التكنوقراط والموجة الثانية من الانتفاضات العربية

[المصدر: موقع الوطن] [المصدر: موقع الوطن]

التكنوقراط والموجة الثانية من الانتفاضات العربية

By : Ihab Maharmeh إيهاب محارمة

اندلعت الشرارة الأولى للموجة الثانية من الانتفاضات العربية أواخر عام 2018 مع غضب السودانيين من قرار الحكومة السودانية رفع أسعار الخبز والوقود. تلا ذلك انتفاضة الجزائريين يوم 22 شباط/ فبراير 2018 للوقوف ضد ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. اليوم، تعم الانتفاضات العالم العربي، فمنذ دخول شهر تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2019 ارتفعت وتيرة الانتفاضات العربية؛ فإلى جانب استمرار الانتفاضة الجزائرية التي تطالب برحيل رموز النظام السياسي السابق، انتفض اللبنانيون والعراقيون ضد تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد والمحاصصة الطائفية.

يُعدّ اقتراح تعيين حكومات تكنوقراط واحدًا من المخارج المطروحة على أجندة الموجة الثانية من الانتفاضات العربية، وذلك لارتباط هذه الحكومات بالقدرة على إيجاد حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. المنتفضون في السودان ولبنان يرون في حكومات التكنوقراط مخرجًا للتخلص من تحكم الطبقة السياسية الحاكمة، والتي تتحمل وفقًا لهم المسؤولية عن الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي وصلت إليه بلدانهم. وعلى هذا نجد سبب اختيار قوى إعلان الحرية والتغيير للخبير الاقتصادي في الأمم المتحدة عبد الله حمدوك لرئاسة وزراء الحكومة الانتقالية في السودان، وكذلك نفهم إصرار المنتفضين في لبنان تشكيل حكومة تكنوقراط تتركز مهمتها في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تنقذ البلد من الأزمة التي تسببت بها نخبة الدولة المسيّسة. والحال نفسه في الجزائر، فقد وجد الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة في رئيس الوزراء المكلف نور الدين بدوي خيارًا مناسبًا كأول رئيس وزراء بعد انطلاق الانتفاضة الجزائرية لمساعدته في القيام بإصلاحات اقتصادية اجتماعية تساعد في تهدئة الانتفاضة، بوصفه تكنوقراطي لم يسبق له أن أدى أي دور سياسي، ولا يعرف عنه ارتباطه بأجنحة النظام. يبقى العراق إلى حد ما يحمل خصوصية عن السودان ولبنان والجزائر، وذلك لوجود حكومة تكنوقراط يرأسها عادل عبد المهدي منذ أكثر من عام، ينتفض العراقيون ضد فشلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري. 

ما هي الأسباب المشتركة وراء هذه الاحتجاجات؟

ثمة دافع مشترك في جميع انتفاضات الموجة الثانية وهو رفض المنتفضين للأوضاع الاقتصادية في بلدانهم، ولا سيما ارتفاع الأسعار وفرض ضرائب جديدة. في السودان ارتفعت أسعار السلع والمواد الأساسية بشكل غير مسبوق خلال عام 2018، وتحديدًا أسعار الخبز والوقود. وفقًا لصندوق النقد الدولي ارتفع معدل التضخم في السودان إلى معدل غير مسبوق مسجلًا ما نسبته 63.3 في المئة نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2018، ومرتفعًا عن 32.4 عام 2017، و16.9 عام 2015. أضف إلى ذلك، سعى مجلس الوزراء السوداني الذي توقع تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4 في المئة عام 2018 إلى تغطية عجزه المالي الذي بلغ أكثر من 4 مليار دولار أميركي نهاية عام 2017 بالاعتماد على فرض ضرائب جديدة، من بينها ضرائب على الاتصالات والإنترنت والتبغ. في الحصيلة، تظهر بيانات موازنة عام 2018 بأن الحكومة السودانية كانت تعوّل على الموارد الضريبية التي تمثل نحو ثلثي الموازنة الحكومية في تغطية عجزها المالي.

