يشغل موت إنكيدو اللوحين السابع والثامن من «ملحمة گلگامش». تجسّد هذه الحادثة نقطة التحوّل الأساسيّة في الملحمة؛ سيختفي إنكيدو من الملحمة كليًا، وسيقتصر ظهوره على نحو غير مباشر في ذكريات گلگامش في اللوح التاسع بعد أن يبدأ گلگامش رحلته إلى أوتانپشته بحثًا عن الخلود. صحيح أنّ إنكيدو يعاود الظهور في اللوح الأخير من الملحمة (اللوح الثاني عشر)، ولكنّ اللوح ليس جزءًا أصيلًا من الملحمة، إذ يتّفق معظم الباحثين على أنّه إضافة لاحقة. وحتّى لو كان اللوحُ جزءًا أصيلًا من الملحمة، فإنّ إنكيدو في اللوح الثاني عشر ليس إنكيدو في الألواح الثّمانية الأولى، إذ نرى طيف إنكيدو، لا إنكيدو نفسه. ويتمثّل مكمن أهميّة حادثة موت إنكيدو أيضًا في التغيّر الجذريّ الذي سيلحق بشخصيّة گلگامش نفسه، إذ سيتخلّى عن الملوكيّة وسيضرب في الأرض بحثًا عمّا هو أبقى: الخلود. لا يكون گلگامش كاملًا في أيّة مرحلة من مراحل الملحمة: نراه في البداية مزيجًا بين الإله والبشر، ثلثاه إله وثلثه بشر؛ ليس ملكًا كاملًا إذ نرى بداية عصر الطّغيان الذي يستدعي شكوى النّاس وتظلّمهم للآلهة؛ ليس إنسانًا كاملًا لأنّه يبحث دومًا عمّا (أو عمّن) يُكمّله: شبقه لا ينتهي فهو يسعى دومًا إلى الوصال، أكان وصالًا جنسيًا مع النّساء أو وصالًا وجدانيًا مع صديق (يرى البعض أنّ وصاله مع إنكيدو جنسيّ أيضًا، ولكن ما من دليل حاسم ضمن الملحمة). لم يكتمل گلگامش إلا بعد لقائه بإنكيدو، ولكنّ اللقاء كان عابرًا وانتهى بموت إنكيدو لتبدأ رحلة النّقصان من جديد ومحاولة استعادة الكمال مرة أخرى. يعود گلگامش ناقصًا، ولكنّ وطأة النّقصان تضاعفت الآن وليس لأيّ شيء أن يرمّمها إلا الخلود: أن يتخلّى گلگامش عن ثلثه البشريّ الذي مات بموت إنكيدو سعيًا إلى تكملة الثلثين الإلهيّين بالخلود. ولكن لن يتكلّل سعيه بنجاح، فيعود گلگامش ناقصًا كما عرفناه في بداية الملحمة. وربّما كان هذا واحدًا من الأسباب التي دعت إلى إضافة لوحٍ أخير يعود فيه إنكيدو بحيث يعوّض النّقصان.
