ملخص
في عام 2011، كانت عيون العالم منصبة على مصر، حيث اجتاحت الثورة جميع انحاء البلاد كواحدة من أهم ملامح الربيع العربي. هذه الدراسة البحثية تروي بشكل نقدي الجوانب السياسية للعمران الناشئ في مصر في مرحلة ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011. وتتناول كيفية تشكيل البيئة المبنية من قبل أجهزه النظام الحاكم للنهوض بالمواقف السياسية والاقتصادية المصطنعة. وتستكشف الورقة كيفية تفعيل تقليد القادة البطوليين لتبرير ودعم التصورات التخيلية العمرانية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من مشاريع النظام السياسية والاقتصادية الموجودة. وتختتم الورقة بإطار نقدي يقترح أن هذه الاستراتيجية قد تم تبنيها عمداً لخلق صورة كاريزمية للقائد الاستبدادي، ولكن بشكل أكثر اهميه لتبرير الغموض المستمر بشأن مستقبل البلد وشرعيه التشكيك في مصيرها.
مقدمة
في عام 2011، هز المصريون من جميع الطوائف والعصور والطبقات الاجتماعية قواعد راسخة لعقود مطولة من الحكم الاستبدادي، ثم انتخبوا أول رئيس مدني في تاريخ الدولة. وفي 3 يوليو 2013، دبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية انقلابا عسكريا أسفر عن الإطاحة بهذا الرئيس المدني المنتخب. وقد أزال الضباط العسكريون المصريون رئيس البلاد وأوقفوا الدستور وأقاموا حكومة مؤقتة. وقد فسر كيرباتريك (2018) معضله فشل الديمقراطية المتجذر في مصر والمنطقة، وأوضح دور الانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي، أول زعيم منتخب بحريه في مصر وعضو في جماعه الاخوان المسلمين بعد عام من تولي منصبه في 2012. ثم العملية التدريجية المنظمة التي تمكن فيها الانقلاب العسكري من تقديم أحد رجالاته، وهو اللواء عبد الفتاح السيسي، الذي قام بقمع كل مظهر من مظاهر المعارضة بدرجه من الشراسة لم يجرؤ عليها الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي قامت عليه ثورة يناير في المقام الأول. الملفت هنا أن هذا اللواء اومنسق الانقلاب السيسي، الذي وعد الشعب المصري علانية بعدم ترشحه للرئاسة، إنتهي المشهد بكونه الرئيس المصري المنتخب الجديد منذ 2014 يونيو. ومنذ تعيينه، عمل السيسي جاهدا ومسلحا بآلة إعلامية هائلة لخلق تقدم ووضع تنموي وهمي يقوم علي استغلال فانتازيا صورالتنمية العمرانية والاقتصادية بل والعسكرية كما تستعرض الدراسة.
ومن خلال استجواب مجموعة من المشاريع الرئيسية التي أُعلن عنها في سنوات حكم السيسي الماضية، ستوفر هذه الدراسة تفسيرا بديلا لتسييس السياقات العمرانية. وتناقش الدراسة فرضية رئيسية وهي ان النظام الحالي غير مهتم بتكرار النهج الرسمي للتنمية العمرانية الذي مارسه في العقود الماضية الرؤساء المصريون السابقون، بمن فيهم ناصر أو السادات أو مبارك[1]. حيث برع هؤلاء في التلاعب بالجماهير من خلال استخدام الأرقام الخيالية التي تشير إلى التطور الكمي في منجزاتهم من المساكن الجديدة والمدارس والاحتياجات المجتمعية الأخرى. في الحقبة الحالية، ينصب التركيز الأساسي للنظام على إبقاء المصريين منشغلين بإنجازات تخيلية تلعب فيها الصورة والأوهام الملونة العمرانية والمعمارية المولدة بالحاسوب الالي، دورا جوهريا في إضفاء انطباع بالتنمية الغير مسبوقة ومعدلات التقدم التي تفوق كل المعايير العالمية. وتتضمن الدراسة تحليلا استجوابيا لمجموعة من المشاريع الضخمة تشمل "العاصمة الجديدة" و"قناة السويس الجديدة" و"جزيرة النيل الجديدة(الوراق)" و"مدينه العلمين الجديدة". وتقع هذه المشاريع في مناطق استراتيجية من الدولة المصرية هي داخل حدود القاهرة الكبرى، قناة السويس، جزيرة مهمة في وسط نهر النيل، والساحل الشمالي الغربي لمصر، على التوالي. تتناول الدراسة ممارسات التنمية العمرانية في مصر وتحقق في تأثيرها على تصنيع شرعية النظام الحاكم. وتفحص الورقة أيضا تأثير حركة وشعارات مثل "تحيا مصر" كأداة لنزع الشرعية عن إي موقف أو طرح نقدي تجاه مناهج التنمية العمرانية الحالية في البلاد. في إطار هذا السياق فأن الأصوات الناقدة، توصف بأنهم مجموعة من الخونة الغير وطنيين المنحازين لأجندات أجنبيه ضد بلدهم ونهضتها التي لم يسبق له مثيل.
أفكار نظرية وتفسيرات: الفاشية تولد من جديد
واحده من الأفكار الأساسية في هذه الدراسة هي تحليل الدكتاتورية والفاشية على انها "سياق من المشاهد" 'society of the spectacle' الذي يستعمل الرموز، الطقوس والمذاهب المرتبطة بالزعيم لينتج أطارا تخيليا. وفي السياق المصري، يتتبع البحث المسار السردي الذي رافق صنع النظام وبناء صورة السيسي وقوته. ففي حين ان دراسات مؤثرة أخرى وسعت عملية لبناء مشهدية البطولة لتشمل الخرافات والطقوس والصور والخطب كنصوص تحكي قصه الفاشية كما فصلت فالاسكا زامبوني (2000). ينصب تركيز هذه الدراسة على مشاريع العمارة والعمران كأدوات لبناء وتشكيل هوية النظام الديكتاتوري الفاشي. ولذلك، فإن الدراسة أيضا تتمحور حول الإنتاج الاجتماعي للعمارة والعمران. ففي الليبرالية الجديدة الناشئة والمرحلة الحديثة من الحقبة الرأسمالية، أصبحت قضية من له الحق في إنتاج الفضاءات واستكشاف أنواع العلاقات التي تنتج في هذه العملية، تكتسب أهمية أساسية. وهو ما بلوره ايضا عالم الاجتماع لوفيفر (1992)، عندما أقترح أن إنتاج الفضاء حقا مدنيا. بتروسكو، تروغال، (2017) أكدا نظريا هذا الطرح، كما حاولوا تأطير إنتاج الفضاء في مصفوفة من الحركات الاجتماعية والسياسات والقيم.
وكما تقر أولبرايت (2018)، فأن الفاشي، وهو شخص يدعي انه يتحدث بالنيابة عن أمة أو جماعة كاملة، غير مهتم تماما بحقوق الآخرين، وهو مستعد لاستخدام العنف ومهما كانت الوسائل الأخرى اللازمة لتحقيق الأهداف التي تمثل أولوياته.. وتُظهر الأدلة العالمية أن الفاشية في تزايد ويبدو أن العالم لم يتعلم أبدا من الدروس المؤلمة من ممارسات الفاشيين التاريخية وخاصه في ألمانيا هتلر وإيطاليا موسوليني. وفي رأي أولبرايت، فان القادة المعاصرين مثل دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وكيم جونغ اون يستخدمون العديد من التكتيكات التي استخدمها الفاشيون في العشرينات والثلاثينيات من القرن العشرين. وتؤكد انه حتى الولايات المتحدة، التي كانت تدافع تاريخيا عن العالم الحر، يقودها رئيس يؤدي إلى تفاقم الانقسام والازدراء بالمؤسسات الديمقراطية. تشير أولبرايت إلى سياسات مختلفة في جميع انحاء العالم حيث أصبح ازدراء الديمقراطية مساويا لهذا المسار، من المقاربة الاستبدادية التي يقوم بها ترامب في الولايات الأمريكية إلى سياسات اردوغان الإسلامية المناهضة للعلمانية في تركيا، إلى الاستبدادية الجديدة لبوتين في رؤيته لروسيا الحديثة. ولذا، فان أهمية رواية أولبرايت للفاشية تنبع من حقيقة انها لا تقدم فقط سردا تاريخيا انتقاديا ممتازا وتعتمد على تجاربها، ولكنها تربطها بالوضع العالمي المعاصر. ومن الجوانب المهمة الأخرى للممارسات الفاشية وعمليه فرض الرقابة تتجسد في كيفية بناء التاريخ وكيفية التلاعب بالذاكرة الجمعية. وكما يقول ترويليوت (1997) في كتابه "إسكات الماضي: القوة وإنتاج التاريخ"، فان التمييز بين "ما حدث" و "ما قيل انه حدث" أمر حاسم لان التاريخ قد يكون في تداخل الروايتين. وينعكس التأكيد على أهمية هذا الطرح في فكرته المتبلورة "لا يمكن مناقشه قيمه المنتج التاريخي دون النظر في سياق إنتاجه وسياق استهلاكه على حد سواء" (ترويليوت، 1997، ص:146). "إسكات الماضي" أيضا يعالج ثقافة الصمت التي تم إنشاؤها مقابل عجز الذاكرة العامة في تعريف اهميه حدث ما. وتري ترولوت ان السلطة تمتد ممارستها الى العملية التاريخية اثناء إنشاء المصادر الأولية، واثناء عمليات المحفوظات، واثناء التفسير الاولي للأحداث، واثناء أعاده تفسير الاحداث لاحقا. يشير البحث أيضا إلى ان الرواية المصرية الحالية هي جزء من موجه جديده من الفاشية تجتاح عالم القرن الحادي والعشرين. موجة من شانها ان تسمح لديكتاتوريين بالازدهار طالما انها تخدم مصالح النظام العالمي. ويقول كيركباتريك (2018) ان الأميركيين فشلوا في فهم ديناميكية الثورات والانتفاضات المصاحبة للربيع العربي، ويناقش القصة الخفية لفشلها، ودور واشنطن في تلك المأساة تبعا لتعبيره. كما يتتبع كيركباتريك كيف وبدعم من أداره أوباما، سمح لديكتاتورية سلطوية عسكرية انقلابية باستعادة حكم مصر بعد ثلاثين شهرا من الاضطرابات. إن صعود الفاشية ليس الظاهرة الوحيدة المرتبطة بمصر، والعلاقة بين السلطة والفضاء هي أيضا ذات أهمية أساسية. ومن ثم، يناقش هنا أيضا ان النموذج الذي اعتمده المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر والسيسي، عكس بوضوح الرواية العلمية التي طرحها هيرست (2005) لمختلف الطرق التي يتم بها تكوين وتشكيل الفضاء من خلال السلطة، والتي يصبح فيها الفضاء أيضا مصدرا للسلطة. يثبت الجيش المصري من تأسيس الهيمنة العسكرية في عام 1952 لعودتها بعد ثورة عام 2011، ان وجوده مع جميع جوانب السلطة ليس قابل للتفاوض، وقادته على استعداد للقيام بالمتوقع وغير المتوقع للحفاظ على قبضتهم الكاملة على السياسية والمشهد الاقتصادي.
العمارة والعمران كأدوات لتفعيل الاجندة السياسية والاقتصادية
أن العمارة والعمران لهما اهميه كبيرة للفاشية وذات صله بالحالة الراهنة. لقد استغل هتلر وموسوليني بين الفاشيين والطغاة الآخرين العمارة والعمران لفرض صورتهم البطولية وترك علامة حقيقية على نسيج المدن الألمانية والإيطالية وغيرها في جميع انحاء العالم. في السياق المصري، تعتبر العلاقات المتغيرة بين السلطة والفضاء والعمارة في عالم ما بعد ثورة يناير وما بعد الانقلاب يوليو 2013 أمرا حاسما. وهو مهم بالنسبة للتغير في فضاءات العمارة وحجم المشاريع العمرانية والغرض منها في غضون فتره زمنيه محدودة مدتها ثمانية سنوات بعد ثوره 25 يناير 2011. وهكذا، تصف الورقة وتحلل المشاريع الضخمة المذكورة سابقا المتأصلة في الظروف التاريخية والسياسية والثقافية والمكانية المعقدة والمتنوعة. وتشدد فيندلي (2005) علي دور العمارة والعمران باعتبارهما ممارسة ثقافية ومكانية متفاعلة. وتطرح في تحليلها قصه الثقافات المكبوتة وكيف أصبحت أصواتها متمكنة من خلال العمارة. وهو طرح شديد الارتباط التي بالعلاقة بين العمارة والعمران والمجتمع المصري بعد الثورة. فللمرة الاولى في تاريخ الدولة الحديث، تدعو الأصوات الصاخبة الثائرة إلى الحق في المدينة، واستعادة الأماكن العامة، والواجهات المائية، والسكن اللائق. وبعد الانقلاب الذي وقع في يوليو 2013، تم إسكات جميع هذه الأصوات بخلق ثقافة خوف من شانها ان تعاقب بشده اي شكل من اشكال المعارضة. ثم كان التركيز الكامل للنظام مع كل أجهزته العملاقة بما في ذلك وسائل الاعلام، منصبا على هدف واحد فقط: كيفية تحويل زعيم الانقلاب إلى بطل وطني لم يسبق له مثيل. وكما توضح الدراسة، لا شيء أكثر فعالية من استخدام الصور المؤثرة على المدى القصير لخلق مثل هذا التصور والاعتماد على الذاكرة القصيرة للجماهير المرتبكة والمضطهدة بشدة. باستمرار وتجدد تستخدم الصور المتغيرة للبطل في افتتاح مشروع تاريخي آخر من شانه أن يغير مصير مصر إلى الأبد. ويستمر الظهور المتكرر للصورة البطولية في الوعي المصري المعاصر في عملية متعمدة واعية لتحويل السيسي إلى رجل معجزة مشاريع والإنجازات.
تهيئة المسرح لبطل الرواية الوطني
منذ الانقلاب العسكري الأول[2] في يوليو عام 1952، استثمر جميع الرؤساء المصريين الذين كانوا بدون استثناء ضباط سابقين في الجيش، بشكل كبير في تطوير الصورة الذاتية البطولية في وعي جماهير الشعب. قام الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، الذي كان مسؤولاً عن الهزيمتين العسكريتين في التاريخ الحديث لمصر في عام 1956 وعام 1967، ببناء روايته البطولية باستخدام إنجازات حقيقية وملموسة، بما في ذلك تشييد السد العالي في صعيد مصر لتأمين احتياجات مصر من الطاقة الكهربائية. ونهجه في التحديات الداخلية مثل إصلاحات ملكيه الأراضي الزراعية[3]. وقد ساعده موقفه المعلن باعتباره شعوبيا ومهندسا للنزعة القومية في الشرق الأوسط على الحصول على شعبيته المحلية والإقليمية بشكل كبير[4]. وخلال فتره رئاسته، تم التلاعب بالشعب المصري وعوقب بقسوة إذا تجرا على الاعتراض. وكانت ذروه هذا التلاعب في التاسع والعاشر من يونيو عام 1967 عندما أُجبر أو خدع آلاف المصريين ليتظاهروا في شوارع القاهرة ومصر راجين من عبد الناصر سحب استقالته التي قدمها بعد الهزيمة المذلة في 5 يونيو 1967 [5]. في هذا الصباح، كان المصريون يقرؤون في صحفهم ويستمعون إلى البيانات الرسمية للحكومة والجيش التي تشير إلى ان الجيش المصري علي بوابات تل ابيب وان مئات الطائرات والدبابات الإسرائيلية قد دمرت. ثم بعد ثلاثة أيام، أدركوا ان الحقيقة كانت هزيمة في مدة ست ساعات وان قوات الجيش المصري سحقت ودمرت جميع الطائرات على الأرض. هذه الواقعة الفارقة في التاريخ المصري، تجسد الركيزة الأكبر في تاريخ التلاعب بالمصريين الذين كانوا يتوسلون لناصر لسحب استقالته واعفاءه من اي مساءلة تجاه ما حدث للدولة والجيش والشعب. كانوا يرددون "لا تتنحى" بينما اخوانهم وأبناءهم وإباءهم اما قتلوا أو أسروا أو أجبروا على السير على طول الطريق من مدن سيناء وقناه السويس إلى القاهرة حفاة الاقدام عاريين بعد إجبارهم من قبل القوات الإسرائيلية على خلع زيهم العسكري (أورن، 2003؛ لارون، 2017).
