السلطة والمجتمع المدني والانتقال المعاق: حالة المغرب

[المصدر: موقع امازيغ وولد] [المصدر: موقع امازيغ وولد]

السلطة والمجتمع المدني والانتقال المعاق: حالة المغرب

By : Rachid Yamlouli رشيد اليملولي

يقول الطاهر لبيب :"إن التغيير في معناه الاجتماعي هو موضوع فعل، أي موضوع إرادة وتدخل، إنه باختصار موضوع صراع تؤثر نتائجه في مستوى البنية الاجتماعية، التمييز إذن بين تغيير ينظر إليه خارج التغيير الاجتماعي وبين تغيير يتضمن التغير".[1]

إذا كان المغرب حافلا بثقافة التظاهر والاحتجاج في فترة ما بعد الاستقلال،[2] فإن هذه السمة لم ترق بعد إلى مستوى التقليد المنظم سياسيا وحقوقيا، أي لم تنتقل إلى مستوى الاحتجاج وفق مشروع اجتماعي متكامل. وأقصى ما رامت إليه احتجاج معيشي مشاكس يبطن رسائل غير حجاجية لا تمتد في الزمن وليس لها أفق قيمي متناغم واستباقي، إذ سرعان ما تخبو وينطفئ بريقها اجتماعيا وإعلاميا، على الرغم من تفاعلها الإيجابي مع "منطق" التطور في المطالب، والتي انتقلت فيه من الطابع المادي (السلامة الجسدية و المادية) نحو قيم ما بعد مادية (إثبات الذاتـ الحريةـ الكرامة) وكلها تنبئ بتفاعل إيجابي مع الرهانات التي صاغتها الحركات الاحتجاجية الجديدة في مطالبها المتنوعة.[3] وإن كان من الصعب صوغ توصيف نهائي في ظل السياقات المتباينة للظاهرة الاحتجاجية في عموم المجال الجغرافي الذي ميزته هذه الحركات، من حيث الانتقال السياسي المتردد، أو النكوص والارتداد نحو الحلكة والظلمة السياسية بعتاد وأجهزة منظمة، بشكل جعل المشروع الاحتجاجي متدهورا من حيث المدنية السياسية، وفي حاجة ماسة إلى جهود مضنية حتى تستقر ملامحه وتتجذر فلسفته [4] ويشتد عوده ويستقيم معناه ومبناه. ولعل الصفة الملازمة لهذا العطب تكمن في غياب النموذج التنموي الذي ارتضته الحركات الاحتجاجية سبيلا؛ إذ حصرت مطالبها في القضية الديمقراطية والحريات الشخصية، دون النفاذ إلى بناء نموذج تنموي خاص ومتجدد ينأى ويستقل عن النموذج الليبرالي الذي يسود المجال المهيمن عالميا و إقليميا [5] لدرجة أن هذا الإحياء الثوري استعاد الماضوية وداء التاريخ ، وأبد العوائق التقليدانية الكامنة في نموذج الماضي دون روح المستقبل. حيث تسنمت القوى المحافظة القيادة بعد ثورة الربيع العربي.[6] ولا غرو أن القوى الخطية تلغي الحركات الاجتماعية المركبة والمتعددة هوياتيا، وتحصر المجال العام في أسلوب الهيمنة والفاعلية الأحادية، وتتوسل بمختلف الوسائل الداعمة للخطاب المهيمن، الذي يعكس ثقافة العنف وإن تلبس بالقيم الأخلاقية والإنسانية،[7]والذي يتوارى خلف التسليم بالديمقراطية والقبول باللعبة السياسية. لذا فالحداثة السياسية والتأسيس لها يقتضيان الاشتغال النقدي على الثقافة التراثية في بعدها المهيمن، عبر مشروع مدني ينطلق من التجديد من الداخل، انطلاقا من شراكة بين الدولة والمجتمع المدني، تنبني معالمها ليس على التشريعات فقط، وإنما تؤطرها التزامات أخلاقية وسياسية، [8] بغرض إنتاج القيم التنموية الكفيلة بتحقيق الانتقال البناء والثقة المتبادلة .

1ـ السلطة وطبيعة الموقف من المجتمع المدني والحراك الاجتماعي .

تفهم ظاهرة المجتمع المدني في سياق العلاقة مع الدولة والمجتمع، وتفسر مشروعية وجوده في إطار تصور السلطة القائمة، سواء اتخذ هذا الاعتراف صفة الشريك، أو الطرف غير المرغوب فيه. فالصفة المميزة لهذا المجتمع جعلته في توتر دائم مع الدولة التي تعتمد القسر وتروغ التخلي عن وظيفتها، بتحويل الحيز العام إلى مزرعة وملك خاصين.[9] ونقل ريعها إلى النسيج الاجتماعي الداعم لها والدائر في فلكها (ونقصد هنا الاحتياطي السياسي والتقنوقراطي المدعوم من قبل الأجهزة السلطوية)، في سعي لتنظيم مختلف مناحي الحياة بما ينسجم ومفهوم الهندسة الاجتماعية والمقاربة التقنية لقضايا التنمية باسم المصالح العامة، التي تعد المدخل والبوابة المثلى لتكريس وترسيخ الاستبداد.[10] حيث ظل الإصلاح وزمام المبادرة في مجموع ما سمي بدول الربيع العربي[11] بيد السلطة، وأضحت الحياة الاجتماعية والتعدد الذي يميزها مجرد روافد ثانوية لمركز ينثر مقومات وقدرات الاندماج. وينتج الخضوع الاجتماعي لكافة الأطياف لدرجة تهميش دورها الطبيعي وتقوية لا شرعيتها، ونقلها إلى مستوى المستفيد المرحلي لا الفاعل الحاسم.[12] ولا حاجة للتذكير بأن بناء الأنظمة الاجتماعية لا يتم على أساس الإجراءات الجبرية والقهرية مهما كانت طبيعة التجربة التاريخية.[13]

