عمر فوده: بيرة مصر: ستيلا والهوية والدولة الحديثة (دار نشر جامعة تكساس، ٢٠١٩)
جدلية: ما الذي دفعك إلى تأليف الكتاب؟
ع ف: بدأ المشروع كمشروع شخصي. كنت أفكر بعدة مواضيع لأطروحة الماجستير، لكنني لم أستطع اختيار واحد. فقررت أن أفعل شيئاً مختلفاً بشكل كامل، وأن أحاول أن أعرف ما أقدر عليه عن زمن جدي الذي عمل في أضخم شركة لإنتاج البيرة في مصر، والتي دعتها أسرتي ”ستيلا“ فحسب. ما اعتقدت أنه سيكون إلهاء فكرياً سريعاً قبل أن أعثر على موضوع أطروحتي ”الحقيقي“ صار شيئاً أكثر من ذلك. إن تاريخ الشركة، المتواصل إلى الآن تحت اسم شركة الأهرام للمشروبات، يمكن تعقبه إلى نهاية القرن التاسع عشر. وقبل أن تصبح شركة الأهرام، كانت شركتين، وكانتا أحياناً متنافستين وأحياناً متعاونتين، وهما مصنعا ”التاج“ و“الأهرام“ للجعة. ومن قاعدتيهما في الإسكندرية (بيرة التاج) والقاهرة (الأهرام) ضمت هاتان الشركتان أشخاصاً وأفكاراً من بريطانيا وبلجيكا وهولندا وسويسرا والسودان وتركيا وأبعد من ذلك بكثير مما تحدى فهمي حول ما هو ”الأجنبي“ و“المحلي“ حين تعلق الأمر بمصر واقتصادها. بالإضافة إلى ذلك، كانت الشركتان محطتي توليد ماليتين في البلاد لفترة من الزمن. وحتى حين خرجتا من صفوف شركات البلاد الأكثر ربحاً، حظيتا بأكثر من قرن من النجاح الذي لا يُدحض. والأكثر أهمية أنهما كانتا شركتين تبيعان الكحول في سياق الغالبية المسلمة في مصر. وبالنسبة لكثيرين، بما فيه المرتبكين أو المهانين من فكرة ثقافات الشرب في البلدان ذات الغالبية الإسلامية، كان يجب ألا توجدا. أما كونهما لم توجدا فحسب، بل ازدهرتا أيضاً، فقد كان هذا مثيراً للاستكشاف أكثر.
جدلية: أية موضوعات معينة، ومسائل وأدبيات يعالج الكتاب؟
ع ف: بالرغم من أن هذا الكتاب هو عن شركتيْ التاج والهرم إلا أن موضوعه الرئيسي هو المُنتج الذي باعتاه بشكل مشترك، وأعني بيرة ستيلا. وكي أروي قصة صعود ستيلا كبيرة مصرية وصراعها من أجل فرض حضورها في مصر المعاصرة، اعتمدت على تاريخ مهجن. وبدلاً من فصل المسألتين الاقتصادية والسياسية عن بعضهما، بينت أن المجالين لا يمتلكان معنى إلا حين يُنظر إليهما معاً. إن الحاجة لربط الاقتصادي بالثقافي ملحة خاصة في حقل البضائع الاستهلاكية، حيث يتوقف نجاح أو فشل شركة على قدرتها على قبول أو رفض أو حتى تغيير الأعراف والممارسات الثقافية. وهكذا فإن كتابي يبحث في كل من مسائل الاقتصاد الكلي (الاندماج الاقتصادي العالمي والإمبريالية الاقتصادية) ومسائل الاقتصاد الجزئي (الأسعار والاستهلاك والتوزيع) مع المسائل الاجتماعية والثقافية، بما فيه تطور طبقة وسطى، وظهور ثقافة الشباب، وتسييس الدين، والمفاهيم المتغيرة للتسلية في الحياة اليومية.
