جيمس بالدوين: ذنب الرجل الأبيض

جيمس بالدوين: ذنب الرجل الأبيض

جيمس بالدوين: ذنب الرجل الأبيض

By : Sara Mubarak and Ibrahim Sharif سارة مبارك وإبراهيم الشريف

[كتب جيمس بالدوين هذا المقال في ستينيات القرن الماضي، في خضم حراك الحقوق المدنية المناهض للعنصرية. ورغم مرور 55 سنة على كتابة المقال إلا إن ما تحدث عنه بالدوين مازال حاضرًا إلى يومنا هذا؛ فالتاريخ، كما يقول بالدوين، "حاضرٌ فعليًا في كل ما نفعله". نرى اليوم ما يحدث في الولايات المتحدة وفي دولٍ أخرى كثيرة من مناهضةٍ للعنصرية (المجتمعية والمؤسساتية)، ونرى محاولة قمع هذه الحراكات، لا بالقوة وحدها، ولكن بالتكتم على المشكلة من خلال معاملة التاريخ على أنه سجّلٌ لأحداثٍ قديمة. نرى هذا في إنكار مجتمعات الغرب الأطلسي (أوروبا والولايات المتحدة) وجودَ مشاكل عنصرية واستعمارية في مجتمعاتهم ومؤسساتهم. ونراه كذلك في قضايانا الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: إنكار وجود القضية الفلسطينية (سواءً كان هذا الإنكار صهيونيًا-إسرائيليًا ينفي وجود الفلسطينيين، أو متصهينًا-عربيًا ينفي وجود القضية متحجّجًا ببيع الفلسطينيين لأراضيهم مثلًا)، إنكار وجود عنصرية ضد السود (السود إخوتنا وأي عنصرية تبدر منIا هي مجرد تصرفات خاطئة بطيب نية)، إنكار سلب حقوق المرأة (المرأة تتمتع بكامل حقوقها بل قد تُعامل أفضل من الرجل)، إنكار اضطهاد العمالة الوافدة (حالات فردية وهم ضيوف عندنا ثم لا تنسَ أن المواطن أيضًا يعاني)، وهلمّ جرًا. كل شيءٍ يُنكر، يُعامل الحاضر على أنه تاريخٌ قديمٌ انتهى، ويصير الخطاب إلى حالةٍ دفاعيةٍ دائمة. الأمر الذي يُذكّرنا بما قالته سارة أحمد عن واقع اضطرار النضالين النسوي والمناهض للعنصرية، للتحوّل من مواجهة مشاكل التحيز الجنسي ضد النساء ومشاكل العنصرية، إلى إقناع الآخرين بوجود هذه المشاكل. ولذلك، أي لأهمية التعامل مع التاريخ بصفته حاضرًا ولأهمية الاعتراف بوجود المشاكل من أجل حلها، ارتأينا أن نترجم هذا المقال.]

كثيرًا ما تساءلت، تساؤلًا غير بهيج، عمّا يتكلّم عنه الأمريكيون البيض بالضبط، مع بعضهم بعضًا.

أتساءل، لأنهم في نهاية المطاف لا يبدو أن لديهم الكثير ليقولوه لي، وقد توصلت قديمًا إلى أنهم يرون لون بشرتي حاجزًا. هذا اللون يبدو أنه يعمل عمل مرآةٍ مزعجةٍ جدًا، وجزءٌ كبيرٌ من طاقة المرء يُستنفد في طمأنة الأمريكيين البيض أنهم لا يرون ما يرونه.

من المؤكد أن الأمر عقيمٌ كليًا؛ بما أنهم يرون ما يرونه بالفعل. وما يرونه هو تاريخٌ قمعيٌّ على نحوٍ مرعبٍ ودموي، معروفٌ للعالم كلّه. إن ما يرونه هو حالةٌ مأساويةٌ، مستمرةٌ، حاضرةٌ، تُذعرهم؛ وهم مسؤولون عنها مسؤوليةً لا مناص منها. ولكن بما أنهم يبدون مفتقرين، جوهريًا، للطاقة اللازمة لتغيير هذا الوضع؛ فهم يُفضِّلون ألّا يُذكَّروا به. أيعني هذا أنهم، في أحاديثهم مع بعضهم بعضًا، لا تصدر عنهم غيرُ أصواتٍ مُطمْئِنة؟ إمكانية حدوث ذلك تبدو مُستبعَدةً، ولكنها من جهةٍ أخرى، تبدو محتملةً جدًا. على كلِّ حال، أيًا كان ما يمنحونه لبعضهم بعضًا، فهو بالتأكيد ليس التحرّر من الذنب. الذنب يبقى أعمقُ تجذّرًا وأرسخُ ثباتًا مِن أقدم الأشجار القديمة.