 أحكم النظام السياسي المغربي قبضته على الحياة السياسية منذ أن نجح في كبح الانتفاضات التي رافقت التطبيق الأهوج لسياسة التقويم الهيكلي سنوات 1981و 1984و 1990[14] معلنا عن توجهات تروم إفراغ التعددية السياسية من أي محتوى تعاقدي مبني على مشروع اجتماعي. فجعلها تعددية حسابية عاجزة عن تجاوز القبلية والولاءات العشائرية وعلاقة الشيخ بالمريد كما لم يسمح لها إلا بهامش محاصر "ظني و هامشي". [15] وحسب أن المواطنة والتعبئة التي واكبت ما سمي بالانتقال الديمقراطي في بداية السبعينات ينبغي أن تكون شاملة لتوجهاتها و اختياراتها [16] مما مثل رغبة غير عاقلة للدولة من أجل الهيمنة على المجتمع. لذلك لم يكن الانفتاح على المجتمع المدني محكوما برغبة في تفعيل مبدأ الشراكة، وإنما جاء نتيجة الفشل الذريع في تحقيق التنمية. وفي الاختيارات التي جربتها السلطة مع الاحتياطي السياسي والتقنوقراطي الذي دعمته وساندته، و التي لم تكن إلا التزاما في الشكل الديمقراطي دون الحديث عن المبدأ ومقوماته كما يقول عزمي بشارة، و ذلك عبر التغييب المتعمد للسياسة الاقتصادية والاجتماعية، وتركيز "الاهتمام" على العمليات الدستورية وآليات السلطة، ولا يخفى مدى إهمال القضايا المرتبطة بالعدالة الاجتماعية والحاجات اليومية الخاصة بعموم المواطنين.

 ولا شك أن هذا المسلك المبني على الإجبار قد أفقد لحظات الانتقال السياسي من أي محتوى تعاقدي. إذ تأجل المطلب الديمقراطي وتم الالتفاف على مطالب القوى السياسية والاجتماعية، وحرمانها من إدارة المشروع السياسي التنموي، مع ما يوازيها من إرساء ثقافة الزعيم والشخصية الكاريزمية وتغييب ثقافة المؤسسات وروحها[17]، وإعطاء مساحة مقننة لحرية التعبير وغيرها من الإجراءات الشكلية التي لم توفر ما لم يلزم من فرص حقيقية للنمو  والعطاء. [18] و بل واحتواء كل القدرات والطاقات الحيوية وإقصاءها لدرجة قد تصل إلى استئصال كل الفعاليات غير المرغوب فيها، أو الخارجة عن النص والإخراج السياسي، والتغاضي عن الخطر الأشد الكامن في سلطة المواريث الاجتماعية و السياسية و"فلسفة" الاستعلاء والطقوس المرافقة لها. [19]

سلف بنا أن أكدنا[20] أن علاقة السلطة بالمجتمع المدني مشوبة بثلاث خصائص وليس استراتيجيتان كما ذهب إلى ذلك بعض الدارسين.[21] وهي المواجهة أو ما يسمى بسنوات الرصاص في التاريخ السياسي المغربي المعاصر، وسمتها العنف المتطرف والرغبة في استئصال الكيانات غير المرحبة بالسلطة في بعدها الفج والانتقال بعد فشل المحاولة الأولى إلى أسلوب التنظيمات الموالية من خلال إنشاء منظمات موازية تعيش في كنف الدولة [22] مدعومة ماليا ومعنويا ترفل في نعيم السلطة وتنفذ اختياراتها وتبجل "مشاريعها". وكانت هذه العملية بمثابة تلغيم لامتداد منظمات المجتمع المدني و الحقوقي أساسا، وانتهاء بسياسة الاختراق عبر المشاركة في فعاليات المجتمع المدني، والتحكم فيه من الداخل وإنشاء مؤسسات جديدة تضمن سيطرة النظام عبر الالتفاف على الفكرة وعلى سقف وتوجيه مسار الفعل والمبادرة وربما حتى المستقبل.[23] وبالتالي التحكم في الأفق من خلال الحرب الاستباقية لمجمل المشاريع التي ينخرط فيها المجتمع المدني أو يطالب بها .

لم يأت سياق الانفتاح على المجتمع المدني داخل التجربة المغربية نتيجة اقتناع موضوعي يسعى إلى بناء دولة المؤسسات والثقافة الديمقراطية. ولكنه كان أسير الحرج السياسي والحقوقي أمام المنتظم الدولي بفعل الصورة "القاتمة" التي تروجها بعض المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية. فعلى المستوى السياسي تم نفخ الحياة في مفهوم المجتمع المدني في إطار طبيعة الخيارات "الديمقراطية" الواجب إرساؤها في ظل العوز والضعف الذي عرى على الأنظمة السلطوية العربية. [24] لذلك اتجهت هذه الأنظمة ومنها النظام المغربي إلى إعادة ترتيب التوازنات السياسية. وذلك بالقطع مع مرحلة الصراع حول طبيعة السلطة وصناعة القرار السياسي، وتحويله نحو فاعلية المؤسسة السياسية. [25] قد يفسر ذلك بتنامي مفهوم الحكامة والتركيز فيه على الأسس الديمقراطية التي تخول المشاركة الواسعة وإرساء مبدأ الحكامة، والارتقاء بأداء هيآت المجتمع المدني. فبدأ الربط وفقا لهذا السياق بين الحكامة وإدارة شؤون الدولة، ليشمل مجموع العلاقات بين الحكومة والمواطنين. [26] ولتأكيد هذا المسعى أنشئ المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمحكمة الإدارية، وتم السماح برجوع العناصر السياسية المعارضة، وتنصيب هيأة الإنصاف والمصالحة انطلاقا من مراجعتين دستوريتين.[27] وقد انخرط النظام في هذا المسلسل بكل هيآته قصد تجاوز المأزق السياسي، واحتواء المعارضة السياسية دون تقديم ثمن سياسي يمكن أن يعتد به ويمكنه أيضا أن يدخل البلد في خانة البلدان الديمقراطية ونواديها. حيث ظلت الشرعية السياسية أسيرة ثوابت تاريخية لم تنفصل عن سلطة القوة والشوكة وشخصانية نظام الحكم،[28] مستفيدة من عسكرة السياسة بمفهومها العام وبلقنتها، و التي مثلت مصدر التأييد السياسي لنظام الحكم. [29]

