”هناك رابطٌ بين فيروس الكورونا والمهاجرين غير الشرعيين“، هذا ما أعلنه غيورغي باكوندي، مستشار رئيس الوزراء المجري. لا شكَّ أن هذا التصريح ينطوي على مواقف وسياسات سابقة وعداء للاجئين والمهاجرين يمكن القول أنها هي التي قادت إلى النطق به رسمياً، في خلط مقصود بين الخوف من فيروس الكورونا والتخويف من اللاجئين. وترافق هذا الإعلان مع إغلاق تام للحدود وبث شائعات صوّرت المهاجرين كحاملين محتملين للفيروس، وأن دخولهم سينشر العدوى بين الجماعات المحلية، ما يبرر إجراءات الإغلاق ومنع استقبال أي لاجئ.
لا يزال درس الكورونا في بدايته، والبشر يبدون كالفئران المذعورة في وجه انتشار هذا الفيروس المخيف، وتنوعت ردود الفعل بين التعتيم، كما هو الحال في سوريا وبعض الدول الأخرى، واتخاذ إجراءات وقائية علنية منظمة ومكثفة ومغطاة إعلامياً، كما هو الحال في إسرائيل، إجراءات دفعت بعض المعلقين في الإعلام الاجتماعي إلى الاستغراب، والتساؤل هل حقاً وصل الخطر إلى هذا المستوى.
وسواء سرنا مع الوقائع، أو صدقنا نظرية المؤامرة، أو تضخيم شركات الأدوية العملاقة، أو كلام العاقلين من الأطباء، والذين خفف بعضهم من حجم الخطر، ودعا إلى طرق عقلانية لمواجهته، إلا أن السؤال الذي يجب أن يُطْرح هو: كيف يمكن التعامل مع فيروس كهذا فالت من عقاله في السجون العربية وفي المناطق المنكوبة بالحروب وفي أوساط اللاجئين، دون تحويله إلى ذريعة لتمرير سياسات قائمة على تصفية الآخر وإبعاده وتمرير إجراءات إقصائية ضده؟
إن ما جرى للاجئين السوريين على الحدود التركية اليونانية، على يد السلطات اليونانية وبأمر من حكومتها، يظهر أن البلد الذي أنجب سقراط وأرسطو وأفلاطون والديمقراطية الأثينية والذي كان ملاذاً لمفكري سوريا في الأزمنة القديمة، تحول إلى جمهورية خوف من اللاجئين، فقد أبدت اليونان أعلى أشكال الحقد والتعصب ضد اللاجئين السوريين، أما الأتراك الذين نصبوا أنفسهم كمدافعين عن السوريين فقد استخدموا ورقة اللاجئين ضد أوربا كما لو أنهم فيروس حقيقي ليثيروا مخاوف الأوربيين كي يرضخوا لمطالبهم. فقد حول أردوغان اللاجئ السوري إلى ورقة مفيرسة لابتزاز الغرب، بعد تهديده بفتح باب الهجرة نكاية به وقيامه بذلك مستغلاً حاجة السوري للهرب، وهو المطارد في كل مكان والهارب من جحيم الحرب، والباحث عن حياة كريمة له ولأولاده.
كان الموقف اليوناني ضد المهاجرين أشبه بإجراءات مكافحة الفيروسات، وترافقت تعرية المهاجرين السوريين من ثيابهم وإرجاعهم بهذه الطريقة المذلة، مع نشر صور امرأة مكسيكية حرق أفراد كارتل مكسيكي فخذيها بالأسيد على الحدود الأميركية المكسيكية والتي لم تمنح هي وآخرون حتى الآن حتى احتمال موعد لشرح حالتها من أجل اللجوء، في منطقة يتعرض فيها المهاجرون للتصفية والتعذيب والتنكيل والخطف من أجل دفع الفدية على يد عتاة المجرمين. كل هذه الإجراءات بالإضافة إلى إجراءات أخرى تُطبَّق في العالم، تُظهر أن اللاجئ أو المهاجر صار يمثل خطراً فيروسياً على الدول، وأن هناك حاجة لتطبيق سياسات ”حجر اللاجئين والمهاجرين“ كما لو أنهم مصابون بالكورونا.