الاضطرار للتعامل مع مثل هؤلاء الناس بإمكانه أن يكون مرهقًا إرهاقًا لا يمكن التلفّظ به؛ فهم، ببراعةٍ مدهشةٍ فعلًا وألمعيةٍ دؤوبةٍ، يدافعون عن أنفسهم دفاعًا أبديًا في مواجهة اتهاماتٍ لم يوجِّهها لهم المرءُ فعلًا في الوقت الراهن، بصرف النظر عن إمكانيةٍ كون المرء مرآةً مزعجةً. لا يحتاج المرء لتوجيه تلك الاتهامات. السجّل متاحٌ وباستطاعة الجميع الاطلاعُ عليه. إنه يتردد في كل أنحاء العالم، كما لو كان مكتوبًا على صفحة السماء. يتمنى المرء لو أن الأمريكيين، الأمريكيين البيض، يقرأون هذا السجّل، لمصلحتهم، ويوقفون دفاعهم عن أنفسهم في مواجهته. حينها فقط سيتمكنون من تغيير حيواتهم.

واقع أنهم لم يستطيعوا حتى الآن فعل ذلك -أن يواجهوا تاريخهم، أن يغيروا حيواتهم- يُهدِّد هذه البلاد على نحوٍ بشع. بل إنه يهدِّد العالم كله.

أيها الرجل الأبيض، اسمعني! التاريخ، كما لا يعرف أحدٌ تقريبًا، ليس فقط مُجرّد شيءٍ يُقرأ. إنه لا يشيرُ فقط إلى الماضي بصفته موضوعَه الوحيد أو حتى موضوعَه الأساسيّ. بل على العكس من ذلك، إنّ قوة التاريخ الهائلة تأتي من حقيقة كوننا نحمله داخلنا، ونخضع لتحكّمه بنا من عدة أوجهٍ دون وعينا بذلك؛ إن التاريخ حاضرٌ فعليًا في كل ما نفعله. من المستبعد أن يكون الأمر خلاف ذلك، ما دمنا نَدين للتاريخ بأُطُر مرجعياتنا، بهوياتنا، وبطموحاتنا. بألمٍ وذُعرٍ شديدين يبدأ المرء في إدراك ذلك. بألمٍ وذعرٍ شديدين يبدأ المرء في تقييم التاريخ الذي مَوضَعَهُ حيث هو، وشكّل وجهة نظره. بألمٍ وذعرٍ شديدين لأن المرء، تبعًا لذلك، يدخل معركةً مع ذلك المخلوق التاريخي: الذات، ويحاول أن يعيد خلق ذاته وفقًا لمبدأ أكثر إنسانيةً وأكثر تحريرًا: يبدأ المرءُ محاولةَ تحقيق مستوىً من النضج والحرية الشخصيتين؛ مستوىً ينزع عن التاريخ سلطته الاستبدادية، ويُغيّر التاريخَ أيضًا.

ولكن، كما هو واضح، أنا أتكلم بصفتي مخلوقًا تاريخيًا اضطُّر إلى الاحتجاج على تاريخه والتصارع معه وفي النهاية قبوله، على نحوٍ مرير، حتى أُخرج نفسي منه. وجهة نظري يُشكِّلها بالتأكيد تاريخي، ومن المرجح أن المخلوقَ الذي يَبغضُهُ التاريخ هو الوحيد الذي يرى التاريخ على أنه مسألةٌ إشكالية. من جهةٍ أخرى، الأشخاص الذين يتخيّلون أن التاريخ يثني عليهم (كما يفعل بالطبع؛ فهم الذين كتبوه) مثبَّتون على تاريخهم مثل فراشةٍ على دبوس فيصيرون غير قادرين على إبصار وتغيير أنفسهم، أو العالم.