ومن الواضح أن حلقات الرؤساء المصريين الذين يستخدمون قوة الصور للتلاعب بالناس يمكن تتبعها في التاريخ الحديث للدولة. فقد لجأ أنور السادات الرئيس الجديد الذي تولى المقاليد بعد وفاة عبد الناصر، والذي كان يتمتع بانتصار لم يسبق له مثيل في حرب 6 أكتوبر 1973، إلى طرح رؤية تطوير مصر بعد الانتصار. واستخدم الانتصار لنشر رسالة مفادها ان مصر يجب ان تكسب ثمار انتصارها. وفي وقت لاحق، وقع السادات اتفاق سلام مع إسرائيل لتأمين لقب رجل الحرب والسلام المستحق. واستخدم السادات الفصائل الإسلامية لإبعاد الناصريين عن السلطة. كما تبنى تحولا من الاشتراكية التي صبغت حقبة ناصر إلى الرأسمالية ومنطق السوق المفتوح أو ما تم صياغته لاحقا في مفهوم "الانفتاح الاقتصادي". وقد أدت سياسات الانفتاح هذه إلى أول اعمال شغب في مصر في 1977. وبدا في الابتعاد عن الولايات السوفيتية التي دعمت ناصر، وبدأ في التواؤم مع الغرب، وخاصه أمريكا، حيث بدأت الوكالة الأميركية للتنمية في استئناف المساعدات العسكرية والاقتصادية. وبدا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في التدخل في الشؤون المصرية، حيث الفجوة بين أولئك الذين يملكون والذين لا يملكون تبدأ في الاتساع[6]. وفي الوقت نفسه، بدا الأصوليون الإسلاميون يكتسبون السلطة في النقابات والإدارة المحلية والبرلمان. سمح السادات بتشكيل الأحزاب السياسية، لكنه لم يستطع ان يتسامح مع المعارضة السياسية. وفي سبتمبر 1981، سجن السادات جميع رموز المعارضة، سواء كان إسلاميا أو يساريا أو حتى ليبراليا. والأسوأ من ذلك كله انه فقد دعم الدول العربية في أعقاب اتفاق السلام مع إسرائيل. ومن هنا حاول السادات المنبوذ اقليميا، متوجه غربا لتشييد صورة جديدة للمشهد المعماري والعمراني للدولة وخاصة للعاصمة القاهرة. هذا المشهد كان يرتكز على مفاهيم ما بعد النصر والسلام حيث الدولة مسترخية ومزدهرة وسريعة التطور. وتشير التدخلات العمرانية والمعمارية الجديدة المختلفة إلى الهوية الجديدة للقاهرة كمدينه ذات مستوي عالمي مع مبان شاهقة والوجود المتسارع للشركات متعددة الجنسيات. وقد استخدم السادات نفسه نموذج هونج كونج في بعض المقابلات المتلفزة لتوضيح رؤيته حول العاصمة القاهرة بعد الانتصار وبعد السلام. وكان إعجابه بهونغ كونغ نابعا من صوره المدينة وخاصه ظهور ناطحات السحاب ومقار المؤسسات الدولية والتجار العالميين. وقد تجلي التطور الراسي بوضوح في النسيج الحضري في القاهرة في عدد من ناطحات السحاب وخاصه على طول واجهة النهر النيل. كما بدأ السادات برنامج "مدن جديده" سمي العديد منها بعد انتصار الحرب مثل مدينه 6 أكتوبر أو العاشر من رمضان. وسميت مدينه واحدة (مدينة السادات) أيضا تيمنا به لأنه كان من المفترض ان تكون العاصمة الإدارية والتعليمية الجديدة. وقد أجبر حلمه على الانتهاء باغتياله غير المتوقع في 1981 بينما كان يحتفل بذكري انتصار الحرب في 6 أكتوبر.
لم يأت حسني مبارك، خليفة السادات أبدا برؤية واضحة تتعلق بالنمو العمراني المستقبلي لمصر. وبعد عقود وعلى وجه الخصوص بدءا من 2007، اعطي مبارك السلطة الكاملة لابنه جمال الذي كان يدير البلاد بدعم من مجموعه من أصدقائه ورجال الاعمال ولكن تحت اشراف وثيق من الجيش. وبشكل خاص في 2007 عندما كان واضحا انه في حين ان حسني مبارك لا يزال رئيس مصر ولكن ابنه جمال مع مجموعه من الأصدقاء المجتمعين في كيان رسمي يسمي "لجنه سياسات الحزب الوطني" كانوا يديرون البلاد بالفعل. وأشارت علامات مختلفة إلى ان الجيش كان عازما على ذلك عندما يتعلق الأمر بمن سيكون الرئيس المستقبلي لمصر. فبينما كان جمال ابن مبارك وبعض الملفات الجوهرية بين يديه، لكن الجيش لم يكن مستعدا للتخلي عن أحد مبادئه الوجودية. وهذا المبدأ هو في الاساس ان رئيس مصر ينبغي ان يكون دائما قادما من المؤسسة العسكرية. وتصف أبو المجد (2018) كيف تمكن الجيش المصري، خاصه بعد الثمانينات، من ترسيخ نفسه في جهاز الدولة، والمجتمع والاقتصاد حتى في الحقبات التي سوقت فيها الخصخصة كمدخل لتطوير الاقتصاد المحلي. وتقدم أبو المجد (2018) بيانا مفصلا عن تغلغل الجيش المصري في الاقتصاد وإدارة الدولة وأسباب وعواقب ذلك الاختراق. وفي عام 2007 ايضا، وضع مخططا جديدا للعاصمة أطلق عليها اسم "القاهرة 2050"، وكان من بين أهدافها إنشاء طرق واسعه، ومساحات خضراء، ومواقع سياحية جديدة أو مجددة، مثل قرب الأهرامات. ولاستغلال التنمية العمرانية كأداة لخلق أوهام التقدم، استخدم جمال مبارك وفريقه إمارة دبي كنموذج لمستقبل القاهرة. قرار أسفر عن مخطط شامل رئيسيه جديد للمدينة بعنوان القاهرة 2050 التي كانت محاولة لإنشاء دبي مطلة على النيل. اتبع جمال مبارك وفريقه تعليمات البنك الدولي في رؤية جديده للقاهرة تسمي "القاهرة 2050". رؤية لا تخلق فقط نهجا نيوليبراليا جديدا لتطوير المدينة، بل أيضا تأثيرا واضحا لدبي كعلامة تجاريه حضريه مؤثره.
يشير كيرك (2015) إلى ان هذا المشهد قد يبدو جذابا، ولكنه يعني تهجير مئات آلاف، ان لم يكن الملايين، من الناس من احيائهم، والكثير منهم سكان القاهرة الأكثر فقرا الذين يعيشون في مناطق غير رسميه، أو في العشوائيات كما تطلق عليها السلطات الرسمية. وتهدف مخططات القاهرة 2050 إلى نقل هؤلاء السكان من المناطق الأكثر مركزيه في المدينة إلى ضواحيها الصحراوية وملء المساحات المفرغة بالمباني الراقية والمبهرة. وكما يشير كيرك (2015) إلى ان مشروع القاهرة 2050 كان استمرارا للاتجاه القائم على فكره تحسين القاهرة للمحظوظين، وليس لكافة المجتمع. ومن الأنماط الشائعة التي يمكن تتبعها بين جميع الرؤساء المصريين الذين جاءوا من تحت عباءة الجيش ما سيتم تسميته في سياق هذه الدراسة "ثقافة الأكاذيب الوطنية". وفي مثل هذه الثقافة، لم يعط اي اهتمام لمنطق الكذبة، وكيف سيقتنع الناس؟ والاهم من ذلك، من سيحاسب عندما تكتشف الكذبة؟ على سبيل المثال، أعلن ناصر في فتره رئاسته (1956-1970) ان مصر اكتشفت النفط الذي من شانه ان يجعل البلاد أكثر ثراء من المملكة العربية السعودية، ومن ثم فان الصمت التام اجتاح القصة بأكملها بعد أشهر. مثال اخر أكثر حدة، حين حضر احتفالا لتدشين خط جديد من الصواريخ التي وعد بقدرتها على الهجوم على العاصمة الإسرائيلية تل ابيب. وكانت الصواريخ تسمي الظافر والقاهر. وفي وقت لاحق، اكتشف ان ما قدم في الحدث كان مجموعه من نماذج الصواريخ المزيفة المصنوعة من صفائح الفولاذ والألمنيوم. وفي غضون سنوات قليلة، كان الجيش المصري، كما أوضح في وقت سابق، قد هزم بشكل يهين في بضع ساعات، وبقي ناصر في السلطة لمده ثلاث سنوات أخرى حتى وفاته المفاجئة في 1970.
مصر بين فاشيتين
أختبر لافي (2018) كيف يفهم مبدأ الدولة المدنية في الخطاب السياسي العربي. واوضح انها هي محاولة لأقامه أرضيه وسطية بين حكم ديني محض وحكم علماني بحت. كما انها حل للتوترات بين الرغبة في اللحاق بعمليات الحداثة العالمية وإرساء الديمقراطية. وفي أعقاب ثوره 25 يناير 2011، كان الطلب علي أقامه دوله مدنيه قاسما مشتركا بين جميع التيارات السياسية. ومع ذلك، عندما سعت هذه التيارات إلى وضع المبادئ التوجيهية الأساسية لمستقبل مصر، سرعان ما أصبح واضحا انها بعيده عن التوصل إلى توافق في الآراء، وان مفهوم الدولة المدنية كان في صميم الجدل بينهما. كان الصراع على الطابع المدني لمصر في حقبه ما بعد مبارك هو السبب الرئيسي للاضطرابات التي شهدتها البلاد في 30 يونيو 2013، مما ادي إلى الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب بانقلاب عسكري. المعضلة هنا كما ظهر من توالي الاحداث ومن تحليل لافي (2018)، ان قاده الانقلاب يدعون انهم يطمحون فقط لإنقاذ مصر من فاشيه دينية ثم بعد تمكنهم الكامل، نقلوا البلاد مره أخرى إلى الحكم الاستبدادي العسكري. واستخدمت العلاقة الماكرة بين إنقاذ آلامه وعسكرتها بصورة غامضة غامض لتبرير إجهاض الثورة وقمع الثوار.
وبعد الانقلاب الذي وقع في 2013، كشفت التقارير ان الرئيس محمد مرسي وفريقه الرئاسي كانوا عاجزين عن مواجهه دوله عميقة التنظيم بقياده المجلس الأعلى للقوات العسكرية. ويوضح كيتشلي (2017) كيف قامت قوات النظام القديمة بهندسة العودة إلى الحكم الاستبدادي. لقد سحقت الثورة المصرية ببساطه من قبل جهاز النظام القمعي. ويستكشف كيتشلي دور المنافسة التي يسرتها النخبة في العملية الثورية، ورجال الثورة المضادة، والجهود المتعمدة للقوات العسكرية لخنق الطاقة الثورية. ويكشف هيسلر (2019) ما الذي يكمن تحت سطح الاحداث من وقت الاحتجاجات في ميدان التحرير بداية من 25 يناير 2011، والي أول انتخابات ديمقراطية في مصر، والي المذابح والانقلاب وتداعياته من خلال التعامل مع الحياة اليومية لبلد مضطرب. المؤسف ان استنتاج هيسلر من خلال التمكن من استكشاف العوامل الاجتماعية وربطها بالسياق التاريخي لمصر، كان الاستنتاج موقفا مترددا وشعورا بالشك في ان الثورة ستؤدي إلى التغيير المنشود الذي يتطلع اليه المصريون وخاصة الاجيال الجديدة.
البحث عن مقومات البطولة السريعة وصياغة البطل المنتظر
سردية السيسي: صورة بطل ما بعد الانقلاب
استولي السيسي على السلطة في انقلاب دموي في 2013، وفي هذا السياق فانه يتحمل المسؤولية عن مقتل مئات المصريين، وسجن آلاف الآخرين، وأداره اقتصاد بلاده ليتدهور بصورة متعاظمة[7]. إن الملفت كما يشير المراقبون هو أن مصر مهد التاريخ والحضارة، انحدرت في عصورها الحديثة إلى نظام الدكتاتورية العسكرية وانتهاكات حقوق الإنسان. وتشمل هذه الانتهاكات التعذيب والقتل بدوافع سياسية، فضلا عن فرض قيود شديدة على حريه الصحافة واستمرار اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان[8]. وباستخدام مصطلحات السيسي، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لديه أذرع قوية في الركائز الرئيسية للدولة (الإعلام، القضاء، الشرطة) وتم السيطرة عليها بالكامل والعمل من اليوم الأول للقضاء على شرعية اول رئيس المدني منتخب في مصر على الإطلاق. ولم تكن الأذرع القوية في الأجهزة الأمنية في الشرطة والجيش فحسب، بل امتدت طوال الطريق لتشمل وسائط الاعلام والمثقفين والنظام القضائي. ومع ذلك، وكما سيتضح في الأقسام التالية من الدراسة، فأن السيسي يقدم نموذجا مختلفا عن أسلافه. في نموذج السيسي، فقط صورته الشخصية وهو يقطع الشريط الملون لمشروعات مصطنعة هو المهم والصورة هي الجوهر. ومن ثم لا حاجة لمتابعة أي مشروع لدراسة جدواه أو ارتباطه بسياق اولويات الدولة أو الأرباح التي أعلن انه سيجنيها أو حتى القدرة على بناء المشروع في المقام الأول. وحتى قبل النظر في جدوى المشروع والبدء في نقده أو تحليله، سيتم أعادة توجيه الأمة بأكملها إلى صورة جديده تصور السيسي يقطع شريط ملون أخر لمشروع مصطنع أخر وهو محاطا بضباط يرتدون الزي الرسمي ويتنافسون أحيانا لبيان علاقتهم بالمشروع[9]. في مثل هذا السياق كان من المهم أن يتم بناء سردية خاصة لقائد الانقلاب تفسر ما فعله وتمهد لما سيفعله. الصورة الاولي التي تم بناؤها بسرعة بعد الانقلاب كانت الاستنساخ العاطفي لجمال عبد الناصر وكيف ان السيسي يمثل استمرارا للزعيم الذي أنقذ مصر وقاد ثوره ضد النظام الملكي. والواقع أنه منذ وفاة الرئيس المصري ناصر في عام 1970، كانت المنافسة شرسة لنيل منصب القيادة العربية. وقد وضع العديد من الرؤساء العرب من صدام حسين في العراق إلى حافظ الأسد في سوريا إلى معمر القذافي في ليبيا نصب أعينهم على القيادة العربية. وفي مصر، سرعان ما أصبح خليفة ناصر، أنور السادات، خارج الخط الناصري في السياسة الخارجية والتوجه الاقتصادي ثم أصبح منبوذا من العرب كما أسلفنا. بعد ثوره 25 يناير، كان هناك حديث عن احياء الناصرية بعد فتره طويلة من السبات العميق. وقد قال البعض ان رئيس الجيش المصري، السيسي، أعاد ذكريات ناصر. ولكن استحقاق الزعامة العربية بمذاقها الناصري يتطلب موقفا عدائيا معلنا ضد الغرب الامبريالي والاستعماري وضد إسرائيل المحتلة للأراضي الفلسطينية. ولذا هناك الحد الأدنى من الإجراءات التي لا يستطيع السيسي ان يجرؤ على اتخاذها في هذه المرحلة. من أبرز هذه الاجراءات الوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي والتفاوض الندي مع الغرب. حدث تأكل تدريجي لمبادرة استحضار ذكري عبد الناصر لأنها توحي بأن السيسي سعي إلى الحصول على الشرعية من تجربة تاريخية بدأت أيضا بانقلاب عسكري، وهو ما بمثابة الاعتذار عن ثوره 25 يناير.
