تنظيم 'الدولة الإسلامية' في العراق: الجلادون المُستعمَرون والساديون الأغراب

[المصدر: موقع زمان الوصل] [المصدر: موقع زمان الوصل]

تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق: الجلادون المُستعمَرون والساديون الأغراب

By : Nerouz Satik نيروز ساتيك

مقدمة

ما كادت الدول القطرية الناشئة حديثًا في العالم العربي -إثر تسويات واتفاقيات استعمارية- أن نالت استقلالها السياسي حتى وقعت تحت أنظمة سياسية استبدادية شمولية ساوت بين مؤسسات الدولة ومؤسسات النظام السياسي. ما جعل من تلك المؤسسات أداة لقمع الشعوب بدلًا من أن يتطور عملها لاستكمال بناء دولة وطنية حديثة متماسكة، تعمل وفق نظام مؤسساتي مستقل. كما ارتكزت تلك الأنظمة على شبكة من العصبيات ما قبل المدنية والاستزبانات الاجتماعية السياسية في تكوين أجهزتها الضاربة، واختراق بنية المجتمع من خلالها، مما عزز عملية إعادة بناء تلك العصبيات وتوظيفها سياسيًا، ما كرس وزاد من قوة هذه الجماعات العشائرية والطائفية والإثنية وحَدّ من ترسخ مفهوم الدولة الوطنية. لقد عملت الأنظمة السياسية الحاكمة في المشرق العربي على إدارة التنوعات الهوياتية بقصد كسب الولاء وديمومة استبدادها، ولو تقاطعت مع بث قيم عروبية في حالتي سورية والعراق، لكنها فشلت في تحقيق التنمية الاقتصادية وغيبت شروط الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وأفقدت المواطنين أغلب قواعد حقوق الإنسان، فلم يكتمل مشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة في المشرق العربي.

إعادة تَخيّل الماضي القريب

أُعيدَ طرح سؤال الدولة في المشرق العربي للنقاش مع الثورات العربية ربيع عام 2011 بما فيه وجودها ذاتها[1].  ومع تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" وسيطرته على أجزاء واسعة من المحافظات العراقية في عام 2014، تداخل النقاش الأكاديمي لإشكالية الدولة العربية مع أسباب صعود تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق". وجد حسن أبو هنية ومحمد أبو رمان في كتابهما (تنظيم "الدولة الإسلامية ": الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية) بأن التنظيم وعنفه نتاج البيئة العربية في واقعها الراهن؛ بسبب سلطوية الأنظمة السياسية وفسادها، والمنظومة الفقهية الفكرية. وهو ما أدى إلى توترات اجتماعية وسياسية، تحولت إلى صراع هوياتي[2]؛ فنتجت "أزمة سنية"، أعادت إحياء تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق". هنا العنف هو نتاج "أزمة سنية" في العراق. لكن كيف يمكن تأويل عنف الميليشيات العراقية الشيعية؛ والذي مارسته منذ الاحتلال الأميركي للعراق 2003، وما زالت تمارسه، أحيانًا قد يكون بطرق غير مباشرة تحت إطار سقف الحكومة العراقية[3]. تمكن هذه المقارنة من الانتقال إلى مقاربة أخرى بعيدة عن ترويج مصطلح "الأزمة السنية" إلى توصيف العنف الجاري في العراق على أنه أزمة وطنية عراقية.

في إطار النقاش الأكاديمي حول تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" رفض حمزة المصطفى في مقالته "الدولة الإسلامية والجهاد في زمن الحداثة: قراءة في المفاهيم والتجارب المعاصرة" العودة إلى الماضي وقراءة نماذج الحكم الإسلامية في التاريخ[4]. فقد نشأ التنظيم في إطار الاشتباك الإسلامي مع الحداثة والدولة الحديثة، وبأن "داعش" ومثيلاتها من الحركات الجهادية مثل جبهة النصرة قد طرحت نفسها نقيضًا للحداثة، وحاولت إنتاج بديل عن الدولة الحديثة، لكنها وجدت نفسها في سياق الحداثة، وأنتجت تجارب لا تختلف كثيرًا عن تجارب "الحداثة المشوهة" أو "الحداثة الرثة"[5]. وفي ذات السياق، يبتعد أحمد دلّال عن النقاشات التي تفكر في بنية المجتمعات العربية وثقافتها إذ يتساءل في دراسته "لاهوت (داعش) السياسي: الأنبياء والمخلّصون المنتظَرون واندثار المنطقة الرمادية)" "لماذا يجدر بنا أن نبحث عن تفسير لوحشية داعش، في سمة أساسية معينة من سمات الثقافة الإسلامية، وليس في السلوك النمطي لرجال العصابات الذين يحتاجون لإظهار القسوة والعنف؟"[6]. إذ يبحث في المبادئ الإيدلوجية للتنظيم بناء على كتب منظريه[7]. ويجد بأن "داعش" يُخضع "محبة الله ورحمته لعدالته"، ويجعل من "التضحية بالنفس وبالغير هدفًا في ذاته". ما يعني بأن لاهوت داعش السياسي تستمد فيه السيادة من "الله ذاته وليس من شريعة الله فحسب"[8]. ومن هنا تنبع القسوة والرعب في فكر وممارسات التنظيم، فكل الأسئلة لها أجوبة يقينية من دون مساءلة عن الأفعال[9]. ويشير في نهاية الدراسة إلى أن التنظيم نتاج نظام إقليمي يعاني من"الحداثة المشوهة" يسوده إجرام مافيوي نابع من دكتاتوية الأنظمة العربية والرأسمالية العالمية[10].

