حاوره: جان دوست
لنبدأ من كورونا وهذا السؤال التقليدي: كيف تقضي يومك مع هذه الأزمة؟
أعتقد أنه لا أحد كان يتوقع ذلك! هذا الوضع الرهيب وحد الناس في جميع أنحاء العالم. أخبرني والدي عن تجربته في الحرب العالمية الثانية، وكنت مندهشًا دائمًا من قوة تجاوزه تلك المحنة وقضائه بعض العمر بذلك الشكل القاسي من الحياة. الآن إنها حرب جديدة. وعلينا أن نستمر في العيش معًا.
أنا أقضي أيامي كما أفعل عادة: الكتابة والقراءة ومشاهدة الأفلام. آمل أن تنتهي هذه الأزمة ويعود الجميع إلى حياتهم الطبيعية!
إيطاليا هي الدولة الأكثر تضررًا. هل يمكن أن توضح لنا بعض الأسباب؟
لا، لا أستطيع أن أشرح أو أوضح أي شيء بصدد هذا الوضع الغريب! لا أستطيع إلا أن أعتقد أن "شخصًا" (الحكومة ربما، لا أعرف) بالضبط كان يمكن أن يكون أكثر قدرة على مواجهة هذا الفيروس. إلى الآن لا أستطيع أن أفهم كيف أن الفيروس في إيطاليا أصبح قاسيًا إلى هذه الدرجة!
الكتابة حوار..
على الرغم من الفجيعة وعدد الضحايا الكبير، يحتفل الإيطاليون ويغنون ويبتهجون. هل لهذا الأمر جذور في الثقافة الإيطالية؟ هل هو تقليد متبع؟
نعم فنحن نعتبر بلدنا "بلدَ الشمس". وغالبًا ما نغني عندما تكون لدينا لحظات سيئة في حياتنا! قد يكون هذا شكلًا من أشكال المقاومة. إننا نشعر جميعًا شعورًا واحدًا يعبر عن طبيعتنا الإيطالية وثقافتنا بالطبع. كانت فرقة البيتلز تقول: "كل ما تحتاجه هو الحب". والشعب الإيطالي يملك كثيرًا من "الحب" في الأغاني والشعر وتتدفق في عروقه دماء الحياة بغزارة.
نعود الآن إلى الشعر. لديك مجموعات شعرية كثيرة ... لماذا تصر على كتابة الشعر؟
لا يمكنني اعتبار الشعر هواية فقط. بل أعتبر الشعر حياتي! لقد نشرت حتى الآن مئة كتاب، من بينها العديد من كتب الشعر وترجمات شعراء آخرين حول العالم. أنا لا أصر على كتابة الشعر، أنا أعيش في الشعر وللشعر، أعمل لأنني أعتقد أنني لم أخن كينونتي. أعتبر نفسي صياد الحقيقة في العالم وأسعى إلى المعرفة التي هي الحقيقة المقصودة. وفرت لي عائلتي أفضل بيئة لتعلم الكتابة! فعندما كنت طفلًا صغيرًا، رأيت والدي ووالدتي يكتبان ويقرآن ويكتبان ويقرآن في دورة تتكرر. بعد ذلك أدركت أن لدي نفس الاهتمامات ووجهات النظر. عندما كنت لا أزال فتى صغيرًا أحببت كتابة شيء عن نفسي وإعطاء ما كتبته لشخص يمكنه أن يفهمني ويتقاسم معي تجارب الحياة لكي أنمو كرجل من هذا العالم. إن حياتي في تواصل مع حيوات الآخرين على أمل التقاط المفتاح الذي يفتح طريق للوصول إلى مكان ما والعيش مع كل شخص قادر على استقبال وفهم صوتي حتى يصبح صوته الخاص.
المجد للرواية والشعر ينحسر. هل توافق على هذه المقولة الدارجة حاليًا؟
أعتقد أن الرواية أكثر نجاحًا وجذبًا للجمهور، كما هو الحال في إيطاليا أيضًا. وذلك لأنها "أسهل" - ويمكن للناس أن يجدوا أنفسهم بشكل أفضل في "بطل" أي رواية. الشعر يتطلب مزيدًا من الاهتمام! بالإضافة إلى ذلك فإن جمهور اليوم يتأثر بشكل عام بالفنون "الافتراضية" مثل الأفلام والصور والمقاطع والإعلانات التلفزيونية وما إلى ذلك. أعتقد أنه لن تبقى هناك مساحة كافية للأدب خلال وقت قصير، إذا لم نتمكن من التصدي لهذا الوضع.
لا "مدارس" شعرية في إيطاليا
تمت ترجمة بعض قصائدك إلى لغات عديدة. كيف تشرح لنا أهمية ترجمة الشعر؟
الكتابة حوار. يجب أن تكتب لتتعرف إلى الإنسانية. هذا كل ما في الأمر. يجب أن يكون الغرض الرئيسي من الكتابة اليوم هو ربط الناس بعضهم ببعض. خاصة في عصرنا الذي تضررنا فيه بشدة من إمبراطورية التلفزيون وهيمنة الإعلانات والثرثرة والتزييف حتى في السياسة! في هذا العصر تستحوذ رؤى غريبة على عقولنا ومخيلاتنا.