وقد حاول السيسي وفريقه في السنة الاولي من رئاسته ولترسيخ فكرة أنه امتداد لعبد الناصر إن يدعو إلى وجود قوة عسكرية عربية مشتركة. ثم استغل نفس المقترح للتقرب من الغرب مفسرا أن هذه القوة ستضم للتقرب من لمناشده الغرب والتماهي مع الدعوة العالمية لمكافحه الإرهاب الذي يصعب تعريفه، وعد السيسي بان هذه القوة ستصمم لمكافحه تهديد "الإرهاب" من الجماعات الاسلامية ولتقديم الدعم لفصائل محددة في الصراعات المستعرة في ليبيا واليمن. سيكون للقوة العسكرية المقترحة تفويضا واسعا للعمل ضد اي تحديات تواجه الحملة المناهضة للثورة التي يقودها السيسي. جهود الرئيس المصري لبناء نفسه في النسخة العالمية من ناصر يتجسد في الدعاية له[10]. ان أحلام السيسي بقيادة "حلف الناتو العربي" ليكون ضامنا لنظام إقليمي محدد ضد قيم وأفكار ومفاهيم الربيع العربي ستبقي غير محققه في المستقبل القريب، مثل جهود حكومته لبث الحياة في اقتصاد مصر المتعثر أو انبهار العالم مع المشاريع الضخمة التي عفا عليها الزمن. وبما انه واضحا في الادراك المفاهيمي للكثير من النماذج الديكتاتورية في العالم والسيسي ليس استثناء، فان مصطلح "الإرهاب" مرن جدا، وياتي ليشمل اي شخص أو حركه تتعارض بشكل مبهم مع حكمه، من الأحزاب السياسية والصحفيين إلى نشطاء وحتى المدونين على الفيسبوك وباقي وسائل التواصل الاجتماعي. فالذاكرة الجماعية يمكن ويستخدمها القادة لبلوغ أهداف سياسية، سواء كانت قمع المعارضة، أو التحقق من السلطة، أو إنشاء هويه وطنيه لتحقيق أهداف سياسية أخرى. الذاكرة الجماعية غالبا ما تحمل قليل من التشابه مع الحقائق التاريخية للحدث المعاصر ولا تربط بين ما حدث وما يحدث أو تجبر على هذا. حيث نكتشف مرارا أن الذاكرة تمثل سلطة أكثر بكثير على المواطنين من الحقائق (فالاسكا، 2000).
(الشكل 1) أحد محاولات خلق البطل الجديد من خلال الجمع بين صورة السيسي مع ناصر والسادات في لوحة وزعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في ميدان التحرير، مكتوبا عليها ابطال الوطن العربي (المصدر: أرشيف الأهرام).
على مدار الأعوام القليلة الماضية وبصورة خاصة في مرحلة ما بعد انقلاب يوليو 2013، تأرجحت وتحولت صوره "البطل السيسي" من أنه محمد علي مؤسس مصر الحديثة، إلى ناصر الزعيم القومي العربي إلى السادات، بطل الحرب المنتصر. ومع إدراك الفشل التام في العمل كقائد جديد للامه العربية والشرق الأوسط بأسره، فان نموذج ناصر قد فقد قدرته في جهود السيسي لخلق روايته البطولية. كما ان اللجوء إلى نموذج السادات كقائد للحرب والسلام اثبت عدم صلته بالموضوع بشكل خاص مع المعلومات التي توافرت بأن السيسي لم يشهد ولم يشارك بأي شكل من الاشكال في أي حرب. كما ان نموذج مبارك سيكون خيارا مروعا لأنه الرئيس الذي أطاحت به ثوره 25 يناير. جميع النماذج المستخدمة للارتقاء بالسيسي إلى مستوي الابطال الوطنيين والإقليميين انتهى مصيرها إلى الفشل الذريع. فقد انهار نموذج أن السيسي هو عبد الناصر الجديد عندما جلبت الصلة ذكري الهزيمة المذلة في حرب 1967 وفشل ناصر التام في قياده البلاد إلى الازدهار والعدالة الاجتماعية المعلنة في كل وعوده. والنموذج الثاني، الشجاع والأسد والزعيم الشجاع الذي وضع وحده حياته على خط النار وواجه الاخوان المسلمين وحدها، وأنقذ مصر من مصير دموي، انتهى الى أكذوبة فارغة[11]. ومع هذا الوضع المعقد والعقبات الواضحة نحو الاستعارة من قادة الماضي لتكثيف رغبه السيسي في تصوير نفسه زعيما فارقا، تم اعتماد استراتيجية جديدة. وتستند هذه الاستراتيجية التي سيتم شرحها وتحليلها في الأقسام القادمة من الدراسة إلى تصوير السيسي بأنه البادئ والمبادر بمشاريع فريدة من نوعها من شانها ان تساعد مصر على الحصول على الثروة والثراء والازدهار في وقت قصير من الصعب تصديقه. ومن ثم، فانه ليس من المهم أو الضروري النظر في مصداقية هذه المشاريع وجدواها. ولذا كانت اهميه هذه المشاريع فقط في قدرتها على خلق صورة وإنتاج صوره التي يمكن استغلالها لخلق البطل الخارق.
ومنذ ان تغير النظام المصري بعد احداث 30 يونية و3 يوليه 2013، وتولى منسق الانقلاب بالقوة مقاليد الحكم، تضافرت الجهود المتعددة لخلق حالة من الفرح الوهمي، والانتصار الخيالي الأسطوري، والانتصارات غير المحدودة. وضع يوحي باطلاً بالتفوق والقيادة الجديدة والنجاح غير المسبوق محليا وإقليميا وعالميا. ويتجاوز هذا التفوق اي أمثله يمكن استدعاؤها من تاريخ الدولة المصرية الحديثة حيث تم تسويقها في القنوات الإعلامية التي تسيطر عليها الدولة. وقد عبأ النظام ونشط خبراء في وسائط الاعلام لتحقيق هذا الوضع. والاهم من ذلك ان النظام أستخدم أدوات التخطيط والتنمية العمرانية مثل إعلان إنشاء مدن عالميه جديدة. وقد أعلن النظام المصري بعد الانقلاب هذه المشاريع على الرغم من فشله في تحقيق التزامات الأساسية تجاه شعبه ولعقود طويلة منذ الانقلاب الأول في 1952. ونظرا لعدم وجود اي شكل من اشكال المساءلة، فان المجتمع المصري هو ضحية الأكاذيب المستمرة حول المستقبل الأفضل. وبعد وعود متتالية بشأن الازدهار السريع القادم، لم يتحقق شيء ولن يتحمل أحد المسؤولية لأن المحاسبة منعدمة بل إن المطالبين بها وبوقف الفساد يعاقبون بكل قسوة[12]. وقد استمرت ملحمة الوعود بطريقة مثيرة للاهتمام مع السيسي الذي يبشر بأن مصر ستكون كبيرة مثل العالم " مصر أد الدنيا" وفي خطاباته الموثقة، طلب السيسي من المصريين الانتظار لمده سنتين عندما انتُخبَ لأول مرة لفترة الرئاسة الاولي. في وقت لاحق، قال انه يطلب فقط الصبر لمده سته أشهر تليها الرغبة في إعطائه سنه واحده[13]. ثم، قبل الانتخاب لفترة ثانية، وصف المصريين بأنهم فقراء جدا[14]. وكان التحدي الآخر أمام السيسي واضحا في محاولته ضمان انتخابات رئاسية خالية من المنافسة لفتره ولايته الثانية. وكونه مدركا تماما أن المشهد المشيد عنه كمنقذ ينهار تدريجيا، لذلك كان قاسيا في إزاحة اي مرشح كبير بما في ذلك قائده العسكري[15].
التحول من عمران الشعب الى عمران الصفوة المنعزل
في حين يوحي الخطاب المهيمن بإعطاء الأولوية للفقراء والمحتاجين، فان كل فعل واحد يثبت عكس ذلك تماما. وليس من المستغرب أن تكون المرة الاولي التي يتم فيها إنشاء وزاره الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات، والتي تم تكليف د. ليلي إسكندر في يونيو 2014 بملفاتها. وبعد ان أعلنت إسكندر التزامها بالعمل بشكل وثيق مع المجتمعات المحلية وان الوزارة ستطور الاحياء الفقيرة في وسط القاهرة دون طرد اي شخص، تم تفكيك الوزارة بأكملها وإلغائها من بنية الحكومة في التغيير الوزاري الذي أجري في سبتمبر 2015. ومن المفارقات ان القرار اتخذ بعد ان دعمت الوزارة قرار لجنة التحكيم لمسابقة لأعاده تصميم منطقه مثلث ماسبيرو المتدهورة في وسط مدينه القاهرة التي فاز بها الاستشاري البريطاني نورمان فوستر. وكانت إسكندر مقتنعة بأن التصميم الجديد يهدف إلى أعاده احياء المنطقة، التي تهيمن عليها حاليا العشوائيات، وتوفير مساحات سكنية وتجارية مع الحفاظ على الطابع الفريد والمكاني للحي. والأهم من ذلك انها كانت واثقه من ان المشروع يهدف إلى أعاده إسكان السكان ذوي الدخل المنخفض في نفس الحي[16]. وبعد تفكيك الوزارة، سلم الملف الكامل لمنطقه ماسبيرو إلى يد وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية السابق ورئيس الوزراء الحالي مصطفي مدبولي الذي كان الذراع التنفيذي أيام حكم مبارك، لمشروع القاهرة 2050. [17] وفور تسلم مدبولي الملف تم التجاهل الكامل لنتائج مسابقة تظوير المنطقة، وتم توجيه المسئولين بمحافظة القاهرة التابع لها المنطقة لهدم المثلث بالكامل تحت حماية أجهزة الشرطة والجيش وتمت أعمال الهدم والازالة في وقت قياسي مع أخلاء كامل للسكان الذين لم تؤتي جهودهم في المقاومة والاستبسال من أجل ارضهم بأي نتائج إيجابية خاصة مع عنف الأجهزة الأمنية الموثق.
(الشكل 2) التدمير الكامل لمنطقه ماسبيرو في وسط القاهرة لتكون جاهزة لمشروع عقاري جديد ادي إلى طرد آلاف المصريين من ارضهم ومنازلهم (المصدر: زياد طارق).
قوة صورة المدينة في إعادة تشكيل العمران في القاهرة
الكشف عن التنمية العمرانية في مصر المعاصرة، وخاصه في المشروع الحالي "القاهرة الجديدة"، قد يجعل المراقب التحليلي مفتونا بالتحول الواضح الذي يميز الحقبة الاخيرة. ويوحي هذا التحول بالانتقال من تبني صوره عمرانية وتقليدها في المدينة بصورة مادية حقيقية إلى حالة جديدة ترتكز على تبني صورة تُستهلك لأغراض دعائية بحتة. تاريخيا، كانت الخطوة الاولي والتوسع الفارق للقاهرة خارج اسوار المدينة الإسلامية مبنية على صورة لباريس الحديثة التي تبناها الحاكم المصري الخديوي إسماعيل. وقد جاء الإعجاب بهذه الصورة بعد زيارة باريس لحضور المعرض العالمي، وفتن الخديوي إسماعيل بمخطط المدينة التي أعدها المخطط العمراني الفرنسي هاوسمان وقرر تبنيه بالكامل في قاهرته الجديدة، القاهرة الخديوية[18]. وبعد عدة عقود، تم استيراد صورة أخرى للمدينة بعد زيارة قام بها ابن مبارك ورفاقه إلى إمارة دبي وإنبهارهم الكامل بها، ونتج عن ذلك رؤية جديدة للقاهرة بعنوان "القاهرة 2050" بشعار يؤكد على تأثير دبي الجامح، وهو "دبي علي النيل" مستبدلا شعار الخديوي اسماعيل للقاهرة الجديدة "باريس على النيل". وقد حدث التمزق الأساسي في هذا النمط من استخدام الصور المستعارة من الخارج كمخطط لمستقبل القاهرة، منذ مجيء السيسي إلى السلطة. الوضع الحالي يعتمد أكثر على "الصور المستهلكة Disposable Images". بمجرد ان نجحت أدوات النظام في إعداد المصريين لقبول ثم النسيان السريع لجوهر وجودهم ومستقبلهم، تصبح استدامه الصورة التي تبشر بالتنمية غير ذات صلة.
حقا، التجربة العمرانية في دبي لديها العديد من الجوانب الإيجابية، ولكن أيضا العديد من السلبيات. السؤال الجوهري هنا هو هل تجربه دبي تنطبق في كل سياق آخر بغض النظر عن خصائصه ومكوناته وظروفه؟ لقد تم استخدام نموذج دبي في عهد مبارك عندما تم عرض المخطط الذي حمل عنوان "القاهرة 2050" وكانت مرتكزا على الاستعارة البصرية من نموذج دبي، وخاصة التنمية الايقونية الرأسية في شارع زايد بقلب دبي، ليكون مرجعية لتحويل القاهرة إلى مدينه عالمية. والمشروع، كما كان مخططاً له، يفرض تشريد مئات آلاف من السكان الذين اعتبروا عقبه وينبغي اجلاؤهم واستبدالهم بطبقه اجتماعيه جديرة بالتصورات الجديدة للوضع العمراني العالمي. حيث كانت سياسات الحكومات المصرية في مجال التخطيط العمراني للعقود الاربع الماضية تتعلق أساسا بخلق الفضاءات والمساكن التي تلبي احتياجات النخب[19]. ونتيجة لذلك، فان الاهتمام بتوفير الإسكان المنخفض الدخل أصبح صعبا، ان لم يكن مستحيلا[20]. وكل من ينتمون الى القطاعات محدودة الدخل من المجتمع ولديهم موارد متواضعة أصبحوا مهمشين أو مجبرين على تكثيف أنشطة العمران والسكن المهمش اللارسمي التي تصفها الأجهزة الحكومية بالعشوائيات. وتهدف القاهرة 2050 إلى نقل هؤلاء السكان من المناطق الأكثر مركزيه في المدينة إلى ضواحيها الصحراوية وملء المساحات المفرغة بميزات إرضاء العين وكذلك الاعمال التجارية. وكان من المفترض ان تضمن رؤية القاهرة 2050 ونهجها للتخطيط العمراني موقعا للقاهرة في عالم من المدن العالمية الحديثة من خلال تقليد التحضر في دبي. وباختصار، كان هدف الخطة هو إنشاء دبي علي طول نهر النيل.
(الشكل 3) الشارع الأكثر شهره في دبي، طريق الشيخ زايد وناطحات السحاب المحيطة التي تشكل نموذج تطوير جديد لمستقبل القاهرة (المصدر: الرؤوف).
(الشكل 4) مشروع القاهرة 2050 واعتماد نموذج دبي للعمران المستقبلي للمدينة (المصدر: وزاره الإسكان والمرافق والمجتمعات الحضرية، مصر).
(الشكل 5) فانتازيا القاهرة 2050 وجبهة النيل المحتلة من قبل ناطحات السحاب العملاقة يصاحبها تشريد مئات آلاف من الناس لإنشاء المحور الحدائقي (البوليفارد) المؤدي إلى هضبة الأهرامات (المصدر: وزاره الإسكان، مصر).
