ثلاثة كتب أنصح بها
للقراءة في هذه الفترة الحرجة التي لن تتكرر في تاريخ البشرية مفعول مضاعف، من قدرة على الحفاظ على هدوئنا الداخلي أمام القلق والخوف، ومن إمكانية وحيدة حاليًا للسفر الزمكاني ومن تحويلٍ شيق رشيق للعزلة إلى انفرادٍ راقٍ بالعقول. لا أحبذ شخصيًا القراءة الآن عن الأوبئة أو الكوارث البشرية. بل أحمل لكم اقتراحاتٍ لثلاثة من الكتب التي يتميز كل منها بملائمته لهذه الفترة من العزلة المعرفية بشكلٍ مغايير.
الكتاب الأول: مكتبة ساحة الأعشاب
الرواية لإريك دو كيرميل. تقع أحداث الرواية في جنوب فرنسا على لسان راويتها ناتالي، الزوجة والأم وقبل كل شيء الكُتبية. تشتري ناتالي مكتبة في قرية وسط ساحة من الأعشاب ومن خلال تلك التجربة تصادف قصصًا للكثير من القراء.
مكتبة ساحة الأعشاب، رواية عن الكتب والقراءة. تصلح للببلومانيين ومحبي الكتب، كما أراهن أنه من الصعب قراءتها دون أن تُدمن القراءة أكثر.
كذلك، فتطرح الرواية الكثير من القضايا بلغة رشيقة وسرد أنيق. هناك كتاب لكل قضية ولكل مشكلة. حكايات ناتالي مع قراء وأصدقاء مكتبتها تتراوح بين أم متحكمة وشابة تريد التحليق باستقلال بعيدًا عن هيمنة ووصاية الأم، بين من تعود الرتحال فاكتشف السفر عبر جغرافيا الكتب أيضًا، بين من تعاني من إهمال الزوج وتزرع حديقتها السرية ومن يموت والده بعيدًا جدًا فيختار أن يُرسل له الكتب تسليه في لحظاته الأخيرة حين عجز عن مسامحته عن قصة مؤلمة قديمة.
تكثيف جميل للقصص الإنسانية وحكايا الكتب. هناك تماهٍ لطيف. ما يجعل هذه الرواية ملائمة للقراءة الآن، أنها تعمل عمل اليوغا أو التأمل، لها القدرة على خلق مساحة من الهدوء والسكون في من يقرأها.
الكتاب الثاني: اللامتناهي في راحة اليد
رواية للكاتبة جيوكندا بيللي وترجمة الرائع صالح علماني
لو لم يوجد من سببٍ سوى أن الرواية عن ترجمة صالح علماني، لكفى. هذه الرواية من الروايات القليلة التي هزتني، فلم أعد كما كنت قبل قراءتها.
تتحدث الرواية عن البدايات. عن خلق آدم وحواء وطردهما من الجنة إلى تجربتهما الأرضية وصولًا إلأى قصة قابيل وهابيل. تكتب بيللي بطريقة أخاذة، فتمكننا من اختبار فترة هي خليط من الرهبة والسحر من الزمان، لم يكن لنا لنختبرها لو لا الرواية.
تحمل الرواية كثافة من المشاعر والأحاسيس البكر، الجوع الأول، الخوف الأول، الولادة الأولى، تبدل علاقة البشر بكل ما حولهم، تبدل معطيات الجغرافيا والجو.
ما يجعلنا نحن، ما يُعرف الحياة، وإعادة تعريف لكل شيء حولنا وهذا ما يجعلها رواية مناسبة للقراءة في هذه الفترة بشكل خاص.
هي ولادة تعريفية حقيقية لمنظومتنا الإنسانية الداخلية، ورحلة ماتعة للقراءة.
الكتاب الثالث: سيدات القمر
للكاتبة العمانية جوخة الحارثي
فازت رواية سيدات القمر بنسختها المترجمة إلى الإنجليزية بجائزة الرواية العالمية "البوكر" وهي أول عربية تفوز بها.
هناك روح خاصة يحملها التراث العماني تظهر جلية ساحرة في أدبه. سيدات القمر رواية تحمل عمان في فترة أواخر الاحتلال البريطاني من خلال عدد كبير من الشخصيات. تتقاطع الكثير من القصص التي تشمل عشرات الحيواتٍ التي استوطنت قرى ومدن عمان والتي شكلت موزاييكها الحالي بألوانه ونكهاته وقضاياه في المئة عام المنصرمة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبكل الأسرار الكامنة التي تصنع السلطنة، تلك المساحة القريبة البعيدة من الحكايا والأساطير.
تتراوح أحداث الرواية في فصولها بين زمنين، الماضي والحاضر مما يجعلها مناسبة جدًا للقراءة في هذه الفترة. هي سفرٌ جغرافي وزمني وبشكل ممتع.
[«القراءة في زمن الكورونا» زاوية أسبوعية تستضيف فيها «جدلية» كاتباً/كاتبة ليشاركوا القرّاء مقترحاتهم]