حمزة عليوي: ثلاث روايات يكتبها أعزل محظور من الكتابة
ثلاث روايات أضعها هنا مقترحاً لمقاومة العزلة والحظر. والمفارقة أن الروايات الثلاث تنطق من منطق الأعزل في الكتابة والتمثيل السردي. واحدة منها انتهيت منها قبل دقائق.
الاقتراح الأول: لنبدأ من الرواية الأخيرة، رواية كارلوس زافون «سجين السماء». هذه الرواية تحيل الموقع الثالث في السلسلة المعروفة. لماذا «سجين السماء»؟ باختصار لأنها الرواية الأخيرة التي قرأتها. وإليكم القصة. وأحسب أن من أعاجيب زمن كورونا إن قراءة كتاب تحتاج لقصة. ولابأس، فليكن لدينا قصة كما كان أبطال هوليود يقولون «هل ما زلوا يقولون، لا أدري!» في خاتمة المشهد الفاصل: اذهب فقد صارت لديك قصة. كنت قد انتهيت من كتابة بحث صعب، في مجال خارج منطقة العمل المعتادة. مع جملتي الأخيرة قلت لنفسي، في الرابعة فجراً، يا فلان يجب أن تكافئ نفسك. في الأحوال العادية، عندما أنجح بكتابة جملة مفيدة، أقول لنفسي: يجب أن أكافئ نفسي بسيكارة. وفي حالتي الأخيرة درت حول نفسي، فذهبت عيني إلى رواية «سجين السماء». في الرابعة فجراً، وأنا أحمل "سجين السماء" بيدي، كان مشهد العجوز أمبرتو إيكو حاضرا، وهو يشرح لمحاوره كيف أن مواد مكتبته الضخمة ذات الخمسين ألف كتاب، كيف لها أن تنتقل إلى روحه ودماغه عندما يمسك الكتاب بيده. في لحظتها قلت لنفسي ينبغي عليك أن تتبع وصايا العجوز. الوصايا كلها، وصية فوصية، سوى واحدة، سوى أن تقتنع بأن الإمساك بكتاب يعني أنك قرأته. لماذا «سجين السماء» مرة أخرى؟ لأنها الرواية التي تتحدث عنا، نحن العراقيين، عشنا ظروفا مشابهة. عشنا الديكتاتورية بأبشع صورها، حيث السجون والتعذيب وإخفاء الناس وتغييبها. وفي الحقيقة نحن لم نكتب، حتى الآن، رواية أصيلة عن زمن الديكتاتور. هناك روايات عراقية متعدِّدة اقتربت من مشهد الديكتاتور. أتذكَّر «عالم صدام حسين» أتذكَّر «تل اللحم»، أتذكَّر «إعجام» وقد أتذكر «آخر الملائكة». وفي كل الأحوال علي أن أقول إن الرواية العراقية قد مشت خطوات واثقة في هذا الدرب الرحب. فهل رواية زافون رواية ديكتاتور؟ قطعاً لا؛ إنها رواية المدينة المندثرة، برشلونة زمن اليأس والخذلان، برشلونة التي علينا أن نتذكَّرها كما كتب يوما جورج أورويل.
الاقتراح الثاني: «باب الشمس». لماذا هذه الرواية ذات الصفحات الكثيرة، لقد زادت عن خمسمئة صفحة وصفحة. إنها أرشيف الذاكرة الفلسطينية. تبدو لي أشبه بمنطق حكايات ألف ليلة وليلة. لماذا الحكايات؟ لأنها كتبت بمنطق حكايات الشتات.
الاقتراح الثالث: «الأيام». ولا تشبه أيامنا حتما. إنها أيام طه حسين، صاحب «دعاء الكروان». لكن من قال هذا؟ صاحبنا الأعمى، طه حسين أفندي، أو طه حسين باشا، أو د. طه حسين، كما جادل صديقه يوما عبد القادر المازني في مقال شهير ينسب له، صاحب «الأيام» نفسه يتحدث عن أيام الطاعون الذي ضرب مصر عام 1904. نحن الآن في زمن الوباء. فهل هذا سبب كافٍ لترشيح «الأيام»؟ قطعا لا. أنا أقترحها لأنني لم أقرأها. ولقد كنت أمنية حياتي أن أحصل يوماً على كتاب «الأيام» بأجزائه الثلاثة.
*كاتب محظور من الكتابة والنشر.
[«القراءة في زمن الكورونا» زاوية أسبوعية تستضيف فيها «جدلية» كاتباً/كاتبة ليشاركوا القرّاء مقترحاتهم]