فضلاً عن ذلك، يضيف هذا الكتاب إلى الأدب المتنامي حول تاريخ التكنولوجيا. ويفحص على نحو محدد كيف أن التقدم التكنولوجي (كالتقنيات الجديدة في إنتاج الجعة والتبريد والنقل) لم تدعم فحسب الاتجاهات والتطورات في مبيعات ستيلا، بل صاغت أيضاً النماذج الاستهلاكية وبدلت المفاهيم الثقافية للطعام والشراب والتغذية. وتوضح هذه الدراسة أيضاً كيف أن بيرة ستيلا، والشركتين اللتين كانتا تبيعانها، نجحوا لأنهم استخدموا تكنولوجيا جديدة، كمثل التبريد، لاستغلال الميز الكامنة للسياق المصري، بما فيه توفر المياه، وقوة العمالة الرخيصة، وعدد السكان الكبير. وهكذا، إن تاريخ التكنولوجيا يخدم كأداة أخرى يدمج الكتاب من خلالها الاقتصادي والثقافي.
جدلية: كيف يرتبط هذا الكتاب مع كتبك السابقة أو ينفصل عنها؟
ع ف: إن كتاب ”بيرة مصر“ تتويج للعمل الذي بدأته حين شرعت بتحضير أطروحتي للماجستير، والتي ركزتْ على تاريخ البيرة في مصر. وتواصل الأمر مع أطروحتي والتي كانت نظرة موسعة إلى صناعة البيرة في مصر.
ويختلف هذا الكتاب عن تلك الأعمال، وأعمال أخرى كتبتها، في أنه يركز على المنتج نفسه، ستيلا. ما تزال التاج والهرم وهاينكين والحكومة المصرية شخصيات في هذه الحكاية لكن ستيلا هي النجم، إن شئتم. ولقد ساعدني التركيز على البيرة على تركيز انتباهي على الأسئلة الكبيرة التي كنت أسعى إلى الإجابة عليها.
جدلية: من تأمل أن يقرأ كتابك؟ وأي نوع من التأثير تحب أن يحدثه؟
ع ف: هل يُسمح لي أن أقول: الجميع؟ واقعياً، ثمة خمسة أنواع من الجمهور كانت في ذهني حين ألفت الكتاب.
المختصون بالدراسات المصرية: إن رد فعل هذه المجموعة الإيجابي بشكل كبير على أطروحتي في الماجستير هو الذي دفعني إلى متابعة هذا الموضوع. إن ستيلا، سواء كانت جيدة أو سيئة، هي شركة في مصر، لكنني لا أعتقد أن أحداً، بمن فيهم أنا، أدرك كم هي متشابكة بعمق مع تاريخ البلاد. وهذا ينطبق حتى على التاريخ المجاور لمصر. مثلاً، إن الفرعون الأميركي، آخر حصان فاز بسباق التريبل كراون (سباق التاج الثلاثي)، كان يمتلكه أحمد زيات. احذروا كيف جمع المال الذي احتاج إليه لشراء اصطبل؟ ستيلا. اشترى شركة الأهرام في 1997 وباعها لهاينكين في 2003.
الأخصائيون في الشرق الأوسط: يضيف هذا الكتاب إلى الاتجاه المتنامي لدراسات الاستهلاك حول الشرق الأوسط. وبما أن المنطقة مسيسة، على الأرض وفي الدراسات الأكاديمية، يمكن أن يكون من السهل عدم اعتبار كتابي كتاباً يعالج مسائل ”واقعية“ في المنطقة. لن أنكر أن هناك مسائل جدية تواجه الشرق الأوسط، لكنني سأقول إن دراسات استهلاك جيدة يمكن أن تقدم نافذة رائعة ومفتوحة (وهذا أكثر أهمية) على التطور التاريخي لكثير من هذه المسائل. مثلاً، تقدم الدراسة التاريخية لاستهلاك الكحول في الشرق الأوسط وجهة نظر فريدة حول التاريخ الديني للمنطقة.