أما على المستوى الحقوقي، فقد سعى المجتمع المدني عبر المسار الذي شقه من أجل حماية الحقوق السياسية والمدنية وتحرير الحياة العامة من التدخل البيروقراطي والتعسفي.[30] إذ إن العودة إلى الظهير الشريف 376ـ 58 ـ 1 الصادر في 15 نونبر 1958، الذي ينظم عملية تأسيس الجمعيات، يتضح بجلاء الرقابة التي تمارسها الدولة على الجمعيات انطلاقا من إجراءات التأسيس، مرورا بالتمويل الذي تم تقنينه ليضم الإعانات العمومية، وواجبات الانخراط الخاصة بالأعضاء والمساعدات التي يتم تلقيها من منظمات دولية، حيث أن القانون يمنع تأسيس الجمعيات التي تتنافى أهدافها وغاياتها مع ما يسمى بالأخلاق الحميدة أو تمس بالإسلام أو النظام الملكي أو بوحدة التراب الوطني. وهذا النوع من العبارات الفضفاضة يشكل قيودا واسعة النطاق خاصة عند حدود التأويل الذي يبقى حكرا على السلطة والمضمون الذي تمنحه لكل بادرة لا تتماشى وسياقات وأهداف النسق المخزني العام، بشكل قد يدفع إلى القول بأن هذه الحرية المزعومة تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة.[31]  والأدهى من ذلك أن الخيارات القانونية والتنظيمية والإدارية المؤطرة للمشاركة المدنية غير منسجمة و ينقصها التحيين والتجاوب واستباق القواعد، والآليات الكفيلة بمسايرة التحولات العميقة التي شهدها أداء المجتمع المدني ووضعه الاعتباري داخل المجتمع.[32] حيث وبمجرد إنشاء فعاليات المجتمع المدني يتم إقحام هذه المنظمات في شبكة من الممارسات البيروقراطية والقواعد القانونية واللوائح والتعليمات الإدارية والتي سمحت لنظام الحكم بمتابعتها وتنظيم نشاطاتها الجماعية[33] على أمل التقليل من مبادراتها وفرملة تحركاتها وحصر حريتها وحركتها ومراقبة نشاطها وفعلها.  وهكذا سجل تقرير التنمية الإنسانية لسنة 2016 أن تصاريح تأسيس الجمعيات والسماح بالتظاهرات تمنح بصورة انتقائية في أغلب الأحيان ويتماشى مع ما تراه السلطة خيرا ويكون انسجاما مع ذلك الأفراد الراغبون في تكوين جمعيات رهن قرارات اجتهادية من السلطة، والتي تسيء استخدام لغة النص القانوني الغامضة لحظر جمعيات أو لإغلاق منظمات غير حكومية. [34] 

وإذا كانت الوثائق الدستورية تحتفي وتحتفل بالحقوق المدنية والسياسية، وتسطرها في ديباجاتها وفصولها، فالمعضلة التي تطبع أغلب النصوص الدستورية هي إحالة عملية تأويلها وتنظيمها للنصوص المنظمة، والتي كان من الطبيعي أن تعقب النص المجمل لتفسره. لكن الخطر هو في عملية التحوير والتعويم وإفراغ النص من قيمته ومحتواه القانوني وحياده عن الإرادة المفترضة للمشرع. ولا سيما أن جهة إعداده وتنزيله هي الخصم والحكم.[35] إضافة إلى أن تقنية الملتمسات التشريعية حسب الفصل الرابع عشر من دستور 2011، يمكن أن تشي بتصور يرقى بعملية إنتاج السياسات العمومية. وهذه التقنية وإن كانت مكفولة دستوريا، فهي غامضة من حيث إجراءاتها العملية والمساطر الواجب اتباعها لكي تصل إلى المؤسسة التشريعية آمنة مطمئنة. [36] ولعل في هذا وجاهة من حسب أن هيئات المجتمع المدني تشتغل بأجندة الدولة عوض أن تشتغل الدولة بأجندة الفاعل المدني حسب الأعراف الديمقراطية وهو ما يفقدها الفاعلية والقدرة على المبادرة[37] ويجعل منه مجرد فاعل ذيلي تابع يشتغل في هامش حرية ضيق وفاقد للإرادة والحرية اللازمة.

وفي الجانب الحقوقي والخارجي منه بالخصوص، فالضغط الذي مارسته الهيآت الحقوقية الدولية، كان له الأثر البالغ في دفع المغرب إلى تبني واحتضان المجتمع المدني والدفع به نحو دوره الحقيقي ومن بينها حركة حقوق الإنسان.[38] وأولى المؤشرات الدالة في هذا المستوى إعلان برشلونة سنة 1995، والذي جاء بغرض تقديم الدعم لدول جنوب المتوسط من أجل النهوض بالمسائل الديمقراطية والإصلاح السياسي وإدماج المجتمع المدني في مقومات الدولة الحديثة.[39] بالإضافة إلى برنامج "ميدا" والذي يروج لمبادئ سيادة القانون وحقوق الإنسان والديمقراطية، وتعزيز دور المجتمع المدني في إطار الشراكة الأورومتوسطية عن طريق تقديم المنح والإعانات للمنظمات غير الحكومية والجامعات ومراكز البحوث، ولعل انخراط ودخول المجتمع المدني بشمال افريقيا في شبكات مع نظيره في الضفة الأخرى أكبر معبر عن تغلغل القيم المرتبطة بهذه الشراكات. ومن أهمها التجمع المدني الأورو متوسطي، وشبكة أورو ميكسو، ومؤسسة أليندا الأورو متوسطية للحوار بين الثقافات، ووكالة "أتسامد" من أجل بلدان المتوسط.[40] وثاني الإشارات دور الضغط الدولي والحقوقي منه بالخصوص من خلال تنامي ملف حقوق الإنسان وسيادته على مستوى العلاقات الدولية، وتوظيفه سياسيا في الضغط على دول معينة مثل سوريا والعراق والسودان، وخضوعه في مستوى ثان لمفاهيم حقوق الإنسان الخالصة دون خلفية سياسية.[41] لذلك أصبح دور هذه الجمعيات خاصة "أمنستي أنترناشونال" و "هيومن رايتس ووتش" و أخيرا "روبرت كينيدي" لافتة في ملف الصحراء، حيث لا يمكن فصل الانفراج السياسي الذي عرفه المغرب في التسعينات دون استحضار الضغط الذي مارسته هذه الجمعيات، و دفع شريكه الرئيس "الاتحاد الأوربي" إلى تبني العديد من المواقف الحقوقية، وإعادة النظر في الملف الزراعي والصيد البحري[42] والذي وظفته القوى المناوئة في الضغط على المغرب وسيادته المجالية على جزء من ترابه.

