دانييل حق، مساءلة العلمانية: العرق والدين في الفن والأدب العربي العابر للحدود (مطبعة جامعة سيراكيوز، سلسلة الدراسات العربية الأمريكية النقدية، 2019).
جدلية: ما الذي دفعك لتأليف هذا الكتاب؟
دانييل حق: انبثقت الشرارة الأولى للكتاب غداة زيارتي لسويسرا قبل مصادقة الناخبين السويسريين على قرار حظر بناء المآذن. أصدر حزب الشعب اليميني حينها إعلانات تصور امرأة تلبس البرقع وخلفها مآذن على شكل صواريخ تبرز من جنبات العلم السويسري. لم يفاجئني الاستفتاء ولا الدعاية المواكبة له، لكنني فوجئت برد فعل الإعلام الأمريكي الذي رأى فيه انتهاكاً للحرية الدينية. أدهشتني مثالية ردود الفعل الأمريكية بشأن اتساع مجال الحرية الدينية في الولايات المتحدة، بالرغم من أنها اضطهدت الأقليات الدينية منذ نشأتها - من الإبادة الجماعية للسكان الأصليين والقوانين ضد الكاثوليك في الحقبة الاستعمارية وصولاً إلى مذابح المورمون في القرن التاسع عشر. تشدد الولايات المتحدة على قيم الحرية الدينية والحوكمة العلمانية وتمارس في الوقت نفسه تمييزاً صارخاً ضد المسلمين، والأمثلة على ذلك تشمل قانون الوطنية، والخضوع لمراقبة شرطة مدينة نيويورك، والاحتجاز في خليج غوانتانامو. الخطاب المعادي للمسلمين والمتستر برداء علماني يسم مجمل السياسة العالمية، من مشروع القانون 21 في كيبيك الذي يحظر ارتداء رموز دينية على الموظفين العموميين، وقرار منع ارتداء البوركيني في البلدات الفرنسية، وصولاً إلى مشاريع قوانين لحظر الشريعة الإسلامية قدمتها 14 ولاية أمريكية في عام 2017 وحده.
خلال تلك الزيارة، كنت أتدبر موضوع رسالتي حول التقاطع بين الدين والأدب، ونتيجة زيادة هذا النوع من السياسات، انتقل اهتمامي إلى كيفية تعامل المؤلفين والفنانين المعاصرين مع العلمانية. خلال بحثي هذه المسألة، قرأت أعمال باحثين مثل تريسي فيسيندن، التي بيّنت كيف تستوعب مختلف الأعمال الأدبية الكلاسيكية القيم البروتستانتية وتحيلها قيماً مدنية. وجدت أيضاً أن معظم الدراسات حول العلمانية والأدب تدور حول الأدب ما بعد العلماني الذي يؤكد صيغة واهنة للدين، ليبرالية وهجينة، يمكنها التعايش مع الحداثة العلمانية، لكنني لم أكن مهتمة بالأدب الذي يدعي الانتماء على أسس الاستيعاب والتسامح. بدلاً من ذلك، كنت أرغب في استكشاف الأعمال التي تعادي نفاق العلمانية الغربية وتكشف أساليب عملها. ركزت على الإسلام لأن النقاشات السياسية حول العلمانية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما أعقبها من صراعات، غالباً ما افترضت وجود "صدام" مع الإسلام. من خلال تركيزي على الكتاب العرب الناطقين بالإنجليزية والفنانين العرب والمسلمين في المهجر، تمكنت من الاشتباك مع تاريخ من عمليات التصنيف العرقي والمراقبة التي تعرض لها العرب في الدول الغربية واستكشاف الأعمال العابرة للحدود الوطنية التي تتحدى الحدود القومية وتخلق إحساساً بالتضامن الاجتماعي.