أنا أحب استكشاف وإدراك أنواع مختلفة من التعبير في الفن. يمكن للأدب والشعر أن يوفرا فرصًا للناس، ويمكن أن يمنح الشعر متعةً حقيقية للبشر، بل ويستطيع أن يثير لديهم الروح المعرفية. في مجتمعنا متعدد الثقافات، يمكن أن تكون الثقافات الأخرى والفن بشكل عام أفضل الجسور. إن "الصهر الثقافي" يشكل في بعض الأحيان خطرًا على الثقافات الأخرى ويمس أمنها. لذلك فإن الاندماج أفضل من الصهر والتوحيد.
الأدب، اليوم، يعني الحرية. المعرفة الحقيقية للشباب في هذا العصر تكمن في أنماط قراءاتهم. أنا أحب أن أتعرف إلى شعوب أخرى، إلى شعراء آخرين ولغات أخرى وأيضًا إلى أنواع أخرى من التعبير في الفن والشعر. أحتاج إلى الترجمة من أجل تطوري الشخصي. لقد ترجمتُ شخصيًا أعمال 77 شاعرًا من جميع دول العالم.
لا أعرف ما إذا كانت هذه هي الطريقة الصحيحة للنجاح (لماذا النجاح؟ ربما أقول لنفسي. وفي الواقع الشعر ليس نجاحًا). ربما "مع الشعر تكسب نفسك"، كما قلت ذات مرة في فرنسا قبل عشر سنوات. قلت للتلاميذ الصغار في إحدى المدارس: الشعر هو هدف حياتك. وبدلًا من الحديث عن النجاح أحب التحدث عن النماء والتطور. قراءة أعمال الجميع هي الحياة. معرفة الشعر المكتوب في اللغات الأخرى هو السبيل الذي يمكن أن يغير حياتنا.
ما هي قضايا واهتمامات الشعراء الإيطاليين اليوم؟
أنا أعرف الكثير من الشعراء الإيطاليين المعاصرين. أقصد أنني أعرف الذين هم على قيد الحياة. لقد عرفت في السنوات الأخيرة بعض الشعراء المهمين الآخرين (Luzi ، Caproni، Zanzotto، Raboni). كلهم لم يكونوا منتمين إلى "مدرسة" الشعر الإيطالي، والتي لا وجود لها في الواقع. كل شاعر منهم كتب وعاش ما يستطيع، كما أراد أن يكتب ويعيش.
بعد الهرمسية (تيار الشعر المستعصي في زمن الحرب العالمية الثانية)، لم تنشأ لدينا مدرسة شعرية أخرى، ولكن كان لدينا الكثير من "البحث والبحث" حتى من دون غرض حقيقي، من دون نية أو غاية ما. أما الآن فهو عصر نشر الشعر على الإنترنت. لا مدرسة شعرية، ولا ريادة شعرية، ولا مواضيع قيمة. في إيطاليا ليست لدينا "مدارس" شعرية، لكن عندنا هذا النوع من "الحميمية" في الشعر: كل شاعر يكتب حياته وعواطفه و "أمله وإرادته". لا توجد "إيقاعية" كلاسيكية. الناس الذين يقرؤون الشعر اليوم في إيطاليا هم أنفسهم الشعراء الذين يكتبونه. ليست هناك مساحة كبيرة لتداول الشعر.
هل يمكن مقاومة بشاعة الحروب والأوبئة بجمال القصائد؟
في اليونان القديمة كان بعض الشعراء قادرين على تحريك الناس بأشعارهم وترانيمهم.
في القرنين السابع عشر والثامن عشر برز مرة أخرى بعض الشعراء والروائيين القادرين المبهرين في هذا الفن النبيل.
الآن لا أعتقد أن ذلك ما زال ممكنًا حقًا. ربما الذي بقي في متناول اليد هو مجرد الحصول على استراحة قصيرة من "القبح" ومن "المرارة" المنتشرة في عالمنا.
جوزيبي نابوليتانو في سطور..
ولد جوزيبي نابوليتانو في مينتورنو (1949) ويعيش في فورميا، لاتسيو، إيطاليا. متزوج من ايرين فالون، شاعرة وممثلة. لديهم ابنة، غابرييلا.
خريج من كلية الفنون في جامعة روما في عام 1972، وكتب أطروحة في المسرح الفرنسي السريالي عمل مدرسًا للأدب الإيطالي واللاتيني لمدة 33 عامًا.
منذ عام 2006 ينشر سلسلة من كتيبات ومقالات بالإضافة إلى نشر العديد من ترجمات الشعراء المتوسطيين. في عام 2008 أسس الجمعية الثقافية "La stanza del poeta" التي نظم من خلالها لسنوات عديدة "أصوات البحر الأبيض المتوسط"، وهو مهرجان دولي للشعر في الجزء الجنوبي من مقاطعة لاتينا. وله أكثر من مئة كتاب ومجموعة شعرية.