يوازي التأثير الموجه للمسألة الحقوقية خارجيا، دور باهت للتفاعل الجدي مع الملف نفسه داخليا، حيث ظلت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة حبرا على ورق باستثناء مسألة جبر الضرر الذي بذل فيه مجهود محمود.[43] وتبقى بالمقابل مجهودات المغرب ضعيفة في مجالات أخرى، حيث  لم يصادق المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الحقوقية. ولم يتم لحدود اللحظة أجرأة الحقوق المنصوص عليها في دستور .2011[44]  

 إن استمرار الفشل في تدبير مقتضيات الصراع بما يمكن الفاعلين من بناء النسق السياسي الديمقراطي، وفق ما تقتضيه ضرورة إفراز نموذج منتج للمعنى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وقيميا، يبقى المجال مفتوحا على التوتر والصدام وغياب الأمن بالمعنى التنموي، وإن بدا الاستقرار سمة مميزة فمن غير ثمن سياسي  حقوقي دال ونوعي.  ولا مشاحة في أن الانفتاح المعبر عنه في ظل الألفية الثالثة، يندرج فقط في إطار "التحول" من نظام مغلق إلى نظام مفتوح[45] لم تكن فيه الخطوة الاستباقية المعبر عنها بخطاب التاسع من مارس 2011 إلا تجديدا لشرعية النظام، و إثباتاً لقدراته "الخارقة" على التكيف مع متطلبات المرحلة، بشكل جعل العملية السياسية الحالية وفي الكثير من جوانبها وقسماتها مبنية على "فلسفة" التحايل والخداع السياسي والتسويف والالتفاف على سقف المبادرة والفعل، وبمنأى عن الاقتناع بضرورة إرساء دعائم الإصلاح المتينة[46] إذ كرس هذا الدستور هيمنة المؤسسة الملكية حسب ما يتبين من هندسة السلط (الملك ـ المجلس الأعلى للإفتاء ـ المجلس الأعلى للأمن) التي يتحكم فيها الملك.[47] كما أن الخطوات التي نهجتها المؤسسة الملكية [48] تعبر عن الرغبة الجادة في احتواء وامتصاص المد الاحتجاجي في أفق تدجينه إلى درجة التراجع عن مضمون الوثيقة الدستورية فيما يمكن أن يسمى بخطر الاسترداد والرجوع عن المكتسبات، بل والإمعان في تكريس الدولة العميقة[49] حسب ما تتعرض له التجربة السياسية الموصوفة بالإصلاحية والاستثنائية من انتقادات نتيجة مواصلة هيمنة وانفراد المؤسسة الملكية باتخاذ القرار الفعلي بالبلاد[50] في ظل تراخي وتلاشي الآلية الرقابية للمؤسسة التشريعية، وإهمال السلطة التنفيذية لخيار المراهنة على تعزيز الثقة ما بين الأغلبية الحكومية والمجتمع المدني. [51] لذلك الحديث عن الوضع السياسي الجديد الذي أفرزه دستور 2011 والذي تميز بمزاوجته الخلاقة بين الاستقرار واستمرار الإصلاحات، [52]  يعد حديثا خارج السياق التاريخي ولا يكتسي معنى التحول والتغيير إلا في المخيال السلطوي والنسيج التابع له ـ وبعيد عن المنافحة والدفاع عن الحق في الانتماء الحضاري والتنموي للقرن الواحد والعشرين باعتباره قرن العلم والمعرفة والقيم الانسانية والديمقراطية .

 2ـ المجتمع المدني والحركة الاحتجاجية ومكامن الخلل .

 ينبني المجتمع المدني على نظام قيم تمكنه من ترسيم قيم العدالة والتسامح والمساواة ومبدأ تكافؤ الفرص، تستهدف هذه القيمة المركزية نصرة الحلقات الأضعف، وتسعى جاهدة للتأكيد على قيمة الحرية في القول والمعتقد، ومن ثم تشكل منطلقا للكثير من الأفراد والخصوصيات والأقليات بفعل ما تنطوي عليه من قيم ووعود إيجابية و"حاضنة" مقصودة بالمقارنة مع المجتمع السياسي، وما يميزه من احتكار وتسلط وهيمنة واستقواء [53]، وذلك بتحويل الفضاء العمومي إلى قوة اقتراحية يمارس فيه الفعل الديمقراطي النابع من الثقافة التواصلية قصد التفاوض والمناظرة بخصوص المشاكل الطارئة لحلحلتها وتغيير الآسن منها، وإضفاء الحركية على القوى الحية باعتبارها متغيرا مستقلا باستطاعته التأثير في صنع السياسات العامة داخل المجتمع والدولة[54] وتبنى على فلسفة جديدة قوامها قيم العمل والاقتراح والمشاركة في طرح سياسات مستقبلية تهدف تحقيق التوازن المجتمعي والإسهام في عملية التحول وتحقيق التنمية متجاوزا بذلك الطابع التكميلي والإلحاقي الذي ألصق به عادة، [55] بناء على ذلك تبدو مهمة المجتمع المدني مقرونة بالعمل على ثلاث واجهات؛ مفاد الواجهة الأولى الكرامة والديمقراطية والحرية ضد الاستبداد، ومناط الثانية السيادة ضد التدخل الأجنبي، والواجهة الثالثة المواطنة ضد مطابقة الانتماءات السياسية بالهويات الطائفية والمذهبية والقبلية، أي ضد تشظية المجتمع السياسي والكيان السياسي و تذريته. [56]

يتوقف تحقيق هذه المرام على طبيعة التحول الذي ترتضيه الدولة، [57] وفقا لذلك يدخل المجتمع المدني في المرحلة الانتقالية باعتباره لبنة أساس في العملية الديمقراطية توازي قوة الدولة، و تمنعها من اللجوء أو العودة إلى الصيغة الاستبدادية في إدارة المجال العام والفضاء الاجتماعي، عن طريق الرفع من وتيرة الضغط والمناصرة، واجتراح البدائل لمراقبة السياسات العامة وتحسينها، ولن يتأتى ذلك إلا إذا تحولت هيئاته ـ أي المجتمع المدني ـ إلى مستوى الرأي العام الدال على السلطة عوض الحشد والكتلة التاريخية الفاقدة لموجه قيمي وثقافي، برفع منسوب الوعي والعقلية الديمقراطية، وتحقيق العدالة في تكافؤ الفرص الاجتماعية بدل حصرها في مقولتي التصويت الانتخابي والمساواة أمام القانون. [58] وإن كان هذا المبتغى بعيد المنال في حدود الإمكانات التي تتوفر عليها هذه المجتمعات ، والكامنة في طبيعة الظروف السياسية والصعوبات الذاتية التي تحول دون الاستقلالية حيال الأنظمة السياسية السائدة. كما أن المواطنين لم يتمكنوا بعد من تصور أنفسهم واضعين للقانون الذي يخضعون له، [59] بمعنى أن يتضح للمشاركين في الرأي العام أن سلوكهم أو تخليهم عن سلوك معين يصبح نافعا وذا آثار إيجابية في المحصلة الإيجابية. [60]