جدلية: ما الموضوعات والقضايا والدراسات التي يتناولها الكتاب؟
دانييل حق: يتناول الكتاب ادعاءات العلمانية حول معنى الدين ومحددات الذات الدينية السوية في العالم الحديث ويبحث الطرق التي تحد بها هذه الادعاءات من الحريات والممارسات الدينية. يُنظر إلى العلمانية على أنها مفهوم مجرد - غياب للدين - ولكنها في الواقع مُتجسِّدة ومُمارَسة، ويعكس إنتاجنا الثقافي هذه الممارسة ويشكلها. أنا أحاجج أن المؤلفين والفنانين الذين استعرضتهم في الكتاب يعارضون السياسات المعاصرة التي تؤطر النقاش حول العلمانية والحداثة فقط وفقاً لعدم تناسبها المزعوم مع الإسلام. تغطي العلمانية على القصة المرويّة حول تطور الدول القومية الغربية الديمقراطية الحديثة ومهمتها الحضارية الاستعمارية. لا تنتقد الأعمال التي تشابكت معها في الكتاب إخفاقات العلمانية في الوفاء بوعود الحرية فحسب، بل توفر نماذج بديلة للتفكير في معنى أن تكون متديناً وعلمانياً، وكيفية ضمان العيش المشترك في مجتمع واحد.
أود أن أغتنم هذه الفرصة لتسليط الضوء على المؤلفين والفنانين الذين استعرضت أعمالهم في الكتاب. في التقديم، أؤطر حجة الكتاب من خلال أعمال الشاعر خالد مطاوع، ثم أتطرق في المقدمة إلى كيفية استخدام رندا جرار لرواية توني موريسون "محبوبة" في إحدى قصصها القصيرة، وأعود في الخاتمة إلى تأطير حجج الكتاب من خلال الرواية نفسها. يضع الفصل الأول أعمال راوي حاج وليلى العلمي جنباً إلى جنب لمناقشة حقوق الإنسان والهجرة. أعمال مهجة كهف حول الأدب الأمريكي المسلم أساسية للإطار النظري الذي اعتمدت عليه، وقد قدمت قراءة لروايتها "الفتاة ذات الوشاح البرتقالي" من زاوية النسوية الإسلامية والأمة. بعدها، أمر بـرواية ربيع علم الدين "روعة الإيدز: فن الحرب" لمناقشة العلاقة بين الخطابات العلمانية وهويات مجتمع الميم والتمثلات الجندرية والعرقية للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة ولبنان. أما أعمال نينا إسبر الفنية فهي موضوع الفصل الذي تطرقت فيه للممارسات التأويلية العلمانية والأشكال الثقافية المناهضة للاستعمار في المتاحف. في الفصول الأخيرة، أنطلق من الأعمال الفنية الرقمية لحسن إلهي ومنحوتات منير فاطمي لمناقشة الطرق التي تضبط بها أنظمة الحكم الليبرالية الأجساد والجماعات على حد سواء وكيف تتحكم فيها.
جدلية: ما علاقة هذا الكتاب بأعمالك السابقة وكيف يختلف عنها؟
حق: عندما كتبت رسالة الدكتوراه، ونشرت دراستي الأولى منها في دورية الأدب الأمريكي، تصورت أن العلمانية الغربية يمكن أن تصبح أشمل - مثل منزل يتسع لنماذج دينية وإثنية وعرقية وجندرية متنوعة. لكن، في خضم تأليفي للكتاب، ولا سيما في إطار نقاشاتي مع محررة السلسلة كارول فضة، التي حفزتني للاشتباك مع أفكار جديدة، أعدت تقييم استنتاجاتي السابقة. توصلت إلى أن سياسات الإدماج والاحتواء لا تغير التفاوتات الهيكلية الأصلية؛ كل ما تفعله هو إدماج مزيد من الأشخاص في الوضع الراهن واستبعاد آخرين. لذا أعتقد الآن أن الأيديولوجيات التأسيسية ينبغي أن تفكك. تمثل الدراسات التي بنيت عليها حججي - بأقلام نادين نابر وكارول فضة وطلال أسد وصبا محمود ووائل حسن وجانيت ياكوبسن وآن بيليغريني وغيرهم - السقالة، بينما تمثل الروايات والأعمال الفنية التي استعرضتها في الكتاب مخططات البناء.