إن عصرنا، هو عصر انتفاء الحدود، على الأقل، افتراضياً، ذلك أنه عصر المعلومات الذي ينطلق في قطار فائق السرعة نحو المستقبل على سكة التطور، وقد أتاح هذا العصر المجال لمعرفة ما يجري في كل مكان وتشكيل وعي كوني. لكن هذا الوعي الكوني لم يتحول بعد إلى صوت فعال ومؤثر، لكنه بداية إيجابية في عصر اللامبالاة الرسمية، وخاصة حين تفتقر حكومات العالم لحس النبالة والشهامة والإنسانية، وتتخذ موقفاً من المهاجرين إذلالياً بهذا الشكل. ولا شك أن منظر خيام اللاجئين وتعرضها للفيضانات وموت الأطفال في البرد، كانت صوراً عابرة على شاشة الوعي الرسمي والعام في كثير من الأحيان، رغم وقوف أفراد نبلاء من العالم وقفة إنسانية محترمة إزاءها.
سمعنا أن بعض الدول العربية اتخذ إجراءات احترازية في السجون للوقاية من الكورونا، هذا جيد على المستوى الإعلامي، ولكن هل يُطبق هذا فعلاً على أرض الواقع، وكيف السبيل إلى معرفة ذلك، خاصة إذا عرفنا أن السجون العربية دهاليز سرية من غير المسموح للمنظمات الدولية أو المحلية أو للصحف بالدخول إلى عوالمها الانتهاكية المظلمة، كما أن سياسات التعتيم الإعلامية، الموروثة من عهود سابقة، ما تزال متواصلة في دول تخاف أنظمتها من الحقائق، وذلك لأن وجودها على الكرسي قائم أصلاً على تزييفها. غير أن المسألة صعبة الآن وخارج القبضة البوليسية الحديدية، ولا يمكن السكوت عن أخطار جماعية، لكننا قد نحتاج إلى بعض الوقت كي نعرف ما الذي يجري أو جرى في بعض الدول العربية، رغم أننا في عصر الإنترنت.
صُوِّر اللاجئ أو المهاجر في الخطاب الرسمي لكثير من الدول على أنه خطر يهدد المصالح والأعمال، وأنه يحضر معه جينات الإجرام والتخريب، وحمّله البعض الآخر مسؤولية البطالة، كي يخفي نهبه للمال العام، وترسخت عنصريات قطرية وعالمية ضد اللاجئ والمهاجر، كما لو أن عبورهما للحدود سيؤدي إلى تفشي أخطار فورية. فهل تختلف هذه النظرة العنصرية عن النظرة إلى الكورونا؟
وينبغي ألا تفوتنا الإشارة إلى هناك نوعين من الحجر، الحجر الصحي والحجر الرهابي، الأول قد تكون له مبرراته الصحية، ويمكن أن يتم في أي مكان، وقد بدأت الدول تطبقه، لحماية نفسها وهذا من حقها، أما النوع الثاني فقد بدأ كما أسلفنا قبل انتشار الفيروس، وبدلاً من فتح الحدود أمام اللاجئين لتوطينهم أو تبني سياسات عملية حقيقية لإرجاعهم ضمن شروط آمنة إلى بلدانهم، يتم خلق قنوات تمويل ومنظمات إنسانية أو غير حكومية لخلق اقتصاد لجوء مقره الجغرافي هو حدود البلدان. حيث تُبْنى الخيام، أو السجون إذا كان الأمر يتعلق بالهجرة غير الشرعية، والتي لا علاقة للحروب بها، و قد يتم تبني إجراءات فصل تمس بنية العائلة، أو توضع جداول زمنية وشروط تعجيزية لطلبات اللجوء، وغيرها من الإجراءات التي تحول اللاجئين والمهاجرين إلى مواطني حدود أبديين، حيث يضطر بعضهم للرجوع أو يمكث بعضهم في المناطق الحدودية ويتحولون إلى سكان مناطق حدودية، كما حصل في بعض المناطق في المكسيك.
وسط هذا الخوف المتنامي من فيروس كورونا، يبقى اللاجئون الهاربون من الحروب والذين يعيشون في ظروف قاسية عرضة لهذا النوع من الأمراض، ولمرض أكبر هو النظرة العنصرية والنمطية إليهم على أنهم فيروس عابر للحدود.