هذا هو الموقع الذي أظن أن أغلب الأمريكيين البيض يجدون أنفسهم فيه. مُثبَّتون. إنهم مدركون إدراكًا خافتًا، أو متّقدًا، أن التاريخ الذي لَقّنوه أنفسهم: هو بشكلٍ أساسيٍّ كذبة، ولكنهم لا يعرفون كيف يُخلِّصون أنفسهم منه؛ فيُعانون معاناةً شديدةً بسبب ما ينتج عن ذلك من تهافتٍ شخصي. إن هذا التهافت أوضحُ ما يكون حين يُسمع في الحوارات المرتبكة المذعورة التي يخوضها أحيانًا أمريكيون بيض مع ذاك الضمير الأسود: الرجل الأسود في أمريكا. طبيعة هذا الارتباك يمكن اختزالها إلى صيغة دفاعية: لا تلمني أنا، لم أكن هناك. لم أفعل ذلك. تاريخي لا علاقة له البتة بأوروبا أو تجارة العبيد. على أية حال، رؤساء قبائلك أنت باعوك لي أنا. أنا لم أكن موجودًا في الممر الأوسط,[1] لستُ مسؤولًا عن مصانع النسيج في مانشستر، أو حقول القطن في المسيسيبي.[2] إلى جانب ذلك، فكّر في معاناة الإنجليز أيضًا في تلك المصانع وتلك المدن الُمريعة! أنا أيضًا أبغض حُكام الولايات الجنوبية ومأموري شرطة المحافظات الجنوبية[3]، أنا أيضًا أريد لطفلك أن يحصل على تعليمٍ جيد وأن يرتقي بالعلو الذي تسمح به إمكانياته. لا مشكلة عندي معك، بتاتًا! ما مشكلتك أنت معي أنا؟ ما الذي تريده أنت؟ ولكن، في اليوم ذاته، في تجمّعٍ آخر، وفي أكثر حجرات قلبه سِريّةً، يبقى الأمريكي الأبيض فخورًا، دائمًا، بذلك التاريخ الذي لا يريد أن يدفع ثمنه، التاريخ الذي ربح منه الكثير ماديًا.

في اليوم ذاته، في تجمّعٍ آخر، وفي أكثر حجرات قلبه سريةً، يجد الأمريكي الأسود ذاته في مواجهة قائمة مفقوديه الفظيعة: المدمن الأسود الميت، الأب الأسود المهزوم، الأم السوداء المنهَكة إنهاكًا يفوق الوصف، الفتاة السوداء المُدمَّرة دمارًا يفوق الوصف. يشرع المرء يُفكّر في شيءٍ مريع: أن الناس يعتقدون باستحقاقهم لتاريخهم، وهم إذ يتصرّفون وفق هذا الاعتقاد، يَهلَكون. ولكنّ المرء يعرف أنهم نادرًا ما يستطيعون تفادي الاعتقاد باستحقاقهم لتاريخهم: الوقت القصير الذي يمضيه المرء على هذه الأرض غامضٌ جدًا ومظلمٌ جدًا وعصيبٌ جدًا. لقد عرفتُ الكثير من الرجال السود والنساء السوداوات والفتيان السود والفتيات السوداوات الذين كانوا يعتقدون فعلًا أن من الأفضل أن تكون أبيض لا أسود، فتدمرت حيواتهم أو انتهت بسبب هذا الاعتقاد؛ وأنا ذاتي حملتُ بذور هذا التدمير في داخلي زمنًا طويلًا.

