الناخب العراقي تفضيلاته الانتخابية؟ ودون الخوض في نظريات السلوك التصويتي، أو علم السلوك الانتخابي، يمكننا أن نعتمد منهج الملاحظة بالمشاركة، لاسيما أننا ندرس تجربة معاصرة للكاتب والقارئ معاً. وفي البدء ينبغي الإشارة إلى أن تحليل سلوك الناخبين العراقيين اعتمد لمرحلة معينة على تأثير العامل الإثني (الطائفي-العرقي) نتيجة تصاعد التوترات والصراعات آنذاك. إلا أن ذلك العامل لم يعد بمفرده كافياً لتفسير السلوك الانتخابي الذي بقي محتفظا بسماته الاساسية – كما سنلاحظ – بعد تراجع تلك التأثيرات وتغير الظروف والأوضاع السياسية بنسبة ما لاحقاً. وكذلك لايفسر هذا العامل الخيارات الانتخابية على صعيد انتخاب مرشحين لا يتمتعون بأي مؤهلات أو سمات ذي شأن في الغالب وإن كانت تلك الخيارات ضمن نفس الإطار الطائفي– العرقي، مع وجود استثناءات محدودة لا يعول عليها . و لغرض استقراء عوامل السلوك التصويتي للناخبين ينبغي ملاحظة الحملات الانتخابية للمرشحين والقوى السياسية. والتي يمكن أن تكشف لنا عن طبيعة سلوك الناخبين. لذا، وبعيداً عن الخطابات السياسية والمهرجانات الانتخابية التي لايستمع فيها الحاضرون لما يقال، أو لا يولون الأهمية لذلك، قدر ما يصفقون، ويلوحون بالتأييد، ويحاولون جاهدين مصافحة القادة والمرشحين، و التقاط الصور معهم لإبراز حضورهم، والتعبير عمّا يحطون به من تقدير من قبل المرشحين، وإثباتا لصلتهم بهذه الشخصيات السياسية التي تظهر اهتمامها الزائف في الغالب. الأمر الذي يعرفه الناخبون بشكل مؤكد نتيجة تجارب عديدة سابقة. لذا وفي هذا سياق تبرز لنا عدة آليات تعتمدها الحملات في التعبئة الانتخابية أولها اعتماد أسلوب الإيهام المتبادل من خلال الوعود الانتخابية، والأدق، الإغراءات الشخصية للناخبين. تلك الوعود/ الإغراءات التي تفتقر إلى المصداقية منطقاً وحكماً. ذلك أن أغلب المطالب التي يقدمها الناخبين -كما هو معروف سلفاً- هي مطالب شخصية وليست عامة، مثل الحصول على فرصة عمل، أو خدمات ومنافع خاصة، لا تتعلق بوظيفة المشرعين أساسا على الصعيدين المحلي والوطني، و لا صلة لها بالبرامج الانتخابية التي لايهتم بها ولا يعول عليها أي طرف كما ذكرنا. لذا فهي وعود معروف سلفاً من الطرفين (المرشح/الناخب) بأنها غير موثوقة بالمرة. وإذا ماتحقق بعضها لاحقاً بفعل التأثير السياسي أو الصلات الحزبية للمرشحين/النواب فهو سيشمل المقربين والحلقة الخاصة من الأتباع حصراً، أو بنسبة شبه حصرية في أفضل الأحوال، الأمر الذي يدركه الناخبون. لذا فأنه تحايل مقبول سلفاً من الطرفين، إلا أنه مبرر من زوايا أخرى. فالناخب يدرك أن لاسبيل آخر متاحاً لإيصال أو الحصول على مطالبه، بسبب احتكار الدولة من قبل القوى والأطراف السياسية. فضلاً عن أن أغلب تلك المطالب تعتمد الوساطة. بمعنى أنها و إن كانت مشروعة فأنها غير نظامية. وبالتالي لاسبيل لتحقيقها إلا عبر هذا الأسلوب بصرف النظر عن أي فرصة بالنجاح. وهو أسلوب ينطبق عليه المثل الشعبي العراقي المعروف "إلقاء حجر في الظلام." أما المرشحين، ومع