قد يكون المقصود ب "الحداثة المشوهة" هو العيش في ظل نظام اجتماعي وسياسي تسلطي استبدادي تغيب فيه شروط العدالة الاجتماعية. لكن كيف يمكن تأويل انضمام أفراد للتنظيم من دول أوروبا وأمريكا، وهم عاشوا وتربوا في ظل دول عرفت الحداثة وما بعدها. وفي كافة الأحوال، فإن السؤال الذي قد يبدو أكثر أهمية لماذا لجأت مجموعات عراقية وغير عراقية إلى البحث عن تبريرات شرعية يؤولونها على أنها "مستمدة من الله ذاته" لممارسة أقصى درجة من العنف؟ يحيل فالح عبد الجبار في كتابه "دولة الخلافة: التقدم إلى الماضي، (داعش) والمجتمع المحلي في العراق" عودة الجهادية إلى العراق وعنفها إلى فشل الدولة في بناء نظام سياسي يقر بتعدد الهويات[11].  وعلى الرغم من اعترافه بفعل الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 ونقده، لكنه لا يشير إليه سببًا رئيسيًا لتشكل القاعدة وتوابعها في العراق؛ فالغائب عنده بأن هناك حدثًا كولونياليًا أوقف مسيرة الدولة في العراق وغيّر هويتها. صحيح بأن فشل وقمع السلطة البعثية سابق على فعل الاحتلال. لكن لماذا نفترض بأن الدولة كانت ستكمل مسيرة فشلها إن كان قد تم تدمير الدولة بالأصل من قبل قوى خارجية واحتلال البلد. كيف سيكون شكل الدولة العراقية مع الثورات العربية لو لم يحدث الاحتلال الأميركي للعراق؟

ماذا لو جاءت الثورات العربية في زمن لم يشهد فيه المشرق العربي أعمالًا من العنفين الطائفي والسياسي، ولا كان لإيران نفوذ كبير في العراق، ولما وجدت حكومة المالكي لكي تصطف إلى جانب السلطة الحاكمة في سورية، ولم يهاجر العراقيون إلى الدول العربية المجاورة ويرووا مأساتهم لجيرانهم. ربما لالتحق العراق بموجة الثورات العربية في ظل نظام إقليمي مختلف لا نعرف كيف كان سيكون شكله، بتركيبة اجتماعية وسياسية مختلفة عن تركيبته في عام 2011. ليس في العراق وحسب وفي سورية كذلك؛ والتي عاشت على إيقاع سنوات الحرب في العراق[12]. ماذا لو انتفض الشعبان السوري والعراقي في لحظة الثورات العربية ضد سلطة تصنف إيديولوجيًا على أنها بعثية؟ كيف يمكن تخيُّل المشهدين الاجتماعي والسياسي في المشرق العربي؟

لتَخيُّل مقاربة لهذا المشهد سوف نستعين بنتائج استطلاع المؤشر العربي؛ والذي يجريه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنويًا. ظل المجتمع العراقي بغالبيته متمسكًا بخيار الدولة غير الدينية أو المذهبية. تشير نتائج استطلاع المؤشر العربي لعام 2011 إلى أن العراق هو البلد العربي الثاني بعد لبنان الذي يرى مواطنوه بضرورة فصل الدين عن السياسة إذ أن 47% يوافقون جدًا على ذلك و27% يوافقون إلى حد ما ولم يعارضه إلا 5 % فقط[13]. كما لا يجوز تعميم المواقف السياسية وربطها مع الانتماءات الاجتماعية واعتبارها على أنها مسلمات. في استطلاع عام 2012/2013، اعتقد 66.9% من المستجيبين العراقيين "الشيعة" أن الحل الأمثل لحل الأزمة السورية هو تغيير نظام الحكم في سورية في مقابل 82.3% من العراقيين "السنة". وأيد 45.9% من العراقيين "الشيعة" تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة بينما أيدها 88.2% من العراقيين "السنة" كأفضل حل لإنهاء النزاع في سورية. ولم يطرح خيار القضاء على الثورة كأفضل حل للأزمة السورية إلا بنسبة 8.4% عند العراقيين "الشيعة" في مقابل 2.5% عند العراقيين "السنة"[14]. تأتي هذه النسب على الرغم من كل ما حدث في العراق منذ عام 2003، وقد تكون كافية للتعبير عن شعب واحد يرغب بالتغيير السياسي المدني الديمقراطي لذاته وعلى مستوى المشرق العربي عامة.

لم يتحقق ذلك بسبب الاحتلال، وبفضل الاحتلال هاجر أبو مصعب الزرقاوي إلى بغداد (ربما كان قد اعتقل في الأردن أو لم يتطرف إلى هذا الحد من الفكر التكفيري)، ولا توفرت الشروط الاجتماعية والسياسية لنشوء القاعدة في العراق، ولا انتقل الجولاني إلى سورية في عام 2011 وشكل جبهة النصرة، ولا ظهرت داعش ذاتها في سورية. كيف يمكن تخيّل المشهد في سورية لو لم توجد جبهة النصرة وداعش؟ لا ننوي دراسة الحالة السورية في هذه الورقة لأن لها خصوصية معينة تحتاج إلى دراسة موسعة، لكن أغلب الدراسات الأكاديمية قد أكدت بأن الشخصيات القيادية انتقلت من العراق إلى سورية.

ليس الهدف من إعادة تخيل الماضي هو طرح أسئلة تجاوزها الزمن، وإنما البرهنة على أن الحدث والسبب الرئيس على ظهور القاعدة في العراق وعودتها بأشكال ومسميات أخرى أكثر عنفًا هو الاحتلال الأميركي للعراق في 9 نيسان/ أبريل 2003[15]، وأن كل الأسباب الأخرى التي يتم تأويلها على أنها أسباب صعود "دولة العراق الإسلامية" (الطائفية السياسية، التمدد الإيراني في المشرق العربي، وعنف الميليشيات العراقية الشيعية...إلخ) ما هي إلا نتاج الاحتلال وعرضًا من أعراضه. ولذلك يجب دائمًا الإشارة بشكل جازم وقاطع إلى تلك اللحظة التاريخية الكولونيالية وإدانة فعلها الاستعماري العنيف وتحميلها مسؤولية ظهور الحركات الجهادية المتطرفة في العراق وسورية، ومن ثم مناقشة نتائجه وإدانتها؛ والتي أدت إلى المزيد من العنف.