إن القيمة الحقوقية والسياسية التي تعزى عادة للمجتمع المدني تبطن أبعادا ايديولوجية حالمة ترى المعيار، وتتجنب سخونته الاجتماعية، وتعتمد الإسقاط والتعميم لتوحيد وتائر التغيير وأساليبه، ولعل وجه الاعتراض على هذا المنحى في التفكير يكمن في الأفكار المغالية والمواقف السائرة في فلكه، والأدهى استحضار المجتمع المدني بشكل معزول عن النضال الديمقراطي والقضايا الراهنة ، مما قد يعني عملية " إجهاض " لمعاني هذا المجتمع ومضامينه وطاقته النقدية، فضلا عن نزوع قدرته التفسيرية على فهم الأبنية الاجتماعية والسياسية.[61] وهذا ما تعكسه انتفاضات عام 2011 التي كشفت عن الخيارات الهزيلة التي تقدمها النماذج السياسية، وأفصحت عن الأزمات العميقة التي تقتضيها العملية السياسية (الثقافة الديمقراطية) والتدرج في بناءها ودور الشباب في إحداث مقومات التغيير. [62]

على الرغم من هامش الحرية الذي تسمح به التجربة المغربية حسب منطوق الدستور الذي رافق الحركة الاحتجاجية، فإن هذه التجربة حصنت النظام السياسي وجددت أوصاله، دون أن تتمكن من دمقرطة النظام السياسي بأسره. وهذا ما تشي به الازدواجية التي ينبني عليها النظام، وهي الجمع بين الشرعية التاريخية، والتحديث الذي واكبها، حيث لا زالت قدرات الحركات الاحتجاجية ضعيفة في مستوى المناصرة والضغط والقدرة على التعبئة والمبادرة تجاه سلطة الدولة، بإيعاز من الآلية القانونية  إذ رغم التعديلات الناتجة عن الإطار القانوني وآليات حقوق الإنسان، فهي غير كافية ولا تصل إلى مستوى التنفيذ[63] بالرغم من إسهامات جمعيات حقوق الإنسان التي تظل كبيرة، لكن لم ينتج عنها تأثير على السياسات الوطنية أو المجتمعات المحلية[64] بل إن الممارسات السائدة بعد إقرار دستور 2011 تعد مؤشرا قويا على التوجه العام ورغبة الفاعلين في تفعيل "الدستور الضمني" الذي يؤبد هيمنة المؤسسة الملكية والمؤسسات التابعة لها، وما يترتب عن ذلك من تجاوز للوثيقة المكتوبة، والتي عادة ما تؤول وفق ما ترومه السلطة.[65] وهذا ما دفع البعض إلى اعتبار المؤسسة الملكية حائلا أمام استقلالية فعلية للمجتمع المدني وكل الحركات المرتبطة به، ما دامت السلطة الروحية لا زالت تلعب دورا أساسا في العديد من القضايا[66] خاصة وأن الفصل الرابع عشر من الدستور والمتعلق باختصاصات الملك وإمارة المؤمنين يساعد على استخدام الإسلام كأداة لضبط سير المؤسسات الدستورية، وما يترتب عنها من نتائج سياسية وقانونية ودينية.[67] وإذا كانت التقارير الحقوقية [68] قد أكدت على ضعف وغياب الضمانات الدستورية والقضائية المتعلقة بتنفيذ الحقوق المنصوص عليها دستوريا وصيانتها وحمايتها، فإن اللافت هو تنامي التغلغل المسترسل لمصالح الدولة والسياسة والاقتصاد لتنظيمات المجتمع المدني، أضحت معه "جماعات المصالح" المؤلفة من بعض المتنفذين والسلطة والمتمكنين، ذات نفوذ قوي في المجتمع المدني، تتحكم في الموارد ومختلف أشكال الدعم الموجه للجمعيات[69] الأكثر من ذلك اختراق تحالف السلطة المحلية وأشخاص محسوبين على العمل المحلي المدني؛ حيث أن (4) جمعيات من أصل (10) تأسست بعد سنة 2005 تاريخ انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية[70] وتشير أيضا الدراسة التقييمية التي أعدها المرصد الوطني للتنمية البشرية حول الفترة الأولى من عمر هذه المبادرة، أن اختيار الجمعيات داخل أجهزة الحكامة الترابية يخضع في أغلب الأحيان إلى توجيه السلطة، وإلى معايير غامضة تستند إلى منطق المقاربة الأمنية، و إلى إرادة التحكم الاستباقي في قرارات وسلوكات الفاعلين المدنيين. [71]

لا يفسر ضعف الحركة المدنية الاحتجاجية فقط الدور الذي تلعبه المؤسسة الملكية والاحتياطي السياسي والعسكري والمدني المرافق والداعم لها، بل يمتد إلى البنية الداخلية للحركة الاحتجاجية، والتي لم تصل إلى مرحلة الترسيم الفكري والسياسي والبناء التنظيمي للحركة، والذي على أساسه تبنى الرؤية الاستراتيجية. لهذا لم تستطع أن تتجاوز حدة التباين في سقف المطالب والأهداف والتوجه [72]، وتصدرت قيادتها حركة تغيير متعددة الرؤوس والمرجعيات، غابت معها أواصر التنظيم إلى درجة "تقديس" العفوية (الشارع) باعتبارها منهجية للعمل السياسي وقاعدة مؤسسة له لا محيد عنها [73] وهو ما أسقط عنها  الحجية السياسية والثورية حين انتقلت دون سابق إنذار من فضاء الإصلاح إلى مربع الثورة دون تقدير دقيق للشروط المحيطة بها[74] ودون تملك العدة النضالية الكفيلة بتحقيق المطالب عبر حبك الخطوات، وتنويع مصادر الاشتغال دون حصرها قسرا في التظاهر والاعتصام وما إلى ذلك العمليات المرافقة للاحتجاج والتظاهر، وهي على الرغم من ذلك بقيت دون العصيان المدني الذي يمكنها من إحراج النظام السياسي برمته، وتحقيق مطلب التفاوض على أرضية وشرعية نضالية من موقع القوة الاقتراحية المدعومة بكتلة اجتماعية منسجمة وواعية وبعيدة عن العنف والأساليب التخريبية .

 3ـ خلاصة عامة .

