«الخبز والحرية» للفيلسوف والاقتصادي الروسي بيتر كروبوتكين
إنْ كانت قراءة هذا الكتاب مهمة في فهم تاريخ تطور الأفكار اللاسلطوية، إلّا أن قراءته في هذه الأيام - التي تشهد تهاوياً في المنظومة الرأسمالية - يرقى لكونه ضرورة، حيث يرى الكاتب أن أصل وهدف أي ثورة يُفترض أن يكون منصباً على توفير الاحتياجات الأساسية التي تمكن البشر من العيش حياةً كريمةً بالمجان، مثل: الطعام والملابس والسكن وغيرها، دون الاضطرار للعمل بشروط مجحفة تمنع الإنسان من التمتع بموروثه التاريخي من فنون وعلوم ورفاهية، وتحد من قدراته الإبداعية.
نجد هنا رؤيةً مختلفةً فيما يخص فهم تشكل الثورات ونجاحها وعلاقتها بآليات الاقتصاد وتشكلاته، حيث يُعرّي الفيلسوف الروسي( بيتر كروبوتكين) الذي كتب هذا الكتاب في بداية القرن الماضي النظام الرأسمالي الذي استغل عذابات البشر لملايين السنين، واحتكر جهودهم وعلمهم وفنهم المتراكم، ووضعها تحت سيطرة مجموعة من كبار المُلّاك والتجار الجشعين، ويوجّه في الوقت نفسه نقداً لاذعاً للمتعلمين الذين ينشغلون فيما بعد الثورة بالتنظير السياسي والاقتصادي، بينما يتهاوى الفقراء - وقود الثورات - من الجوع والتشرد، مما يُمكّن القوى القديمة من القيام بما يسمى بـ "الثورات المُضادة".
يُسلّط الكتاب الضوء أيضاً على قضية نراها ماثلةً بقوة هذه الأيام، وهي أن أعتى المدن أنانيةً ورأسماليةً ترضخ في وقت الأزمات للفكرة الأصيلة بمساعدة الأضعف، وتُقرر مساعدة الأطفال وكبار السن وغيرهم ممن يحتاج للمساعدة بغض النظر عن مدى إنتاجيتهم أو أهميتهم لنظام التروس الآلي الذي تعتاش عليه في الأيام العادية، ويُفسّر ذلك بعدم قدرة هذه الأنظمة على سحق الآخرين في ظل شعور جمعي من الشعب بالخطر، فتضطر قِوى المال الحاكمة لذلك.
«شيءٌ إسمه حجر» للشاعر الصيني أويانغ جيانغ خي
"هل بوسعِ زهرةٍ في حياةٍ سابقةٍ أن تشقّ ضوء القمرِ في هذه الحياة؟"
هذا هو الشِّعر، أو هكذا ينبغي له، الشِّعر الذي يترك الباب موارباً للمعنى، الالتفاتةُ لهذا الفراغ في صدرك، السكون بين قصيدتين، ذاك الغموض الذي لا يدعوك للتفسير، وإنما يتركك تغوص فيه.
يرى أدونيس أن واحداً من أهم الفروقات بين النثر والشعر، هو أن النثر يطمح إلى نقل فكرةٍ مُحدّدة، ولذلك يطمح أن يكون واضحاً، أما الشعر فيطمح إلى نقل شعورٍ أو تجربةٍ أو رؤيا، ولذلك فإن أسلوبه غامضٌ بطبيعته.
وهنا عندما نقرأ شِعر جيانغ خي، نرى تجلياً واضحاً لخاصية الغموض، التي تدفعك لحالة تأملية بعيداً عن قلق الوصول إلى معانٍ جاهزة، وأكثر ما شعرت به عند قراءتي لهذا الديوان هو الركون للتأمل بكل شيء، بالوردة الساكنة، بالريحِ تسكن الحقل، بالنجوم التي تحكي قصة موتها الذي لم نره، وحياتها التي نعيشها.
هذا الديوان ممتزج بعناصر الطبيعة، عودةٌ أخرى للأصل الأول للأشياء، بعيداً عن مدنية هذا العالم الموحش، حتى تفاصيل المدينة مثل محطات القطار والطرق السريعة تجدها مختبئةً من الآلة الحديثة، غافيةً في عالم الهدوء والسكينة القديم.
للديوان مقدمة مهمة لـ "أدونيس"، تمنح القارئ مدخلاً لعوالم أويانغ ومدرسته الشعرية الرمزية، وما لفتني أيضاً هي الترجمة المتماسكة للمترجمة "يارا المصري" التي تمنحك شعور القصيدة وحميميتها، دون الوقوع في مأزق فقدان القصيدة لحرارتها في الشعر المترجم.
«ليلة النار» الفيلسوف والروائي الفرنسي إريك إيمانويل شميت
"يبسط الكون سلطته أمام ناظريّ، وعوضاً أن يأسرني بجماله، يسحقني. أنل مصلوبٌ حتّى الحياة. أشعرُ بالدوار. أتضاءل بمواجهته. أنا أكون، ومع ذلك أنا موعودٌ بألّا أكون. إني لا أفعل شيئاً سوى العبور."
ليلة النار التي ستحملك بعيداً، هناك حيث تبحث عن نفسك، عن الحياة، عن الموت والعدم والوجود وعن المعنى، تسأل عن ماهيّة كل هذه المفاهيم، هل هي تصوراتٌ لا وجود لها، فيجرك السؤال نفسه عن المعنى، لماذا نبحث عن المعنى؟ لماذا تلهث وراء واحةٍ قد تكون سراباً - ليستوقفك صوتٌ بداخلك - أو قد لا يكون.
في صحراء شميت، ينام فيها الليل هادئاً، وتوقد نارٌ تشتعل بالأسئلة، يزحف رمادها حتى الفجر، الفجر الذي يصفه بأنه يحمل معه أقصى المخاطر.
هي رواية عن تجربة روحية وفردية عايشها الكاتب بنفسه، رحلة تكشف لك عن لذة السؤال وتعبه، عن الوصول والرحلة والذهاب، قرأتها وعشتُ رعشة النار تلك، وما زادتني الرعشةُ إلا اطمئناناً وسكوناً.
[«القراءة في زمن الكورونا» زاوية أسبوعية تستضيف فيها «جدلية» كاتباً/كاتبة ليشاركوا القرّاء مقترحاتهم]