ديفيد ستينر، «عولمة المغرب: النشاط السياسي العابر للحدود الوطنية ودولة ما بعد الاستعمار» (مطبعة جامعة ستانفورد، 2019).
جدلية: ما الذي دفعك لتأليف هذا الكتاب؟
ديفيد ستينر: منذ نحو تسع سنوات، عثرت على مجموعة مذهلة من الرسائل الخاصة التي تبادلها شخص يدعى روم لاندو - وهو رجل بريطاني غريب الأطوار، من أصل بولندي، كتب بشكل مكثف عن الفنون التشكيلية والجنسانية والإسلام قبل أن يصبح أستاذاً جامعياً في كاليفورنيا - وقادة الحركة الوطنية المغربية. قررت تتبع هذه الرسائل وسرعان ما اكتشفت وجود شبكة تضامن عالمية معادية للاستعمار، شملت أفراداً من خلفيات مختلفة. تضمنت هذه الشبكة كاثوليكيين فرنسيين وعملاء في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ونخباً سياسية أمريكية وإسلاميين مصريين وأشخاصاً آخرين. القصة في حد ذاتها رائعة، لكنها أضافت بعداً جديداً إلى تاريخ الوطنية المغربية، ألا وهو عالمية هذه الحركة.
على مستوى أكبر، يدرج هذا تاريخ المغرب ضمن التاريخ الأوسع لحركة إنهاء الاستعمار. باستثناء الثورة الجزائرية، لم يحظ التاريخ الحديث لدول شمال أفريقيا باهتمام بحثي كاف ومن النادر استحضاره في الكتابات التاريخية حول الشرق الأوسط وغيرها من البلدان. سمح لي الكتاب بتجاوز هذا النقص الهائل من خلال موضعة نضال تحرير المغرب في سياق السياسة العربية والعالمية ما بعد عام 1945.
كانت عملية البحث مجزية للغاية وحملتني إلى أماكن متباعدة، من مدينة نيويورك إلى مزرعة كروم في جنوب غرب فرنسا. نظراً لندرة السجلات العامة في المغرب التي تؤرخ لهذه الفترة، فقد اضطررت إلى تتبع خيوط البحث في جميع أنحاء المملكة حتى اكتشفت بعض الوثائق الخاصة والعائلية القيمة؛ فيها وجدت أكثر المصادر فائدة. أدركت كذلك أنني بحاجة إلى تعلم اللغة الإسبانية وإجراء أبحاث في مدريد، مما فتح آفاقاً جديدة للمشروع. لذلك يمكن القول إن مسار تأليف الكتاب يعكس النطاق الجغرافي الواسع لمحتواه من نواح عدة.
جدلية: ما الموضوعات والقضايا والدراسات التي يتناولها الكتاب؟
ستينر: يظهر الكتاب كيف تمكنت الأحزاب الوطنية المغربية من تأسيس شبكة مناصرين دولية مناهضة للاستعمار، ساعدتهم على عرض مطلب الاستقلال أمام الرأي العالمي والضغط بشكل مكثف على فرنسا وإسبانيا لدى الأمم المتحدة وخارجها؛ لعبت هذه الحملة دوراً حيوياً في إنهاء الحكم الاستعماري. ومع ذلك، بعد حصول المغرب على الاستقلال في مارس 1956، عمد الملك محمد الخامس إلى استقطاب الفاعلين الرئيسيين في هذه الشبكة، مما أضعف حزب الاستقلال ومهد للملكية الاستبدادية التي لا تزال مستمرة إلى اليوم.
لذلك فالكتاب يعرّج على مجالات عديدة. أولاً، يضيف الكتاب بعداً دولياً إلى الكتابات التي أرخت للحركة الوطنية المغربية. بأخذ هذا البعد بعين الاعتبار، يضع الكتاب فترة الحماية الفرنسية والإسبانية في سردية واحدة لأول مرة. إحدى النتائج المترتبة عن هذا هي سد الفجوة بين أواخر الحقبة الاستعمارية وفترة ما بعد الاستعمار التي شهدت تشكيل الدولة، وذلك من خلال إظهار كيفية تأثير ديناميات الحقبة الاستعمارية على مرحلة بناء الدولة. ثانياً، ينضاف الكتاب إلى النقاشات الحالية الدائرة حول علاقة الحرب الباردة وحركات إنهاء الاستعمار كما جسدتها أعمال مثل "الثورة الدبلوماسية" (A Diplomatic Revolution) و"مركز الثورة" (Mecca of Revolution)، إلى جانب مقالات وكتب عديدة ظهرت في السنوات الأخيرة. ثالثاً، اعتمد الكتاب على المنهجيات المطورة لتحليل النظم الاجتماعية، التي نشأت في العلوم الاجتماعية ولكنها وجدت طريقها إلى العلوم الإنسانية في السنوات الأخيرة، وتقدم مدونة "The Historical Network Research" مدخلاً ممتازاً للمهتمين بهذه المقاربة.