انشاحت السلطة في المغرب عن قاعدتها الشرعية من خلال مشروعية فعلها السياسي، وذلك بعد ابتعادها المستمر عن الديمقراطية والعدالة والقيم المرتبطة بذلك. وحاولت بكل الوسائل والإمكانات، تعيد إنتاج الخضوع الاجتماعي سالكة في ذلك طرائق قددا، ومنها على وجه الخصوص تثبيت وتقديس الولاء وخيرية السلطة، و توطيد التغلب وإحاطته بسياج "حقوقي" رسمته بالتوقيع الشكلي على المواثيق الدولية، وأدخلته في الغربة وإن كان معترفا به في ديباجة "دساتيرها" وبنود تقاريرها الرسمية. هذا التوظيف لم يكن مبنيا على الاقتناع بدوره في دمقرطة النظام السياسي، وإنما كان مشفوعا بخلفية إدماجه في نسق وصيرورة اشتغال النظام السياسي حتى يتحول إلى مرتبة المشرع والمنفذ والساهر على التطبيق الفعلي والحرفي .

و إذا كانت الشرعية السياسية المتأتية من دسترته، وإطلاق المبادرات بشأنه، فإن هذا التوظيف يتعالى على القيمة التنموية لهذا المجتمع، إذ يتماشى مع القراءة السلطوية والمرتكز الذي يحكم نظرتها، والقائم على الإدماج الايديولوجي والمؤسساتي بغية إلغاء مشروعيته الاجتماعية، عبر تقوية سبل تفكيك وتجزيء قيمه في قضايا معزولة عن النضال الديمقراطي، أو عبر سن "تدابير" استباقية الغرض منها الالتفاف على الفكرة، والتقليل من جدواها وفعاليتها، وإطفاء جذوة مضمونها التشاركي ، لصالح تجديد مشروعية النظام المخزني وتقوية ارتباطه بالقضايا الآنية والمستعجلة، بتسويق خطاب التكيف والمناعة الداخلية، والاستجابة "الشكلية" للمواثيق الحقوقية الدولية، التي تفصح عن طبيعة النظام وخلله القيمي، النابع من "الترقيع" عوض الانخراط الجاد في الانتقال نحو نظام المؤسسات الدستورية الفاعلة.

بالمقابل؛ توارت الحركة الاحتجاجية المرتبطة بالمجتمع المدني عن الحس والمشروعية النضالية المبنية على مقومات التنظيم والإبرام السياسي، والنابع من حركة احتجاجية منسجمة النشأة والتطور في أفق بناء "تنظيم" احتجاجي ، له مقومات الامتداد والتكيف والتحيين .

يعزى هذا الفراغ و "العطب" في التركيب الهجين والهش الذي يطال مكونات هذا المجتمع، وغياب سقف التوافق في مكوناته، وتوحيد الرؤى وسلم الأولويات، وهو ما أدخله في سياق الانقسام والتصدع، و لل من الثمن السياسي الذي أحرزه في مسار نضاله، والذي أثرى بالرغم من ذلك الساحة بمفاهيم جديدة أهمها مفهوم "الحكرة"، والانتقال بالمطالب من طابعها المادي الصرف إلى القيم الرمزية المتعلقة بالكرامة و الحرية .

المحصلة النهائية وارتباطا بما تم رصده، أخلف المغرب موعده مع التاريخ في نقل التجربة نحو التأسيس الفعلي لمجتمع التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وخسر الفرد والمجتمع الإمكان الذي أتاحته تجربة ما بعد  20 فبراير ودستور 2011، بشكل قد يدفع إلى اعتبار الزمن الاحتجاجي مرحلة لتجديد وتحديث الإعاقة ومقومات استمرارها وتأبيدها ومدها بمقومات الاستمرار و الحياة .

هوامش 

[1] ـ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ، المركز الدولي للقانون غير الربحي، المجتمع المدني في العالم العربي، التطور، الإطار القانوني والأدوار ، 2013، ص 81.

[2] ـ نخص بالذكر أحداث الدار البيضاء سنوات 1965 و 1981، وجل المدن المغربية في سنة 1984،  فاس في سنة 1990 ، صفرو وسيدي إفني 2009 ، غالبية جهات المغرب سنة 2011،  أحداث طنجة ومراكش 2012، والحسيمة 2016.

[3] ـ حسن دنان، التحولات الاجتماعية و التنمية السياسية ، مجلة أبحاث ،عدد 61ـ 62 ، 2015 ، ص 64.

[4] ـ محمد الأخصاصي ، " الحراك العربي " سراب الثورة، واقع اللاثورة، مجلة المستقبل العربي، عدد 427، سبتمبر 2014، ص 81.

[5] ـ جورج قرم ، الاقتصاد السياسي للانتقال الديمقراطي في الوطن العرب ، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ع 426، أغسطس 2014، ص 19.

[6] ـ يعتقد هاشم صالح أن الثورات العربية لم تنتج إلا الماضوية،  لم تقطع مع الحضور التراثي المكبل في عالم متغير يحتاج إلى ثورة تستلهم ذاتها من الفلسفات التي سبقتها، من أجل تجاوز مثبطات تخلفها، انظر لمزيد من التوسع: الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ ، ط 1 ، دار الساقي   2013.

[7] ـ عبد المالك ورد، في مشروعية الحركات الاجتماعية الجديدة، على الرابط :File:///c:/Users/pv/documents/موقع أرنتروبوس ^^blogarchive.htm

[8] ـ انظر ، التقرير التركيبي للحوار الوطني حول المجتمع المدني  الأدوار الدستورية الجديدة ، 2014، على الرابط التالي.

[9] ـ عزمي بشارة ، المجتمع المدني، دراسة نقدية ، ط 6 ، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات ، بيروت 2012، ص 11.

[10] ـ جون اهرنبرغ ، المجتمع المدني : التاريخ النقدي للفكرة ، ترجمة علي حاكم صالح و حسن ناظم ، ط1، المنظمة العربية للترجمة ، بيروت 2008، ص 334 ، و يؤكد عزمي بشارة أن درجة تركيب الدولة في علاقاتها الداخلية كانت متدنية إلى حد اقتصارها على القوة العارية ، انظر المرجع السابق ، ص 6.

[11] ـ حول مفهوم الربيع العربي ، يرجى الاطلاع على مصلح خضر الجبوري ، جذور الاستبداد و الربيع العربي ، الأكاديميون للنشر و التوزيع، ط1 ، عمان ، الأردن 2014، ص 185 ، و يرى أن ما حدث هو أقل من ثورات بالمعنى المتعارف عليه للثورة ، و أكثر من انتفاضات مطلبية احتجاجية ، ص 191.

[12] ـ جون كلود سانتوشي، التعددية الحزبية المغربية وهيكلة المجال السياسي، ترجمة محمد حمادي ، مجلة وجهة نظر ، س3،ع11، 2001. ص 6.

[13] ـ آدريان راينرت، المجتمع المدني والإشكاليات الاجتماعية ، ترجمة راندا النشار  ماجدة مذكور، عماد نخيلة ، وعلا عبد الجواد ، ضمن : المجتمع المدني والعدالة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2010 ، ص 70.