كما أن ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية وفرض ضرائب جديدة كان أيضًا سببًا للانتفاضة في الجزائر، وذلك إلى جانب ترشح الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. خلال عام 2018 ارتفعت أسعار المواد والسلع والخدمات المستوردة والمحلية، من بينها أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والحبوب والفواكه الجافة والخضار والوقود. وفقًا لصندوق النقد الدولي ارتفع معدل التضخم في الجزائر مسجلًا 4.3 عام 2018، مرتفعًا عن 2.9 عام 2014. أضف إلى ذلك، دفعت الأزمة المالية التي مرت بها الجزائر إبان انخفاض أسعار الطاقة العالمية إلى الاعتماد على الضرائب من أجل زيادة الإيرادات العامة، فمنذ انخفاض أسعار الطاقة فرضت الحكومة مجموعة من الضرائب الجديدة على المكالمات الهاتفية والتبغ والسيارات المصنعة والعقارات والوقود والكهرباء، ناهيك عن فرضها ضرائب إضافية على رسوم استخراج الوثائق الإدارية. وبالتالي، فقد أسهم تنامي معدلات التضخم وفرض مجموعة جديدة من الضرائب، المتزامنة مع جملة السياسات الاقتصادية التي اتبعتها حكومة رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى (2017-2019) بطبع أوراق مالية (تعويم العملة) بغرض مواجهة العجز المالي في الموزانة الحكومية في كشف حجم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الجزائر.

في العراق، وبالتزامن مع بدء اللجنتيّن المالية والقانونية في البرلمان العراقي نهاية أيلول/ سبتمبر 2019 مناقشاتهما بشأن موزانة عام 2020، بدأت الانتفاضة العراقية احتجاجًا على انتشار الفساد وارتفاع معدلات البطالة وسوء الخدمات العامة. تكشف تقارير صندوق النقد الدولي عن استقرار معدل التضخم عند 0.4 عام 2018 و0.5 عام 2016، لكن هذا الاستقرار لا يعني بأن العراق لا يواجه أزمة اقتصادية، فتقارير البنك الدولي وتقرير الموازنة الحكومية لعام 2019 تشير إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر التي تصل أعلى من 25 في المئة لكل منهما، وارتفاع الديون الخارجية التي وصلت إلى 125 مليون دولار أميركي، وارتفاع عجز الموزانة الحكومية الذي وصل أكثر من 20 مليار دولار أميركي. لذا، وبالرغم من عودة أسعار النفط إلى الارتفاع عام 2018 لتصبح في حدود 80 دولارًا للبرميل، وهو رقم لم تبلغه منذ تشرين ثاني/ نوفمبر 2014، فإن الحكومة العراقية لم تتمكن من إيجاد حلول لأزمتها الاقتصادية المتثلة في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وعجز الموازنة الحكومية. فالحكومة العراقية لم تنجح في الخروج من الظاهرة الريعية المعتمدة على مصدر دخل واحد وهو النفط. وكان يمكن للحكومة العراقية أن تقوم بتنويع مصادر الدخل وتفعيل القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وذلك لتفادي تقلب أسعار النفط في السوق العالمي، وبالتالي تقليل الآثار الاقتصادية التي تواجه المواطن العراقي. لذلك، فقد بدا واضحًا أن انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي من خارج قطاع النفط، والمترافق مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي، كان سببًا كافيًا للكشف عن حقيقة الأزمة المالية التي فجّرت الانتفاضة العراقية.

