السرورية: ماهو أبعد من سرور

السرورية: ماهو أبعد من سرور

السرورية: ماهو أبعد من سرور

By : Abdullah F. Alrebh د. عبدالله فيصل آل ربح

المزيج المتأسلم

شكلت موجة هجرة مجموعة من الإخوان المسلمين العرب للمملكة العربية السعودية حراكا بين الشباب السعوديين سببه تلقيهم لنوعية جديدة من الطرح الإسلامي تختلف عن ذلك الطرح الذي كان لفترة طويلة ينحصر في إطار الدعوة الوهابية الملتزمة بالطاعة لولي الأمر الذي تمت مبايعته وفق الطريقة التقليدية لمنهج أهل السنة والجماعة. وهذا هو الفارق الجوهري بين الدعوة الوهابية وحركة الإخوان المسلمين، الارتباط بولي الأمر و"لزوم الجماعة".[1] بالتالي، فإن عناصر الإخوان المسلمين القادمين من الدول العربية المجاورة قد اخترقوا مشهدا يختلف عن الذي عهدوه في الأنظمة الجمهورية\العلمانية التي تحكم دولهم. نستطيع القول إنهم قد دخلوا تحديّا لتحريك المياه الراكدة في الوسط الديني السعودي والذي يتعامل مع الموضوع السياسي على أنه ضمن الشؤون المختصة بولي الأمر ومن يثق بهم، وأنه يجدر بطالب العلوم الشرعية الابتعاد عن الخوض فيما هو منوط بولي الأمر\الملك ومن يُنيبه عنه في شؤون الدنيا بما فيها الاقتصاد والسياسة.

كثير ممن تناولوا الإسلام الحركي والحركات الجهادية نسبوا التطرف الإسلامي السني إلى أتباع الدعوة الوهابية أو للإخوان المسلمين بفرزٍ يكاد يكون سطحيا في كثير من الأحيان. الواقع، إن الدعوة الوهابية هي الوجه الديني لتأسيس كيان الدولة السعودية بنسخها الثلاث، ومعظم تراثها شفاهي وليس مكتوبا. ولكن الثابت ارتباط رموز الدعوة بطاعة ولي الأمر\الملك السعودي والثقة فيه لتدبير الأمور الدنيوية. بالمقابل، فإن الإخوان المسلمين يرون في "الجماعة" قيّما على شؤون الدين والدنيا. وبالإضافة لموقفهم الحاد من الأنظمة العسكرية، فإننا نقرأ لسيد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعية" موقفا سلبيا من الأنظمة الملكية وذلك من خلال نقده فكرة توريث الحكم الذي بدأ التاريخ الإسلامي مع الدولة الأموية، مما يجعل هذه الفكرة القطبية مناقضة لأسّ الدعوة الوهابية القائمة على البيعة للأمير\ولي الأمر. [2] وبالطبع فإن سيرة جماعة الإخوان توافق موقف قطب من نظام الحكم الملكي وتفضّل نظام شورى الجماعة، والذي لا يوافق الديموقراطية هو الآخر، إذ إنه يحصر القرار في نظام أوليغارشي مغلق يقوم على الثقة دخل إطار الجماعة. والواقع أن الإسلاميين السنّة بشكل عام لم يكونوا محصورين في توجه نقي للسلفية بنسخها المتعددة ومنها الوهابية، أو للإخوان المسلمين بتنظيماتهم المنتشرة في العالم. المنطقة الرمادية التي تجمع بين السلفية والإخوان هي الغائبة عن كثير من الباحثين.

فوارق الأولويات بين: السلفية الوهابية والإخوان المسلمين:

الجدول التالي يوضح أهم الفروقات بين السلفية المتبعة لدعوة محمد بن عبد الوهاب والإخوان المتبعة لفكر حسن البنا وسيد قطب: 

نطاق الأولويات

السلفية الوهابية

الإخوان المسلمين

رأس الأولويات

العقيدة النقية (التوحيد)

الحاكمية

العدو

داخلي: التيارات المنتمية للإسلام التي لا تتبع منهج "السلف الصالح" كالشيعة والصوفية.

خارجي: الغرب الكافر، الماسونية، الصهيونية.