جدلية: ما علاقة هذا الكتاب بعملك السابق وكيف يختلف عنه؟
ستينر: كان أهم أعمالي قبل هذا الكتاب هو أطروحتي للماجستير حول الناشطية الرقمية المناهضة لمبارك. أجريت عملاً ميدانياً واسع النطاق بين مدوني القاهرة والإسكندرية في عامي 2008 و2009 وخلصت إلى أن الموضوع وعملية البحث المرافقة له مثيران للاهتمام. يؤسفني أن الفرصة لم تتح لي لنشر ما توصلت إليه، خاصة في خضم ما حدث في فبراير 2011، إلا أن ذلك البحث جعلني أهتم بالنشاط السياسي غير الرسمي - الذي يعد الموضوع الرئيسي للكتاب. في النهاية، قررت أنني بحاجة إلى دراسة التاريخ لكي أفهم ديناميات السياسة العربية المعاصرة، وبعد ثمانية عشر شهراً قضيتها في مصر، عزمت على الانتقال إلى مكان آخر، وهكذا انتهى بي المطاف في المغرب.
جدلية: من تأمل أن يقرأ هذا الكتاب؟ وما الأثر الذي تود أن يخلفه؟
ستينر: بالإضافة إلى المغاربة، فأنا آمل أن يقرأه دارسو العلاقات الدولية وتاريخ الحرب الباردة لأنه يبين الدور الذي لعبته الجهات غير الحكومية العالم ثالثية في تحديد معالم السياسة العالمية في القرن العشرين. أما للمختصين في دراسات القومية، فيقدم الكتاب مثالاً على تأثير الأحداث المحلية والعالمية المتضافرة في تأسيس دولة حديثة مستقلة، في حين يمكن للمهتمين بالنشاط السياسي العابر للحدود الوطنية أن يدرسوا بالتفصيل إحدى المقدمات التاريخية لما يُعتبر في الغالب ظاهرة حديثة. نظراً لخلو الكتاب من المصطلحات المعقدة، فأنا أعتقد أيضاً أن قراءته ستكون سهلة على الطلاب من جميع المستويات (أكدت زوجتي ذلك عندما أخبرت أصدقاءها أن الكتاب لم يكن "مملاً" مثل معظم كتب التاريخ، الأمر الذي أعتبره شهادة مهمة). أخيراً، أرجو أن يقبل المغاربة بحفاوة على قراءة الكتاب كي أتمكن من مشاركة عملي مع المهتمين منهم بمعرفة تاريخهم. لقد سبق ونشرت مقالات عديدة في مجلة زمان المهتمة بالتاريخ الشعبي (Zamane)، الأمر الذي أثار اهتماماً متزايداً بهذه القصة، ولذلك، أرجو أن أتمكن قريباً من نشر نسخة باللغة العربية قد تجذب قراءاً أكثر.
جدلية: ما المشاريع الأخرى التي تعمل عليها الآن؟
ستينر: أعمل على مقالين، أحدهما عن إرث التضامن المغربي الفلسطيني في القاهرة خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين، وآخر حول تشكل النسوية ما بعد الكولونيالية في المغرب خلال الخمسينيات، وآمل أن أتمكن من إنهاء العمل عليهما في العام المقبل. لكن مشروعي الرئيسي هو كتابة تاريخ اجتماعي للحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا، الذي، للمفاجأة، لم يتوله الباحثون بالدراسة بعد. كل ما لدينا هو التاريخ الدبلوماسي والعسكري لتلك الحقبة، أما أنا فأبتغي دراسة حياة الناس العاديين من المسلمين واليهود والمستوطنين الأوروبيين. هدفي النهائي هو إظهار الكيفية التي غيرت بها سنوات الحرب العالمية الست النسيج الاجتماعي في المنطقة وتأثيرها على حركة إنهاء الاستعمار خلال العقدين التاليين. شجعني هذا المشروع أيضاً على توسيع دائرة أبحاثي لتشمل تونس والجزائر، وهو أمر رائع. مع ذلك، فإن كمية المصادر المتاحة هائلة للغاية ومن المحتمل أن تبقيني مشغولاً خلال السنوات القليلة القادمة.