[14] ـ حياة درعي ، تطور الحركات الاحتجاجية بالمغرب ، مجلة رهانات ، س 8، ع 31، 2015، ص 23.

[15] ـ سعيد بوبيل ، المشروع المدني بالمغرب ، المحددات  الممكنات : تحديد أصول المشروع السياسي والمدني في مسار التجربة المغربية ، مجلة الأزمنة الحديثة ، العدد 11، شتاء 2015، ص 46.

[16] ـ نفسه، ص 54.

[17] ـ المشروع النهضوي العربي ، مجلة النهضة ، العدد 11، ربيع 2016، ص 204.

[18] ـ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية : المجتمع المدني في العالم العربي ، ص 22.

[19] ـ رشيد اليملولي، السلطة و المجتمع المدني في المغرب ، موقع أنفاس، 25 أبريل 2016 ،على الرابط التالي.

[20] ـ رشيد اليملولي، إشكالية المجتمع المدني في المغرب ، جدلية 15/ 10 / 2014.

[21] ـ خير الدين عبادي ، المجتمع المدني و العملية السياسية في دول شمال افريقيا ، كلية العلوم السياسية و الإعلام ، الجمهورية الجزائرية 2011، رسالة مرقونة ، ص 70.

[22] ـ و نقصد هنا جمعيات السهول و الهضاب، وهي إيليغ وأنكاد وأبي رقراق ، والاسماعيلية الكبرى، والأطلس الكبير ورباط الفتح ودكالة وحوض سبو والصويرة موغادور ، وفاس سايس ، وحوض آسفي وأحمد الحنصالي وتاونات الوردزاغ ، وهذه الجمعيات أشرفت عليها عائلات مخزنية وأعيان مقربة : انظر عبد الرحيم العطري ، صناعة النخبة في المغرب ، دفاتر وجهة نظر ، السنة 9 ، ط 1 ، 2006 ، ص 139 ـ 140 هامش 147.

[23] ـ أسامة الزكاري، هل انتهت فعلا حركة 20 فبراير؟ مجلة رهانات ، السنة 8، العدد 31، 2015، ص 6.

[24] ـ عزمي بشارة، المجتمع المدني ، ص 299.

[25] ـ عبد الإله سطي، أسئلة حول فرضية الانتقال الديمقراطي بالمغرب، المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية ، ص 10.

[26] ـ عبد العالي بوزبع، قراءة في مفهوم الحكامة الجيدة، ضمن المجتمع المدني و الحكامة الترابية، منشورات الملتقى الثقافي لمدينة صفرو تنسيق محمد الزرهوني ومحمد البقصي ، ط1 ، أبريل 2012، ص 7.

[27] ـ عبد الإله سطي ، أسئلة حول فرضية الانتقال الديمقراطي ، ص 6.

[28] ـ محمد فال السباعي ،تطور شرعية التغلب في دساتير الدول الإسلامية ، مجلة أبحاث ، ع 61ـ62، 2015،  ص 112.

[29] ـ خير الدين عبادي ، المجتمع المدني والعملية السياسية ، ص 116 ، 117.

[30] ـ جون إهرنبرغ، المجتمع المدني، ص 328.

[31] ـ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التقرير السنوي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2013،يونيو 2014، ص 17.

[32] ـ التقرير التركيبي للحوار الوطني حول المجتمع المدني، ص 33.

[33] ـ خير الدين عبادي، المرجع السابق ، ص 80.

[34] ـ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمكتب الإقليمي للدول العربية، تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2016 : الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير، ص 56.

[35] ـ بوطيب بناصر وهبة العوادي، الحماية الدستورية لحرية التعبير في الدول المغاربية : دراسة حالة تونس ، الجزائر ، المغرب ، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية ،  العدد 446، أبريل 2016، ص 61.

[36] ـ حول الأرضية القانونية الخاصة بتقديم الملتمسات التشريعية يرجى الاطلاع على التقرير التركيب للحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية ، ص 2.

[37] ـ عبد الإله سطي، المرجع السابق ، ص 9.

[38] ـ زهير البحيري، المجتمع المدني : التنمية والحكامة : العلاقة والإشكاليات ، ضمن المجتمع المدني والحكامة الترابية ، ص 33.

[39] ـ خير الدين عبادي، المرجع السابق ، ص 55.

[40] ـ نفسه، ص 57.

[41] ـ حسن مجدوبي، ملف الصحراء: العوامل المتحكمة في مسار نزاع اقترب من نهايته ، وجهة نظر ، السنة 19 ، العدد 58 ، خريف 2013، ص 11.

[42] ـ حول مزيد من التفاصيل انظ : عمر الربيب، تفاعلات قضية الصحراء في ضوء التقارير الدولية الحقوقية ، مجلة وجهة نظر ، السنة 19 العدد 58، خريف 2013.

[43] ـ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خاصة تقريرها السنوي لعام 2013 و 2014.

[44] ـ انظر الجمعية المغربية في تقرير سنة 2013 ، ص 16، و تقرير سنة 2014 ، ص 9.

[45] ـ حياة درعي، تطور الحركات الاحتجاجية بالمغرب ، ص 24.

[46] ـ توفيق عبد الصادق، حركة 20 فبراير الاجتماعية بالمغرب في ضوء نموذج للتفسير، مجلة رهانات، السنة 8 ، العدد 31 ، 2015، ص 14

[47] ـ محمد فال السباعي، تطور شرعية التغلب في دساتير الدول الإسلامية ، ص 120.

[48] ـ و تتمثل هذه الخطوات  التي تماشت مع مراحل الحركة الاحتجاجية التي أعلنتها حركة 20 فبراير في ؛ التزام المصاحبة والمرافقة بدل المناهضة والمطاردة ، واستعادة زمام المبادرة بتفعيل المنهجية الاستباقية في خطاب 9 مارس 2011، ونهج مقاربة تشاركية في صياغة الدستور الجديد ،  استثمار مخزون القدرات التكيفية والاغتراف من رصيد التجارب الإجماعية ، انظر محمد الأخصاصي ، الإصلاحات في المغرب ، الحصيلة  المستقبل ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 444، فبراير 2016، ص 26 ـ 27 ـ 28 ـ 29.