إدراكهم لما تقدم، و إدراكهم بمعرفة الناخبين بذلك غالباً، حتى وإن كانوا من البسطاء الذين لم يبقوا حجرا ًلم يلقوه في الظلام دون نتيجة، إلا أنهم يوظفون هذا التخادم الواهن والوهمي في تحشيد الجمهور للمهرجانات الانتخابية كضرورة لابد منها، وكأسلوب لا بديل عنه. أي كمن يرمي شباكه في النهر لعلها تلتقط أي سمكة حائرة. وما أكثر تلك الاسماك في مياه السياسة الآسنة والراكدة في العراق. ومع ذلك فأن صيدهم لا يكون وفيراً في الغالب. ذلك أن الحصص الكبرى محجوزة سلفاً في نظام المحاصصة وفي التوجهات الأساسية للجمهور. وإن كان هناك تغير بنسبة ما كما سبق ذكره. وأحد أمثلة تلك العلاقة الملتبسة بين الناخبين والمرشحين هي أن الإعلانات الانتخابية لم تحقق أي تأثير ذي أهمية في التعبئة الانتخابية غالباً. حيث أنفق بعض المرشحين مبالغ طائلة على تلك الإعلانات دون أي تأثير واضح على النتائج التي بقيت مرتبطة بعوامل أخرى كان فيها الدور الحاسم للاتصالات شخصية كما في مثالنا هذا. ويتمثل بصورة شائعة في استلام ملفات الطلبات الشخصية من الناخبين التي وجد أغلبها مرمياً في مكب النفايات بعد الانتخابات كما كشفته وسائل الاعلام .
أما الآلية الثانية المتبعة في الحملات الانتخابية فهي توظيف الحاجة لتقدير الذات، أو الوجاهة الاجتماعية. فمن المعلوم أن القوى السياسية العراقية الحالية ذات طابع شعبوي في الغالب. لذا فأن قواعدها ومجال تحركها يقع غالبا في أوساط الطبقات الفقيرة والبسطاء وغير المتعلمين، وأكثرهم من سكان الريف والمناطق المتريفة في المدن. و يضم لهم الطاعنون في السن من الشيوخ والعجائز. وهؤلاء هم أغلبية المقترعين كما أظهرت التجارب الانتخابية السابقة. بكلمة أخرى الأشخاص الأدنى أو الأضعف مكانة في المجتمع، والمتشبعين بالثقافة الرعوية، وهي الثقافة السائدة في المجتمعات التقليدية، كالعراق. ومن سمات هذه المجتمعات أنها تقوم على مايسميه ماكس فيبر بجماعات المنزلة، تلك الجماعات التي تعتمد في وجودها على القيمة الاجتماعية (الوجاهة)، و هي صفة وراثية، أو هبة ومنحة من كبار المجتمع والدولة، تضفي على صاحبها مكانة متميزة. ويكون ذا كلمة مسموعة تتيح له إقامة علاقات رفيعة وواسعة، و تعود عليه بمنافع مادية أو معنوية. لذا تعد السبيل المتاح للتدرج أو الصعود الاجتماعي في هذه المجتمعات، الأمر الذي تم توظيفه سياسياً من قبل الأنظمة السابقة بطريقة أو أخرى. ودرجت عليه الطبقة السياسية الحالية كآلية للتعبئة السياسية والانتخابية، اذ تتضمن الحملات الانتخابية الإيحاء بتزكية أشخاص لا يتمتعون بأي مكانة عبر إظهارهم كوكلاء للمرشحين – ثانويين أو أساسيين-، أو يلعبون هذا الدور باصطناع التقارب معهم، أو تكليفهم بمهام انتخابية لضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جانب سيكون هؤلاء الوجهاء المصطنعين أكثر طاعة وخضوعاً وتنفيذا لكل مايطلب منهم، حتى إذا كان خداعاً وتلاعباً بمشاعر الجمهور، وهو الغالب. إذ أنهم على استعداد لتقديم كل شيئ للظفر بتلك المكانة، دون اعتبار لأدنى صدقية أو