وفي لبنان، وبالتزامن مع بدء مجلس الوزراء جلسات مناقشة موازنة عام 2020 خرج المنتفضون بسبب غضبهم من نيّة الحكومة فرض ضرائب جديدة تطال الطبقات الفقيرة والمتوسطة على استخدام تطبيق "واتساب" الإلكتروني والتبغ والمحروقات. وتزامن فرض الضرائب مع تأثر الاقتصاد اللبناني بأزمة توقف المصارف اللبنانية التحويل من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي، ورفع مصرف لبنان يده عن ضبط الدولار الأميركي في السوق غير الرسمي. من حيث المبدأ، يقبض المواطن اللبناني راتبه بالليرة اللبنانية ويسدد ثمن العديد من السلع والخدمات المحلية والمستوردة بالدولار الأميركي. لذلك، فالخلل الحاصل في السوق بين العرض والطلب على الدولار الأميركي، وإخضاع سعر الصرف لآليات العرض والطلب مع رفع المصرف اللبناني يده عن التدخل في تحديد سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازي للسوق الرسمي، قابله ارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة، ولا سيما السلع الغذائية، وتراجع في القدرة الشرائية للمواطن اللبناني بالليرة اللبنانية. فالمعادلة هنا أصبحت شح في السيولة وارتفاع في الأسعار.

وهناك دافع مشترك ثان في جميع انتفاضات الموجة الثانية وهو رفض المنتفضين للطبقة السياسية الحاكمة، ولا سيما أن المنتفضين يرون بأن الطبقة الحاكمة تسيطر على توزيع أموال الدولة في الجزائر والسودان والعراق ولبنان. ولذلك فهي مسؤولة عن الإخفاقات السياسية والاقتصادية في بلدانهم. في الجزائر استمرت المظاهرات بالرغم من تنحي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، واستحضر الجزائريون شعار "يتنحّاو قاع" الذي يدعو الطبقة السياسية الحاكمة للتنحي عن الحكم. وكذلك هي الانتفاضة في العراق ولبنان، فالمواطنون خرجوا مطالبين برحيل النخبة الحاكمة المسؤولة عن تكريس نظام المحاصصة الطائفية باعتباره نظامًا ريعيًا يتم فيه اقتسام السلطة والثروات الاقتصادية والاستئثار بها. في لبنان رفع المنتفضون شعار "كلّن يعني كلّن" في إشارة إلى ضرورة رحيل كل الطبقة السياسية الحاكمة. في العراق استعمل المنتفضون شعار "شلع قلع" في إشارة إلى موقف رافض للنخبة السياسية التي تتحمل مسؤولية الفساد والمحاصصة المستشري في الدولة منذ عام 2003.

ويبدو أن الموجة الثانية من الانتفاضات العربية مرشحة لأن تصل إلى دول عربية أخرى طالما ستستمر الزيادة في أسعار السلع وفرض ضرائب جديدة، والأهم من ذلك أن التكنوقراط يصعدون تدريجيًا في دول الانتفاضات العربية لقدرتهم على فرض أنفسهم كطبقة حاكمة من خارج الطبقة السياسية، وبوصفهم قادرين على إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلدان العربية.

لماذا يصعد التكنوقراط في الموجة الثانية من الانتفاضات العربية؟

يحيل تعريف التكنوقراط أو التكنوقراطية (Technocracy) إلى طبقة علمية فنية ومثقفة ومتخصصة تمارس السلطة بحكم اختصاصها التقني، إذ تصبح المهارات التقنية طريقها للوصول إلى السلطة، وغالبًا ما تكون هذه الحكومات غير حزبية فهي لا تهتم بالفكر الحزبي والحوار السياسي. وكما تعرّف بأنها الهيمنة الإدارية والسياسية على المجتمع من قبل نخبة الدولة غيّر المسيّسة، والتي تسعى لفرض نموذج سياسة واحد وحصري قائم على تطبيق التقنيات العقلانية، الأمر الذي يعني نخب مستقلة لديها القدرة على فرض نموذجها السياسي والاقتصادي من خارج السياسة التقليدية. وفي أغلب الأحيان يكون المقصود بالتكنوقراط شكل من أشكال الحكومات التي يحل فيها الخبراء محل السياسي التقليدي.

