بإمكاننا الآن أن نتعرّى؛
لقد رفع الذّئبُ مثلّثَ رأسه نحو قرص القمر وعوى
فوق التلّة
فلتعلِّقْ ثيابي إذًا على خطاطيفِ السياج الشائك
الملتفّ حول عنق المساء:
خطّافٌ لاصطياد عُرى التنّورة الزرقاء
وآخرُ لالتقاف بياض فردة الجراب الصيفيّ
من خرمه المُفضي إلى المدينة،
ولتطعمْ ما تبقّى منها،
-مثلما يُطعَمُ عجلٌ أعجف-
لبنات آوى حين يفتّتن بوعوعتهنَّ حافةَ الطريق.
أمّا أنا فسألقي بثيابك كلّها في المياه الطّحلبيّة الدافئة
ثمّ أشربُ النهر
دفعةً واحدة
بأعشابه وقشوره
وأسبحُ فيكَ مثل سمكة لا تتنفّسُ إلّا الهواءَ الذائبَ في الماء.
لا
لسنا عراةً بما يكفي الروحَ بعدُ
لكي تتوضأ في ضوء شمعة
تذوب بين يدي قدّيسة عذراء.
فلتنتزع جلدي بأظافرك الطويلة المدبّبة
مثل أسنّة الحراب
وتخيط فيه حشرتين
وخرزةً زرقاء
وشامةً سقطت عن خدّ ظبية
وتهديه لغولةٍ تُرضع طفلها من ثديها الوحيد المثقوب
خليطًا لبنيًّا من التراب والنحيب
فلا يظمأ ولا يروى ولا يشبع ولا يجوع
أمّا أنا فسأحرق جلدك
وجلدَ العقارب والقطط النائمة تحت العريش
وجلدَ ثلاثة خفافيش
وطيورٍ مكسوّة بالريش
وأذرُّ رمادها في الريح
العابرة بين فخذيّ العاريتين
في انتظار عراء البراري الهاربة في فخذيك.
لا
لسنا عراةً بما يكفي القلبَ بعدُ
لتقرعَ أجراسَه كفّ حورية ينتهي ذيلها بنجمٍ يغمسُ في السماء
فلتطحن عظامي إذًا
بين حجري رحى
مثل حبّات قمح جافّة
سقطتْ من جيوب حصّادي الغيم
المُعلّق على أوتار حنجرتك
المسكوبة من نحاس القمر في ليالي الغبار
وفضّته في الفجر النافخ بأبواق القيامة
فلتطحن عظامي
وتُطعم جريشَ حنطتها السوداء لجَملٍ نفض عن ظلوفه رمال الصحراء
وجاء بها تدبّ على الطريق المسفلت
ما بين شفتيّ القاحلتين
ذاك الذي أسلكه
في مسيري إليك.
أمّا أنا فسأحفر في عظامك ناياتٍ
أعزف بها تحت ريش الطائر النائم بين حلقات زحل
ليحلم بك
وعصيًّا أهوي بها على رؤوس الجبال
فتنهَدُ لك
وأسهمًا أفقأ بها عين النهار
فتعمى عنك.
لا
لسنا عراة بما يكفي النورَ
المنعكسَ على حوافّ أجسادنا بعدُ
لتتّصل ضفّتاه.
فلتصنع من بقاياي حشو وسادةٍ قطنيةٍ إذًا
ليستريح عليها رأسُ الليل المُتعبِ
من نهش رغبتي
المستفيضة في بقاياك.
بإمكاننا الآن أن نتعرّى
لقد خفض الذّئب مثلّث رأسه وكفّ عن العواء
وارتدّ ذنبه عن التلّة المُقمرة
كما ارتدّت عنها ذنوب القمر
وانسحبت
مع الكائنات جميعها
نحو ثيابي الذبيحةِ
فوق خطاطيف السياج الشائك