داخل: العلمانيين المؤيدين للعدو الخارجي.

مجال التركيز

الداخل السعودي

الأمة الإسلامية

العملية السياسية

يغلّبون الشرع في طرحهم عن طريق تفويض الحاكم للقيام بأمور الحكم وكل ما يتعلق بالسياسة الخارجية، كونه ولي الأمر والاعلم بمصلحة الناس.

يطوعون الشرع ليتناسب مع السياسة عن طريق مواءمة الحكم الفقهي مع المصلحة السياسة.

إنكار المنكر

النصيحة السرية للحاكم

تجنب المحرم شرعا وإن قبلته الدولة (مثل البنوك الربوية) على أساس ديني دون عمل معارض.

المجاهرة بإنكار المنكر على الحاكم وطلب إيقاف المنكر بشكل رسمي ولا يكتفى بالمقاطعة الفردية؟

ما يترتب على وجود المخالف للشرع

يرونه نقطة سلبية لا تؤثر في شرعية الحاكم الذي ربما اضطر لقبول مثل هذه المنكرات كالبنوك الربوية.

يرونه سببا كافيا لنزع شرعية الحاكم أو نزع صفة الإسلامية عن الدولة.

الجمهور

جاهز للتعبئة

يقوم بالتعبئة

السرورية في السعودية

رأى كثير في السرورية أنها مزيج بين السلفية بعباءة محمد بن عبد الوهاب والإخوانية ببدلة سيد قطب. [3] ولن نكرر هنا ما تكرر طرحه في كتابات سابقة حول هذا الموضوع، ونؤكد على ما طرحناه في مقال سابق حول تزاحم الفكرين وتقاطع المصالح بينهما مما جعل علاقتهما تكاملية وليست تنافرية. [4] كان هذا في بداية دخول حركة الإخوان للسعودية وكونهم مجرد ضيوف وفرت لهم المملكة ملاذا آمنا وعيشا كريما ومنابر لطرح أفكارهم، وكان كثير منهم ممتنا أو على الأقل مقدّرا لهذا الدعم السخي. غير أن بعضهم كان يصرّح بأفكاره القطبية والتي تنادي بوجوب اجتثاث كل ما هو "غير إسلامي" بحسب وجهة نظره، وكان النقد يتوجه لأمور ثانوية مثل ربوية البنوك وبعض ما يُبثّ في الراديو والتلفزيون من أغانٍ ومسلسلات، حتى وصل الأمر إلى حرب تحرير الكويت في عام ١٩٩١ وما جلبه من تداعيات.

تنسب السرورية إلى محمد سرور زين العابدين معلم الرياضيات المنتمي لتنظيم جماعة الأخوان في سوريا التي غادرها عام ١٩٦٥هربا من حكم حزب البعث من جهة، ومن خلافه مع جماعة الإخوان على خلفية أحداث حماة والموقف الميداني الذي يتوجب اتخاذه في مواجهة البعثيين من جهة أخرى. والغريب إن موقف سرور لم يكن مؤيدا للإفتاء بالجهاد ضد نظام الحكم في بلده، بينما تنامت جرأة الطرح لديه ضد نظام الحكم في السعودية من خلال مجاهرته بعدم إسلامية بعض القطاعات! مكث سرور في السعودية لمدة ثمان سنوات وبعد اختلافه مع مناع القطان (أحد إخوان مصر الذي هاجر للمملكة وحصل على الجنسية السعودية)، فقد سرور وظيفته فانتقل للكويت ليعمل في مجال الإعلام والدعوة وساهم في تحرير مجلة المجتمع ذات التوجهات الإخوانية. [5]   

في الكويت التزم سرور التقية بعدم استفزاز حكومتها تحسبا لأن يلقى المصير الذي لاقاه في السعودية. وألّف كتابه الأشهر "وجاء دور المجوس" ونشره باسم مستعار "عبدالله محمد الغريب". ميزة هذا الكتاب أنه لم يتعامل مع إيران سياسيا بل عقديا مما ساهم في التعبئة الطائفية في المنطقة. ولعل من أهم آثار سرور أنه الشخص الذي أتى بمصطلح "المجوس" لتكون الوصمة التي يستخدمها الصحويون ضد الشيعة ككل وليس إيران فقط. لم يطل صبر سرور على العمل بالتقية في الكويت لفترة طويلة، فغادرها للندن عام ١٩٨٤ ليمارس نشاطاته بشكل أكثر علنية.