ولموضعة هذه الأفكار في سياقها الأكاديمي النظري، سوف يتم الاستعانة بأفكار المفكر الفرنسي فرانز فانون Frantz Fanon؛ والذي صاغ النقد التحرري المناهض للكولونيالية، وهو بمثابة المرجع الروحي لمدرسة ما بعد الكولونيالية[16]. قدم في دراساته فهمًا لسيكولوجيا العنصرية والسيطرة الكولونيالية خاصة في كتابيه "معذبو الأرض" (1961) و"بشرة سوداء، أقنغة بيضاء" (1952) مرتكزًا على عمله في مجال علم النفس الإكلينكي وتجربته طبيبًا في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي، فأنتج فهمًا لآثار الهيمنة الكولونيالية على نفسية المستعمَر[17]. عندما جاء الجلاد الذي يعذب المقاومين الجزائريين إلى العيادة النفسية لفانون وهو المنضم للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، قَبِلَ فانون الاستماع له ومعالجته. ووجد بأن الجلاد نفسه كان "ضحية عملية نزع الإنسانية التي قامت الكولونيالية بها"[18]. تكمن أهمية مساهمة فانون بنقله النقاش من مفاهيم تضارب الهويات إلى "حقائق" الحكم الكولونيالي وأبعاده النفسية والاجتماعية والاقتصادية في تأويل العنف والعنف المضاد[19]. يُبسط فانون هذه العلاقة "المستعمِر هو الذي صنع المستعمَر"[20] بمبادرته باحتلال أراضي الآخرين وأساليبه في السيطرة والهيمنة وتعيينه لوكلاء عنه في إدارة شؤون البلاد. وهو ما يترتب عليه من نتائج سوف يحاول البحث تأويلها خلال النص.

 وضع فانون تصوره لفهم العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر والعنف الكامن بينهما في ستينات القرن الماضي، ولذلك فإن أفكاره قد لا تكون قادرة على تأويل الظاهرة كليًا، حيث يمكن الاستفادة منها في تقديم مساهمة في فهم الأبعاد الكولونيالية لصعود تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" وعنفها فقط. أما حالة الجهاديين الأجانب بين عناصرها فتقع خارج سياق فهم فانون، وكذلك تطور التقنيات الحديثة عما كان سائدًا حينها مثل تطور استخدام التكنولوجيا. ولذلك سيضطر البحث إلى الاستعانة بمساهمة السوسيولوجي الفرنسي جان بودريار Jean Baudrillard في محاولته لفهم الإرهاب في أحداث 11 أيلول. ينتقد بودريار فهم إرهاب الحركات الإسلامية المتطرفة بتفسيره وفقًا لمبدأ الصفر أي الثأر (فانون ليس ضمن هذا السياق وإن جرى تأويله خطأً مرات كثيرة كذلك[21])، إذ يمنح هذا الفهم الصفري "معنى تاريخياً، سياسياً، دينياً، نفسياً"[22].  لكن ما يغيب عنه هو معنى العمل الإرهابي والشر الكامن فيه. المعنى يكمن في الموت الرمزي وشعائره التي يقدمها الإرهابي على مسرح الجريمة[23].

سوف أستعرض في هذه المناقشة نمطين فقط من الأنماط السوسيولوجية لعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" (العراقيون والأجانب). حيث أن ثمة أنماط أخرى يتكون منها التنظيم مثل "الجهاديين" العرب؛ إلا أن هذه الحالة تحتاج إلى بحث ميداني منفرد في البيئات المحلية التي ينحدر منها هؤلاء المقاتلون، قبل الدخول في نقاش الأدبيات الأكاديمية عنها.

الجلادون المستعمَرون

توضح مبادئ الوثيقة التي نشرها التنظيم في عام 2010[24]؛ تأثير الكولونيالية على المجتمع العراقي[25]. في تقديمه لكتاب "معذبو الأرض" يوضح جان بول سارتر Jean-Paul Sartre "إن هذا الحنق المكتوم يظل يلوب في صدور المضطهدين فيفسدهم هم أنفسهم حين لا يستطيع أن ينطلق". إن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" وأي ميليشيا عراقية أخرى تقتل عراقيين آخرين هي من تمثل هذه الفئة المُفسَدة في المجتمع العراقي. ويكمل "وهم ينتهون من أجل التحرر منه إلى أن يقتل بعضهم بعضًا، فالقبائل تقتتل فيما بينها لأنها لا تستطيع أن تجابه العدو الحقيقي- وفي وسعهم أن يعتمدوا على السياسة الاستعمارية لتغذية خصوماتهم"[26]. فلم يعد من المهم قتال المحتل بلغة التنظيم "الصليبيين" ومن ثم "الصفويين"؛ فلن توجه له إلا رصاصة واحدة بعد اليوم، أما الرصاصات التسع الأخرى فهي موجهة لجميع أبناء الشعب العراقي (الصحوات والمقاومة العراقية وعموم العراقيين الشيعة). يوضح فانون بأن هذا السلوك بقتل المواطنيين الآخرين هو  الذي يسمح للمستعمِر بوصف هؤلاء بفاقدي العاقل[27]. وهذا صحيح ولكنهم امتهنوا الإجرام منذ أن احتلت بلادهم، فتبنوا القتل المباح. أما المحتل ووكلاؤه، فيستغلون هذا النمط الإجرامي لتعميمه على كل من يقاومهم، وهو ما سيظهر في خطابات رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي في النص.