كيف نقرأ اللوحين السابع والثامن؟ كيف نقرأ موت إنكيدو؟
يمكن لنا قراءتهما على حالهما: يمثّل اللوح السابع تفاصيل موت إنكيدو، فيما يمثّل اللوح الثامن تفاصيل الحِداد على إنكيدو. يبدأ اللوح السابع بالحلم الذي رآه إنكيدو بشأن اجتماع الآلهة الذي قرَّر مصير البطلين: موت إنكيدو وتفجّع گلگامش. وبذلك يتأكّد إنكيدو أنّ مرضه ليس عابرًا بل هو المرض الأخير الذي لن ينتهي إلا بالموت. يتقلّب إنكيدو في اللوح بين ثلاثة مشاعر: الأسى، الغضب، قبول المصير. يبكي إنكيدو حين يعرف مصيره: «سأجلس [بين] الموتى/ [سأعبر] عتبة الأموات/ ولن أرى أخي الحبيب ثانيةً». يتمحور الأسى حول إنكيدو وگلگامش معًا، لأنّ إنكيدو – بعد انتقاله إلى عالم أوروك – بات وحيدًا باستثناء صحبة گلگامش، وبذا فإنّ مصير أيٍّ منهما مُعلَّق بمصير الآخر. ومن هنا نفهم ردَّ گلگامش على تفجّع إنكيدو: «للذي يبقى حيًا [الآلهةً] يُبْقون الحزن/ الحلم يُبقي الحزن لمن يبقى حيًا». لا يقتصر المعنى هنا على المؤاساة، بل يشمل أيضًا التأكيد على أنّ دائرة الأسى تشمل الميت والحيّ، بل لعلّها تصيب الحيّ أكثر. يغيب عن تفكير مؤوّلي الملحمة أنّ موت إنكيدو يمثّل خلاصًا له بمعنى من المعاني، ويمثّل في الوقت ذاته عنصر ضغطٍ أكبر على گلگامش. فإنكيدو كائن هجين لم يعد بريًا تمامًا ولم يصبح بشريًا تمامًا، بل بقي متأرجحًا بين عالمين متناقضين ومتنافرين. لا مفرّ ولا راحة لإنكيدو من هذا المأزق إلا إذ استقرّ ضمن أحد هذين العالمين بالمطلق، وهذا مستحيل فعليًا، أو إذا انتهى من كلا العالمين بالمطلق، وهذا لا يكون إلا بالموت. ويغيب عنهم كذلك أنّ موت إنكيدو يعني بالضّرورة وقوع گلگامش في مأزق آخر أكبر من مجرّد الأسى: سيعلق گلگامش في جحيم الشّيخوخة والذّكريات. من هنا نفهم سبب اندفاعه في رحلته العبثيّة إلى الخلود، ونفهم أيضًا ردّه الذي حمل تقريعًا مبطّنًا لإنكيدو، وكأنّه يقول له: أنت ستموت وترتاح من وطأة الذكريات.
بعد انتهاء التفجّع اللاواعي تبدأ مرحلة الغضب الواعي. يلعن إنكيدو الأشياء كلّها والأشخاص كلّهم. تطال لعناته الجميع بمن فيهم الآلهة، ولو على نحو غير مباشر. يصبُّ إنكيدو لعناته على الباب الذي صنعه من جذع شجرة الأرْز التي قطعها گلگامش بعد قتله لخمبابا. كان هذا الباب هديّة إنكيدو للإله إنليل، إذ كان يظنّ أنّه سيدخل إلى عالم البشر ويكون مقبولًا فيه حين يقدّم الأُعطيات للآلهة كما يفعل البشر عادةً. المفارقة هنا هي أنّ الإله الذي قبل أُعطية إنكيدو، كان هو الإله نفسه الذي قرَّر موته، ولذا كان غضب إنكيدو مضاعفًا، وبات يتمنّى لو أنّه قدَّم الباب للإله شمش الذي دافع عنه في مجلس الآلهة. المفارقة الأخرى التي لا يعيها إنكيدو هي أنّه بلعناته تلك نصَّب نفسه – لاشعوريًا – إلهًا آخر يحجب الأُعطيات ويعيد توزيعها، يوزّع بركاته هنا ولعناته هناك، يقرّر مصير الأشياء والأشخاص: «الآن، يا باب، إنّني أنا الذي صنعك، ورفعك/ عسى أيّ ملك يأتي بعدي أن يكرهك، .../ عسى أن يُزيل اسمي ويكتب اسمه عليك». ولا يكتفي إنكيدو بلعن الباب، بل يوسّع لعناته لتشمل البابين البشريّين الآخرين اللذين كانا تذكرة عبوره المفترضة إلى عالم البشر: الصيّاد الذي اكتشف وجوده في الغابة، وشمخة التي جلبته إلى أوروك. يمكن لنا أن نفهم غضبه على الصيّاد الذي لعب دور الواشي بكلّ بساطة، ولم يكن يُكنُّ لإنكيدو أدنى مشاعر طيّبة، ولكن ماذا عن شمخة؟ سيفهم القارئ المدقّق أنّ لعنات إنكيدو لشمخة ليست حقيقيّة بل هي ارتدادات لاحقة لغضبه الشّامل، وأصداء لتصوّراته المفترضة عن نفسه حين ظنَّ أنّه بات الآن قادرًا على توزيع اللعنات كما يشاء. كانت شمخة، كما رأينا، سلوان إنكيدو الوحيد في هذا العالم. كانت رفيقته أكثر من گلگامش نفسه. واللافت هو أنّ إنكيدو كان صاحب مبادرة التخلّي: إنكيدو هو الذي قطع علاقته بشمخة حين ظنَّ أنّه دخل إلى عالمٍ يقبله أخيرًا كما هو، غافلًا عن أنّ شمخة هي الوحيدة التي فهمته كليًا.