جدلية: ما أكثر النتائج التي أثارت دهشتك خلال تأليف الكتاب؟
ستينر: المزيج الغريب من الشخصيات التي تظهر بين صفحات الكتاب. روم لاندو، على سبيل المثال، معروف بين كبار العلماء المتخصصين في المغرب، لأن كتبه كانت في الغالب الكتب الوحيدة على أرفف المكتبات الغربية حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي، على الرغم من دقتها المشكوك فيها. لم يكن لاندو مجرد مراقب من بعيد، بل كان البطل الرئيسي في القصص التي كتب عنها. بعبارة أخرى، هيمن مواطن بريطاني له علاقات قوية مع العائلة الملكية العلوية - أحد معارفه أطلق عليه ذات مرة لقب "مؤرخ البلاط" - على الدراسات التي تناولت مغرب القرن العشرين لعدة عقود.
لقد فوجئت أيضاً بالقدر الكبير من الاهتمام الذي تلقاه نضال المغرب من أجل الاستقلال في الولايات المتحدة، إذ أعانت سيدة أولى سابقة وقاضي محكمة عليا في الولايات المتحدة المناضلين الوطنيين، الذين يمكن العثور على منشوراتهم في المكتبات الجامعية في ماديسون، ويسكونسن وسانتا باربرا، كاليفورنيا.
علاوة على ذلك، أدهشني الدعم النشيط الذي قدمته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى الوطنيين المغاربة، على الرغم من وقوف وزارة الخارجية وإدارتين متتاليتين في البيت الأبيض في صف فرنسا. ما أثار دهشتي بالخصوص هو الدور الذي لعبه كينيث بندار، مدير شركة كوكاكولا في الدار البيضاء، في تسهيل التواصل بين لانغلي (مقر السي آي أي) والنخب السياسية المغربية، مما جعل من الصودا الأمريكية "المشروب الوطني المغربي"، وفق ما أشار إليه أحد المتتبعين الفرنسيين. يفسر هذا العلاقة الوثيقة بين وكالات الاستخبارات الأمريكية والمغربية خلال الحرب الباردة وقرار المملكة استضافة "موقع أسود" تابع لوكالة الاستخبارات المركزية خارج مدينة الرباط عندما بدأت "حربها المزعومة على الإرهاب". لقد أُجريت معي مقابلة بخصوص هذا الموضوع عندما كنت في المغرب، لكن المحررين حذفوا إشارتي إلى مركز الاستجواب الواقع في تمارة من النص النهائي. يبدو أنه لا مجال لنبش مثل هذه المواضيع في المغرب المعاصر.
مقتطفات من الكتاب (ص 1-10)
في نوفمبر 1952، اجتمعت مجموعة من النشطاء السياسيين المغاربة المعادين للاستعمار في نيويورك لتقديم قضية استقلال بلادهم عن الحكم الاستعماري الفرنسي والإسباني أمام الأمم المتحدة. لقد وافقت هذه الهيئة على مطالبهم بعد أقل من عقد على تشكيل الحركة الوطنية المغربية إبان الحرب العالمية الثانية. على الرغم من ارتدائهم بدلات سوداء وحملهم حقائب جلدية - مظهر جعلهم أشبه بالدبلوماسيين - فلم يكونوا يتحلون بصفة قانونية داخل مقر المنظمة الدولية بسبب الوضع الاستعماري لبلدهم. لكن ممثلي دول عدة ذات سيادة عرضوا مساعدتهم وزودوهم بجوازات سفر على اعتبار أنهم أعضاء في الوفود السعودية والإندونيسية والباكستانية والعراقية واليمنية، مما مكنهم من حضور اجتماعات اللجان التي تتدارس الشؤون الاستعمارية. خلال نقاش داخل الجمع العام للأمم المتحدة حول الوضع في شمال أفريقيا، صرح محمد ظفر الله خان، وزير الخارجية الباكستاني آنذاك، بأن العالم الإسلامي بأكمله يدعم مطالبهم التحررية. على الرغم من الجهود الفرنسية الحثيثة لإبقاء القضية المغربية خارج جدول أعمال الجمع العام، فقد حقق الوطنيون نصراً جزئياً عندما تبنت الوفود المجتمعة قراراً يؤكد "الحريات الأساسية للشعب المغربي". من وجهة نظر المناضلين الوطنيين، "فحقيقة... [أن] الأمم المتحدة خولت لنفسها التعامل مع القضية المغربية وإصدار قرار بشأنها" اعتبر "انتصارا" لقضيتهم، بالرغم من أن الإعلان فشل في إدانة فرنسا صراحة.