تلخص خطابات التنظيم بشكل عام حول القسوة والقتل وممارساته الوحشية في القتل أهم أفكار فانون عن المجتمعات في ظل الاستعمار وما بعده بما يسميه "توحش الفكر"؛ والذي يتولد من عنف المستعمِر ووكلائه بعدم إمكانية المجتمعات المستعمَرة بالرد على "القصف الجوي بنيران البنادق"[28]. يوضح فانون آلية توحش الفكر "إن عنف النظام الاستعماري، وعنف المستعمَر، يتوازيان ويتجاوبان في تجانس مشترك، وسيطرة العنف هذه لا بد أن تصبح أشد هولًا كلما زاد عدد المستوطنين. إن اشتداد العنف لدى الشعب المستعمَر سيكون متناسبًا مع العنف الذي يمارسه النظام الاستعماري المرفوض"[29]. إن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" هو النمط غير التحرري من الشعب العراقي الذي تبنى فكرًا متوحشًا موازيًا للممارسات الكولونيالية الأميركية، وازداد فكره توحشًا مع التدخلات الإيرانية في الشؤون العسكرية والسياسية والاجتماعية للمجتمع العراقي. ولذلك لم يعد تنظيم القاعدة في نظر من دعم التنظيم من العراقيين، تتماشى مع الرغبة في انتقامها من الاستعمار ووكلائه والمتدخلين الإيرانيين في شؤونهم المحلية.

لم يختلف العنف الذي مارسته القوى الأمنية العراقية عما كان الاحتلال الأميركي في العراق يقوم به. فعادة ما تكون السلطة الكولونيالية  "سواء جاءت من حزب أم جيش أم دولة، التي تتمظهر في قيام الأجهزة الأمنية بترهيب الشعب وتشتيت قواه" عنيفة بقدر مواز للعنف الاستعماري المباشر[30].  من التبسيط اعتبار بأن صعود تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" هو ردة فعل على سياسات حكومة المالكي. فلطالما ارتكبت الأنظمة العربية مجازر بحق شعوبها ومارست سياسات إقصائية تجاه المكونات السياسية. لكن حكومة المالكي أكملت مسيرة العنف والإقصاء الاستعمارية التي بدأتها الولايات المتحدة منذ عام 2003، مع التدخل الإيراني بشؤون العراق. فتولدت ردود فعل تعتبر عنيفة في المجتمع العراقي إحداها وأبشعها عنف تنظيم الدولة، وهو عنف متصل بالاستعمار الكولونيالي يأخذ طابعًا ثأريًا حاصله صفر[31].

يلاحظ على المجالس التي يتكون منها التنظيم غلبة المكون البعثي السابق من ضباط الجيش العراقي[32]. كيف انتقل ضباط علمانيون يساريون قوميون إلى النقيض الإيديولوجي المقابل التطرف الجهادي الإسلامي. يمكن تأويل ذلك مع فهم فانون إلى وجود "سياسة مصلحية خلال النضال المناهض للاستعمار، غالبًا ما تبررها الحاجة إلى الوحدة ضد عدو مشترك، تحل محل ثقافة النقاش والديمقراطية". وإذا ما تعثرت العملية السياسة في البلدان المستعمَرة تقود إلى توحش الفكر[33]. توحش الفكر الإيديولوجي لهؤلاء الضباط مع الاحتلال الأميركي وحله للجيش الذي كانوا يخدمون فيه، وسن قانون اجتثاث البعث؛ والذي يمنعهم من ممارسة أي وظائف في الدولة. ولذلك ألغى هؤلاء الفروقات الإيديولوجية مع القاعدة ومن ثم تنظيم الدولة بهدف مقاومة الاستعمار، لكنهم دون أن يدروا من الناحية النفسية بأنهم تمثلوا وحشية المستعمِر ذاتها. واتجهت بنادقهم إلى أبناء شعبهم أكثر من المحتل. وهو ما يمكن أن يطلق عليهم وعلى غيرهم من العامة الذين لا يتبنون إيديولوجية التنظيم ب "المانويون* الانتهازيون"، معنى المانوية، هو يتبنى الثأر عقيدة في رغبته بالانتقام من قوات الحكومية العراقية نتيجة شعور مستديم بالذل والإهانة تولد منذ لحظة الاحتلال الأميركي للعراق. كما يتميزون بالانتهازية؛ فقد كان بإمكانهم الانضمام لدى فصائل عراقية أخرى غير جهادية، تمكنه من رد الذل والدخول في مشروع تحرري وطني. فَضَلَ هذا التيار الانتهازي الانضمام للتنظيم؛ لأن الكولونيالية وما بعدها أفسدت حالته النفسية والفكرية بموجات من العنف المستمر، معتقدين ومتعلقين بإيديولوجيات رمزية تتصور بأنه كلما تطرف الفكر تجاه الاستعمار ووكلائه كلما أتيحت له فرصة بالفوز في المعركة[34]. إن هؤلاء بسبب اختلالاتهم النفسية التي عاشوها نتيجة خسارة امتيازاتهم بعد الاحتلال وتدينهم بشكل مفاجئ، أصبحوا ينظرون إلى أنفسهم كقوى غيبية جبارة، أما قوى المستعمِر فتصغر في نظرهم كثيرًا وأنه بالإمكان هزيمتها بسهولة[35]، ويتجهون نحو التركيز على الوكلاء؛ فهم الذين حلوا مكانهم وأخذوا مناصبهم وامتيازاتهم، وبل يخلقون أعداء خرافيين من المجتمع، يتخيلون بأنهم يشكلون عائقًا لعودة الزمن إلى ما قبل الاحتلال.

الساديون الأغراب

تشير الوثيقة سالفة الذكر أعلاه إلى هشاشة النظام الدولي، وهو ما يتكرر في خطب أعضاء التنظيم، حيث يتوهمون دائمًا بأن هزيمته سهلة جدًا على الرغم من هزيمته لهم بشكل دائم. هذه المفارقة يمكن تأويلها بالاستناد إلى أفكار بودريار. ذلك أن الواقع هو ساحة النظام العالمي ولا يمكن للإرهابيين هزيمته تبعًا لميزان وعلاقات القوى. فلذلك يلجأ الإرهابيون إلى صنع الحدث في عالم المعنى والغائية والفاعلية. أي نقل الصراع إلى الإطار الرمزي بمعنى الرد على الموت بالموت الموازي.  وهو ما سيجبره على الرد بالعنف. تقوم الفرضية الإرهابية في هشاشة النظام والاستعداد للموت على أن "النظام نفسه ينتحر ردًا على تحد هائل للموت والانتحار. لأنه لا يمكن للنظام ولا السلطة أن يتملصا من الالتزام الرمزي، الالتزام القائم على الرد تحت طائلة فقدان المكانة"[36]. يخسر النظام العالمي بقيمه وإيدلوجييته مكانته باستمرار العنف والعنف المضاد، وعدم قدرته على وضح حد لظاهرته. أما التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" فهو غير مهتم بمكانته وسمعته، فهو يظن بأن "مشروعيته" مستمدة من عنف القوى الخارجية ووكلائها المحليين.