لا يبدأ هدوء إنكيدو وندمه إلا بعد أن يخاطبه الإله شمش. يواسيه شمش حين يبوح له بالحِداد العظيم الذي سيكون من نصيبه: سترثيه الدّنيا كلّها بشرًا وكائنات وأشياء. ثمّ يقرّعه على لعن شمخة: «لماذا، يا إنكيدو، تلعن الغاوية شمخة/ التي جعلتك تأكل أكلًا لائقًا بالألوهيّة/ وسقتك جعة لائقة بالملوكيّة/ وألبستك لباسًا فخمًا/ وملكتك گلگامش الطيّب رفيقًا لك؟» يذكّره شمش هنا باللحظات القليلة، ولكن الجميلة، التي كان إنكيدو فيها سعيدًا وكانت شمخة وحدها سرَّ سعادته حتّى حين تخلّى عنها واختار أوروك وملكها گلگامش. اللافت هنا هو أنّ تقريع شمش تمحور حول شمخة فقط، ولم يَرِدْ ذِكْر الصيّاد، وكأنّ عاقبة الواشي مُتَّفق عليها لدى البشر ولدى الآلهة على السّواء. هنا، يبدأ إنكيدو بتقبّل مصيره، على الأخص حين يؤكّد له شمش أنّ گلگامش «من بعدك سيطلق شعر جسده كلّه/ سيلبس جلد أسدٍ ويجوب البرّيّة»، أي أنّ موت إنكيدو لن يعني نهايته بالضّرورة، بل سيبقى اسمه خالدًا دومًا خلودَ أوروك وخلودَ گلگامش. ولكنّنا ندرك، حتّى قبل أن نكمل القراءة، أنّ تقبُّل إنكيدو لمصيره لا يعني راحته الكلّيّة، إذ سيبقى طيف الموت يحوم حوله مذكّرًا إياه باقتراب رحيله. يرى إنكيدو حلمه الأخير الذي يضجُّ بالموت وبكائنات العالم السفليّ، فيستيقظ وقد نفض عنه هدوءه العابر، وبدأ يلمس اقتراب حتفه. قَدَر كلُّ كائنٍ فانٍ أن يخشى اقتراب الموت. نستذكر هنا مشهدًا مماثلًا حدث بعد أكثر من ألف عام، مات فيه كائنٌ آخر عاش هو أيضًا حياةً متأرجحةً بين أن يكون بشرًا وأن يكون كائنًا فوق بشريّ: يسوع المسيح. حين نتأمّل مشهد صلب يسوع في إنجيلَيْ يوحنّا ومرقس نكاد نشعر أنّنا أمام يسوعين: يسوع يوحنّا ارتضى الموت وكأنّه واجب، فلم يصرخ ولم يتألّم. قال: «´تمَّ كلُّ شيءٍ` ثمّ حنى رأسه، وأَسْلَمَ الرُّوح». يسوع مرقس وحيد يصرخ ويتألّم إلى أن «يلفظ الرُّوح»، حين يصرخ «إلهي إلهي، لماذا تركتني؟» الموت هنا جارحٌ على عكس موت يسوع يوحنّا الذي كان نبيًا يرتضي مصيره ولا يصرخ؛ فالصّراخ للبشر، للوحيدين. وإذا أضفنا حضور النّساء الصّامت سيتحرّض إحساسنا بالفجيعة: المريمات الثّلاث في حالة يسوع (مريم العذراء، ومريم المجدليّة، وسالومي مريم)، وشمخة الحاضرة-الغائبة عند موت إنكيدو. المشهد مماثل، والصرخة الأخيرة مماثلة: «إنكيدو في الفراش [وهو ممدَّد]/ نادى گلگامش: ´إلهي قد ازدراني، يا صديقي`»، ولكنّ الفجيعة مضاعفة عند إنكيدو الذي مات وحيدًا تمامًا بلا نساء يندبنه.