تابع العديد من مواطني بلدهم حملتهم تلك في نيويورك بحماس كبير. أبلغ أحد المقربين من السلطان محمد بن يوسف النشطاء "باغتباط سعادته بعرض القضية [المغربية] [في الخارج]" ونظم الشعراء أبياتاً في مدح الأمم المتحدة. علاوة على ذلك، صدر بيان وطني احتفل بواقع أن "إخواننا في أمريكا يصدرون نشرة إخبارية أسبوعية كل يوم جمعة [والتي] توزع على... المكتبات العامة والجامعية... والشخصيات الهامة التي تتابع قضيتنا." كذلك، داومت صحيفة الاستقلال الأسبوعية المناهضة للاستعمار على نشر مقالات وافتتاحيات من الصحف الأمريكية لإبقاء قرائها مطلعين على "ردود أفعال الرأي [العام] الأمريكي." وقد أبلغ أحد الوطنيين أخاه في نيويورك بما فحواه أن "الناس هنا يولون اهتماماً كبيراً بالأخبار وغالباً ما نسمع تفاصيل الحملة في الشارع قبل قرائتها في الصحف. هذه الأخبار مصدرها محطات الراديو المختلفة... إنهم يتابعون الوضع في أمريكا ويعلقون آمالاً كبيرة [عليه]."
لقد أصبح النضال المغربي من أجل الاستقلال عالمياً، ولكن كيف نجح الوطنيون المغاربة في جعل قضيتهم قضية دولية، بحيث إن الأمم المتحدة تدارستها في نهاية المطاف؟ كيف أوصلوا رسالتهم وهم في الخارج، علماً أن أغلبهم لم يكن يجيد التحدث بالإنجليزية؟ لماذا تبنت وسائل الإعلام الدولية في نهاية المطاف مطالب ناشطين من مملكة غامضة تقع في شمال غرب أفريقيا، مع بداية تخييم ستار حديدي فوق أوروبا وتوالي التوترات التي هددت بجر الكوكب بأسره إلى حرب عالمية أخرى؟ تبدو جهودهم مثيرة للإعجاب عند النظر إليها الآن، لكن النجاح النهائي لحملتهم المناهضة للاستعمار التي انطلقت في أعقاب الحرب العالمية الثانية لم يكن حتمياً. كانت قلة من المتابعين فقط تتوقع أن القضية المغربية ستجتذب ذلك الاهتمام الدولي الشديد مباشرة بعد نهاية الحرب.
للتغلب على العقبات في طريقهم، اعتمد الناشطون المغاربة استراتيجية مبتكرة وضعتهم في طليعة الحركات العالمية المناهضة للاستعمار؛ ستحاكي حركات عديدة ما فعلوه في العقود اللاحقة. لقد نجحوا من خلال إنشاء شبكة من المتعاطفين، مكنتهم من رفع مستوى الوعي العالمي بقضيتهم. تضمنت هذه الشبكة عملاء مخابرات سابقين وصحافيين بريطانيين ودبلوماسيين آسيويين وإسلاميين مصريين ومسؤولين تنفيذيين في شركة كوكا كولا ونشطاء عماليين غربيين ومثقفين كاثوليكيين واشتراكيين فرنسيين وأحد الحائزين على جائزة نوبل وقاضي محكمة عليا أمريكية ورجال أعمال تشيليين وسيدة أولى سابقة وشخصيات أخرى؛ كلهم دعموا جهود الوطنيين. لم يُعرّف هؤلاء الحلفاء بمطالب الوطنيين داخل بلدانهم فقط، بل أضفوا الشرعية على قضية استقلال المغرب بين مواطنيهم من خلال المناهضة العلنية للحكم الاستعماري في البلدان المغاربية. كانت النتيجة نشوء تحالف دولي امتد عبر أربع قارات ونجح في لفت انتباه الرأي العام العالمي إلى قضية الوطنيين المغاربة. في نهاية المطاف، اقتنع الجمع العام للأمم المتحدة بضرورة بحث وضع المملكة المغربية.