عمران الصورة ووهم التنمية
في الأجزاء التالية من الدراسة، سيتم تقديم تخليل نقدي لأربعة مشاريع ضخمة مثيرة للجدل سوق لها النظام المصري الحالي واجهزته التنفيذية وأذرعته الاعلامية. وجوهر العملية التسويقية هنا هو تدعيم مفهوم المشروعات التنموية الفارقة الغير مسبوقة التي لا يجرؤ عليها ولا يستطيع إنجازها إلا زعيم فارق غير مسبوق من نوعية السيسي. هذه المشاريع، كما يوضح التحليل، اعتبرها النظام الملاذ الأخير في إقناع المجتمع المصري بان السيسي هو البطل الذي طال انتظاره والذي يمكنه القيام بمعجزات التنمية في إطار زمني قصير لم يسبق له مثيل. وفي كلمه ألقاها السيسي في مؤتمر بعنوان "حكاية الوطن"، قدم السيسي ما سمي بإنجازات تمت في فترة لم تتجاوز أربع سنوات من تقلده للحكم [21]. وتشمل القائمة المزعومة العاصمة الجديدة، والمدن الجديدة، 4000 كيلومترا من الطرق السريعة، وآلاف المصانع، ومحطات ضخمة لمعالجة المياه، ومحولات كهربائية، الخ. وكانت القائمة الضخمة تفتقر إلى إي مشروعات في مجالات التعليم أو الرعاية الصحية أو رؤية لتطوير سيناء أو صعيد مصر، وغيرها من المواقع الأكثر ضعفا وهشاشة اجتماعية واقتصادية، ومصدر كل الإرهاب والجماعات الراديكالية التي تعاني من الإحباط وتنتهي بتجنيد المتعصبين. ومن الناحية الكمية، حلل بعض النقاد خطاب السيسي ليوضحوا انه ذكر خلاله ما مجموعه أحد عشر ألف مشروعا في وقت قصير من رئاسته، فان هذا يعني الانتهاء من ثلاثة مشاريع ضخمة كل يوم.
أربع مشروعات زائفة البطولة
أولا: القاهرة الجديدة أم العاصمة الجديدة أم العاصمة الإدارية
خلال فعاليات المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في منتجع شرم الشيخ في 13 مارس 2015، لجذب المستثمرين الأجانب الذين انسحبوا بعد تداعيات ثورة عام 2011، أعلنت الحكومة المصرية مشروع العاصمة الجديدة بتكلفة تصل إلى خمسة واربعين مليار دولار أمريكي. وكاستمرار لاستغلال نموذج دبي، تم استخدام العمران المبهر في المدينة الامارة كمرجع ملهم للعاصمة الجديدة[22] . وأيضا لتحديد بداية الاستثمار والتنمية غير المسبوقة لتكثيف سياق البطولة والانتصارات الزائفة التي تلاعبت بها ودبرتها الدولة وأجهزتها الداعمة وأذرعها النافذة. عندما تم الإعلان عن المشروع في مارس فأن المدينة التي لم يتم تسميتها، تم عرض مكوناتها وقدرتها الاستيعابية لتشمل إسكان خمسة ملايين مواطن وتضم مقار الوزارات والبرلمان والمقر الرئاسي، والجامعات وحديقة ملاهي حجمها أربعة اضعاف حجم ملاهي ديزني لاند العالمية. وتبلغ مساحة المدينة 700 كيلومترا مربعا، وهي تكاد تقارب مساحة سنغافورة. وقد أظهر مخطط المشروع حين عرضه كثافات من المباني الشاهقة الادارية والسكنية وكذلك المنطقة الحكومية الرسمية، وكلها متمركزة حول "النهر الأخضر" المركزي، وهو مزيج من المياه المفتوحة والمساحات الخضراء المزروعة مرتين ضعف الحديقة المركزية في قلب مدينة نيويورك. وفي نفس مناسبة الإعلان عن المشروع، تم الإعلان عن أن بناء العاصمة الجديدة من الصفر سيتم من قبل المطور العقاري الإماراتي محمد العبار، مطور برج خليفة[23]. وقد وصف المشروع مرارا في وسائل الاعلام المصرية بأنه "دبي جديدة في مصر".[24]
(الشكل 6) نموذج (ماكيت) للعاصمة الجديدة كما عرض في فعاليات المؤتمر الاقتصادي المنعقد في مارس 2015 (المصدر: المؤلف).
وقد كشف وزير الإسكان مصطفي مدبولي[25] النقاب عن المشروع امام السيسي وزواره الثلاثين من الملوك والأمراء والرؤساء والمئات من المستثمرين المتوقعين، وقال انه يقدر الوقت اللازم لإنجاز المشروع بأكمله بما يتراوح بين خمس وسبع سنوات[26]. وهو الطرح الذي اعترض عليه السيسي بشدة عندما انتقل مع الزوار للنقاش امام نموذج المشروع، حيث اقترح ان يتم الانتهاء من المشروع ثلاث سنوات فقط. ولم يتعرض بيان السيسي للنقد والسخرية فحسب، بل كان مرتبطا بنمط متكرر في مقابلاته الإعلامية، حيث يميل عاده إلى تقليل الإطار الزمني المقترح للمشروع بأكثر من 60 أو 70% مما طرح عليه من قبل المسئولين والخبراء. وجاءت المناسبة الأكثر أثاره للجدل في أعقاب العرض الذي قدمه وزير الإسكان الذي أعلن امام السيسي والشيخ محمد بن زايد، حاكم دبي، ان العاصمة الجديدة ستبني خلال سبع إلى عشر سنوات. وقد قاطعه السيسي غاضبا ومستنكرا المدة المقترحة وقال ثلاث سنوات فقط. ومن المفارقات ان المطورين الاماراتيين قرروا التخلي عن المشروع بعد هذا الحادث الذي لا يمكن تفسيره. تراجعت هذه العاصمة الجديدة بسبب فشل التخطيط ونقص التمويل المتوقع وتقلصت الأحلام الوردية بعد انسحاب المستثمر المالي التنفيذي والإداري والتسويقي والإماراتي[27]. وبمجرد ان قرر المستثمر الإماراتي المغادرة، كان المشروع مشوشا بين محاولات الإسناد إلى الشركات المصرية أو الصينية ثم حصره فيما أطلق عليه لاحقا العاصمة الادارية ثم المنطقة الإدارية. وفي وقت لاحق وبعد ثلاث سنوات من وضع حجر الاساس المشروع، كانت الأصوات التي أيدت المشروع، ضعيفة وتساءل آخرون عن الأهمية في الاستثمار في هذا المشروع الغير مطلوب والغير مستجيب لحقيقة ان مصر تعاني على جميع المستويات. وبعد أربع سنوات من تدشين المشروع، أكدت تقارير متضاربة غموضه والتغيير المستمر لاسمه ونطاقه وأهدافه ومجموعاته المستهدفة[28]. وفي المقابلات التي أجراها مع ممثلي الاعلام، استخدم اللواء احمد عابدين، رئيس الشركة الجديدة التي أنشئت لأداره المشروع[29] ، اسما جديدا للمشروع هو "العاصمة الإدارية"[30]. ومن المفارقات أيضا ان المكون الاول الذي بني وتم افتتاحه فيما يسمي الآن بالعاصمة الإدارية، هو فندق يملكه ويديره الجيش ويطلق عليه اسم "الماسة". أخذ الفندق اسمه من خلال استخدام شكل ماسة ضخمة سوداء في التصميم المعماري للمبنى الذي يعاني من التسرع والفقر التصميمي والمراجع البصرية المرتبكة والمختلطة. [31]
(الشكل 7) الصورة التي توثق الحوار حول جدل مدة تنفيذ العاصمة الجديدة عندما تم إبلاغ السيسي بحضور حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم بالوقت اللازم فاعترض قائلا: "لا يمكننا القيام بعملنا بهذا الاسلوب؛ ثلاث سنوات فقط" (المصدر: أرشيف جريدة المصري اليوم عدد 14 مارس 2015).
(الشكل 8) السمة الرئيسية للعاصمة الجديدة، النهر الأخضر، الذي الغي في وقت لاحق، وخصصت الأرض للأقسام التي يسيطر عليها الجيش..
ومع ذلك، ماذا سيحدث للقاهرة العاصمة القديمة وخاصة منطقة وسط المدينة التي تقع فيها معظم الوزارات والمباني الحكومية؟ أن دفع مؤسسات الحكومة للانتقال للعاصمة الادارية الجديدة، سيترك وراءه شبكه من المباني الفارغة؛ مملوكه لشركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية Administrative Capital for Urban Development ، وهي الشركة التي انشاها الجيش للإدارة الكاملة لمشروع العاصمة الادارية الجديدة. وتملك القوات العسكرية المصرية 51 في المائة. وتسيطر وزاره الإسكان المصرية على النسبة المتبقية التي تبلغ 49%. ومقابل هذه الادارة للعاصمة الجديدة، تتملك الشركة كل المقرات والمباني التابعة للمؤسسات الحكومية المنقولة. بالنسبة للحكومة، فان العاصمة الإدارية الجديدة تمثل بداية جديدة ولكنها ستسحب ثروة من العاصمة الحالية[32]. خالد الحسيني، لواء سابق، وهو المتحدث الرسمي لشركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، الشركة المشرفة على المشروع. ووفقا لتصريحاته الإعلامية، فقد أكد الحسيني ان الشركة لا تعمل فقط كمظلة للأشراف والسيطرة على بناء العاصمة الجديدة، ولكن بعد إتمامها ستكون مسئولة عن إدارة وتشغيل المباني الحكومية الشاغرة في القاهرة القديمة نتيجة النقل للعاصمة الجديدة. سيقوم المجمع بإنشاء شركة جديدة فقط للسيطرة على جميع المباني التي سيتم استلامها من جميع الوزارات. في محاولة لرسم مستقبل لهذه الثروة من العقارات في وسط القاهرة، ويقول الحسيني "ليس لدينا خطه لكيفيه الاستثمار في هذه المباني، ولكننا سوف نقوم بإصلاحها ثم استكشاف طرق التصرف، ربما يمكننا جعلها فنادق".
"لدينا حلم، ونحن نبني حلمنا الآن. نحن بحاجه إلى معلم، وعاصمة جديدة. لدينا الحق في ان يكون لدينا حلم وهذا هو حلمنا ".
المتحدث باسم المشروع خالد الحسيني [33].
تم تضخيم العملية التخيلية الفانتازية Fantasization Process من خلال الادوات العمرانية وبصورة مكثفة في السنوات الخمس الماضية عن طريق لوحات عملاقة على طول محاور الحركة والطرق السريعة في القاهرة وكذلك الاعلانات التليفزيونية الواعدة بطريقه رائعة للحياة. وتستند كل هذه الأوهام علي وعد الهروب من ازدحام وسط القاهرة إلى حياه جديده في ضواحي المدينة، والوعود مقدمة فقط لأولئك القادرين على تحمل التكاليف المالية الباهظة. هناك عدد قليل من الضمانات بأن التكلفة المرتفعة للسكن سوف تسمح لأي شخص آخر غير القشرة العليا من القاهريين لملء العاصمة الجديدة، والمشروع خطر ان تصبح مشروعا مربحا ولكنها فارغه بناء. وما من شك في ان السكان الذين يتزايد عددهم بسرعة في القاهرة بحاجه ماسه إلى السكن ولكنهم لا يحتاجون المجتمعات السكنية الفاخرة المغلقة ولا الابراج الزجاجية المستلهمة من نموذج دبي الاستهلاكي.
ومدينة القاهرة الكبرى، أصبحت الآن مدينة متروبوليتانية عملاقة، تؤوي أكثر من 22 مليون شخصا ومن المتوقع ان يصل الرقم إلى 40 مليون شخصا بحلول عام 2050. ومع ذلك، فان المدينة محاطة بالفعل بمجموعة كبيرة من المدن المخططة نصف الفارغة، كل منها نصب تذكاري فاشل لعدم قدرة السياسيين والمخططين والمطورين على جذب الجزء الأكبر من السكان بعيدا عن وسط مدينة القاهرة. وبنفس المنطق، فشلت العاصمة الجديدة بكل وعود التفكير التخطيطي الممتاز، في التعلم من تجارب التنمية الصحراوية السابقة. ومعظم المدن الصحراوية الموجودة بالفعل في القاهرة تخدم نهاية الطيف المجتمعي الأعلى بكثير من الناحية الاقتصادية. وكما يناقش سيمز (2015) على مر السنين، أصبح واضحا ان الصحراء أصبحت وعاء لتحقيق الأحلام العمرانية العقارية والتنموية. الخوف هو ان العاصمة المصرية، إذا ما بنيت بأي صورة من الصور، ستكون مدينه حصرية وخاصة. في الواقع، تم بناء مدن جديده على هامش العاصمة، ولكن بنفس الطريقة التي تسعي الحكومة للاستفادة من المساحات المركزية في القاهرة. لقد باعت هذه الأراضي العامة الواقعة على أطراف وحواف القاهرة الكبرى، للمستثمرين من القطاع الخاص. ونتيجة لذلك، فان معظم المدن هي مجتمعات مغلقة حصرية لا يمكن تحملها اسعارها الا للصفوة وبأسماء ملفتة أمريكية واوربية الدلالة لمزيد من تكثيف الحلم التغريبي مثل "بيفرلي هيلز" و "دريم لاند".
ثانيا: قناة السويس الجديدة: عملية رفع معنويات باهظة التكاليف
المشروع الثاني الذي يتم مناقشته في سياق هذا التحليل، هو التوسع الجديد لقناة السويس الذي سمي لمزيد من المبالغة والدعاية المغلوطة "قناة السويس الجديدة". على الرغم من أن المشروع فنيا هو عملية توسعة فرعية تم القيام بمثلها مرات متعددة في تاريخ تطوير وتوسعة القناة ومنها تفريعة التمساح عام 1979 وتفريعة بورسعيد والدفرسوار عام 1980، وتفريعة البلاح والبحيرات عام 1955[34]. كانت الصورة التي يريد السيسي التأكيد عليها هو أنه جالب الاستقرار والازدهار إلى مصر والمنطقة والعالم بعد ان أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 2013. وقد استخدمت الادوات الاعلامية بكامل قدراتها وأدواتها محليا وايضا عالميا لنشر هذه الصورة. فقد غطت مئات اللافتات شوارع وكباري القاهرة معلنه ان مصر بكل تاريخها تستحق ان تسمي ام العالم، وهي تعطي الآن هديه للعالم كله وهي القناة الجديدة. حملت اللوحات الإعلانية في الشوارع الرسائل الدعائية التالية: "من أم العالم (مصر) إلى العالم بأسره". "نحن نغير خريطة العالم" أو "هدية مصر للعالم". في 6 أغسطس 2015، وبعد عام تقريبا من توليه الرئاسة، دشن السيسي توسعة قناة السويس والتي سوقت على أنها ستحسن الوضع الاقتصادي في مصر بصورة غير مسبوقة. وفي خطابه الافتتاحي للمشروع، قال السيسي "لقد وعدنا بهديه للعالم وأنجزناها في وقت قياسي، شريان إضافي للازدهار ولربط الحضارة لتعزيز حركه التجارة الدولية". وقد اكتمل المشروع الذي كلف تسعة مليارات دولار أمريكي في عام واحد بناء على أوامر السيسي بدلا من ثلاثة أعوام تبعا لما أوصى به الخبراء والفنيين المختصين.