المقاتلون الأجانب في التنظيم لا ينطبق عليهم فهم تحليل فانون لعنف ما بعد الكولونيالية، فهم لم يعيشوا تحت الاحتلال وما بعده من حكومات وكيلة. فلكل منهم قصة مختلفة عن الآخر. نروي هنا بعضاً منها بالاستناد إلى مصادر صحفية استقت معلوماتها من أهالي المنضمين من التنظيم أو منهم أنفسهم عندما عادوا إلى بلادهم.  

فتاة أصولها من الكونغو، مسيحية – كاثوليكية. عاشت في باريس مع أمها وأختها بدون أب. وبعد وفاة والدتها، عملت في الخدمة الاجتماعية لمساعدة المهاجرين في ضواحي باريس حينها اعتنقت الإسلام، وبنت علاقة صداقة قوية مع ثلاثة شبان يصغرونها ب 10 سنوات. سافر الشبان الثلاثة إلى سورية والتحقوا بالتنظيم، وأقنعوها بالسفر إليهم بعد أن فشلت بإقناعهم بالعودة. تروي هي بأنهم استغلوا شعورها بحاجتها إلى الاستقرار النفسي ويتمها وحياتها غير الآمنة[37].

شخص آخر ليس له أصول مهاجرة، مواطن كندي أبيض مسيحي. حاول الانتحار خلال مراهقته، ثم اعتنق الإسلام وهو في السابعة عشر من عمره. استقر نفسيًا بعد ذلك، بمعنى أن لم يعد شخصًا منعزلًا. تشدد إسلاميًا في عام 2013 وأصبحت له حياته الخاصة المنعزلة مرة أخرى، ومن ثم هاجر إلى سورية[38]. مواطنة ألمانية، مسيحية، ليس لها أصول مهاجرة، مراهقة، عاشت مع أمها وزوج أمها. هاجرت إلى سورية وعمرها 15 سنة بعد أن أعلنت إسلامها وسلكت سلوكًا إسلاميًا في المظهر والخطاب[39].

مواطن بليجكي مسيحي كاثوليكي متدين، لا ينحدر من أصول مهاجرة. كان خادم المذبح في الكنيسة، عاش في عائلة متوسطة الدخل. كانت والدته مدمنة كحول، افترق والداه وهو في مرحلة المراهقة، وعانى من مرض ADHA ؛ والذي يجعل الشخص غير قادر على التركيز. أدمن الحشيش ومن ثم المخدرت؛ فانخفضت معدلاته الدراسية. وهو في عمر السادسة عشر من عمره قرأ كتاب "طريق المسلم" فشعر بأن "الإسلام ينظم الحياة بدرجة أعلى من المسيحية". اعتنق الإسلام ومن ثم هاجر إلى سورية لاحقًا[40].

الأمريكيون المنضمون للتنظيم ليس لهم نمط معين منهم فقراء ومنهم طبقة وسطى أو ميسورو الحال، منهم مسلمون ومنهم مسيحيون، عاش أجدادهم في أمريكا أو هاجروا وهم أطفال إلى أميركا، يعيشون في قرى صغيرة أو مدن كبيرة. مهاجر من بنغلادش مسلم دخل في مرحلة اكتئاب خلال مراهقته. لجأ إلى عائلة أخته المتشددة دينيًا، خرج من حالة الاكتئاب بعد أن أصبح متشددًا دينيًا. تولدت لديه قناعة بأن الالتزام الديني هو الذي ساعده على ذلك. انضم للتنظيم مع عائلة أخته. شخص آخر يعيش في كاليفورنيا مسيحي كاثوليكي مؤمن، أجداده عاشوا في المكسيك. شخص هادئ ومنعزل، اعتنق الإسلام وانضم للتنظيم لاحقًا[41].

الاختلاف السوسيولوجي سمة تميز هذا النمط من التنظيم، ما يجمعه هو التشارك في مشاكل الحياة الخاصة. اختاروا هؤلاء بأن يعبروا عن نوازع صراعاتهم الداخلية في إرهاب العالم، وفضلوا أن يقدموها بصورة تشد الأنظار لهم بالعمليات الانتحارية للتنظيم والقتال في صفوفه في سورية العراق.  الرمزية في ما وراء الانتحار الإرهابي وفقًا لبودريار هي "المبادلة المستحيلة للموت، بتحدي النظام من خلال الملكة الرمزية للموت"[42]. إن الهدف من تبادل الموت المستحيل إثارة عنف الواقع وهدم النظام تلقائيًا من خلال استمرارية دوامة عنف الواقع[43]. هنا العنف ليس واقعيًا وغير منبثق من التاريخ[44]. المعنى فيه رمزي، ف"العنف الرمزي هو الذي يولد الفرادة"[45]. هو مرآة للعنف الوحيد الذي لا يستطيع ممارسته، عنف موته الخاص، فيختار أن يكون فريدًا في موته، يموت ويقتل معه أشخاصًا آخرين (عددهم غير مهم) دون أن يفكر بهؤلاء الضحايا؛ والذين هم أنفسهم يعانون من سلبيات النظام العالمي المعولم. المهم عنده هو إرضاء حقده وذاته المغرورة على حياة يعتقد أنها لم تنصفه وحده، فيقدم الشر بالقتل للجميع. هذا هو معنى التبادل المستحيل للموت.