ويجب أن نضع في اعتبارنا أنه في الموجة الأولى من الانتفاضات العربية التي اندلعت في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا كان يمكن أن يصل التكنوقراط إلى السلطة، وذلك لتقديم حلول للأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلدان العربية، حيث توجد لغة مشتركة بين المنتفضين في انتفاضات الموّجتين الأولى والثانية ضد الأزمات الاقتصادية التي سببتها السياسات النيوليبرالية، وفشل نماذج التنمية في البلدان العربية، ناهيك عن الأسباب السياسية المتمثلة في بقاء النظم الاستبدادية، وحكم العسكر، والتدخلات الخارجية، وتراجع دور الأحزاب السياسية العربية.

ولكن في المقابل، وإن استثنينا مصر بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي في حزيران/ يونيو 2014 الذي اعتمد على التكنوقراط لإظهار واجهة مدنية للحكم، فإن بلدان الموجة الأولى من الانتفاضات العربية لم تعرف صعودًا للتكنوقراط، وذلك بسبب الحروب الأهلية الطاحنة التي اندلعت في اليمن وسوريا وليبيا.

ومع ذلك، فإن التكنوقراط بوصفهم قادرين على الوصول إلى السلطة وفقًا لقواعد المهارة والخبرة المهنية والتقنية، وقادرين على اقتراح سياسات تهتم بالنمو وتعزيز جودة حياة الناس وتحقيق الإزدهار الاقتصادي، فإن ذلك يسهل وصول هذه الطبقة إلى سدّة الحكم في البلدان العربية بوصفها تعبيراً صريحاً عن الشكل الجديد للحكومات العالمية، مع اعتبار قدرة التكنوقراط على تجاوز العديد من الأزمات الاقتصادية، أهمها قيام الدول الأوروبية بتعيين حكومات تكنوقراطية للخروج من أزمتها المالية عام 2008. وبمعنى آخر، فإنه يبدو أن المنتفضين في الموجة الثانية، الباحثين عن نخبة غير النخبة السياسية الحاكمة، والباحثين عن فرص اقتصادية أفضل قد يمنحون التكنوقراط فرصة للصعود إلى الحكم في بلدان الانتفاضات العربية لقدرتهم على إيجاد حلول لارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية وفرض ضرائب مستحدثة.

ارتفاع الأسعار والضرائب والطبقة الحاكمة هي المشكلة. التكنوقراط ليسوا الحل.

مع بروز أزمة السياسات النيوليبرالية الجديدة، وتفاقم أسعار السلع والمواد الغذائية، وفرض المزيد من الضرائب في البلدان العربية، بدا بأن التكنوقراطية التي بدأت بشكل حقيقي مع تأسيس الأمم المتحدة، وبرزت بشكل رئيس في أهدافها للتنمية المستدامة باعتبارها ثمرة للتكنوقراطية التاريخية، باتت وصفة للخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلدان العربية. ولكن يبقى النقاش قائمًا حول قدرة هذه الحكومات على الحفاظ أو تغيير الوضع الراهن، ولا سيما أنها تُعرّف بأنها حكومات لتصفية الأزمات. فهذه الحكومات، وإن غلب عليها صفة حكومات انتقالية مخصصة لحل الأزمات السياسية والاقتصادية، إلا أنها تبقى مقيّدة من حيث الصلاحيات بالأحكام الدستورية من جهة، والضوابط التي يفرضها السياسيون والأحزاب السياسية من جهة ثانية.

ولتفادي هذا الجدل حول الصلاحيات، يبقى الأهم هو دراسة تشكيل الحكومة وأولوياتها. فقد تكون حكومة تكنوقراط بصلاحيات محدودة، ولكن في نفس الوقت قادرة على صياغة ورسم السياسة العامة ووضعها موضع التنفيذ. في الجزائر وبعد نحو ثلاثة أشهر على اندلاع الانتفاضة الجزائرية أصدر الرئيس الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة قراره بتعيين نور الدين بدوي رئيسًا لحكومة تصريف الأعمال. منذ اليوم الأول لتكليفه قال بدوي بأنه سيشكل حكومة تكنوقراط من الخبراء لتهدئة الاحتجاجات الشعبية ضد بوتفليقة والطبقة السياسية الحاكمة. وفور الإعلان عن تشكيلة الحكومة تبيّن بأن بدوي حافظ من جهة على الوجوه القديمة للنظام من بينهم وزير الدفاع الوطني، ووزيرة البريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، ووزيرة التضامن، ووزير التجارة، ووزير المجاهدين، ووزيرة البيئة، ومن جهة ثانية عيّن بدوي وزراء جدد من الكفاءات المقربة من الطبقة السياسية الحاكمة من بينهم أمناء عامين في وزارات الدولة. ويبدو أن الطبقة السياسية الحاكمة وعلى رأسها قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح كانت معنيّة بالمحافظة على بدوي رغم تنحي بوتفليقة عن منصبه من جهة، واحتجاج المنتفضين الجزائريين ضده من جهة ثانية، وذلك لقدرة بدوي وحكومته على عدم منافسة صالح والنخبة المقربة منه.