"وها هي مصر تقدم اليوم هديتها إلى العالم ... وعَدنا نحن المصريين العالم بأن نقدم له القناة الجديدة هدية.. وها نحن نوفى بالوعد الذي قطعناه جميعاً علــى أنفسنا.. وفى زمن قياسى.. نهدى للعالم شريانا إضافيا للرخاء.. وقناة تواصل حضاري بين الشعوب.. لتساهم فى تيسير وتنمية حركة الملاحة الدولية.. وتفتح آفاقا جديدة للتنمية.. وتشارك في تحقيق آمال وطموحات شعب مصر العظيم.. الذي أنجز هذا المشروع بعقول أبنائه.. وقوة سواعدهم.. ومدخرات أموالهم... "[35]
من خطاب السيسي خلال افتتاح قناة السويس الجديدة
تم تمويل تكلفة المشروع من قبل المواطنين المصريين، الذين سارعوا لشراء شهادات السندات الخاصة لتمويل التوسع، حتى في خضم الركود الاقتصادي المستمر الذي ترك الكثيرين منهم يكافحون مع انخفاض الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة. ولكنهم سحبوا مدخراتهم بعد خطة محكمة من الدولة خفضت خلالها فوائد البنوك واعطت أعلى نسبة فائدة على سندات القناة تجاوزت نسبة 12%. وقد تم جمع ميزانية المشروع من مدخرات الشعب المصري بعد دعوه مفتوحة دعمتها وسائل الاعلام لتمجيد اهمية تمويل القناة الجديدة. وكان حفل افتتاح التوسعة الجديدة أحد المعالم البارزة في استراتيجية السيسي للتركيز على قوة الصور الدعائية البطولية. وفي هذا الحدث، أبحر السيسي، في ثوب عسكري احتفالي كامل، إلى القناة، يرافقه صبي في زي عسكري يلوح بالعلم المصري، على متن يخت المحروسة وهو اليخت الخاص بالملك فاروق، وهي أول سفينة تمر عبر قناة السويس عندما افتتحت في نوفمبر من عام 1869. وكان اليخت رمزا متناقضا، لأنه يستدعي ذكرى الملك فاروق، آخر عاهل للحكم مصر، أبحر إلى المنفي في إيطاليا على متنها بعد ان أطيح به من قبل الجيش في انقلاب عام 1952.
في ذلك الوقت قدر المسؤولون، بمن فيهم رئيس هيئة قناة السويس، اللواء مهاب ماميش، أن التوسع سيضاعف إيرادات القناة في غضون عام. وبعد اقل من أسبوعين من افتتاح قناة السويس الجديدة، ادعي السيسي ان التكلفة الإجمالية البالغة تسعة مليارات دولار لتوسيع الممر المائي قد تم استردادها بالفعل[36]. ففي خطابه في 16 من أغسطس عام 2015، خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، ادعى السيسي أن التفريعة الجديدة للقناة استردت تكاليف الحفر التي قال إنها بلغت 20 مليار جنيه. وفي حين كان جدول اعمال السيسي يضيف صورة أخرى إلى ألبوماته البروباجندية، لم يكن أحد مستعدا للاستماع إلى خبراء الاقتصاد والمحللين التجاريين الدوليين يتساءلون عما إذا كانت هناك حركة مرور كافية وتجاره بين الشرق والغرب لتحقيق أهداف القناة الجديدة الطموحة للإيرادات[37]. بالنسبة للكثير من المصريين[38]، وكذلك الاقتصاديين والخبراء، فان الفوائد المباشرة للتوسع، والتي تمول أساسا من الاكتتاب العام في مصر، ليست واضحة. وتتوقع هيئه قناة السويس إيرادات اضافيه تتجاوز الثلاثة عشر مليار دولار سنويا بداية من عام 2023 بدلا من فقط خمس مليارات حصلت عليها عام 2014. كما توقعت زيادة السفن العابرة يوميا من تسعة واربعين إلى قرابة المائة سفينة في الفترة ذاتها. بيد أن تباطؤ التجارة العالمية والمنافسة من قناة بنما الموسعة وتباطؤ الاقتصاد الصيني تجعل من غير المرجح ان يحقق المشروع أهدافه المتعلقة بالإيرادات في اي وقت قريب أو ان يحقق انخفاضا كبيرا في البطالة من حوالي 13 في المائة. وقد وصف بعض الاقتصاديين التوقعات بأنها "أمنية" خاصة وان نمو إيرادات قناة السويس فشل في مواكبة النمو في التجارة العالمية منذ 2011.
(الشكل 9) الحملة الدعائية في ميدان التايمز، في نيويورك التي تشير إلى ان قناة السويس الجديدة هي أداه مصر لتعزيز الاقتصاد العالمي (المصدر: أرشيف الأهرام).
(الشكل 10) افتتاح قناة السويس الجديدة حيث استخدمها السيسي كصوره لتثبيت موقعه السياسي ثم اعترف لاحقا بان المشروع بأكمله كان لرفع معنويات المصريين (المصدر: أرشيف الأهرام).
انخفضت ارباح قناة السويس المصرية بعد الانتهاء من المشروع الضخم[39] ، ونشرت هيئه قناة السويس تقريرها الشهري، ان الأرباح من الشحن عبر الممر المائي انخفضت بنسبه أكثر من أربعه في المئة في سبتمبر مقارنه بنفس الفترة من 2014. وردا على الإحصاءات التي أظهرت انخفاض الأرباح بالرغم من التوسع التناقض مع ما قيل اثناء الافتتاح، قال رئيس هيئه قناة السويس اللواء مهاب ماميش "هناك حملة تشويه متعمدة ضد مشاريع القناة". وفي تصريحات لاحقة للصحافة، اعترف ماميش بانخفاض الأرباح، بسبب تباطؤ في الاقتصاد وانخفاض في الطلب العالمي على النفط، وهي أحدي السلع الرئيسية التي يتم نقلها باستخدام القناة. ولكنه أخفق في ان يفسر سر تجاهل الدولة لتحذيرات خبراء التنمية والاقتصاد المتنبئين والمدركين لتباطؤ الاقتصاد العالمي وتأثيره على حركة التجارة العالمية ومعدلات عبور قناة السويس. والأهم من ذلك هو التفسير الذي استخدمه السيسي لتبرير الفشل الاقتصادي للمشروع، فقد صرح أن أهم هدف للمشروع هو رفع الروح المعنوية للشعب المصري[40].
ثالثا: جزيرة الوراق النيلية: من أكواخ الصيد إلى ناطحات السحاب
خلال ليلة واحدة تقريبا، تحولت جزيرة الوراق في وسط نهر النيل من واحة خصبة إلى موقع معركة شرسة بين السكان والسلطات المحلية بشأن خطط أعاده تشكيل الجزيرة بأكملها[41]. الجزيرة هي موطن لما يقرب من تسعين ألف شخص وترتبط بالعاصمة القاهرة عن طريق العبارات، التي تنقل السكان المحليين إلى المناطق المجاورة مثل شبرا الخيمة على ضفاف النيل. عقب إعلان مخطط القاهرة 2050 في ابريل 2009، أُعلنت أيضا رؤية تطوير الواجهة البحرية لنهر النيل. وأوصت هذه الخطة بضرورة إخلاء جزر النيل القريبة، وخاصة الوراق والذهب لتخطط الجزيرتين كمركز مالي ومركز لمقر الشركات المتعددة الدولية على التوالي. وفي عام 2010 قدمت شركه الهندسة المعمارية المصرية "كيوب للاستشارات" اقتراحا "مخططا مفاهيميا" إلى الهيئة العامة للتخطيط العمراني لتحويل جزيرة الوراق إلى "جزيرة حورس" التي تكتمل بأبراج لامعة وشوارع واسعه ومرسي للقوارب الفاخرة واليخوت. وأعتبر المشروع جزءا من رؤية القاهرة 2050، وهي خطه تحول شاملة من قبل نظام حسني مبارك السابق. وهو المشروع الذي وكما طرحنا سابقا، انتُقد لإجباره الملايين من أفقر قطاعات سكان المدينة ليتم ترحيلهم من اراضيهم ومساكنهم وتحويلهم إلى سكان بلا ماوي أو مستوطنين في هوامش المدينة الصحراوية. وحين تم ايقاف مخطط القاهرة 2050 مع نهاية نظام مبارك في 2011، فان الخطط التي ترمي إلى أعاده التشكيل الجذري لوسط القاهرة لا تزال تشكل الأولوية الحقيقية للسلطات المصرية. قدم في مارس 2013 اقتراح ثان من شركه الهندسة المعمارية السنغافورية RSP لتطوير الجزيرة، ولكنه لم يتم تفيله او تبني تصوراته. كان المخطط السنغافوري يرتكز على رؤية نيوليبرالية لجزيرة الوراق وهي تتباهي بناطحه سحاب زجاجيه وهرم زجاجي لامع ومارينا وممرات ترفيهية وتجارية على ضفاف النهر[42]. والنظر إلى التفسيرات الرسمية لمهاجمه وطرد السكان المحليين يثير الكثير من السخرية كما هو واضح من بيانات السلطات المصرية التي تتراوح بين الادعاءات بعدم وجود مرافق صحية ملائمة للسكان ولذا يجب اخلائهم لأنهم يلوثون البيئة، وبين اقتراحات مفادها ان الجزيرة ككل هي في الواقع محمية طبيعية[43]. نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس الوزراء شريف إسماعيل الذي يتضمن تحويل الجزيرة من محمية طبيعية إلى منطقة للاستثمار العقاري. بالإضافة إلى ذلك، صدر قرار بتحويل مسؤوليه الجزيرة إلى سلطه المجتمعات العمرانية. مثل هذا القرار الذي يوضح الانتقال من التعامل مع الجزيرة كمحمية الزراعة وصيد الأسماك إلى امكانيه الأنشطة العقارية التي تشرف عليها السلطات الحكومية[44]. وبعد ذلك، كرر رئيس الوزراء السابق، شريف إسماعيل، الاتهام بان السكان يقيمون بصوره غير قانونيه على أراض مملوكه للدولة. وتوضح الحالة في الجزيرة كيف "تركز الحكومة المصرية، مثل العديد من الدول حول العالم، على بناء مدنها حول احتياجات راس المال القوي بدلا من المواطنين. وفي الوقت نفسه، تم نشر التصميم العام للجزيرة بأكملها والتأكيد على الهوية الجديدة للجزيرة كمركز للخدمات المالية والترفيهية التي تخطط لها وتملكها وتصممها الشركات الإماراتية. ويتماهى هذا السرد بأكمله مع بيان السيسي العام الماضي الذي ناقش مستقبل جزر النيل داخل حدود القاهرة: " الجزر في وسط النيل يجب اخلاءها تاركة لا أحد عليها" السيسي 2017. وبدأت قوات الشرطة في مصادره أراض يزعم انها وقعت. وقد أدت المصادمات المتصاعدة بين المواطنين والشرطة ومقاومه السكان المحليين إلى إجبار الدولة علي تاخير الاجلاء ولكنها لم تلغ أبدا ولم تنظر في حياه مئات الأسر المقيمة في الجزيرة.
(الشكل 11) بعد قرابة شهرين من إلغاء إعلانها كمحمية طبيعية، قرر مجلس الوزراء بناء مجتمع عمراني جديد على جزيرة الوراق، وتوضح الصورتين الخرائط الحدودية التي ارفقت مع القرار ونشرت في الجريدة الرسمية.
(الشكل 12) المصريون من سكان الجزيرة يركضون لتفادي قنابل الغاز المسيل للدموع خلال اشتباكات مع قوات الأمن في جزيرة الوراق بالنيل لإخلائهم قسريا (المصدر: طارق وجيه).
(الشكل 13) صوره توضيحيه للمخطط النظري للمنطقة، المقدم إلى محافظة الجيزة (المصدر: المستشارون كيوب).
رابعا: مدينة العلمين الجديدة: العمران السينمائي
إن حالة الهوس بنموذج دبي للتنمية العمرانية غير المستدامة ينعكس مره أخرى في المخطط العام لمدينة العلمين الجديدة في الساحل الشمالي لمصر. وحتى مع الفشل المتكرر في المشروعات العملاقة التي إنبهرت بنموذج دبي بصورة سطحية وشكلية كما أسلفنا في التحليل وخاصة في القاهرة 2050، العاصمة الجديدة وجزيرة الوراق. أتبع نفس الوزير مدبولي مره أخرى نموذج دبي في إعلانه عن مدينة جديدة في الساحل الشمالي: مدينة العلمين الجديدة. وقد تم الإعلان عن مخطط المدينة اثناء عرض فيلم يظهر مفهوم التخطيط والمكونات الرئيسية للمدينة[45]. الفيلم نفسه هو تجسيد ممتاز لحقبة نسج الأوهام العمرانية وخلق الاساطير التنموية. وقد أعدت وزارة الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الفيلم للترويج للمشروع، وهو يتجاوز خمس دقائق بقليل، والعنصر الأول الملفت للنظر فيه هو كيف يُنظر إلى سكان هذه المدينة؟ كل مشهد من الفيلم في طرق المدينة، والمحلات التجارية والمساكن وحمامات السباحة والحدائق تظهر فقط النساء والرجال والأطفال الشقر. حتى مع هذا التدفق من الأجانب الذين يحتلون كل جزء من المدينة كما هو مبين في الفيلم، فأن الوزارة ومستشاريها فشلوا في تبرير لماذا سيتخلى جميع هؤلاء عن فرص الاستثمارات والمرافق وارقي الخدمات في دبي، تركيا، قبرص واليونان وجنوب إيطاليا واسبانيا من بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط الأخرى وتأتي إلى العلمين الجديدة؟ يبدا الفيلم على متن طائره حيث سيدة شقراء أوروبية أنيقة تنقر أصابعها على الكمبيوتر اللوحي، ثم يظهر اسم العلمين باللغة الإنجليزية مع شعار "تحقيق التنمية العمرانية المستدامة". المشاهد التالية توضح جميع مناطق الجذب الرئيسية في المدينة بما في ذلك فندق فاخر، شاطئ ذهبي الرمال، والبحيرات الاصطناعية ومن ثم لقطات متسارعة تظهر مكونات مركز المدينة، وأبرزها الأوبرا، المتحف، المكتبة، الجامعة، مراكز البحوث، مراكز التسوق ومركز المدينة المالي والتجاري. بالنسبة للعنصر الأخير، مركز المدينة، يستخدم الفيلم لقطات واقعية لأحدي الولايات الأمريكية وشوارعها وسكانها مما يثير المزيد من الدهشة عن هوية المدينة ومرجعياتها العمرانية والمجتمعية. المشهد النهائي مثير للإعجاب، حيث ينتهي الفيلم بفتاة أوروبية ذات عيون زرقاء وشعر ذهبي عائدة إلى بلدها الأصلي، وتنظر من نافذة الطائرة إلى المدينة كما لو كانت تقول مكان لطيف للزيارة والتمتع ولكنه لن يكون موطني.
(الشكل 14) الرؤية التنموية التي تهدف إلى تحويل المدينة إلى وجهه سياحية ثقافيه عالميه ضمن إطار بيئي مستدام دون اي تصور للأليات لتحقيق هذه الرؤية من خلال الهيكل المؤسسي وتوفير أداره جيده للبيئة والخدمات (المصدر: وزاره الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، مصر).
(الشكل 15) ظهرت موجه من الصدمات مع الإعلان عن المشاريع ذات الأولوية في العلمين الجديدة والتي تشمل القصر الرئاسي الصيفي، والمقر الصيفي الجديد لرئاسة مجلس الوزراء (المصدر: الرؤوف).