سمعة أو تاريخ لا يتمتعون به أساساً. بمعنى أنهم إذا لم يربحوا الكثير، فأنهم بالمقابل لن يخسروا الكثير. ومن جانب آخر فإن ذلك سيكون تحدياً للوجهاء الحقيقين الذين يسعون للاحتفاظ بمراكزهم وتعزيزها أمام هذه الأساليب. لذا فأنهم إما سيسعون للالتحاق بركب المرشحين والمسؤولين، أو الانزواء وخسارة مكانتهم بقدر أو بآخر، مؤقتاً أو بشكل دائم. ومن شواهد هذا الواقع أن اغلب حواشي المسؤولين أو المرشحين هم من النماذج الأدنى مكانة في الأساس، الذين لا يتمتع أغلبهم بأي صفات مكتسبة أو موروثة ذات شأن. ولا يمتلكون سابقاً أي تحصيل دراسي ذي قيمة، أو من الفئات الشعبية المسحوقة، حتى أن بعضهم من المشبوهين وأرباب السوابق، الأسلوب الذي يعود بمنافع على المرشحين. حيث يظهرون أنفسهم كطوق نجاة للبسطاء والبؤساء، والأقرب لمعاناتهم، و الأقدر على انتشالهم من الواقع المرير. وهو واقع الشرائح الأوسع من المجتمع العراقي في ظل الأوضاع المتردية للبلاد على كل المستويات. أخيراً، فأن التحليل السابق لا ينطبق فقط على الأشخاص المغمورين تماماً كما يوحي الوصف، بل يشمل الأدنى مرتبة بشكل عام كالوجهاء و الشيوخ و رجال الدين الأقل نفوذاً و مكانة .
إن هذا المقال لايتسع حتما لتناول كل الآليات والأساليب المتبعة في الحملات الانتخابية في محاولة لتفسير السلوك الانتخابي، بقدر ما يلقي الضوء على جانب منها. إلا أن السؤال هنا، إلى أي حد ينطبق هذا التصور على جمهور الناخبين أو غالبيتهم؟ ثم ماهي الحلول للخروج من هذا المسار الأعوج، والذي يخرج الانتخابات عن مضمونها ووظيفتها؟ وللإجابة على السؤال الاول، يمكن القول بدءا أن التعميم على وجه الإطلاق لا يتوافق والمنطق العلمي، فلكل انتخابات ظروفها وأوضاعها، ناهيك عن توجيه العديد من الطعون لنتائج الانتخابات من قبل القادة والقوى السياسية والمراقبين. كان آخرها وأبرزها اتهام رئيس الوزراء السابق د.حيدر العبادي بحدوث "خروقات جسيمة" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت أثناء ولايته في 12 أيار/2018، وما أعقب ذلك من إحالة أعضاء من مفوضية الانتخابات للقضاء بعد توصيات لجنة وزارية أثبتت وقوع مخالفات وفساد مالي في الانتخابات البرلمانية. ثم احتراق أكبر مخازن لصناديق الاقتراع وسط بغداد. لذا فأن نتائج الانتخابات لايمكن التعويل عليها بالكامل. لكنها ليست خاطئة بالكامل كذلك، فمع الإقرار بأن أغلبية العراقيين غير متحزبين بالمعنى العضوي، إلا أن قطاعات شعبية عديدة و كبيرة لديها ولاءات أو ميول سياسية/حزبية ثابتة، أو شبه ثابتة. كجمهور التيار الصدري وبعض الأحزاب الكردية مثلا. ويتداخل مع تلك الميول تأثير العوامل الدينية/ المذهبية، والقبلية، والمناطقية على السلوك الانتخابي للجمهور. وهي تأثيرات واضحة ومؤكدة كذلك، إذ تتطابق مع نسبة غير قليلة من النتائج. إلا أن العوامل البنيوية ليست كافية في تفسير السلوك الانتخابي. فهي أولا ليست محصنة من التأثيرات غير المباشرة. ثانياً هي ليست مرتبطة بالضرورة وفي كل الاحوال بأشخاص محددين أو كيانات سياسية