كانت أعمالي السابقة في مجال الدراسات العربية الأمريكية وتمحورت حول الآداب والفنون منذ أواخر القرن التاسع عشر وصولاً إلى الزمن المعاصر. لقد كتبت عن لاعبي السيرك العرب في عروض الغرب المتوحش لبافالو بيل. كتبت أيضاً عن الشعر والروايات العربية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين وتقاطعاتها مع الدراسات المتعلقة بالسكان الأصليين والدراسات النقدية الإيكولوجية، وجادلت بأن الأدب العربي الأمريكي يقدم إسهامات قيّمة، غالباً ما يتم تجاهلها، في مجال تغير المناخ. لقد أنهيت مؤخراً دراسة عن النتاجات الصومالية الأمريكية من الأفلام والدراما والشعر، تبرز الأنماط الجماعية وأساليب العناية التشاركية باعتبارها حقوقاً. ما تشترك فيه جل أعمالي الحديثة التي تدرس الإنتاجات الثقافية العابرة للحدود الوطنية هو طابعها المُقارن والعابر للتخصصات.
جدلية: من تأملين أن يقرأ هذا الكتاب؟ وما الأثر الذي تودين أن يخلفه؟
حق: آمل أن يقرأ الكتاب المهتمون بكيفية تفاعل الدين والعرق والسلطة. يسائل الكتاب المؤسسات العلمانية التي تُعتبر خيّرة قطعاً - مثل المتاحف وروايات حقوق الإنسان - وآمل أن يحثّ القراء على إعادة التفكير في الكيفية التي تُقارَب بها هذه المؤسسات والسياسات، خاصةً فيما يتعلق بكراهية المسلمين ومعاداة العرب على أسس عرقية. كان هدفي هو الكتابة على نحو سهل يضمن قراءة الكتاب على نطاق واسع، حتى خارج الأوساط الأكاديمية، والإسهام في النقاشات الجارية بشأن العدالة الاجتماعية. آمل كذلك أن يصل الكتاب إلى الذين يعشقون الآداب والفنون العربية، وأولئك الذين لا علم مسبق لهم بالموضوع، إذ قد يجدون فيه مؤلفين وفنانين جدد جديرين بالاستكشاف.
جدلية: ما المشاريع الأخرى التي تعملين عليها؟
حق: بعد نشر الكتاب، أعمل الآن على عدد من الدراسات وعلى كتابي الثاني. أنا بصدد كتابة مدخل إلى أعمال مهجة كهف ومقال عن تمثيلات الطفولة العربية الأمريكية في أدب الأطفال مع بداية القرن. أشارك أيضاً في تأليف كتاب مع مكتي منغارام حول استخدامات الأدب لتعليم التعاطف.
جدلية: كيف يمكن للأعمال الأدبية أن تنتقد العلمانوية؟
حق: سأعطي مثالاً على القراءة التي قدمتها في الكتاب. في الفصل الخاص برواية حقوق الإنسان، أراجع الدراسات التي توضح كيف أن مفهوم الإنسان في خطابات حقوق الإنسان محل جدل منذ عقود طويلة، إذ ينطلق المذهب الإنساني الغربي من تصور عن الإنسان بوصفه ذات عاقلة ومستقلة - تصور يعود لعصر الأنوار. بعدها ألقي نظرة على روايتين ترفضان إضفاء الطابع الإنساني على اللاجئين، وأبدأ برواية ليلى العلمي "الأمل ومساعي أخرى خطرة" التي أجادل بأنها تكتب ضد احتواء الذات الإنسانية في أنطولوجيات فردية وضد تصورات للدول القومية باعتبارها حلاً، بل تركز بدلاً من ذلك على الاقتصادات المحلية وسبل التكافل المشترك. أختم هذا الفصل بمناقشة رواية راوي حاج "الصرصور"، التي تسحق الإنسان تماماً، إذ يتحول بطل الرواية المجهول إلى صرصور. مسألة الأخلاق محورية في محتوى هذه القصص وأسلوبها - ليس فقط لأنها روايات حقوق إنسان، ولكن لأنها تتحدى هذا التصنيف عن طريق خلخلة إنسانيتها العلمانية الكامنة. يوضح المقتطف أدناه كيفية قيام الكتاب بذلك.