العلمين المجتمع المحلي: الأصوات غير المسموعة
في سياق الفيلم الذي غاب فيه المصريون تماما، وخاصه سكان العلمين وعائلاتهم وقبائلهم، يتبلور سؤال جوهري، ما هو موقف المواطنين؟ أين المجتمع المحلي؟ كيف يتم احتواء المدينة الحالية ضمن رؤية المدينة الجديدة؟ هنا نتوقف امام حركة مقاومة من قبل البدو المحليين ونشطاء المجتمع المحلي بدأت بمجرد ان تفهموا المخططات الجديدة. وفي الواقع، فان نضال السكان المحليين يعود إلى نهايات عام 2012 عندما اعترضت القبائل على تخطيط لمشروعات رئيسية للعمران في المدينة يتجاهل احتياجاتهم وعلاقتهم بالأرض الممتدة لمئات السنين[46]، ورفضهم لمشاريع الإسكان التي لا تتفق مع أسلوب حياتهم وثقافتهم المتوارثة وتطلعاتهم.
(الشكل 16) المباني السكنية الجديدة في مدينه العلمين خالية من السكان ولم تزود أبدا بالمرافق اللازمة، ولا سيما المياه والكهرباء. ورفض المجتمع المحلي بوضوح العمارة والعمران الذي لا يعكس في اي جانب من جوانبه أسلوب حياه السكان المحليين (المصدر: مجلس مدينه العلمين).
ان تقسيم مدينة العلمين على النحو الذي أعدته وزاره الإسكان في المخططات الجديدة إذا ما نفذت، سيفصل سكان المدينة عن الحياة. المخططات الجديدة المقترحة لا تعتبر الطبيعة البدوية وستغير الحياة إلى مستوي لا يمكن للمواطنين المحليين ان يستوعبوه أو يتقبلوه".
الشيخ محمد قويه، مدينه العلمين ممثل بدوي محلي[47].
وقد أرغم موقف المجتمع المحلي ممثلين من لجنة الإسكان البرلمانية على السفر إلى العلمين لمناقشه تداعيات إنشاء مدينه العلمين الجديدة علي حياه البدو ومساكنهم. إذا كانت هذه هي مدينة العلمين الجديدة، فأين هي مدينة العلمين القديمة وأماكنها ومساحاتها وتراثها، والاهم من ذلك، أين سكانها وعائلاتهم؟ ما هي العلاقة بين المدينتين، أين سكان البلدة القديمة وكيف سيتم تخصيصها والترحيب بها في المدن الجديدة؟ أين هي ملامح التنمية الحضرية المستدامة إذا لم نسمع كلمه عن المجتمع المحلي؟ ما هي مزايا المدينة الأكثر اهمية؟ ما هي القاعدة الاقتصادية؟ وقد تركت كل هذه الأسئلة الحاسمة بدون محاولة للرد عليها لا في الفيلم ولا في اي من التقارير الصادرة عن وزاره الإسكان. إن الموثق هو فشل جميع وزارات الإسكان والتخطيط في مصر وعلى مدار العقود في جعل الساحل الشمالي المصري وجهة سياحية محليا وإقليميا وعالميا. وقد أخفقت في توسيع قابليتها للاستعمال لأشهر طويلة بدلا من الاستخدام المحلي المحدود لمده سته أسابيع فقط في الصيف كل عام. إذا كان هدف مدينه العلمين الجديدة هو أضافه صوره واحده أخرى إلى مسرح الانتصارات الزائفة وتكثيف الإنجازات السينمائية الدرامية، فان الفيلم بالتأكيد حقق هدفه. وبعد جدال موسع وعدم تيقن من أولويات التنمية في هذه المدينة الجديدة، تم رصد البدايات للإنجازات المعمارية والعمرانية بالمدينة. ولدهشة الكثيرين فإن المدينة التي سوقت على انها اقليم تنموي جديد في الشمال الغربي لمصر، بدأ النشاط العمراني بها بالبدء في تشييد قصر صيفي عملاق للسيسي بالإضافة الى مقر جديد لرئاسة الوزراء وإدارة الحكومة. على المستوى العقاري الاستثماري، بدأ العمل في مجموعة من الأبراج المطلة على الواجهة البحرية إطلالة مباشرة يتم تنفيذها والاشراف عليها من خلال أجهزة القوات المسلحة.
(الشكل 17) الأبراج الفاخرة التي تعكس تيني نموذج دبي في تخطيط وعمارة وعمران مدينه العلمين مع أسعار العقارات الغير مسبوقة (المصدر: وزاره الإسكان، مصر).
استنتاجات ختامية: المشروعات العملاقة واليوتوبيا الوهمية والاضرار العمرانية الجانبية
مصر وارتباك الادوار التنموية والعمرانية
يركز النظام المصري حاليا على السيطرة الكاملة على المجالات العقارية في البلاد. في القيام بذلك، فانه يقوم بكل الادوار؛ الوسيط، المنظم، المطور والمالك. لذا، فان التغيير في دور الحكومة من منظم ومشرع ومقنن إلى سمسار الأراضي ومستثمر متعطش للربح يلاحظ بوضوح. وأصبحت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة هي الجهة المسؤولة عن معظم المشروعات الضخمة في الدولة وخاصة العقارية والبنية التحتية وصولا إلى ترميم المناطق والمباني الاثرية. وتشمل هذه المشروعات بناء أكبر وأفخم منتجع في افريقيا والشرق الأوسط كما تم الترويج له في العديد من اللوحات الإعلانية حول الأراضي المخصصة للمشروع وعلى طول الطريق الذي مهد حصرا لخدمة المشروع الجديد. كما تخطر هذه اللوحات المارة بأن المشروع يحتوي علي أكبر حديقة مائية وأعلي خط ترام تيليفريك في افريقيا والشرق الأوسط. هذا الهوس بالأطول والأكبر والاعلى والأفخم هو أمر جديد بشكل جذري على أنماط التنمية التي تبناها الرؤساء المصريون السابقون. وقد قدمت أبو المجد (2018) بيانا مفصلا عن تغلغل الجيش المصري في الاقتصاد أو أداره الدولة وأسباب وعواقب ذلك الاختراق. فقد نجح الضباط العسكريون في تحويل المناطق العمرانية وخاصة الشاطئية أو المحيطة بالمدن الكبرى إلى معسكرات عسكريه أخذه في التوسع باستمرار. وتستضيف هذه المساحات الآن وجودا مسلحا دائما يمارس المراقبة المستمرة على الحياة اليومية. وقد استغلت المؤسسات التجارية العسكرية في مصر عادات المستهلكين من الأغنياء والفقراء على حد سواء، وجني أرباح غير خاضعه للمساءلة وتحسين القيادة الاجتماعية.
"السيسي لا يفهم كيف يعمل الاقتصاد، وكيفية تسييره، وكيفية توليد فرص العمل والنمو، وكيفية زيادة الإيرادات بطريقه مستدامه. لكن الجيش يتبع الأوامر. إذا قال للجيش ان تذهب لبناء مدينه جديده في الرمال في مكان ما، فانه يبني مدينة جديدة في الرمال" (صايغ، 2019)
حتى استيلاء الجيش علي السلطة عام 2013، كان نشاطه الاقتصادي يعمل على إبقاء الضباط رفيعي المستوي سعداء ومخلصين للرئيس، من خلال السماح لهم بالامتيازات. ومع قدوم السيسي، كان له مدخلا مختلفا للعلاقة مع الجيش. وهو يتطلع إلى تعزيز الشرعية السياسية لنظامه على الصعيد المحلي وإلى إظهار للحكومات الغربية والمستثمرين الأجانب أن مصر تعني الاعمال التجارية، يريد أيضا ان يبرهن على مصداقيته. لقد اظهر احتقاره علنا للمؤسسات المدنية في مصر مؤكدا انه لا يشعر بالثقة الا في الجيش للقيام بالمهمة في الوقت المحدد، في حدود الميزانية (صايغ، 2019). فرض الجيش نفسه في كل جزء تقريبا من الاقتصاد المصري. حيث يدير الشركات وينتج السلع ويدير مشاريع ضخمه للبنية التحتية والاستثمار العقاري. يتشكل هنا تساؤلا منهجيا وهو ما هي عواقب اشراك القوات المسلحة بهذا العمق في المنظومة الاقتصادية لكل من القطاعين العام والخاص في بلد ما؟ هل منطق التنمية واولوياتها عندما تتولاه القوات المسلحة يمثل دفعة حقيقية للاقتصاد والتنمية أم يحول المؤسسة العسكرية الى مؤسسة هادفة للربح تنتقي مجالات تسيطر فيها على مقدرات الدولة وتتمتع بربح يعتمد على تخلصها الكامل من أعباء الضرائب والمراجعة الحسابية. وترتبط هذه الحالة من تولي المؤسسة العسكرية انتقاء مجالات التنمية المربحة وخاصة تجارة الاراضي والاستثمار العقاري والبنية التحتية إلى انخفاض الإنتاجية، وانخفاض الاستثمار في جميع القطاعات باستثناء الطاقة والعقارات، وتدني القيمة المضافة، ولا سيما في القطاعات المعتمدة على التكنولوجيا. ومنذ عام 2013، عندما استولي الجيش علي السلطة، حدث تحولا نوعيا في علاقة الجيش بالاقتصاد. وذلك لان السيسي اعتمد علي الجيش لتولي الأدوار الإدارية الرئيسية في الاقتصاد المدني. وقد حلت المنظومة العسكرية بشكل سريع محل الحكومة في منح العقود وأداره برامج المساكن المدنية والبنية التحتية العامة. ويدير الجيش الآن ما يقرب من ربع إجمالي الانفاق الحكومي في مجال الإسكان والبنية التحتية العامة، وهو ما يقدر بأكثر من 24 مليار دولار أمريكي. ولذا فان الجيش يبدد كميات هائلة من رؤوس الأموال في مشاريع غير منتجة. وغالبا ما يلحق الضرر بالعلاقات مع القطاع الخاص لان الجيش يتولى أداره ودخل هذه المشاريع وتحصيل مدخولاتها، كما يجعل مصر تقترض بشده لتمويل هذه المشاريع (صايغ، 2019).
ظاهرة دبي: الهوس المعماري والعمراني
سيفاجأ اي مراقب ناقد بأنه في سياق بلد عريق متراكم الحضارات مثل مصر وبكل تاريخها وتجربتها وتفردها وبثراء تراثها المعماري والعمراني، تصبح مدينة دبي نموذجاً حاكما للتنمية العمرانية من حقبة مبارك الى حقبة السيسي. كما طرحنا فأن الهوس العمراني بمدينة دبي يعود إلى العقد الأخير من سنوات حكم مبارك لمصر. في حين ان رؤية مبارك وابنه لتقليد دبي كانت تستند على ادراج التنمية الراسية وناطحات السحاب الفاخرة في نسيج العاصمة القاهرة لبناء الصورة التي من شانها ان تشبه المدينة دبي، وبالتالي تشير إلى ان القاهرة أصبحت مدينة عالمية ناجحة. ولكن حتى علي مستوي تشييد ناطحات السحاب، وملاعب الغولف، ومراسي اليخوت والفنادق الفاخرة، وإذا تمكنت مصر من النجاح في تقليد دبي وبناء مثل هذه الأوهام العقارية والتنمية المصطنعة، يتبلور السؤال دائما لماذا يعتبر هذا التقليد تقدم وتنمية؟ لقد تعرض نموذج دبي للتنمية العمرانية لانتقادات شديدة، ولا توحي جميع هذه المشاريع على الإطلاق بان هذا هو العالم الأول أو البلد التقدمي الذي يقدم مساهمه قيمة للعالم. ولا تزال دبي تعتمد على الدعم المالي من الاقتصاد الريعي والخدمي. والنقطة الأكثر أهمية تنبع من تصور وفهم منطق التنمية والتقدم. ومن هنا نسأل، متأملين النموذج المصري، هل وجود ناطحات السحاب والفنادق الفاخرة أكثر اهمية من معظم الناس الذين يعانون من ادني مستويات العالم في الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، وبالتالي يعانون من عدم وجود اي شكل من اشكال التنمية الحقيقية التي من شانها ان تؤثر علي حياه الأغلبية وتصبح الدولة مجندة فقط لتلبيه احتياجات الأغنياء والمتميزين سياسيا والدوائر القريبة من النظام.
الاضرار الجانبية الحضرية
في عمليه بناء هذا العمران الزائف والصور المصطنعة عن تطور وتنمية الدولة، يمكن توثيق مستويات مختلفة مما تصفه الدراسة بأنها اضرار جانبية في المناطق العمرانية، كما يبدو في التالي: أولا عمليات الاجلاء القاسية التي تشمل تدخلات الشرطة والجيش التي لم يسبق لها مثيل والموثقة في حالتي ماسبيرو وجزيرة الوراق. ويقترن هذه الاخلاء القاسي مع اثنين من الابعاد المثيرة للقلق. أحدهما هو المصير الغامض للمجتمعات المحلية التي تم اخلاؤها قسرا. ثانيا، هو القضاء على التراث المعماري والعمراني الذي لا غني عنه لتمهيد الطريق لبناء ناطحات السحاب المتلألئة كما حدث في إزالة الكثير من عمارة القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين في منطقة ماسبيرو . لقد قدم احمد خالد توفيق في روايته "يوتوبيا" التي نشرت في عام 2008، تصورا لمصر في عام 2023 حيث الدولة والقادة ورجال الاعمال والأغنياء سيلجؤون إلى مدينة في الصحراء تسمي يوتوبيا حيث يمكنهم التمتع بأسلوب حياه فخم بعيدا عن الغوغائية والمبتذلة والفقيرة (توفيق، 2008). رؤية المدينة كما هو مبين في الرواية هي مدينة ذات أبراج عالية وقصور وحدائق غناء محاطة بجدران ضخمة ومحمية باعلي مستوى مدرب من قوات الأمن الاجنبية والتكنولوجيا الحديثة. بينما يُدفع باقي سكان البلاد بعيدا إلى الاحياء الفقيرة التي تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. معاقبة الغوغاء والفقراء والهمج من خلال احاطتهم في مستنقعات الفقر والمرض والجهل، بعيدا عن مدينه يوتوبيا. هذا الطرح يتبلور الان بوضوح في سردية العاصمة الجديدة.
واحد من التحديات الرئيسية في هذا النموذج التنموي الصوري الشكلي، هو السوق العقاري المشوه والمشوش وغير المستقر. عندما تعلن الحكومة عن الأسعار في المشروعات السكنية في العاصمة الجديدة، اهتز السوق بالارتباك. فقد أكدت الاسعار الجديدة المعلنة لبيع الوحدات السكنية والعقارية، على طبيعة هذه المشاريع الموجهة بالكامل للقطاع الغني والطبقة العليا من المجتمع. ولذلك، يجب ان تكون هذه المشاريع سياقا مؤمنا مكونا من المجتمعات المسورة لضمان سلامه سكانها من الأشخاص الغاضبين المحيطين الذين طردوا ولا يستطيعون العودة والعيش في أراضيهم التاريخية والمرتبطة بعائلاتهم وجذورهم. ومن الجوانب الأخرى المثيرة للاهتمام في الاضرار الجانبية ان اي شخص يشكك في هذه المشاريع أو يعترض على جدواها أو يحاول ان يعرف مجموعتها المستهدفة سيعتبر خائنا يعرقل التنمية الوطنية. مع القانون الجديد للسيطرة على وسائل الاعلام الذي وافق عليه السيسي[48]، فإن اي شكل من اشكال الدعوة المهنية الاحترافية للخبراء لمناقشه الحاجة إلى مثل هذا المشروع في بلد اختنق حرفيا مع المشاكل الاقتصادية، وسوف يعتبر بمثابة التخطيط لمؤامرة ضد الدولة والنظام والشعب. كما سيعد رسميا متهما بنشر الشائعات السلبية وخفض المعنويات. ومن الاضرار الجانبية الإضافية ما هو مرتبط بالقاهرة القديمة التي تعاني بشكل كبير من التدهور وانهيار الخدمات والاختناقات المرورية وأعمال الهدم والازالة. وإذا انتقلنا من القاهرة الى باقي سياق مدن ومحافظات مصر فإن الصورة تزداد قتامة حيث أن معظم المدن والقرى والمستوطنات المحيطة في مصر تفتقر إلى الاحتياجات المعيشية الأساسية بما في ذلك الكهرباء والمياه النظيفة وشبكات الصرف الصحي.