محددة –بروز قوى وشخصيات جديدة. ثالثاً، إن تلك العوامل تمثل في بعض الأحيان ترميزاً اجتماعياً، وليس هوية سياسية بالضرورة. رابعاً، هناك بيئات غير متجانسة في عدد من مناطق العراق، ناهيك عن الاهتمام أو الدافع للمشاركة أساساً، والذي شهد تراجعاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على سبيل المثال، بالاضافة إلى تأثير العوامل الظرفية والأوضاع الاقتصادية التي تلعب دوراً مهما كذلك. ويأتي في قلب كل ما تقدم سوسيولوجيا الشخصية العراقية، وكيفية تعامل الأحزاب وقادتها مع الجمهور، أي كيفية إدامة وتفعيل العوامل البنيوية , أو العكس في تقليص و تراجع تأثيرها بنسبة ما .
استطرادا مع ماتقدم ، قد يتسأل البعض، ما مدى ارتباط القراءة السابقة بلغة الأرقام أو التحليل الإحصائي/الكمي كأحد المنهجيات التحليلية المتبعة في قياس توجهات الرأي العام والسلوك الانتخابي. وهنا من الضروري أن نبين أن المؤشرات الكمية ترتبط في دلالاتها بالنسق القيمي للمجتمعات، لذا تكون ذات قدرة تفسيرية أكبر في المجتمعات التي ترتبط تصورات جمهورها غالبا بالتقييمات المنطقية/السببية، بينما تتراجع تلك القدرة التحليلية في المجتمعات ذات الثقافة الجمعية، والأحكام القبلية، والأفكار النمطية. إلا أن إهمال التحليل الإحصائي/ الكمي بالكامل ليس صحيحا كذلك. والأسلوب الأنسب من وجهة نظرنا هو الربط بين المؤشرات الكمية والطريقة الاستقرائية في التحليل .
ودون الخوض في تضارب التقديرات الإحصائية/الكمية وصدقيتها، يمكننا وضع معادلة تربط بين نسبة المشاركة ومستوى الاستقطاب اعتمادا على فرضية أن الاستقطاب الطائفي/العرقي يمثل العامل الأكثر تأثيراً و استمراراً حتى الآن. لذا فهناك ترابط مهم بين نسبة المشاركة ومستوى الاستقطاب. فإذا كان متوسط أعلى نسب المشاركة في الانتخابات العراقية يقع بين 60- 70%، و متوسط أدنى نسب للمشاركة يقع بين 30- 40%، لذا فأن تأثير العوامل البنيوية على السلوك التصويتي للناخبين قد تراجع بنسبة 30%، وهي نسبة لا يفسرها بروز ثقافة سياسية جديدة أو إدراك مختلف بنفس القدر. وقد تكون تحولاً مضمراً لامجال لبروزه حالياً. إنما تفسر من وجهة نظرنا، وفي جانب منها، من خلال التراجع في التعويل على تلك العوامل البنيوية المجردة بقدر ما، مقابل تقدم في نسبة الاعتماد على الدوافع التخادمية - الشخصية بالقدر ذاته. فكلما كانت الأنظمة والمجتمعات أقل حرية، وكلما كانت ذات موروث اجتماعي تاريخي سلطوي، كلما تزداد حاجة الافراد والجماعات للتكيف الوظيفي من خلال وسائل دفاعية أبرزها أساليب التملق والتزلف والرياء. و دليل ذلك أن الخيارات الانتخابية للجمهور، و حتى المغايرة منها، لازالت غير عقلانية غالباً كما تظهر نتائج الانتخابات التي لاترتبط بالبرامج، ولا بتقييم المرشحين، ولا بوظائف الانتخابات. حيث أن البلاد تدخل في أزمات متوالية ومتشابهة بعد كل انتخابات كما سبق ذكره. هذا إذا ما اعتبرنا أن المقاطعة للانتخابات لاتمثل حلاً من الناحية المنطقية، لكنها يمكن أن تكون أحد مداخل التغيير عملياً.