الصدام في الحياة اليومية وما سببه لهم من عنف رمزي في مراحل حياته المبكرة؛ فهو مسائل شخصية دفينة في أعماقهم لا يعرفها إلا هم أنفسهم. لكل منهم روايته وحكايته ومشاكله. تمردوا على هذا النظام العالمي السائد. لكنهم اختاروا الشر للاختلاف ومحاولة تغيير العالم. البعض يختار الفن للتغيير أو الكتابة والبحث العلمي أو الانضمام للحركات الاجتماعية...إلخ للاحتجاج على الظلم وقيم النظام العالمي السائدة. أما هذا الفئة فقد اختارت العنف والقتل بأسلوب رمزي مسرحي استعراضي، وهي بذلك أعادت إنتاج نفسها لتصبح جزءًا من هذا النظام العالمي. 

الإسلام ليس إيديولوجية للإرهاب

إذا كانت القضية حالة نفسية ورمزية لنمط من المجتمع العراقي، تولدت ردة فعل على الاستعمار وما بعده، لماذا اختار هذا النمط الإسلام إيديولوجيةً له؟

يوضح فانون بأن المستعمَر من أجل ألا يعبأ بالمستعمِر ويخفف آلامه يلجأ إلى الدين والتعلق بقضاء الله وقدره لتحقيق الاستقرار النفسي والتوازن الداخلي[46]. ومن الدين ينتقل إلى الماضي في الدين فحين "يكتشف الشخص المنزوعة ثقافته التقاليد من جديد ويعايشها وكأنها آلية دفاع ورمز مقاومة وخلاص، يوحي للآخرين بأن الوساطة تنتقم من خلال عودتها إلى الجوهر"[47]. ويعني بذلك الارتداد إلى الأوضاع الجاهلية الثقافية البعيدة عن التطور التقني. ولأن المجتمع يبحث عن استقراره النفسي في ظل الكولونيالية والذي وجده في الدين، يختار الدين من هذه الثقافة المحلية القديمة؛ وهكذا "بات للثقافة الخاملة والمحاط بها منذ السيطرة الأجنبية قيمة جديدة. ولكن لم يتم البحث فيها من جديد وترميمها وتنشيطها من الداخل، بل جرت المطالبة بها"[48]. فتبدأ مجموعات من المجتمع "باستكشاف معنى الماضي من جديد وإقامة شعائر الأجداد"[49]. ومن هذه الفئة يخرج ما يسميهم فانون "المسفّلون" أي السفلة غير القابلين للتهذيب[50] الذين استعملوا الدين مذهبًا للانتقام من الاحتلال والدولة والمجتمع. ومن هنا أخذ تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" الدين إيديولوجية لتبرير أعماله، وورثها إلى تنظيم "دولة العراق الإسلامية".

على ذات المنوال، يفهم بودريار العلاقة بين الإسلام والإرهاب، فالإرهابي شخص لا يريد الاختفاء مهما كان دينه وعقائده، بل يطمح لكي يراه الناس، ولو مرة واحدة خلال موته، ولذلك لا بد أن يموت بطريقة تجعل الجميع يراه. وهنا الإسلام بوصفه إيديولوجية لا يدخل في معادلة الإرهاب، كما يوضح بودريار "فلو كان الإسلام هو الذي يسيطر على العالم لنشط الإرهاب ضد الإسلام" [51].

خاتمة

تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" و"داعش" مجموعة من البنى الاجتماعية والأفراد نزعت إنسانيتهم بفعل الاستعمار والاستبداد وقسوة العولمة. اختاروا أو خرجت قوى الشر من بواطنهم الإنسانية وسيلةً للثورة على هذا النظام العالمي، ومارسوا أبشع أنواع القتل والعنف. اتبعوا منهج الثأر بدلًا من مناهج أخرى متاحة، فالحلول العسكرية الخالصة  تؤدي إلى توحش الفكر[52] دون برنامج سياسي وطني تحرري[53]. كان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين نمطًا شاذًا هرب من حقل مقاومة الاستعمار إلى حقل التكفير والقتل والتوحش. وكذلك نتج تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" من الإرث الكولونيالي الأنغلوسكسوني في عام 2003 ومنتجاته من عنف الحكومة العراقية والطائفية السياسية والتدخل الإيراني في شؤون العراق. حيث استغلت لحظة الاحتجاج ضد الحكومة العراقية، وهيمنت بالقوة والعنف على مساحات واسعة من العراق.

مشروع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" نقيض التحرر من الاستعمار؛ بل هو إعادة تمثل للاستعمار لأنها ناتجة عنه مع تبنيها لأفكاره في تقسيم المجتمع العراقي إلى طوائف وقبائل وقوميات وممارسة الإقصاء والعنف والتعذيب بكل أشكاله[54]. التنظيمات المتطرفة بطوائفها المختلفة ظاهرة اجتماعية لتجاوزها يجب نزع الكولونيالية بنتائجها وأفكارها من المجتمع العراقي، ليس بمعنى العودة إلى استبداد ما قبل عام 2003، وإنما فهم الماضي والتطلع إلى المستقبل بطرح برامج سياسية واجتماعية تحررية على الصعيدين الفردي والوطني تقوم على الاعتراف بالآخر المختلف، والتأكيد على استحالة القتل أخلاقيًا.

المراجع

أبو هنية، حسن و أبو رمان، محمد، تنظيم "الدولة الإسلامية": الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية (عَمان: مؤسسة فريدرش إيبرت، 2015).

المصطفى، حمزة. "الدولة الإسلامية والجهاد في زمن الحداثة: قراءة في المفاهيم والتجارب المعاصرة"، دورية تبين للدراسات الفكرية والثقافية، المجلد 5، العدد 18 (خريف 2018).

دلّال، أحمد. لاهوت "داعش" السياسي: الأنبياء والمخلّصون المنتظَرون واندثار المنطقة الرمادية، في: مجموعة مؤلفين، الثورات العربية: عسر التحول الديمقراطي ومآلاته (بيروت/ الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018).

