كيف تصبح شخصاً عادياً
غرفة بجدران باهتة،
السقف يقطر، والأرض تئن
أستلقي على فراشي الإسمنتي
اشاهدُ وزغات تتضاجع على السقف
الشارع الليلي هادئ
الظلام يحوّل المدينة الى مقبرة
أفكر بكتابة رسالة إلى أبي المتوفي:
كان علينا أن نضحك أكثر،
نصرخ أكثر،
لم نمتَ بسرعة؟
حديثنا لم يبدأ بعد.
أرسم في رأسي سيناريوهات
لحياة لن أعيشها
مع حبيبة لم أعرفها
في مكان لم أسمع به،
أقضم قلبي مثل تفاحة
أضحك بهستيريا
أرقص على أنغام النيران
أقفز من النافذة
ها أنذا أطيرُ
ها أنذا حرٌ
أبصق على السماء
أغوص في القبر
و أخرج من الجهة الأخرى
على هيئة رجل محترم
لدي عائلة
لدي وظيفة
لكن بلا حلم
أقود سيارتي نحو وادٍ سحيق
ها أنذا أطيرُ
ها أنذا حرٌ
أبصق على السماء
أغوص في القبر
وأخرج مرة اخرى
هذه المرة أنا سيدة رصينة
لدي ولدان وبنت
و أعيش في الضواحي
أشعل الطباخ وأحرق المنزل
ها أنذا أطير
ها أنذا حر
أبصق على السماء
أغوص في القبر
أستيقظ في غرفتي العفنة
أرسم ابتسامة حقيقية
أتحرك في الزحام مثل فأر
هذه المدينة هباء مطلق
مثل انتحار، مثل حياة
تسمم روحي كسرطان
لم يعد لي قلب
أو عينان
أخيراً أصبحت
شخصاً عادياً.
11.4.2020
***
أن تتقن فن الموت
في شوارع تغوص بالجنون،
الفقر ينبت أنيابه في رقبة الايام
جديلة صغيرة تتدلى
طفلة بعينين فيروزيّتين
ناقصة كورقة أخيرة
من قصيدة مات شاعرها
بالقصف،
قضم جرذ رأسها، دفنت
مع النجوم فوق تل الزيتون.
صياد بذراع مفتولة
شاربه هلالٌ يزيّن ليل سماره
رشيقٌ كإبرة في ماكنة الخياط
كان النهر رفيقه
كل أسراره تنام في القاع
مع الأسماك
في ليلة النصف من حزيران
مع كل الأسرار، نام هو
أيضاً في القاع.
سيدة تكنس الفناء
يجرح الغبار بشرتها
بيضاء كالبابونج
ذائبة كملح خبزها
و كأنها ولدت لتعمل
حولها الجنود إلى خبز
في تنور الحرب المستعر.
طويلاً و شامخاً كالسدر
كان الفتى بأحلام أكبر منه،
كل صباح يسير
نحو أمل جديد
نحو ألم جديد
في فجر قديم
رسمت الرصاصة
أحلامه بدمٍ أغرق الطريق.
في مجاري المدينة
في نهر القرية
في تنور الطين
في طريق بين البساتين
ولدت أنا من كل موت
لا جرذ يقضم رأسي
لا ماء يغرقني
لا نار تحرقني
لا رصاصة تخترق رأسي
أسير في شوارع القيامة
لا موت يأخذني
لا حياة تقبلني
تائه في ليالي الموت
غريباً في نهارات الحياة.
14.4.2020