مقتطفات من الكتاب:
توجيه الأجساد
"أربعة عشر كيلومتراً." هذه أولى كلمات رواية ليلى العلمي "الأمل ومساعي أخرى خطرة." يقف مراد، أحد أبطال الرواية الخمسة، على أحد شواطئ المغرب، متأملاً المسافة بين المغرب وإسبانيا: "أربعة عشر كيلومتراً. تدبّر مراد هذا الرقم مئات المرات خلال العام الماضي، محاولاً أن يقرر ما إذا كان الخطر يستحق العناء." المسافة صغيرة ومُعجزة في الوقت نفسه: "في بعض الأيام، لم يكن يشغل تفكيره سوى خفر السواحل والماء البارد المثلج والمال الذي يجب أن يستدينه. لطالما تساءل حينها كيف يمكن لأربعة عشر كيلومتراً أن تفصل عالمين وليس بلدين فقط."
لا تبدأ الرواية باستدرار العاطفة ولكن بواقع البعد مجسداً بقيمة عددية. توضح دقة الرقم أن صفة المواطنة ليست فكرة مجردة وحسب - بل هي فكرة مجردة ملموسة تؤثر على الأجساد والحيز الذي تتحرك فيه. في الوقت نفسه، تخلق تمظهرات المواطنة عوالم متباينة من الخبرات وتُحدد ساكني تلك العوالم من الناحية القانونية. تقع إسبانيا على بعد أربعة عشر كيلومتراً فقط، لكن هذه المسافة تعني كل شيء لمراد وزملائه المسافرين. هم ليسوا مسافرين بالمعنى الدقيق. إنهم لاجئون في حالة ما استلطفهم القراء، أو مهاجرون، أو على الأرجح "غير شرعيين"، المصطلح الذي توظفه الرواية بشكل استراتيجي.
تستخدم الرواية قارباً متهالكاً لبناء قصة تؤطر التحولات الزمنية والجغرافية لظاهرة الهجرة. على الرغم من أن الرواية وُصفت بأنها تؤنسن تجارب "لاجئي القوارب"، اللاجئين الاقتصاديين والسياسيين الذين يعبرون من شمال أفريقيا إلى أوروبا، فأنا أجادل بأنها تغوص أعمق من ذلك ولا تكتفي بأنسنة اللاجئين. توظف الرواية تفاصيل الدراما المحلية لاستكشاف العلاقة المشحونة بين القومية والحرمان السياسي والاقتصادي والممارسات الإسلامية ومفاهيم الذكورة والأنوثة المشكِلة. إنها تقوّض العاطفة الإنسانية الزائدة عن الحد لصالح طرق غير ملموسة وأكثر ارتباطية لفهم أنفسنا كبشر، والتي تجد تعبيرها في عمل الاقتصاديات المحلية. تفعل هذا أيضاً من خلال إعادة النظر في صياغات الاستعمارية الوجودية للإنسان في أعمال مؤلفين مثل بول بولز، الذي يوجد على هامش الشخصيات المغربية، هو والسياح الذين يقرؤون كتبه. بدلاً من لعب دور عدسة تسلط الضوء على الثقافة المغربية، يُلقى بولز ومعجبوه في عوالم قصصية تُحكى من وجهات نظر متعددة؛ من وجهة نظر فاتن، المسلمة المتدينة؛ حليمة، الأم المكافحة؛ لابين، الأب المضطرب؛ مراد وعزيز، الشابين المحرومين. تتلاقى هذه المحاور الحرجة - سردية حقوق الإنسان وأسسها الاستعمارية - وسط إخفاقات ونجاحات أبطال الرواية خلال كفاحهم لتحسين حياتهم، مخلخلين في الوقت نفسه توقعات القراء عن المهاجرين واللاجئين الذين إما يستوعبون بسلاسة أو يقبلون بتهجين مضطرب، أو يتوقون، دون التباسات، للعودة إلى الديار.
مثل مراد، يشارك بطل رواية راوي حاج "الصرصور" في نشاط خطر، إذ إنه لص معاد للمجتمع، يوجد على الهامش، ويتقن تغيير شكله. من خلاله، تعارض الرواية بشكل جذري النزعة الإنسانية الكامنة في قلب السياسات النيوليبرالية المعاصرة.