تلك هي القراءة المباشرة للوحين السابع والثامن، ولكن ثمّة قراءة أخرى نقرأ فيها موت إنكيدو في هذين اللوحين بالتّوازي مع تعرُّفنا إليه وإلى گلگامش للمرة الأولى في اللوح الأول من الملحمة. يُعرّفنا صوت الراوي (أو الكورس) في اللوح الأول بالصّفات الجسمانيّة لگلگامش: «ثلاثة أذرع قدمه، ونصف قصبة ساقه/ ستة أذرع خطوته/ ... لحيته غطّت وجهه/ ونما شعر رأسه بكثافة مثل الشّعير/ وحينما اكتمل طوله اكتملت وسامته/ وفي مواصفات الأرض كان فائق الوسامة». ثمّ يرد ذِكر إنكيدو للمرة الأولى، ويقدّم الراوي صفاته الجسمانيّة قبل أيّة صفات أخرى: «مغطّى بالشّعر كلّ جسمه/ أفرع شعر الرأس كامرأة/ ينسدل شعر رأسه ويتكاثف كالسّنابل»، ونعرف أيضًا أنّه طويل يقارب طول گلگامش، ويفوق البشر العاديّين طولًا حين يقع في الحفرة التي حفرها ثور السّماء واتّعست لمئة (ومئتين) من البشر، بينما غطّت جسد إنكيدو حتّى خصره فقط. وبذا فإنّ الصفات الجسمانيّة متماثلة تقريبًا، باستثناء الرأس الذي كان أفرع بحُكم معيشته البريّة على عكس أبناء المدينة الذين يغطّون شعر رؤوسهم؛ وكذلك فهما متقاربان في سماتهما السيكولوجيّة، على الأخص في الهياج والمزاج العاصف. نبدو هنا أمام مرآة بمعنى من المعاني، حيث يعكس كلٌّ منهما صورة الآخر، ويُكمّله. بل إنّ كلًّا منهما سعى إلى الآخر بهدف اكتشافه ودراسته بادئ الأمر، ثمّ تقاتلا قبل أن يدركا أنّ مصيرهما قائمٌ على أنّ سعي كلٍّ منهما سيُفضي إلى الآخر بالضّرورة: يسعى إنكيدو (بتحريض من شمخة) إلى الدخول إلى عالم البشر والتخلّي عن حياته السابقة، ويسعى گلگامش بالمقابل إلى التخلّي عن حياة طغيانه وطيشه القديمة والبدء بحياة جديدة مع الصديق الوحيد الذي يليق به. ولن ينتهي هذا السّعي أبدًا، إذ حتّى موتُ إنكيدو لم يُنه السّعي بل غيَّر مساره وعكس الصّورة بحيث سيتحوّل گلگامش بعد إنكيدو إلى كائنٍ جديدٍ فيه من سمات گلگامش القديمة ولكن بعد إضافة سمات إنكيدو: «سيطلق شعر جسده كلّه/ سيلبس جلد أسد ويجوب البرّيّة». أُغلقت دائرة حياة إنكيدو مع نهاية اللوح السابع وعدنا إلى اللوح الأول ولكن بعد تبديل الشّخصية: صار گلگامش هو إنكيدو الجديد.