يصور الجيش المصري نفسه كوصي مخلص "ينقذ الأمة". ومع ذلك فان إنقاذ الأمة يعني عسكرتها. وفي هذا السياق يأتي تحليل أبو المجد (2018) موضحا الجهود المرئية وغير المرئية التي يبذلها الجيش شبه المستقل في مصر للسيطرة والهيمنة على السياسة والاقتصاد والمجتمع في البلاد على مدي العقود الستة الماضية. لقد تكيف الجيش المصري مع لحظات التغيير الحاسمة واستفاد منها في تعزيز تفوقه السياسي وتوسيع إمبراطوريه الاعمال العملاقة. وفي الآونة الاخيرة، حارب الجيش تمردين شعبيين، واحتفظ بالسلطة الكاملة في أعقاب الربيع العربي، وزادت ثروته بصورة غير مسبوقة. والخوض في دور الأنظمة العسكرية في تاريخ مصر الحديثة منذ انقلاب عام 1952، يكشف عن ان القادة العسكريين المصريين لن ياتوا أبدا إلى إدراك ان هناك حياه أكثر من المال والسلطة والعسكرة والسيطرة السياسية. تصورهم لمصر هو كما يصور الصايغ (2012، 2019) ببراعة وبالحجة البليغة أنها جمهوريه الضباط. وتتفاوت التقديرات حسب حجم دور الجيش في الاقتصاد. ويجري تكثيف استعاره جمهوريه الضباط بالطريقة التي تعطي فيها الأولوية لعمليه البناء في المدينة الجديدة. وقد أشار الرد الأخير لرويتر حول الدور الغامض للجيش في الاقتصاد المصري إلى ان الجيش يملك الكثير من الاعمال التجارية، على الرغم من انه لا يزال من غير الواضح كم من الاقتصاد الكلي الذي يتحكم فيه. وتمتلك القوات العسكرية 51 في المائة من الشركة التي تطور مدينه العاصمة الجديدة كما سبق الذكر. وتقوم شركه أخرى مملوكه للجيش ببناء أكبر مصنع للإسمنت في مصر. وتتراوح المصالح التجارية الأخرى من المزارع السمكية إلى منتجعات العطلات. [49]
(الشكل 18) خريطة مصر موثقا عليها أنشطة الجيش الاقتصادية التي تتراوح ما بين مشروعات البنية التحتية الى مصانع المكرونة وتعبئة الطماطم والمياه (المصدر: صايغ، 2019).
(الشكل 19) مواقع الإنتاج المملوكة بالكامل للجيش المصدر: صايغ، 2019، ص: 100
وتكثف المشاريع الضخمة الحالية، مثل العاصمة الجديدة او مدينة العلمين الجديدة، استمرار الدولة في تعزيز الشمولية العمرانية. وقد أثبتت هذه العملية فشلا كبيرا وخلقت فجوه اجتماعيه وتضخيما للعمران غير الرسمي. إن الأحزمة العمرانية غير الرسمية المخصصة لاستيعاب المجتمعات غير المحظوظة والمهمشة، انتشرت في جميع انحاء حواف القاهرة. ويعيش قرابة السبعين بالمائة من القاهريين في هذه المناطق غير الرسمية، أو في العشوائيات كما تطلق عليها الاجهزة الرسمية. حيث يبنون مساكن رخيصة بصوره غير قانونية، غالبا على أراض زراعية. وهذا النمط من التنمية ليس جديدا لان سياسات التخطيط العمراني التي وضعتها الحكومة المصرية خلال السنوات الاربعين الماضية كانت تتعلق أساسا بخلق المساحات والمساكن التي تلبي احتياجات النخب[50]. وعلى مدي أكثر من أربعه عقود، لم تتظاهر الحكومات المتعاقبة الا بتلبية احتياجات معظم سكان القاهرة. وفي الواقع، كان اهتمامهم الرئيسي هو هذه المدن الصحراوية الجديدة المنعزلة والفارغة، ولم يلتفتوا أبدا إلى التركيز بعيدا عنها.
ناقشت الدراسة ان النظام في مصر تبني نهجا فاشيا نموذجيا في تصوير الديكتاتور بأنه المنقذ والأمل الوحيد لدوله بائسة تطمح إلى مستقبل مزدهر. وخلافا للحالات التاريخية، فان النظام المصري يخلق ثقافة خوف غير مسبوقة ويقلل من اي شكل من اشكال المساءلة في الدولة. وتسمح هذه الاستراتيجية بالاستخدام المؤقت للصور لنقل رسائل قصيرة الأجل عن التطور والتقدم. وبدون القدرة على الاعتراض أو طرح الأسئلة أو محاسبه اي شخص، يمدد النظام قائمته الطويلة من الإنجازات الوهمية التي لا يمكن تصويرها الا في عدد من الصور. في كل من هذه الصور، الرئيس هو دائما من يقص الشريط الملون، ويتلاشى كل شيء بعيدا بعد ذلك. ويتم تحقيق الغرض من الصورة، والرهان هو دائما على النسيان القسري جماهير الشعب المصري. ومع الوضع الحالي، ستجد مصر صعوبة في استعاده نزاهتها واحترامها في المجتمع الدولي. ويؤكد تحليل مشاريع التنمية الحضرية الضخمة المختارة تحولا نموذجيا في التفكير الاستراتيجي للنظام الحالي. وخلافا لما سبقه، فان النظام الحالي لا يهتم باستخدام مشاريع التنمية العمرانية كعامل محفز لضمان شرعيته. النظام الحالي مهتم بقيمه الصور والأوهام والانتصارات الزائفة التي ستدوم لفترة زمنية محددة وسرعان ما تحل محلها صورة زائفة جديدة. وقد تخدع هذه الاستراتيجية المستخدمة بتكرار ممنهج، جزء من الشعب في مصر، ولكنها ستؤكد للمجتمع الدولي انه لا توجد تنميه حقيقية في مصر وانما تكرار متنوع لما سبق رصده في دورات التاريخ المصري المعاصر المختلفة، حيث فقط الجوهري هو الدعاية والمشهد المزيف.
المراجع العربية
أمين، جلال. 2006. ماذا حدث للمصريين؟ القاهرة: دار الشروق.
الزيني، يحيى. 2011. المدينة بين التنسيق والتأصيل. القاهرة: منشورات الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.
بهاء الدين، احمد. 2008. مقالات في التنسيق الحضاري. القاهرة: منشورات الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.
توفيق، احمد خالد. 2008. "يوتوبيا" القاهرة: دار ميريت.
حبشي، محمد. 1990. أثر التحولات السياسية على التوجهات العمرانية والمعمارية في مصر (1952-1981). رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة القاهرة.
حواس، سهير. 2002. القاهرة الخديوية. القاهرة: أفاق للنشر والتوزيع.
سينغرمان، ديان: تحرير. ترجمة. 2015. القاهرة مدينة عالمية: عن السياسة والثقافة والمجال العمراني، شرق أوسط جديد في ظل العولمة. القاهرة: المركز القومي للترجمة.
ديفيز، مايك. كوكب العشوائيات. ربيع وهبة. القاهرة: المركز القومي للترجمة.
عبد الجواد، توفيق. 1989. مصر العمارة في القرن العشرين. مكتبة الانجلو المصرية.
عبد الحميد، شاكر. 2005. عصر الصورة. عالم المعرفة، الكويت.
عبد الرءوف، علي. 2019. شعب وميدان ومدينة – العمران والثورة والمجتمع، القصة الإنسانية والمعمارية والعمرانية لميدان التحرير. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
عبد الرءوف، علي. 2017. دور الجيش في إجهاض قيمة الفراغ العام في مدن الربيع العربي (حالة ميدان التحرير: من المقدَّس الوطني إلى المدنَّس المشوَّه(. مجلة عمران للعوم الاجتماعية. المركز العربي للأبحاث ودارسة السياسات العدد 20 - المجلد الخامس - ربيع 2017 ص: 119-146.
عبد الرءوف، علي. . 2016 الفوضى الحضرية الخلاقة في فضاءات مدينة القاهرة بعد ثورة 25 يناير: جسور النيل وميدان التحرير. مجلة عمران للعلوم الاجتماعية. المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية. العدد 18 - المجلد الخامس - خريف 2016 ص: 33-62.
عبد الرءوف، علي..1991. النقد المعماري ودوره في تطوير العمارة المصرية المعاصرة. رسالة ماجستير غير منشورة جامعة القاهرة.
عبد المجيد، إبراهيم. 2011. لكل ارض ميلاد...أيام التحرير. منشورات قطاع الثقافة، دار أخبار اليوم. القاهرة.
عبد المجيد، وحيد. 2011. "ثورة 25 يناير قراءة أولية". مركز الأهرام للنشر والترجمة.
عدلي، رشا. 2012. القاهرة، المدينة والذكريات. دار نهضة مصر.
عمارة، محمد. 1988. "علي مبارك: مؤرخ ومهندس العمران". (القاهرة: دار الشروق).
كمالي، أحمد. 2011. ميدان التحرير في ذاكرة التاريخ. دورية أيام مصرية، العدد 40. ص: 39-40.
يسين، السيد. 2011. "مصر ما قبل الثورة: نقد اجتماعي ورؤية مستقبلية". دار نهضة مصر.
ريمون، اندريه. 1974. "فصول في التاريخ الاجتماعي للقاهرة العثمانية" ترجمة زهير الشايب. كتاب روز اليوسف. عدد 17.
المراجع الأجنبية
Abaza, Mona. 2011. Revolutionary Moments in Tahrir Square. Globakl Dialogue Newsletter. International Sociological Association. Vol.1/#4/April 2011. Pp: 3-5.
Abul-Magd, Zeinab. 2018. Militarizing the Nation: The Army, Business, and Revolution in Egypt. New York: Columbia University Press.
Abu-Lughod, Janet. 1971. Cairo. (Princeton: Princeton University Press).
Al Aswany, Alaa. 2011. On the State of Egypt: What Made the Revolution Inevitable. Vintage.
Albright, Madeleine. 2018. Fascism: A Warning. N.Y.: Harper.
Alraouf, Ali A. 2016. Borrowing Spaces and Constructing Traditions: From Real Doha to Revolutionary Cairo. LEGITIMATING TRADITION IASTE conference Working Paper Series 2016. Volume 276: Public Space, Memory, and the Legitimation of Tradition.
Alraouf, Ali. 2005. “Authentic Images vs. Global Icons: A critical Search for Identity in Cairo’s Contemporary Architecture”. XXII World Congress of Architecture. Cities: Grand Bazaar of ArchitectureS, UIA 2005 Istanbul, Turkey 3-10 July. 2005.
Alsayyad, Nezar. 2011 (A). Cairo: Histories of a City. Belknap Press of Harvard University Press.
Alsayyad, Nezar. 2011 (B). A History of Tahrir Square.
Amin, Galal. 2011. Egypt in the Era of H. Mubarak. (AUC Press, Cairo).
Bayat, Asef. 2013. Life as Politics: How Ordinary People Change the Middle East, Second Edition. CA: Stanford University Press.
Dennis, Eric. 2006. “Cairo as Neoliberal Capital? From Walled City to Gated Communities.” In Cairo Cosmopolitan: Politics, Culture, and Urban Space in the Globalized Middle East, edited by Diane Singerman and Paul Amar, 47–72. New York: American University in Cairo Press.
Falasca-Zamponi, Simonetta. 2000. Fascist Spectacle: The Aesthetics of Power in Mussolini's Italy. University of California Press.
Farag, Fatemah. 1999. Center of the Centers.
Findley, Lisa. 2005. Building Change: Architecture, Politics and Cultural Agency. Routledge.
Gehi, Jan. 2010. Cities for People. (Island Press).
Hanieh, Adam 2012 “Egypt’s Orderly Transition: International Aid and the Rush to Structural Adjustment.” In The Dawn of the Arab Uprisings: End of an Old Order?, edited by Bassam Haddad, Rosie Bsheer, and Ziad Abu-Rish, 124–36. London: Pluto Press.
Harvey, David. 2007 A Brief History of Neoliberalism. Oxford: Oxford University Press.
Harvey, David. 2009 Social Justice and the City. Athens: University of Georgia Press.
Hénaff, Marcel. 2001. Public Space and Democracy. University of Minnesota Press.
Herrera, Linda. 2014. Revolution in the Age of Social Media: The Egyptian Popular Insurrection and the Internet. London: Verso.
Hessler, Peter. 2019. The Buried: Life, Death and Revolution in Egypt. Profile Books.
Hirst, Paul. 2005. Space and Power: Politics, War and Architecture. Polity.
Ketchley, Neil. 2017. Egypt in a Time of Revolution: Contentious Politics and the Arab Spring (Cambridge Studies in Contentious Politics). Cambridge University Press.
Khalil, Ashraf. 2012. Liberation Square: Inside the Egyptian Revolution and the Rebirth of a Nation (New York: St. Martin’s Press).
Kirkpatrick, David D. 2018. Into the Hands of the Soldiers: Freedom and Chaos in Egypt and the Middle East. NY: Viking.
Laron, Guy. 2017. The Six-Day War: The Breaking of the Middle East. Yale University Press.
Lavie, Limor. 2018. The Battle over a Civil State: Egypt's Road to June 30, 2013. SUNY Press.
Lefebvre, Henri. 1991. The Production of Space. (Oxford: Blackwell).
Miller, Judith. 2011. Revolution in the Square. City Journal. Spring 2011 Vol.21, No.2.
Mitchell, Timothy. 1989. Colonizing Egypt, (The American University of in Cairo press, Cairo).
Mitchell, Timothy. 1999. Dreamland: The Neoliberalism of Your Desires. Middle East Report, No. 210, Reform or Reaction? Dilemmas of Economic Development in the Middle East. (Spring, 1999), pp. 28-33.
Mitchell, Timothy. 2002. Rule of Experts, Egypt, Techno-Politics, Modernity. (University of California press, Berkeley).
Mittermaier, Amira. "Bread, Freedom, Social Justice: The Egyptian Uprising and a Sufi Khidma." Cultural Anthropology 29, no. 1 (2014): 54–79.
Rodenbeck, Max. 1998. Cairo: The City Victorious. (New York: Picardo).
Oren, Michael. 2003. Six Days of War: June 1967 and the Making of the Modern Middle East. Presidio Press
Raymond, André. 1994.: Al-Qahira: Tarikh Hadara, Dar Al-Fikr Lil-Dirasat wal-Nashr wal-Tawzi'. Translated by Latif Farag.
Ross, Carne. 2012. The Leaderless Revolution: How Ordinary People Will Take Power and Change Politics in the 21st Century. London: Simon & Schuster.
Saalman, Howard. 1971. Haussmann: Paris Transformed. New York: George Braziller Inc.
Sayigh, Yezid. 2012. Above the State: The Officers’ Republic in Egypt. Washington, DC: Carnegie Endowment for International Peace.
Sayigh, Yezid. 2019A. Egypt’s Military Now Controls Much of its Economy. Is This Wise? Published on Diwan
Sayigh, Yezid. 2019B. Owners of the Republic: An Anatomy of Egypt’s Military Economy. Washington, DC: Carnegie Middle East Center.
Sharp, Deen and Panetta, Claire (eds.). 2016. Beyond the Square: Urbanism and the Arab Uprisings. Terreform.
Sims, David. 2011. Understanding Cairo: The Logic of a City Out of Control. The American University in Cairo Press.