لعلنا لا نبالغ إن قلنا، إن دور سرور التعبوي داخل المملكة-إبان فترة إقامته فيها- لم يتعد بناء شبكة الود مع الشباب الصحويين الذين تأثروا به في بداياتهم. إن الدور التعبوي الحقيقي لسرور كان بعد انتقاله إلى الكويت ومساهمته في تحرير مجلة المجتمع بوجهها الأممي التعبوي، وقد وصل دوره مداه بانتقاله إلى لندن وإصداره مجلتي البيان ثم السنّة النبوية والتي من خلالها خاطب جمهوره في السعودية والكويت. كانت مجلة السنّة تشن هجوما لاذعا على القيادة السعودية، مما جعل كتابها السعوديين يتخفون وراء أسماء مستعارة كما حصل مع سلمان العودة الذي كان يكتب تحت اسم أبو معاذ الخالدي، وهو الاسم نفسه الذي كان يستخدمه لنشر قصائده الشعرية في بداياته. [6] كانت كتابات الصحويين في الداخل والخارج بمثابة تدريبات على المعارضة للحكم في بلادهم وتشكيكا في شرعيته. وعليه، فإن تأثير محمد سرور على الجيل الصحوي لا ينحصر في ذاته، بل يتعدى ذلك إلى الإمكانيات المؤسسية التي مكنته وهو في لندن من توجيه النقد لحكام الخليج دون تقية، ولاستقطاب الدعاة الشباب ليمارسوا الكتابة الثورية ويؤثروا على محيطهم الاجتماعي الذي كان وقتها يستقبل المقاتلين العائدين من أفغانستان.

الشرارة التي قدحت نار السرورية

في هذا السياق استخدم سرور الذي يعترف بمحدودية علمه الشرعي سلاح المزايدة على علماء الدعوة الوهابية في التزامهم بمبدأ "الولاء والبراء" فيما يخص تعامل حكومة بلادهم مع الولايات المتحدة. ولكن اسمه ظهر بقوّة مع صعود نجم التيار المسمى باسمه "تيار السرورية" بعد غزو نظام صدام حسين للكويت في أغسطس ١٩٩٠. [7] وقتها جاهر سرور بشجبه لاستعانة الملك فهد بقوات التحالف لتحرير الكويت ودحر أطماع صدام في بقية دول الخليج، وردد مجموعة من طلبة سرور هذا بشكل علني، خصوصا بعد تحرير الكويت، إذ طالبوا برحيل القوات الأجنبية فورا، في الوقت الذي كان وجود تلك القوات مهما لأن الصورة لم تتضح حول إمكانيات صدام العسكرية بعد خروجه مهزوما من الكويت. لم تكن الحسابات السياسية مهمة للصحويين الذين وافقوا سرور في مواقفه المعلنة ضد الوجود الأمريكي في المنطقة. نقول هنا وافقوا وليس اتبعوا، لأنه من غير الواقعي نسبة كل ذلك الحراك لشخص محمد سرور الذي لا تتسع كاريزمته لكل ذلك التأثير!

بالعودة إلى سياق المشهد السعودي في بداية التسعينيات، نجد أن المشهد كان مكتظا بمجموعة عوامل محفزة للصحويين ليواجهوا الدولة. نذكر منها:

١- عودة المقاتلين من جهادهم في أفغانستان مشبعين بعقيدة جهاد الكفار ومنتشين بما رأوه نصرا مؤزّرا على الشيوعيين الملحدين والاتحاد السوفيتي بعدته وعتاده. هذا ما دفع أسامة بن لادن ليطلب من الملك فهد والأمير سلطان وزير الدفاع أن يوكلوا إليه مهمة مواجهة جيش صدام وتحرير الكويت عوضا عن الاستعانة بالقوات الأجنبية، وكان ردهم ليّنا بشكره على عرضه خدماته مذكرين إياه بأن المقارنة بين ما حصل في أفغانستان وما يحصل في الكويت غير واقعية بسبب اختلاف الظرفين، وبأن الدولة ستتخذ الإجراء الذي يصب في مصلحة البلاد. [8] كان موقف الملك فهد طعنا لكبرياء جماعة كاملة مثّلها بن لادن الذي يعلم قبل غيره أن مواجهة السوفييت لم تكن لتنجح بدون الدعم الأمريكي الواضح، الذي وصفه لاحقا بأنه "تقاطع مصالح".