مؤرخو الأعمال: كان هذا التخصص الفرعي مركِّزاً على الغرب، وصحح كتابي هذا قليلاً، خاصة أن بيرة ستيلا هي موضوع دراسة ساحر لفهم نجاح العمل من خلال أطر الاستعمار والأنظمة الاقتصادية اللارأسمالية. وكان دمج مصر في سوق عالمي يهيمن عليه الغرب جوهرياً للمشروع الاستعماري البريطاني. مع ذلك، احتوى نموذج عمل بيرة ستيلا على المعاني الحافة والمحيطة التي تتجاوز كونه استغلالاً غربياً للسكان المحليين. وعلى نحو مشابه، إن نظرتي المعمقة في أنشطة شركتيْ (التاج والهرم) اللتين كانتا تبيعان بيرة ستيلا بين 1950 و1980 يمكن أن تساعد في فهم كيف قامت الشركتان بنجاح بالانتقال بين النظامين الرأسمالي واللارأسمالي.
قراء التاريخ ذوو الاهتمامات العامة: بما أن بيرة ستيلا شركة لها جذور تاريخية وثقافية عميقة في مصر، أعتقد أن الكتاب يقدم مدخلاً مهماً إلى تاريخ البلاد. ويقدم تحول المنتج الذي بطول قرن مرآة رائعة للتاريخ المصري في فترة زمنية متقلبة.
محبو البيرة: أخيراً، في وقت تشهد فيه صناعة البيرة في الولايات المتحدة وفي الخارج انبعاثاً شعبياً، يقدم هذا الكتاب قصة ممتعة حول صانعي بيرة يقاتلون كي ينتجوا بيرة عالية الجودة في بلاد أغلبية سكانها من المسلمين. وسيروق هذا الكتاب لأي صانع بيرة منزلي أو متحمس للبيرة.
جدلية: ما المشاريع الأخرى التي تعمل عليها الآن؟
ع ف: إن مشروعي التالي هو ”هل من أجل طعمها فقط؟ الصودا والصراع على الأمْركة في مصر“. أستخدم في هذا الكتاب الصودا (المشروبات الغازية المحلاة) لرصد علاقة مصر مع أميركا في القرن العشرين. ورغم أن الشركتين الكبيرتين (كوكا- كولا وبيبسي كولا) دخلتا مصر في الثلاثينيات لم تصبحا مشروعين رابحين إلا في الثمانينيات. إن هذه الانطلاقة المتأخرة (والنمو الانفجاري منذ الثمانينيات) غريبة بشكل خاص إذا أخذنا بالاعتبار حب مصر للسكر والمشروبات المحلاة. لكن شركتي الكولا العملاقتين هاتين لم تتمكنا من الاستفادة من الميزات المتضمنة للسوق لعدد من الأسباب الثقافية والسياسية والدينية والتكنولوجية المختلفة. إن شرح ما الذي عرقل إمبراطوريتيْ الكولا هاتين لسنوات كثيرة، وما الذي مهد الطريق في النهاية لنجاحهما الجامح، يلقي الضوء على العلاقة المشحونة تاريخياً بين مصر وأميركا.
جدلية: هل لبيرة ستيلا المصرية علاقة ببيرة ستيلا أروتواز البلجيكية؟
ع ف: كان هذا على الأرجح السؤال الذي طُرح علي أكثر من غيره. وجوابي الأولي هو على الأرجح كلا. أما الجواب النهائي فغير جاهز لأنني لم أتمكن من العثور على أي مصدر كي أؤكد أو أنفي هذه الصلة. تمتلك الستيلا المصرية جذوراً بلجيكية. تأسست التاج والهرم من قبل بلجيكيين في مصر، لكن بعد أن اشترى البلجيكيون جاءت التاج والهرم بعرضهما الاستثنائي، ستيلا. هل ألهمتهما ستيلا أرتواز؟ لن يفاجئني هذا بما أن كلتيهما بيرة ممتازة. لكنني في الحقيقة لا أمتلك الجواب. إن المشكلة الرئيسية هي أنني لا أمتلك تاريخاً دقيقاً حول متى بدأ مصنع أرتواز للجعة باستخدام اسم ستيلا. وبشكل شخصي أكثر، أنا لا أبحث عن جواب لأنني أمضيت حياتي كلها وأنا أردد:“كلا….كلا ليس تلك الستيلا“.
[لقراءة المقال بالانجيليزية، اضغط/ي هنا]
[ترجمة: أسامة إسبر]