Sims, David. 2015. Egypt’s Desert Dreams: Development or Disaster? Cairo: American University Press.
Soliman, Samer. 2011. The Autumn of Dictatorship, Fiscal Crisis and Political Change in Egypt under Mubarak. CA: Stanford University Press.
Sowers, Jeannie. and Toensing, Chris. (Eds.) 2012. The Journey to Tahrir: Revolution, Protest, and Social Change in Egypt. London: Verso.
Trouillot, Michel-Rolph. 1997. Silencing the Past: Power and the Production of History. Beacon Press.
Parkinson, John. 2012. Democracy and Public Space: The Physical Sites of Democratic Performance. Oxford University Press.
Petrescu, Doinaand and Trogal, Kim (eds). 2017. The Social (Re)Production of Architecture: Politics, Values and Actions in Contemporary Practice. Routledge.
هوامش
[1] منذ الانقلاب العسكري عام 1952 تعاقب على مصر مجموعة من الرؤساء الخارجون من عباءة الجيش وهم جمال عبد الناصر، محمد أنور السادات، محمد حسني مبارك.
[2] في 22 يوليو/تموز 1952، أدركت مجموعة الضباط الأحرار التي ترأسها جمال عبد الناصر، ان الملك المصري فاروق قد يستعد للتحرك ضدهم. قرروا الإضراب والاستيلاء على السلطة في صباح اليوم التالي.
[3] على الرغم من الهزيمة العسكرية، خرج ناصر كبطل قومي، واكتسب نفوذا سياسيا أعطاه السلطة السيطرة لإدخال الإصلاحات الاشتراكية. وقد ينظر في هذا السياق إلى أضافه إخفاقات أخرى، مثل انهيار الجمهورية العربية المتحدة بعد انسحاب سوريا؛ التخبط في اليمن، والكونغو، ناهيك عن الاستقلال الكامل للسودان الذي كان منتميا الى مصر وكان ملك البلاد فاروق يعرف بلقب ملك مصر والسودان.
[4] وفي الواقع، قام حزب الوفد في أواخر الخمسينات باعداد تشريع لوضع سقف لملكيه الأراضي والاستفادة من التعليم الأساسي للجميع. استخدم ناصر هذه التدخلات لاكتساب شعبيه داخل المناطق الريفية وتقويض السلطة السياسية للملاك.
[5] من أجبرهم؟ ووفقا لما ذكره توفيق الحكيم، فان الجهاز السياسي هو الذي يقودها، وبشكل رئيسي الاتحاد الاشتراكي العربي (ASU) ، الذي كان الحزب السياسي الوحيد آنذاك.
[6] منذ إنشائه في ديسمبر 1945، فأن التوصية الرئيسية للبنك الدولي لجميع دول العالم الثالث لتشجيع الإصلاح الاقتصادي الهيكلي هو إطلاق سوق العقارات القوية التي من شانها تشجيع المستثمرين المحليين والاجانب. ومن شان هذا السوق المفعم بالحيوية في وجهه نظر البنك الدولي، ان يؤدي إلى حركه بناء قوية يمكن ان تكون بمثابة المحرك الرئيسي للاقتصاد. ولم تكن مصر استثناء في الالتزام بهذه التعليمات.
[7] وصلت ديون مصر الخارجية والداخلية الى أرقام غير مسبوقة، بالإضافة الى تأكل الطبقة المتوسطة وإنسحاق الطبقة الفقيرة وزيادة مضطردة في عدد المنتمين الى حالة ما تحت خط الفقر.
[8] تشير التقارير وخاصة الصادة من منظمة حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية الى أن عدد القتلى بعد يوليو 2013 تجاوز الألف شخص، بينما يتجاوز عدد المعتقلين ستون ألفا يمثلون كافة التيارات وليس فقط أعضاء جماعة الأخوان المسلمين.
[9] ثارت موجة كبيرة من النقد والسخرية عند افتتاح السيسي لمشروع مزارع سمكية قام خلالها ضباط من القوات المسلحة المصرية بتعريف نفسهم على أنهم ضباط مقاتلين ولكنهم أصبحوا مسئولين عن خطوط إنتاج الأسماك والجمبري.
[11] كررت الالة الإعلامية المصرية مرارا ان السيسي هو الذي أنقذ مصر من حكم الاخوان وبالتالي أنقذهم من مصير سوريا والعراق ولم يقدم أي تحليلا مفسرا لما هية العلاقة بين معطيات الموقف في كل من سوريا والعراق والحالة المصرية. ولكن التحليل والتبرير لم يكن جوهريا بقدر إشاعة الخوف والفزع من حالة الدمار والحروب الاهلية والتهجير ومشاهد القتل اليومي في الدول المشار اليها.
[12] تم القبض على المستشار هشام جنينة رئيس المجلس المركزي للمحاسبات المقال، وبعد اختيار المرشح الرئاسي الفريق سامي عنان له نائبا لشؤون حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية. كان جنينة قد أعلن عن الفساد المنظم في النظام المصري يستهلك مئات الملايين من أموال الشعب المصري كل عام ووجهت اليه تهما فضفاضة منها إفشاء أسرار الدولة وتم إيداعه أحد السجون منذ 13 فبراير عام 2018.
[13] بصرف النظر عن الاتهام بالخيانة لكل من حاول التشكيك في مثل هذه المشاريع الوهمية، فشلت المؤسسات الحكومية في توثيق إكمال إي من المشاريع المعلنة تبعا للتصورات المطروحة عنها. بدءا من اكتشاف العلاج لالتهابات الكبد والإيدز من قبل الجيش إلى قناة السويس الجديدة، العاصمة الجديدة، والاستثمارات التي تتدفق من اقتصاد المؤتمر الاقتصادي، والملايين من الفدادين المستصلحة والأطنان من القمح تحصد على طول الطريق إلى أكبر المزارع السمكية في العالم. ومن المفارقات ان الأسباب التي سيقت لتبرير النجاح المزعوم لهذه المشاريع هي الاعتماد علي الجيش للتخطيط والتنفيذ.
[14] في يناير عام 2017 خاطب السيسي المصريين في مؤتمر الشباب في مدينة أسوان واصفا حالهم بأنهم "فقرا أوي أوي (جدا جدا)" وانا ما يقوله لهم حقيقة. وفي ابريل من نفس العام وفي حلقة أخرى من نفس المؤتمر عقدت في مدين الإسماعيلية وصف مصر بانها فقيرة.
[15] هو الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية ونائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر ورئيس الأركان، اتهم بارتكاب "جريمة التزوير في المحررات الرسمية وبالتحريض ضد الجيش بعد إعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية يوم 20 يناير 2018، وتم اعتقاله يوم 23 يناير 2018 وقدم للمحاكمة العسكرية.
[16] عندما تم الإطاحة بمبارك في الانتفاضات الجماعية التي ميزت الربيع العربي لعام 2011، أعرب الكثيرون عن أملهم في تلبيه دعوات المحتجين إلى العدالة الاجتماعية، بما في ذلك في مجال التخطيط العمراني والإسكان، وتعددت المبادرات ومنها الحق في العمران وتضامن ومجاورة وغيرها من الجهود الساعية لربط متطلبات الثوار مع حقهم في الفضاءات العامة والخاصة والسكن.
[17] وللتأكيد على الرواية السابقة، في 7 يونيو 2018، عين السيسي مصطفي مدبولي رئيسا جديدا للوزراء. وقد تم الاحتفال بهذا القرار في وسائل الاعلام المصرية من خلال الإيحاء بان مدبولي هو الرجل المناسب للوظيفة لأنه رجل مشاريع وإنجازات ليست كلمات وشعارات، كما أن مسئوليته السابقة عن مشروع القاهرة 2050 كانت بسبب أنه شغل منصب رئيس هيئة التخطيط العمراني.
[18] راجع كتابات ريمون (1974)، عمارة (1988)، وحواس (2002).
[20] كل المشروعات التي سوقت على انها من أجل الطبقة المتوسطة أو محدودي الدخل مثل الرحاب ومدينتي والشيخ زايد ووغيرها تحولت الى أماكن سكن للأثرياء والقادرين. بل ان الحكومة في تصريحها الأخير أشارت الى ان الشقة لمحدودي الدخل ثمنها يتجاوز اثنين مليون جنيه مصري.
[21] وكان الخطاب الأكثر أثاره للجدل في يناير عام 2018 عندما قدم السيسي إنجازاته وأعلن اعتزامه الترشح لولاية ثانيه كرئيس لمصر.
[22] لمزيد من توثيق تأثير دبي، انظر مقال سامي مجدي وإبراهيم عياد المعنون: تصميم العاصمة الجديدة لمصر هو تحدي دبي. نشرت في موقع مصراوي في 14 فبراير 2015
[23] اعتذر مطور الامارات العربية المتحدة، الذي كان يهدف أصلا إلى قيادته، بعد هذه الواقعة مباشرة وبعد اجتماع مع ممثلي الجيش الذين أكدوا له سيطرتهم على المشروع.
[24] يبرز هنا تصريح د. عبد المنعم سعيد رئيس مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية وعضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب بتاريخ 2 مارس عام 2018 الذي أشار فيه الى ان السيسي هو اول رئيس يدرك ان مصر مساحتها 100 مليون كيلو مترمربع وبالتالي فان عملية الانتشار الاستراتيجي التي يقوم بها من خلال مشروعات مثل العاصمة الجديدة والعلمين الجديدة سيخلق دبي جديدة في مصر. نفس المعني أشار اليه أحد أهم أذرع إعلام السلطة وهو عمرو أديب حيث عرض في حلقة برنامج "القاهرة اليوم" تاريخ 12 مارس عام 2015، مجسمات مشروع العاصمة الجديدة مبشرا المصريين بناها دبي الجديدة في مصر.
[25] تصريحات وزير الإسكان المصري مصطفي مدبولي والبيانات الرسمية الصادرة في الصحف المصرية يومي 13 و14 مارس 2015 (المصري اليوم، الشروق والأهرام).
[26] في فبراير 2014، تم تعيين مصطفي مدبولي الرئيس السابق للهيئة العامة للتخطيط العمراني والمنسق الرئيسي لمشروع القاهرة 2050 كوزير جديد للإسكان والمجتمعات الجديدة. وخلال المؤتمر الاقتصادي الأول الذي عقد في آذار/مارس 2015، أعلن مدبولي المشروع غير المسبوق المسمى "العاصمة الجديدة".
[27] https://www.middleeasteye.net/news/confusion-regarding-egypts-new-capital-after-sisi-announces-lack-funds
[29] راجع البيان الموثق لتصريح السيسي في مقال إسراء علي المنشور في جريدة المصري اليوم بتاريخ 14 مارس 2015 والذي جاء فيه ان السيسي علق على المستثمر الإماراتي الذي سينفذ مشروع العاصمة الجديدة، وان المشروع سينفذ خلال 10 سنوات، قائلا: «10 سنوات ماذا ؟، انا أتحدث بجديه هنا، ونحن لا نفعل عملنا هكذا؟، لا لا لا. وليس عشر سنوات ولا سبع سنوات، وانا أتكلم بكل الجدية ".
[30] الجدول الزمني المعلن لنقل جميع هذه المباني الحكومية والرئاسية هو يونية 2019. كما يتم تشجيع السفارات الأجنبية على الانتقال، ويتم إغراء الشركات بالانتقال إلى المنطقة الادارية والتجارية المركزية التي تضم عشرين ناطحه سحاب تم الاتفاق مع مطورين عقاريين ومقاولين صينيين لتولى مسئوليتها.
[31] في مرحلة لاحقة، تم أيضا بتسرع شديد بناء ما سمي أكبر مسجد وأضخم كنيسة في الشرق الأوسط فسي السياق الصحراوي الخالي للمدينة الذي لا يسكنها أحد مما أضطر المسئولين الى أرسال قوافل من السيارات المحملة بالجنود المرتدين الزي الرياضي الموحد لملأ المسجد بالمصلين في أيام الجمعة.
[32]A new New Cairo: Egypt plans £30bn purpose-built capital in desert https://www.theguardian.com/cities/2015/mar/16/new-cairo-egypt-plans-capital-city-desert
[33]Michaelson, Ruth. Cairo has started to become ugly': why Egypt is building a new capital city. Published in the Guardian on Tue 8 May 2018.
[34] راجع د. جمال حمدان، قناة السويس نبض مصر ( القاهرة : عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع ، 1975 ) ، ومحمد الشافعى ، محمد يوسف ، قناة السويس : ملحمة شعب ..تاريخ أمة ( القاهرة : الهيئة العامة لقصور الثقافة ، 2006 ) ، و فتحى رزق قناة السويس : الموقع والتاريخ ( القاهرة : دار النصر للطباعة الإسلامية ، 1983 ) ، و محمود يونس ، قناة السويس : ماضيها وحاضرها ومستقبلها ( القاهرة : دار ابوالمجد للطباعة بالهرم ، 2006 ).
[35] راجع نص الخطاب في موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية على الرابط التالي.
[36] أكد نفس الطرح الفريق أسامة ربيع، الجنرال الجديد الذي عين رئيس هيئة قناة السويس بعد إقالة مهاب ماميش، حيث صرح أنه تم استرداد الأموال التي تم بها إنشاء قناة السويس الجديدة وذلك خلال عام واحد.
[37] فسر بعض المحللين في مؤسسة سي إنتل للنقل البحري ضعف الإيرادات إلى أن انخفاض أسعار النفط أدى لاتجاه الناقلات البحرية إلى اتخاذ الطريق الطويل من خلال الالتفاف حول إفريقيا لتجنب الرسوم الجمركية الضخمة التي تدفعها خلال مرورها بقناتي السويس وبنما.
[38] قد غطت وسائل الاعلام الدولية حفل الافتتاح على نطاق واسع. وقدم إريك كنكت من وكالة رويترز طرحا نقديا وخاصة من جانب حالة التجارة الدولية وتأثير الوضع الاقتصادي العالمي بما في ذلك تباطؤ الاقتصاد الصيني. تم الاطلاع على التقرير في الرابط التالي بتاريخ 23 فبراير 2018
[40] راجع بيان السيسي في المؤتمر الرابع للشباب الذي عقد في الإسكندرية، 24 يوليو، 2017.
[41]Ruth Michaelson on Warraq Island Fri 21 Jul 2017, Island v megacity: the Cairo islanders fighting violent state evictions.
[42]https://www.theguardian.com/cities/2017/jul/21/island-v-megacity-cairo-islanders-violent-state-evictions-warraq
[44] يبلغ عدد سكان الجزيرة ما يقرب من ستين ألف نسمة يشتغلون في المهن البسيطة مثل الزراعة وصيد الأسماك. ويلاحظ وجود مستوي واضح من الفقر لا سيما مع تناقص معدلات تقديم الخدمات الحكومية.
[46] في الثالث من أكتوبر عام 2012، نشرت صحيفة الوطن المصرية ان هيئه التخطيط العمراني تنظر في تعديل المخطط المقترح للمدينة لإنشاء احياء على النمط البدوي حيث تخصص الدولة أراض لسكان العشائر والقبائل لبناء المنازل وفقا لعاداتهم وتقاليدهم.
[47] See Shimaa Saleh’s essay in Egypt news site published on 12th August 2016.
[48] صدق السيسي على قانون تنظيم الاعلام رقم 180 لسنة 2018 الذي اعطى سيطرة غير مسبوقة على كل وسائل الاعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي. وتنص بنود القانون على اعتبار الصفحات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي إذا تجاوز عدد متابعيها خمسة الاف شخص بمثابة وسيلة إعلام عامة ويطبق عليها القانون الجنائي. كما توازى مع صدور القانون، القبض على مجموعة من أصحاب المدونات وغلق العديد من الصفحات ومئات المواقع المحلية والإقليمية والعالمية.