٢- تزايد شعبية الوعّاظ السعوديين المنتمين للمدرسة القطبية وعلى رأسهم سفر الحوالي الذي كان يركز في خطابه على مؤامرة الغرب الكافر ضد المسلمين وعلى أهمية مواجهة المخططات الغربية. وقتها كان الحوالي رئيسا لقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة أم القرى. والأمر نفسه ينسحب على ناصر العمر الذي كان يدرّس في جامعة الإمام محمد بن سعود، وعلى سلمان العودة-أحد أبرز تلامذة سرور [9] والذي حافظ على علاقة متينة معه حتى وفاته عام ٢٠١٦- الذي لم يكن قد تحصل على الدكتوراه بعد ولكنه كان يمارس الخطابة بشكل جاذب في القصيم، وكذلك عايض القرني وعوض القرني وغيرهم. كل هؤلاء الدعاة الشباب كانوا جاهزين للانفجار وينتظرون الشرارة التي تشعل لهيب غضبهم. وعليه ليس غريبا أن نجد باحثا مثل ستيفان لاكروا في كتابه "زمن الصحوة" يذهب إلى أن نواة الاحتجاج موجودة قبل غزو الكويت بسبب نقمة الصحويين على ما كانوا يرونه "مؤامرة غربية مدبرة من العلمانيين للاستيلاء على الدولة"[10] .

هذا الجو المشحون المليء بالشعور بالغبن جرّاء ما يرونه في "بلاد التوحيد" جعل الصحويين يبالغون في المزايدة على إسلامية الدولة. فخطابهم الذي لخصه محمد سرور زين العابدين في مكاشفاته مع قناة الحوار يوضح كمية المزايدة عندهم خصوصا وهم يصفون تأثير العلمانيين التغريبيين على المشهد السعودي. [11]  

وقتها كانت التشدد في الشارع السعودي شديد الوضوح! فمجرد المشي في أوقات الصلاة أو كشف الوجه بالنسبة للمرأة كان سببا كافيا لتدخل رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحتسبين الذين يساعدونهم. بل حتى التلفزيون السعودي لم يكن يسمح بظهور شعر المرأة حتى في دعايات الشامبو! ومع ذلك كان الصحويون يرون بأن العلمانيين التغريبيين ممسكون بالمشهد السعودي! ولعل مرجع هذه النظرة يكمن في مقارنتهم الحياة في "بلاد الحرمين" بالحياة التي يسمعون عنها-وعايشها بعضهم- في أفغانستان وكيف أن المجاهدين يعيشون حياة شبيهة بحياة الصحابة دون أن تشوبهم المواد التي أدخلها "الغرب الكافر" على بلاد المسلمين.

أبعد من محمد سرور

إن نفي محمد سرور لكونه مؤسسا لتيار في محله، فالرجل أقل من أن يؤثر كل هذا التأثير الذي شهدته الساحة السعودية في الربع الأخير من القرن العشرين. وعليه، نستطيع الجزم بكون السرورية تيارا فكريا كان سرور أحد روافده ليس إلا. وقد تحولت التسمية إلى وصمة (stigma) عُرف بها الصحويون الذين زاوجوا بين العقيدة السلفية بنسختها الوهابية وحركية الإخوان المسلمين الذين يحملون أهدافا سلطوية لا تعترف بأنظمة الحكم الموجودة في العصر الحديث سواء كانت ملكية أو جمهورية. ومن ثم، ينبغي التنبه عند استخدام هذا المصطلح، إلى كون الذين قادوا الشغب الأصولي في المشهد السعودي مجموعة من الدعاة السعوديين الذين حاولوا المزاوجة بين فكري محمد عبد الوهاب وسيد قطب عن طريق زيادة جرعة الثقافة الحركية التي تعلموها من مجموعة من أستاذتهم الذين يحملون الفكر القطبي، وأن محمد سرور زين العابدين ليس إلا واحدا من أولئك الذين نقلوا الفكر القطبي للملكة، وليس الوحيد، ولا حتى الأقوى تأثيرا.

