ليست المرأة، في الخطاب الذكوري، وفي ممارساته وتمظهراته وتنويعاته، التي نجدها، بدرجات مختلفة، في كل مكان، كائناً مستقلاً، بحد ذاته/ا،. فوجودها استعارة لوجود الرجل ولكينونته، في عالم يتمركز حوله هو، ويقوم به ومن أجله في المقام الأول. الرجل، هو المبتدأ والأصل، في قاموس الذكورية الذي يرسَّخ ويوزْع المعاني والقيم بحسب ثنائية متعارضة والمرأة، في هذا القاموس، نسخة، ناقصة، تُعَرّف وتُصَوّر، سلباً، لاختلاف جسدها. تتقاطع الذكورية في تمظهراتها الجمعيّة، مع خطابات وممارسات اجتماعية وسياسية وترفدها. وتظهر الذكوريّة والأبويّة، كعصب رئيسي في تركيبة خطابات ومؤسسات شتّى وتشحن غائيتها وتبرّر أهدافها. فنجد ظواهرها ومعادلتها، في خطاب ومعتقدات وممارسات الديانات، التوحيدية (وغيرها). وكل هذه تعيد إنتاج الذكورية والأبوية وترسخها وتشرعنها في سردياتها، باسم المقدّس ونصوصه، وباسم الخالق وأنبيائه وممثليه على الأرض (وهؤلاء، دائماً، ذكور، والاستثناءات تثبت القاعدة).
ولطالما تمظهرت الذكورية والأبوية في الخطاب العلمي الحديث الذي أعاد إنتاج مركزية الذكر الغيري ورسّخها واتخذ جسده مرجعاً. ولعل فرويد المثال الأبرز والأشهر لذكورية وأبوية الخطاب العلمي الذي ينظر إلى المرأة على أنها الآخر الذي يجسد اختلافه النقصان والدونيّة، مقارنة بالكمال (المتخيّل) الذكر. ولم تغير عقود طويلة من النقد النسوي ومن النضال ضد الذكورية المؤسساتية لتغيير القوانين والممارسات والافتراضات من أجل الاقتراب من العدالة والمساواة، لم تغير مجانيّة إطلاق هذه الأحكام (والخرافات) الذكورية من على مختلف المنابر. على سبيل المثال، في عام ٢٠٠٥، عزا رئيس جامعة هارڤارد آنذاك، الاقتصادي لورنس سمرز، انخفاض أعداد النساء في مناصب عالية في حقلي العلم والهندسة، إلى أسباب جينيّة تسمح للذكور بالتفوق في الرياضيات والعلم. وفاته أن الأسباب بنيوية وماديّة، لا علاقة لها بالـ «طبيعة»، بل هي نتيجة لتاريخ طويل من الإقصاء والتفرقة وعدم تكافؤ الفرص.
يراق دمها حبراً لرسم خرائط الأبويّة وحراسة الحدود، والأعراف والتقاليد البالية، المصممة ذكورياً على حساب المرأة. تُصادَر حقوقها وتُسلب حريتها وكرامتها، وتُقتل بلا ذنب سوى أنها تريد أن تكون، أو أن تعيش.
تُشَيّأ المرأة، ويصبح جسدها، ساحة حرب، رمزية وفعلية، يحترب عليها الرجال لبسط سيطرتهم وتفوقهم. يراق دمها حبراً لرسم خرائط الأبويّة وحراسة الحدود، والأعراف والتقاليد البالية، المصممة ذكورياً على حساب المرأة. تُصادَر حقوقها وتُسلب حريتها وكرامتها، وتُقتل بلا ذنب سوى أنها تريد أن تكون، أو أن تعيش. تُقتَل تحت شعار الدفاع عن «شرف» و«كرامة» العائلة (والقبيلة). وليس هذا «الشرف» إلا قناعاً رثّاً وبشعاً للذكورية والأبويّة. قناع يختفي خلفه المجرم، الذي قد يكون أخاً، أو أباً، أو زوجاً. والذين يراقبون، ويسكتون، أو يبرّرون، رجالاً ونساءً، يتواطأون مع الجريمة.