في السودان توّلى الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك رئاسة حكومة التكنوقراط الانتقالية. منذ اليوم الأول لتكليفه صرح حمدوك بأنه سيختار للحكومة أعضاء من التكنوقراط بحسب كفاءاتهم. عمد حمدوك في خطابه إلى الحديث عن أولويات الحكومة، مركزًا على إيقاف الحرب وبناء السلام المستدام، ومعالجة الأزمة الاقتصادية، وبناء اقتصاد يقوم على الإنتاج، ووضع سياسة خارجية معتدلة، والحرص على التمثيل العادل للنساء. لم يأت حمدوك الذي شغل منصب الأمين العام للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة على ذكر الكيفية التي سيعالج بها أزمة السودان الاقتصادية، ولا سيما ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب وتقليل الإنفاق العسكري. وقد نتذكر أن أحد الدوافع الرئيسية للانتفاضة السودانية كان بسبب السياسات الاقتصادية النيولبرالية، ولا سيما الخصخصة ورفع الدعم الحكومي عن السلع الرئيسية، والمستجيبة لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي يعتبر حمدوك واحدًا من صانعي السياسات فيها. أضف إلى ذلك، قد يكون من الصعب إحداث تغييرات على المستوى السياسي، فالاتجاه الجديد هو ليس حماية الديموقراطية التي تعني حكم الشعب، بل حماية الطبقة الحاكمة الصاعدة من ذوي المهارات الفنية والتقنية. وبهذا فإن القضية الغائبة في السودان، لا تقف عند من يكتسب القوة ولكن عند من يفقدها، فالتكنوقراط ليس صعودًا للخبراء فحسب، بل تراجع للمنتفضين السودانيين ومطالبهم.

ومن المرجح أيضًا أن يصل التكنوقراط إلى الحكم في لبنان، حيث يتوقع تشكيل حكومة تكنوقراط لا تضم أي وجوه من الطبقة السياسية الحاكمة، ولا سيما أن المنتفضين بدوا حاسمين في مسألة نقدهم للطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب والتيارات السياسية الموجودة في الحكم. وقد يعطي خطاب التكنوقراط المُنّصب على الجوانب الاقتصادية فرصة أكبر لهذه الطبقة إدارة المرحلة القادمة، ولكن النقطة المهمة هي أن أي شخص يتوقع أن لا تتدخل الطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب السياسية في عمل التكنوقراط سيخيب أمله.

وأحد الدروس التي نتعلمها اليوم هو أن حكومة التكنوقراط التي ترأسها عادل عبد المهدي في العراق منذ 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 لم تنجح في تخطي الأزمات السياسية والاقتصادية، ولا سيما أن الرهان على اختياره رئيسًا للوزراء كان رهانًا على الإصلاح الاقتصادي وإعادة الإعمار وتحسين الخدمات وتفكيك نظام المحاصصة الطائفية. فقد واجه عادل عبد المهدي مجموعة من التحديات من بينها أن عبد المهدي لا ينتمي إلى أي تيار سياسي، وليس مرشحًا من أي تيار، ولم يسعى إلى بناء ائتلاف سياسي يدعمه. ومع مرور الوقت تبيّن أن تسمية عبد المهدي رئيسًا لحكومة التكنوقراط العراقية بوصفه من خارج الكتل السياسية الفائزة في انتخابات البرلمان العراقي في أيار/ مايو 2018 جاء بناء على تسوية تقبل بها الأحزاب السياسية بشرط عدم التدخل أو المساس بالشؤون التي تتحكم بها وتديرها مراكز القوى في العراق.