وفي الختام، لنأخذ مثالا بمقارنة تأثير سرور بمحمد قطب لنجد الفارق المذهل! فمحمد قطب الذي جاء للسعودية فرارا من بطش جمال عبد الناصر، لم يكن يملك تأهيلا أكاديميا أكثر من بكالوريوس أدب إنجليزي، ومع ذلك تم تمكينه ليشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في مجال الثقافة الإسلامية في جامعة أم القرى حديثة النشأة! وأنتج مجموعة من الطلبة المهووسين بـ "مؤامرات الغرب الكافر" وعلى رأسهم سفر الحوالي الذي لم يتوقف يوما عن الاصطدام بالدولة. ومع ذلك ظل محمد قطب يعيش في المملكة معززا مكرما حتى وفاته عام ٢٠١٤. نستطيع القول بأن سبب التركيز على محمد سرور راجعٌ لصداميته غير المحسوبة مقابل دهاء قطب وأمثاله الذين كانوا يتحركون داخل إطار الممكن دون أن يخسروا ما جنوه من مكتسبات. كان سرور يعيش حياة متوسطة في السعودية ثم في الكويت قبل أن ينتقل إلى بريطانيا ليجاهر بمواقفه التي لم يستطع كتمانها في السعودية وكتم جزءا منها في الكويت ليتنفس الصعداء في لندن التي دخلها عام ١٩٨٤ مستثمرا في مجال الإعلام. ولكن ثمة مجموعة من الأسئلة الذي تفرض نفسها هنا: من أين حصل سرور على الملاءة المالية التي تمكنه من الانتقال إلى لندن مستثمرا وهو الذي قضى حياته موظفا في الخليج؟ هل كان يملك من حس التدبير المالي ما جعله قادرا على الادخار ليقوم بهذه الخطوة؟ وهل كان العائد المادي لمجلتي البيان والسنة كافيا لتسيير أموره؟ أسئلة تحتاج لبحث مستقل ربما يجد طريقه يوما ما.

هوامش

[1] محمد بن عبدالوهاب. مجموعة الرسائل والمسائل النجدية. ١٩٢٨: ١ج، ص ٢٤١.

[2] سيد قطب،‏‏ . "العدالة الاجتماعية في الإسلام/سيد قطب." ١٩٥٤، ص ٨٢.

[3] على سبيل المثال، لا الحصر، انظر: تركي الدخيل.  رحل سرور.. وبقيت السرورية! صحيفة الشرق الأوسط. العدد ١٣٨٧٤، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٦

هدى الصالح. معاصر لمؤسس تيار السرورية بالإخوان يكشف أسرار محمد سرور. العربية نت (حوار مع الشيخ عبدالعزيز اليحيى) ٢٠ نوفمبر ٢٠١٦

ستيفان لاكروا. زمن الصحوة. الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت- الطبعة الأولى ٢٠١٢

[4]عبدالله فيصل آل ربح "المشهد السعودي بين السلفية والإخوان المسلمين

[5] رابط المجلة:https://mugtama.com

[6] من المواقع التي أشارت لهذا المسمى

[7] الحلقة الثالثة من مكاشفات محمد سرور على قناة الحوار

[8] وردت هذه القصة في عدة مصادر، وقد سردها الصحفي الشهير دوغلاس جيل بالتفصيل في مقاله المنشور بصحيفة نيويورك تايمز في ٢٧ ديسمبر ٢٠٠١م

[9] سلمان العودة يؤبن محمد سرور 

[10] سلمان العودة يؤبن محمد سرور:ستيفان لاكروا. زمن الصحوة، ٢ ٢٠١.

[11] مراجعات مع الشيخ محمد سرور زين العابدين 

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