صائدو الريح
في البداية،
كانت هناك المنطقة المهجورة المتوضعة
في قلب الزُرْقة الضاربة إلى الخضرة،
السماءُ الصافية
غير القابلة للتعريف
التي كنا نجتازها
بحركةٍ رشيقة
في مركبنا الشراعي.
وكنا، في وقت لهونا،
نحاول أن نمسك بالريح
داخل الطيّات الضخمة
لكتّان شراعنا الذي كنا نوجّهه
عبْر القرون.
كانت المتاهات قدرنا،
ونحن نتنقل برشاقة
من كوثل السفينة إلى هيكلها،
نفاوض المياه الضحلة
وخط الساحل
الذي انبثق أمامنا
جدراناً كبيرة من البازلت والغرانيت.
كانت أفكارنا طول الوقت منصبة على أمرين:
البحر والريح
وكنا عالقين في نوع من الرقصة اللطيفة
بين هذين العنصرين.
لكن كان هناك آخرون،
لم نستطع تفاديهم أبداً،
رغم ما بذلنا من جهود.
أشارت لنا نار الشمس في الأعلى،
وتوهجت وراءنا ألسنة لهب نيراننا الموقدة في منازلنا
على اليابسة،
بكل ألقها في الليل.
وحين عدنا متعبين ومنهكين من البحر
تناولنا لحم الخنزيز
ولحوماً أخرى مشوية
واحتسينا نبيذاً طيّباً لونه
كلون الجرْمِ المائي الذي أبْحرنا فيه
في الأيام السابقة.
نعم، لمرة واحدة فقط
أمسكنا بالريح،
وكنا عالقين حينها في كون
من الشهب المتساقطة.
مالوس
ينبغي نَزْع الجذور القديمة لشجرة الصفصاف
لفتح طريقٍ للشجرة الجديدة.
سَمَّوها مالوس،
وهو اسم قديم
جاءَ من لغة عريقة.
تلفظتَ به
فخرجت الكلمةُ إلى الهواء
قبل أن تُصبح مرئية لك،
وردّد السقوطُ صدى المقطعين.
بدا هواء بحر البلطيق
محفوراً على جلدك
وأنت تصارع محاولاً أن تستعيد في ذهنك
قاعدة لغوية،
شيئاً ما عمَّ كان ولم يعد موجوداً.
وها أنتَ تزرع الشجرة
ترشّ السماد على جذورها
تسكب بعض الماء فوقها،
وتبدأ انتظار ولادة
أسطورة خضراء.
الحجّاج اليائسون
يستطيع الحجاج اليائسون
أن يعثروا على الراحة
في أشد الأمكنة غرابة.
وبوسع امرأة مريضة
أو رجل على شفا الموت
أن يعيشا هذه الراحة
في مرحاض عام.
من المحتمل أن يعثرا في الداخل على ملاذ
من الأراضي الداخلية الكبيرة لما هو غير مألوف.
يمكن أن يفكّرا بآجرة،
أو قطعة خزف
تحتل في الذهن
مكان حلم يقظة.
إن ما هو أكثر شيطانية هذه الأيام،
هو احتمال عجْزنا عن المعرفة
وبدلاً من أية شخصية جاء بها خيال دانتي
يحل غموض ميكانيك الكم مكان معبد
الأيقونات القروسطية.
إن الفوضى معرفة،
وإلى الأبد.
التفاحة الكبيرة
آه أيتها الاسترخاء الكبير،
في الأعضاء البطولية
في الجسد الممدد
والذي يبدو كالمنحوتة في فضاء هادئ.
أسمع وقْع خطواتها،
ما يزال صداه يرجع
معتماً كل الرؤى الأخرى.
السحر العميق
يفيض ثانية، منكِ
أيتها الصرحُ اللامرئيّ للعطر.
الحواس تقاطع،
تندفع بلهفة واشتعال كي تستدعي الجسد،
الضفافَ والأعمدة الناعمة
لفخذيكِ العاجيين.
أيتها الآثار الرائعة،
أيتها الصروح المهدمة بالشهوة
التنويم المغناطيسي يحصل حين
يهبّ كلُّ نَفَسٍ على اللسان
وتكونين أنت آنذاك
العفريت الذي يهمس في أذني
أفعوانياً وهائجاً وملتفاً
يفيض فتنة عند كل كلمة.
وكل ما أفعله هو
أنني أتبع الإشارات
ساعياً إلى المقدس فيكِ.
***
* بيتر أونيل شاعر إيرلندي صدرت له خمس مجموعات شعرية وهو من مترجمي بودلير إلى اللغة الإنجليزية كما يساهم في تحرير مجلة لايف إنكاونتر التي تهتم بالشعر في العالم. والقصائد المترجمة هي خاصة بجدلية.
[ترجمة: أسامة إسبر]