تتصدى الروايتان للدافع القانوني الذي بمقتضاه تُثبت إنسانية الشخصيات، وذلك في سبيل إثبات حقوقهم الطبيعية. بدلاً من ذلك، يزحزح أبطالها الصورة الرومانسية لسردية حقوق الإنسان والبواعث الاستعمارية التي تمخضت عنها الرواية الوجودية، وذلك من خلال نقد استخدام الوضعية القانونية منظوراً لإنتاج الذات ومحوها، واستنطاق فاعلية الذات المستقلة، التي تيسرها قنوات المؤسسات الديمقراطية الليبرالية باعتبارها المصدر الوحيد للعدالة. وهكذا، يرفض كلا النصين الإطار الخيريّ الذي يراد أن تحصر فيه الشخصيات، لصالح منظور إنساني.
ترتكز خطابات حقوق الإنسان على السردية العلمانية الليبرالية عن الإنسان، لكن هذا الأساس يحد الإنسان ويقيد متطلبات حقوق الإنسان. تؤكد ليزا لوي الأسس الاستعمارية لليبرالية الحديثة، بحجة أنها "بمجرد ما عرّفت 'الإنسان' وعممت سماته على الأوروبيين، فقد ميّزت في الوقت نفسه سكان المستعمرات باعتبارهم أقل إنسانية." لذلك، "حتى عندما تعتزم الليبرالية العالمية الإدماج الاجتماعي، فهي تنتج شروط الإدماج والإقصاء معاً؛ إذ في ادعائها تعريف الإنسانية، كنوع أو كوضع، نصبح أمام معطيين: الإنساني واللا إنساني، بحيث يصنف المعياري في خانة الإنساني والمنحرف في خانة اللا إنساني."
ظهرت الخطابات الغربية لحقوق الإنسان من طريق العلمانية لأن مفكري الأنوار اضطروا لتبرير سبب امتلاك الناس لحقوق متأصلة لا تستند إلى الدين، فإذا لم يكن مصدر الكرامة الإنسانية إلهياً، فيجب إذن أن يكون لها علاقة بقيمة إنسانية عالمية فطرية. إن الطبيعة الدقيقة لتلك القيمة - أساساً الفرد المستقل والعاقل والعلماني المتحلي بالكرامة - هي جوهر خطاب الحقوق الذي ظهر في الوثائق السياسية خلال القرن الثامن عشر وما زال يؤثر على المفاهيم الغربية للحقوق إلى الآن، حتى في ظل انتقاد ناشطين سياسيين لهذا التصور المؤيد للاستعمار والعولمة والمستبعد للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. ليس هدفي هو المحاججة بأن الإنسان في خطابات حقوق الإنسان كان ولا يزال مفهوماً إقصائياً؛ هذا أمر بديهي. بدلاً من ذلك، أدرس كيف تطالب روايتان بالحقوق، إحداهما عن طريق إعادة صياغة تصورات سردية حقوق الإنسان - المرأة المعتدى عليها والمشتغلات بالجنس والشباب المحروم - والأخرى بالرفض المطلق للإنسان.
يركز جزء كبير من العمل في مجال حقوق الإنسان على الأجساد المنتهكة. تتصدى رواية "الأمل ومساعي أخرى خطرة" للتركيز الشديد على الجسد وصور تدنيسه، وتطلب من القراء بدلاً من ذلك اعتبار حياة الإنسان متجسدة ومنتمية إلى حيز اجتماعي. أما رواية "الصرصور" فتتحرك في الاتجاه المعاكس، بتركيز عنيد على الجسد بكل غرابته وبذائته ونهمه. على عكس قصة كافكا "التحول"، يرفض بطل هذه الرواية الإنسان ويفضل الصراصير. تتشابك هاتين الروايتين مع بنى سردية مهيمنة - السرديات الإنسانية والعلمانية والليبرالية عن الإنسان - وبذلك، تعيد ترتيب معاني الإنسانية.
[نشرت على «جدلية» و ترجمها عن الانكليزية ادريس امجيش]