[49] ـ تسجل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي لعام 2013  ، العديد من التراجعات في الملف الحقوقي والسياسي ، خاصة  مشروع المدونة الرقمية لمراقبة الأنترنيت، تهريب الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان ،عدم تنزيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بالشق السياسي ، واستمرار الاعتقال لأسباب سياسية ( 317 حالة ) ، انظر ص 17 ـ 19 ـ 25. بالإضافة إلى التصويت على مشروع قانون العدل العسكري سنة 2014 ، واستمرار الاعتقال لأسباب سياسية (251 حالة ) انظر تقرير الجمعية الخاص بسنة 2014

[50] ـ توفيق عبد الصادق ، حركة 20 فبراير الاحتجاجية في المغرب ، مكامن الاختلال وإمكان النهوض ، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات  الوحدة العربية ،ع 426، أغسطس 2014، ص 70.

[51] ـ محمد الأخصاصي ، الإصلاحات في المغرب، مجلة المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ع444، فبراير 2016،ص 50.

[52] ـ التقرير التركيبي للحوار الوطني ، ص 22.

[53] ـ زهير الخويلدي ، المجتمع المدني بين الخروج عن الجمعانية والمرافعة عن الفردانية ، مجلة ذوات ، مؤسسة مؤمنون بلا حدود ، العدد 22،  2016 ، ص 28.

[54] ـ توفيق عبد الصادق ، حركة 20 فبراير الاحتجاجية بالمغرب في ضوء نموذج للتفسير ، ص 8.

[55] ـ زهير البحيري ، المجتمع المدني : التنمية و الحكامة : العلاقة والإشكاليات ، ص 39.

[56] ـ عزمي بشارة ، المجتمع المدني ، ص 18.

[57] ـ يرى صامويل هانتنغتون أن هناك ثلاثة أنماط من التحول، نمط التحول وتلعب فيه النخبة أو السلطة الحاكمة الدور الرئيس في التحول نحو الديمقراطية ، نمط الإحلال ويكون التحول فيه بمبادرة من المعارضة نتيجة تصاعد قوتها،  نمط الإحلال التحولي ، ويحدث نتيجة حدوث توازن في قوة كل من المعارضة  النخبة الحاكمة ، ويكون التحول فيه بطريقة توافقية .انظر خير الدين عبادي ، المرجع السابق ، ص 76.

[58] ـ سعيد بوبيل، المرجع السابق ، ص 57، 58.

[59] ـ محمد بن يعيش، دور المجتمع المدني في إرساء أسس دولة القانون من منظور يورغن هابرماس ، مجلة الأزمنة الحديثة ، العدد 11، شتاء  2015، ص 58ـ 59.

[60] ـ أدريان راينرت ، المجتمع المدني والإشكالات الاجتماعية ، ضمن المجتمع المدني و العدالة ، ص 71

[61] ـ عزمي بشارة ، المرجع السابق ، ص 9.

[62] ـ تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2016، ص 31.

[63] ـ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تقرير استدامة منظمات المجتمع المدني لعام 2012 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، ص 9، 37 .

[64] ـ نفسه ، ص 40 ، و في السياق ذاته يشير التقرير الذي أنجزه النسيج الجمعوي المغربي مع المنظمة الدولية " سيفيكوس " و بدعم من وزارة التنمية الاجتماعية و الأسرة و التضامن و برنامج الأمم المتحدة للتنمية ، إلى أن تأثير جمعيات حقوق الإنسان وصل إلى 42% ، و لذلك يوصي بتخصيص 1% من الميزانية العامة للنهوض بالعمل الجمعوي .

[65] ـ محمد الزهراوي ، دستور 2011و إشكالية التأويل ، مجلة وجهة نظر ، السنة 19 ، العدد 58 ، خريف 2013 ، ص 48 ، و حول دور و أساليب اشتغال المؤسسة الملكية و مقومات استمرارها في المجال السياسي المغربي ، انظر مجلة نوافذ ، العدد 24 ، أكتوبر 2004.

[66] ـ عبد المالك ورد ، في مشروعية الحركات الاجتماعية الجديدة ، الرابط المشار إليه سابقا .

[67] ـ محمد الزهراوي ، المرجع السابق ، ص 46.

[68] ـ و نقصد تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لسنة 2013 و 2014 .

[69] ـ التقرير التركيبي للحوار المدني ، ص 37.

[70] ـ نفسه و الصفحة .

[71] ـ التقرير التركيبي للحوار الوطني حول المجتمع المدني ، ص 38.

[72] ـ توفيق عبد الصادق ، حركة 20 فبراير الاحتجاجية في المغرب ، ص 79

[73] ـ عبد الإله بلقزيز ، " الربيع العربي " جردة حساب أولية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، مجلة المستقبل العربي ، ع 447، ماي 2016 ص 32،34.

[74] ـ محمد الأخصاصي ، الإصلاحات في المغرب ، ص 25 ، و يضيف أسبابا أخرى منها راديكالية النشأة و ثنائية التشكل و الريادة ، و التباس التوجهات الخاصة بالحركة ، ص 23 و 24 و 25، و يؤكد الأستاذ توفيق عبد الصادق إلى جانب ذلك فعالية خطوات النظام السياسي وتطويق الحركة الاحتجاجية ، انظر مقال حركة 20 فبراير الاحتجاجية في المغرب ، ص 85.

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • الثورة الافتراضية

      الثورة الافتراضية

      ارتبط الاحتجاج بخلل انتاب المشاريع السياسية، والأنظمة التي تحتضنها من خلال العجز عن جسر الهوة بين القول السياسي والفعل المرتبط به. أي غياب الانسجام بين المشروع السياسي والحالة الاجتماعية والاقتصادية، بشكل قد يوحي بأن المجال السياسي محكوم بالانقلاب والارتجاع عن لحظة الخطاب السياسي، مما أفرز في الواقع "حكرة" تلتقي عندها المضامين السياسية والاجتماعية والنفسية، في ظل تنامي الفارق الخرافي دال النسيج الاجتماعي.

    • الذاكرة المجروحة

      الذاكرة المجروحة
      لم تستطع التجربة السياسية المغربية أن تؤسس ذاتها بعيدا عن القوة والمخزنة، وتكاد أدبيات هذه التجربة أن تعلو على كل التجارب ،في المجال الثقافي والحقوقي والاجتماعي؛ أي أن أوفقير وإدريس البصري والدليمي ع
    • الحركة الاحتجاجية في المغرب

      الحركة الاحتجاجية في المغرب
       يبدو أن الحركة الاحتجاجية في المغرب مدينة في روحها وأفقها لتراث نضالي، لا يرتبط بفترة محددة، ولا ينزع نحو المعجزة؛ بمعنى أنه استمرار وامتداد للثقافة النضالية التي أرسى قواعدها العديد من الفاعلي

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