كان هذا النصر الدبلوماسي نتيجة سنوات من حملات الضغط ، أرسلت الناشطين إلى جميع أنحاء العالم. من خلال تجمعهم في مقرات مختلفة، في طنجة وباريس والقاهرة ونيويورك، دافع الوطنيون المغاربة بنجاح عن قضية استقلال بلدهم. لكن الذين سهروا على هذه الحملة لم يكونوا قادة الحركة الوطنية، المعروفين لنا من خلال الكتابات التاريخية التقليدية عن البلدان المغاربية. كان وراء هذه الحملة عدد من النشطاء الشباب الذين انتقلوا إلى الخارج لجذب اهتمام العالم بالقضية المغربية من خلال إنشاء تحالف عالمي يطالب بإلغاء النظام الاستعماري. علاوة على ذلك، بعد استقلال المملكة في مارس 1956، لعب هؤلاء جميعهم أدواراً مهمة في إنشاء الدولة في مرحلة ما بعد الاستعمار. مع أن هناك من يعتبر أن هؤلاء النشطاء خارج الحدود الوطنية لم يكن لهم إسهام يذكر، إلا أن دورهم في تاريخ المغرب لا يمكن إنكاره.
[...]
أسهم المشهد الدولي المتغير في العقد الذي تلى الحرب العالمية الثانية في تشكيل نضال المغاربة من أجل الاستقلال. من وجهة نظر عالمية، كانت تلك هي اللحظة المناسبة لعرض قضيتهم على الساحة الدولية، إذ كانت الإمبراطوريات الأوروبية تعاني من أعراض انحطاط واضحة، بينما ظهرت على الساحة قوتان عظميان جديدتان تتنافسان على كسب تعاطف الشعوب الخارجة حديثاً من مرحلة الاستعمار. وهكذا، مكن هذا الصراع الثنائي القطب الحركات الوطنية من الحصول على الاستقلال وفق شروطها الخاصة، بالرغم من القيود التي فرضت عليها. كانت اللحظة حاسمة، إذ توجب على المغاربة اغتنام هذه الفرصة النادرة من خلال مناشدة ضمير ما أصبح يعرف باسم الرأي العام العالمي، وسيتمكنون بفضل هذا الضغط الدولي من إجبار فرنسا وإسبانيا على التخلي عن مستعمراتها. كان الحل هو تكوين شبكة دولية من المؤيدين سمحت لهم بالدعوة بنجاح لاستقلال المغرب على الساحة العالمية.
أثبتت هذه الشبكة فائدتها الكبيرة خلال الصراع من أجل التحرر، لكنها أصبحت عائقاً في مرحلة ما بعد الاستعمار، إذ دخلت البلاد في صراع على السلطة، وضع النخب السياسية بعضها في مواجهة بعض. على الرغم من تعاونهم الوثيق خلال سنوات الحملة المناهضة للاستعمار، شهدت المرحلة الجديدة تنافس القصر الملكي والوطنيين على ملء الفراغ الذي خلفه خروج السلطات الاستعمارية. في نهاية المطاف، خرج ملك البلاد منتصراً عندما سيطر على مقاليد السلطة عن طريق استقطاب النشطاء الرئيسيين في شبكة الدعوة المناهضة للاستعمار، مما أضعف حزب الاستقلال وأحاله إلى مجرد حزب معارض. كانت طبيعتها غير الرسمية وعدم وجود عضوية محددة المعالم وفشلها في تأسيس أيديولوجية متماسكة أهم ما اتسمت به شبكة المناضلين تلك، ولكن هذه المزايا تحولت فجأة إلى عائق. عززت المهارات والموارد والعلاقات الشخصية التي اكتسبها الوطنيون خلال حملتهم في الخارج قبضة العاهل المغربي على الحكم بمجرد انتدابه لأفرادها الرئيسيين إلى جانبه. من خلال تحليل دقيق للتعاون بين الناشطين المغاربة الذين ناضلوا على المستوى العالمي، يمكننا أن نفهم كيف تمكن الاستقلاليون من الفوز بمعركة الاستقلال، وكيف فقدوا فجأة فرصة الهيمنة السياسية على الدولة في مرحلة ما بعد الاستعمار. بدلاً من ذلك، أرسى محمد الخامس أسس الملكية السلطوية التي لا تزال تهيمن على البلاد إلى اليوم.
[نشرت المادة في «جدلية» وترجمها من الانكليزية ادريس امجيش]