و للإجابة على السؤال الثاني، فليس علينا أن نتوقع أي قدر من السلوك الانتخابي الرشيد، بدون أن تكون هناك مساواة بين المواطنين. بمعنى أن الدولة إذا ماكانت عبارة عن شبكات تخادم بين مجموعات محددة من الأشخاص والجماعات، يصبح الأمن الشخصي للمواطن رهينة هذه الشبكات. لذا لايمكن أن نتوقع من الناخب في الأغلب إلا الإذعان لخيارات تلك القوى المهيمنة، أو الانزواء والمقاطعة. وفي أفضل الأحوال التصويت العقابي غير المسؤول. وهذا الأمر لاينطبق على الأشخاص المعوزين أو اصحاب الحوائج فقط، إنما يصبح نظاماً وسلوكاً معمماً، ينطبق على مجمل النظام الاجتماعي .
لذا فأن المشكلة ليست في الحلول بحد ذاتها، إذ يمكن للخبراء والمتخصصين والمنظمات ومراكز الأبحاث أن يضعوا دراسات وأبحاث مفصلة في أفضل البدائل المتعلقة بالقانون الانتخابي، والإدارة الانتخابية، والنظام الانتخابي، والتثقيف الانتخابي ..الخ. إلا أن المشكلة تتمثل في كيفية تمكين تلك البدائل، أي كيف يمكن أن تكون تلك البدائل أو الحلول واقعية؟ أو ماهي المعطيات التي تجعل من الحلول مقبولة ومطلوبة على صعيد السلوك الانتخابي، الأمر الذي نعتقد أنه يتمثل أولاً في الإصلاح الحكومي–الإداري. بكلمة أخرى إصلاح البيروقراطية الحكومية، ففي دولة ريعية تكون أغلب الفرص والموارد مرتبطة بالدولة والنظام السياسي. وإذا ما أصبحت تلك الدولة دولة المواطن، لا دولة محتكرة من قبل الأحزاب والقوى السياسية، ستصبح الانتخابات و خيارات الناخب أكثر تحرراً من تلك الهيمنة، وبالتالي أكثر رشداً. وهنا يأتي سؤال السؤال: أي ماهي الظروف والمعطيات التي يمكن أن تدفع نحو ذلك الإصلاح؟ وبتعبير أدق، قدراً معقولاً من الإصلاح. وهو سؤال قد يخرج عن نطاق هذا المقال، إلا أنه يقع في جوهر الإشكالية. ونعتقد أنه من بين عوامل عديدة، مباشرة أو غير مباشرة، داخلية أو خارجية، فأن استنفاذ العملية السياسية لمبررات استمرارها على هذا المسار وبهذه الطريقة داخلياً وخارجياً، سيجعل القوى السياسية أكثر تقبلاً لمساحة من التغيير في المعادلة يحافظ على بعض مواقعها، ولا يجعلها أمام طريق مسدود، ومصير مفزع كسابقها من الأنظمة. وهو تحول بدء في النشوء وإن كان مضمراً في الغالب، مع بروز عدد من ملامحه على الصعيدين الداخلي والخارجي .