في المحصلة، فإن الحكومات التكنوقراطية الصاعدة في بلدان الموجة الثانية من الانتفاضات العربية تمتلك القدرة لتفرض علينا فهمًا جديدًا للسياسة، فهي تسهم في بروز قوى ونخب فاعلة جديدة، تقتحم النظام السياسي والسلطة، يقوم فيها الخبراء لا السياسيون بصنع السياسات العامة، ما يعني أن تصبح عملية صنع السياسة العامة للبلدان العربية تبدو وكأنها عملية فنية وتقنية لا عملية سياسية. علاوة على ذلك، برز مؤخرًا تعبير متداول لدى الطبقة السياسية في لبنان ويقع في جهة مضادة للتكنوقراط وهو "تكنو – سياسية". هذه التسمية ليست مضادة للتكنوقراط، فقد برزت في أدبيات التكنوقراط نظرًا لصعوبة الفصل بين ما هو سياسي وما هو تقني، وتعرف أكاديميًا بحكومات "شبه سياسية" أو "شبه تقنية". في الحالتين، نحن أمام التصاق السياسي أو السياسة مع التقني أو الخبير؛ غير القادر على تغيير الوضع الراهن، وذلك لتعقيدات ومحددات مرتبطة بالنخب والأحزاب والتيارات الحاكمة. وعليه، فإن ما تحتاج إليه البلدان العربية المنتفضة في الموجة الثانية ليس تعيين خبراء في مراكز صنع السياسة والسياسات العامة من أجل إيجاد حلول سحرية لارتفاع الأسعار والضرائب وفشل النخبة الحاكمة، فهؤلاء لن يتمكنوا من ذلك ولا يمتلكون هذه الحلول؛ فالتجارب التكنوقراطية في البلدان غير الديمقراطية لم تنجح في تخطي الأزمات التي واجهتها، ودخول هذه الطبقة من الخبراء إلى السياسة في المرحلة الحالية يرشحها لأن تصبح جزءًا من إعادة إنتاج السلطة القائمة وليس تجسيدًا مضادًا لهيمنة واستبداد السلطة، وهذا تحديدًا ما حصل في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وبعض البلدان العربية في تجارب تاريخية منذ تسعينيات القرن الماضي. وبالتالي تتطلب مكافحة مشاكل الطبقة السياسية الحاكمة المعاصرة ومشاكل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلدان العربية إيجاد طرق لجعل المؤسسات والنخب السياسية التقليدية أكثر استجابة لمجموعة أوسع من المواطنين، بدلاً من مجرد مجموعة فرعية منهم. إذا لم يفعلوا ذلك، فإن جاذبية الطبقة السياسية التقنية ستزداد. إذا كنا نتوقع من التكنوقراط أن يجدوا حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلدان العربية ويطوروا المهارات والمعارف اللازمة لنجاحها في ظل السلطويات العربية الموجودة، فإننا بحاجة إلى إيجاد طرق لدخول التكنوقراط إلى السياسة، وذلك من خلال تأسيس حزب سياسي يتكون من مجموعة من التكنوقراط مهمتها الرئيسية الوقوف ضد سلطوية الدول العربية، وتقديم بدائل في مقابل الساسة المتحكمين بصناعة القرار. بالمعنى الحرفي، لا يمكن أن نجد حلول لأزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية إذا لم يشارك السياسيون في الحياة السياسية. لذلك، فالمطلوب هو إعادة الاعتبار للسياسة والسياسيين والأحزاب السياسية للتفاوض على تطبيق شروط الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وليس التفاوض على شروط الديمقراطية وفقًا لأسس المحاصصة في السلطة والمال.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