عبد الجبار، فالح. دولة الخلافة: التقدم إلى الماضي، (داعش) والمجتمع المحلي في العراق، (الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017).

"مشروع قياس الرأي العام العربيالمؤشر العربي 2011، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آذار/ مارس 2012، ص 70، شوهد في 10/9/2018

أنطون، سنان. فهرس (بيروت: منشورات الجمل، 2016).

بيل أشكروفت وآخرون، دراسات ما بعد الكولونيالية المفاهيم الرئيسية، ترجمة، أحمد الروبي وآخرون (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2010).

غبسون، نايحل سي، فانون المخيلة بعد- الكولونيالية، ترجمة: خالد عايد أبو هديب، مراجعة: فايز الصياغ (بيروت/ الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013).

فانون، فرانز. معذبو الأرض، ترجمة، سامي الدروبي وجمال الأتاسي (عمان: دار الأهلية، 2015).

بودريار، جان. "عنف العالم"، في: عنف العالم، جان بودريار وإدغار موران، ترجمة: عزيز توما (اللاذقية: دار الحوار، 2005).

فانون، فرانز. لأجل الثورة الإفريقية، ترجمة، ماري وديالا طوق (بيروت/ الجزائر: دار الفارابي/ منشورات آنيب، 2007).

بودريار، جان. "ذهنية الإرهاب"، في: مجموعة مؤلفين، ذهنية الإرهاب لماذا يقاتلون بموتهم، إعداد وترجمة، بسام حجار (الدارة البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2003).

الخطة الاستراتيجية لتعزيز الموقف السياسي لدولة العراق الإسلامية، مفكرة الفلوجة ([د.م]: [د.ن]، 2009- 2010)، شوهد في: 22/8/2018، متاح الكترونياً هنا.

سارتر، جون بول ، "تصدير بقلم جول بول سارتر"، في: فرانز فانون، معذبو الأرض، ترجمة، سامي الدروبي وجمال الأتاسي، ط2 (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2015).

ساتيك، نيروز. "صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق: الخلفيات والممارسات"، في: مجموعة مؤلفين، تنظيم الدولة المكنى "داعش": التشكل والخطاب والممارسة (بيروت/ الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018).

أنطون سنان. "العراق: خطاب التقسيم والأقلمة"، موقع جدلية، 28/6/2014، شوهد في 7/9/2018

مجموعة مؤلفين، عشر سنوات هزت العالم: عقد على احتلال العراق 2003-2013 (بيروت/ الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015).

ر. هل، كريستوفر. "نهاية الدولة العربية"، الجزيرة نت، 13/8/2014، شوهد في 7/9/2018

الإنكليزية

A Jihadi in the Family”, CBC TV, 1/9/2016, accessed on 14/9/2018

from Altar boy to ISIS Fighter”, CNN, march 2017, accessed on 14/9/2018

Engel, Richard and others. “ The Americans: 15 Who Left the United States to Join ISIS”, NBC, 15/5/2017, acseesed on 14/9/2018

Noack, Rick. “At 15, she joined ISIS after converting to Islam. Now this German teen wants to go home“, the washington post, 24/7/2017, accessed on 14/9/2018

Willsher, Kim.“ ‘I went to join Isis in Syria, taking my four-year-old. It was a journey into hell’”, The Guardian, 9/6/2016, accessed on 14/9/2018

هوامش

[1] يمكن النظر في: كريستوفر ر. هل، "نهاية الدولة العربية"، الجزيرة نت، 13/8/2014، شوهد في 7/9/2018 وكذلك حول الرد عليها: سنان أنطون، "العراق: خطاب التقسيم والأقلمة"، موقع جدلية، 28/6/2014، شوهد في 7/9/2018

[2] حسن أبو هنية ومحمد أبو رمان، تنظيم "الدولة الإسلامية": الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية (عَمان: مؤسسة فريدرش إيبرت، 2015)، ص 15 – 16.

[3] تمتلئ مواقع منظمات حقوق الإنسان بانتهاكات قوات الحشد الشعبي وباقي الميليشيات العراقية الشيعية لحقوق الإنسان. انظر مثلًا. "العراق: اعتقال عشرات الرجال في مدرسة: قوات موالية للحكومة تحتجز وتعذب سكان منطقة الموصل"، منظمة هيومان رايتس وتتش، 22/5/2017، شوهد في: 8/9/2018

[4] حمزة المصطفى، "الدولة الإسلامية والجهاد في زمن الحداثة: قراءة في المفاهيم والتجارب المعاصرة"، دورية تبين للدراسات الفكرية والثقافية، المجلد 5، العدد 18 (خريف 2018)، ص 145-164.

[5] المصدر نفسه، ص 160-161.

[6] أحمد دلّال، لاهوت "داعش" السياسي: الأنبياء والمخلّصون المنتظَرون واندثار المنطقة الرمادية، في: مجموعة مؤلفين، الثورات العربية: عسر التحول الديمقراطي ومآلاته (بيروت/ الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018)، ص 628.

[7] المصدر نفسه، ص 619.

[8] المصدر نفسه، ص 629.

[9] المصدر نفسه، ص 630.

[10] المصدر نفسه، ص 630-631.

[11] فالح عبد الجبار، دولة الخلافة: التقدم إلى الماضي، (داعش) والمجتمع المحلي في العراق، (الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص 35-36.

[12] عن مناقشة أسئلة تأثير الاحتلال الأميركي على المجتمع العراقي والمحيط العربي والإقليمي والعالم يمكن الرجوع إلى: مجموعة مؤلفين، عشر سنوات هزت العالم: عقد على احتلال العراق 2003-2013 (بيروت/ الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015).

[13] "مشروع قياس الرأي العام العربيالمؤشر العربي 2011، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آذار/ مارس 2012، ص 70، شوهد في 10/9/2018

[14] بيانات غير منشورة من تقرير: "اتجاهات الراي العام العربي نحو الأزمة السورية"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المؤشر العربي، 2013، شوهد في 10/9/2018، تم تزويد بها الباحث من فريق عمل المؤشر العربي.