في الكتاب السادس عشر في «إلياذة» هوميروس، نرى پاتروكلس صديق أخيليوس وقد قرَّر المضيّ إلى ساحة المعركة مع أنّ (ولأنّ) أخيليوس قرَّر اعتزال حرب طروادة. يستعير پاتروكلس درع أخيليوس وخوذته ويقاتل بحيث يظنّ الآخيّون والطرواديّون على السّواء بأنّ أخيليوس هو الذي يقاتل. يتماهى پاتروكلس هنا – بمعنى من المعاني – مع أخيليوس بحيث بات هو أخيليوس الجديد، وينتهي الكتاب بمقتل پاتروكلس على يد هكتور الذي يظنّ أنّه قد قتل أخيليوس. نظريًا، پاتروكلس هو الذي قُتل، ولكن فعليًا كانت صورة أخيليوس هي التي قُتلت بمقتل پاتروكلس. وحين يبدأ تفجّع أخيليوس على صديقه (وحبيبه؟) سندرك أنّ تفجّعه يعني بالضّرورة تفجّعه على الفجوة التي خلّفها موت پاتروكلس فيه. لم يعد أخيليوس كاملًا كما كان، بل صار محكومًا بالنّقصان. قُتِل شيءٌ فيه ولو لم يشارك فعليًا في القتال، ولذا مضى للانتقام وكأنّه يحاول عبثًا استعادة ما ضاع منه، وترميم النّقصان الذي بات مُلازِمًا له. ونجد الأمر ذاته في حالة گلگامش بعد موت إنكيدو: إطلاق الشّعر وارتداء جلد الأسد لا يعني التفجّع والحداد وحسب، بل يعني أيضًا محاولةً عبثيّة لگلگامش كي يتماهى مع إنكيدو بهدف إعادة ما كان، كي يعود كاملًا. حينما اجتمع الآلهة في مجلسهم وقرّروا موت إنكيدو، كانت النّتيجة موت البطلين معًا: ثمّة موتان هنا، موتٌ فعليّ وموتٌ مجازيّ. حينما مات إنكيدو، مات معه شيءٌ من گلگامش أيضًا. ماتت صورة گلگامش لأنّه لم يعد كما كان. وبذا فإنّ انغلاق دائرة إنكيدو بموته يعني في الوقت ذاته انغلاق دائرة گلگامش القديم، وعودتنا إلى اللوح الأول حين كان وحيدًا. الفارق الآن هو تضاعف الوحدة لأنّه استشعر النّقصان الذي بات أبديًا الآن، وما من سعيٍ يمكن له أن يكمله مرةً أخرى. وحينما ستبدأ رحلته بحثًا عن الخلود، سنفهم ضمنيًا أنّ ثمّة گلگامش جديد وسعيٌ جديد؛ سعي هذه المرة إلى الخلود كيلا يطارده شبح الموت مرة أخرى، ويذكّره بالنّقصان الذي صار جزءًا لا يتجزأ منه. انتهى الملك شبه الإله وبدأ سعي البشريّ بهدفين: تحويل ثلثه البشريّ إلى ثلث إلهيّ يُتمِّم الثلثين الإلهين فيه كي يتخلّص من أعباء أن تكون بشرًا فانيًا، وتحقيق الخلود الذي سيعني الكمال الذي لا يشوبه نقصان. هذا ما يظنّه گلگامش الجديد، ولكنّ السّذاجة مُلازِمةٌ له على الدّوام بصرف النّظر عن تحوّلاته. نرى كائنًا بشريًا يجول في البريّة بحثًا عن الخلود؛ نراه من بعيد فنظنّ ويظنّ أنّه صار برّيًّا حين أطلق شعره وارتدى جلد أسد، ولكنّه غافلٌ عن حقيقةِ أنّه ما زال يحمل بشريّته معه. ما زال يحمل نقصانه داخله، ما زال يحمل إنكيدو، ما زال يحمل الذكريات التي لا مفرّ منها.