[15] "الزمن ثقب أسود. حفرة تقع فيها الأشياء وتختفي. حتى بداية كل كل هذا الوجود، بحسب إحدى النظريات، كانت انفجارًا، وليس الوجود إلا شظايا وأشلاء. وها نحن نعيش تبعاته وآثاره. وأنا سأنتشل هذه الدقيقة من الثقب الأسود. لكن لماذا؟ هناك  من يكتب ليغيّر الحاضر، أو المستقبل. أما أنا، فأحلم بتغيير الماضي. وهذا منطقي ومنطق فهرسي"، سنان أنطون، فهرس (بيروت: منشورات الجمل، 2016) غلاف الراوية الخلفي.

[16] عن تأثير فانون في مدرسة ما بعد الكولونيالية يمكن الرجوع إلى: بيل أشكروفت وآخرون، دراسات ما بعد الكولونيالية المفاهيم الرئيسية، ترجمة، أحمد الروبي وآخرون (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2010) ص 175.

[17] المصدر نفسه، ص 176-177.

[18] نايحل سي. غبسون، فانون المخيلة بعد- الكولونيالية، ترجمة: خالد عايد أبو هديب، مراجعة: فايز الصياغ (بيروت/ الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013) ص 116.

[19] المرجع نفسه، ص 26.

[20] فرانز فانون، معذبو الأرض، ترجمة، سامي الدروبي وجمال الأتاسي (عمان: دار الأهلية، 2015)، ص 12.

[21] عن الثأر عند فانون يمكن النظر في: غبسون، ص 25-26.

[22] جان بودريار، "عنف العالم"، في: عنف العالم، جان بودريار وإدغار موران، ترجمة: عزيز توما (اللاذقية: دار الحوار، 2005)، ص 56-57.

[23] جان بودريار، "ذهنية الإرهاب"، في: مجموعة مؤلفين، ذهنية الإرهاب لماذا يقاتلون بموتهم، إعداد وترجمة، بسام حجار (الدارة البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2003)، ص 26.

[24] الخطة الاستراتيجية لتعزيز الموقف السياسي لدولة العراق الإسلامية، مفكرة الفلوجة ([د.م]: [د.ن]، 2009- 2010)، شوهد في: 22/8/2018

[25] "طفل. انا. طفل يجلس في حديقة بيتنا الذي لم يعد بيتًا. ترجمته هدية سماوية إلى ركام هائل. ألتقط قطعة زجاج مكسور من بقايا شباك. أتحسس حافتها فتجرحني وتستدرج قطرة من دمي. أشعر بألم بسيط وأراقبها تسقط على التراب. اللحظة جرح. أضع قطعة الزجاج على جسد الزمن لأجرحه. سأجرحه وأستدرج منه قطرة. لحظة. سأستنزفه حتى يموت كما ماتوا كلهم". سنان أنطون، فهرس ، ص 180.

[26] جون بول سارتر، "تصدير بقلم جول بول سارتر"، في: فرانز فانون، معذبو الأرض، ترجمة، سامي الدروبي وجمال الأتاسي، ط2 (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2015)، ص 28.

[27] فانون، معذبو الأرض، 30.

[28] غبسون، ص 22.

[29] فانون، معذبو الأرض، 65.

[30] غبسون، ص 23.

[31] غبسون، ص 44-45.

[32] يمكن العودة إلى البنية السوسيولوجية والإدارية للتنظيم إلى: نيروز ساتيك، "صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق: الخلفيات والممارسات"، في: مجموعة مؤلفين، تنظيم الدولة المكنى "داعش": التشكل والخطاب والممارسة (بيروت/ الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018)، ص 94-95.

[33] غبسون، ص22.

* نسبة إلى مؤسس الديانة المانيشية ماني صاحب مقولة "العين بالعين".

[34] عن الثأر عند فانون يمكن النظر في: غبسون، ص 25-26.

[35] فانون، معذبو الأرض، ص 33.

[36] بودريار، عنف العالم، ص 62.

[37] Kim Willsher,“ ‘I went to join Isis in Syria, taking my four-year-old. It was a journey into hell’”, The Guardian, 9/6/2016, accessed on 14/9/2018

[38]A Jihadi in the Family”, CBC TV, 1/9/2016, accessed on 14/9/2018

[39] Rick Noack, “At 15, she joined ISIS after converting to Islam. Now this German teen wants to go home“, the washington post, 24/7/2017, accessed on 14/9/2018

[40]from Altar boy to ISIS Fighter”, CNN, march 2017, accessed on 14/9/2018

[41] Richard Engel and others, “ The Americans: 15 Who Left the United States to Join ISIS”, NBC, 15/5/2017, acseesed on 14/9/2018, at

[42] بودريار، عنف العالم، ص 60.

[43] المرجع نفسه، ص 62-63.

[44] بودريار، ذهنية الإرهاب، ص 34.

[45] بودريار، ذهنية الإرهاب، ص 34.

[46] فانون، معذبو الأرض، ص 30.

[47] فرانز فانون، لأجل الثورة الإفريقية، ترجمة، ماري وديالا طوق (بيروت/ الجزائر: دار الفارابي/ منشورات آنيب، 2007)، ص 61.

[48] المرجع نفسه.

[49] المرجع نفسه، ص 31.

[50] المرجع نفسه، ص 60.

[51] المرجع نفسه، ص 22.

[52] غبسون، ص 22.

[53] المرجع نفسه، ص 44-45.

[54] "منذ سنين والخراب والموت يتناوبان على صفع وجوهنا ووجوه مدننا كل صباح. يشطبان الأسماء كلها، أسماء الأمكنة والأحبة، واحدًا بعد الآخر. تارة يشطبان بالأحمر القاني الذي يبقي الجراح مفتوحة وتارة أخرى بالأسود الذي يعمي شمس العراق ويطيل ليله الطويل"، سنان أنطون، فهرس، ص 282.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