إن اعتقدتُ الآن، بصفتي رجلًا أسود، اعتقادًا عميقًا باستحقاقي لتاريخي واستحقاقي لأن أُعامَل كما أُعامَل، فعليّ أيضًا أن أعتقد، على نحوٍ يودي بي، باستحقاق البيض لتاريخهم، واستحقاقهم للسلطة والمجد المُثبَت امتلاكهم لهما إثباتًا تُؤكّده لي شهادتهم هم، والأدلة التي أدركها أنا بحواسّي. وإن كان السودُ يقعون في هذا الفخ، فخ الاعتقاد باستحقاقهم لمصيرهم، فالبيض يقعون في فخٍ أكثر تدويخًا وتعقيدًا: فخ الاعتقاد باستحقاقهم لمصيرهم وأمنهم مقارنةً بغيرهم، ولذلك فليس على السود أن يفعلوا إلا كما فعل البيض حتى يرتقوا إلى حيث يوجد البيض الآن. إلا إنّ هذا لا يمكنُ التصريحُ به؛ ليس فقط لأسبابٍ مُتّصلةٍ بالكياسة أو الإحسان، ولكن أيضًا لأن البيض يحملون في داخلهم خوفًا، مكتومًا بحرص، من تشوّق السود لأن يفعلوا للآخرين ما فُعِل بهم. أيضًا، فإن تاريخ البيض قد أدى بهم إلى موقع تخوِّفٍ وحيرةٍ، أخذوا يفقدون فيه صلتهم بالواقع -أي يفقدون صلتهم بأنفسهم-، موقعٍ من المؤكّد أنهم ليسوا سعيدين كليًا فيه؛ فهم يعرفون أنهم ليسوا آمنين حقًا. إنهم لا يعرفون كيف حدث هذا، ولا يجرؤون على التفكير في كيفية حدوثه. فمن جانبٍ، هم نادرًا ما يجرؤون على فتح حوار، الذي، لو كان صادقًا، لوجب تحوّله إلى اعتراف -تلمُّس المساعدة والشفاء، هذا التلمّس، في رأيي، أساس كل الحوارات-. ومن جانبٍ آخر، فإن الرجل الأسود نادرًا ما يجرؤ على فتح حوار، الذي، لو كان صادقًا، لوجب تحوّله إلى اعترافٍ شخصيٍّ يتضمّن اتهامًا على نحوٍ يودي به. ولكن، إن عجزنا عن فعل ذلك، فسيهلكُ كلانا في تلك الفخاخ التي ما انفككنا نصارعها منذ أمدٍ بعيد.

أن التاريخ الذي لَقّنوه أنفسهم: هو بشكلٍ أساسيٍّ كذبة، ولكنهم لا يعرفون كيف يُخلِّصون أنفسهم منه؛ فيُعانون معاناةً شديدةً بسبب ما ينتج عن ذلك من تهافتٍ شخصي. إن هذا التهافت أوضحُ ما يكون حين يُسمع في الحوارات المرتبكة المذعورة التي يخوضها أحيانًا أمريكيون بيض مع ذاك الضمير الأسود: الرجل الأسود في أمريكا. طبيعة هذا الارتباك يمكن اختزالها إلى صيغة دفاعية: لا تلمني أنا، لم أكن هناك. لم أفعل ذلك. تاريخي لا علاقة له البتة بأوروبا أو تجارة العبيد.

الحالة الأمريكية غريبةٌ جدًا، وقد تكون الأولى من نوعها في العالم. لا ستار تحت السماء أثقل من ستار الذنب والكذب الذي يختبئ وراءه الأمريكيون البيض. هذا الستار قد يتضح أنه أشد فتكًا بحيوات البشر من ذاك الستار الحديدي الذي نتحدث عنه كثيرًا، ولا نعرف عنه إلا القليل.[4] الستار الأمريكي هو اللون. اللون. الرجال البيض استخدموا هذه الكلمة، هذا المفهوم، لتبرير جرائم يعجز عنها الوصف، لا في الماضي فقط، بل في الحاضر أيضًا. بإمكان المرء أن يقيس بدقةٍ شديدةٍ المسافة التي تفصل الأمريكي الأبيض عن ضميره -عن ذاته- وذلك برصد المسافة التي تفصل بين أمريكا البيضاء وأمريكا السوداء. كل ما على المرء فعله هو أن يسأل نفسه: مَن أنشأ هذه المسافة، لحماية مَن صُمِّمت هذه المسافة، وما الذي يُراد الاحتماء منه بتصميم هذه المسافة؟

رأيتُ كل ذلك بوضوحٍ بالغ، على سبيل المثال، في أعين رجال شرطةٍ جنوبيين يصدّون، مثلًا، باب محكمة. كانوا يقفون هناك، كلهم رفاق، يمتلكون سلطةً اجتماعية، بخوذاتهم، بهراواتهم، بمسدساتهم، بعصي الماشية الكهربائية خاصتهم[5]. في مواجهتهم وقف ناس سود عُزَّل -أو، لتحرّي الدقّة، كانت تواجههم مجموعة ناس عُزّل يُسمّون اعتباطًا سود، لكن ألوانهم تتباين فعليًا من السهوب الروسية إلى القرن الذهبي [التركي] إلى زنجبار. في لحظة، ولأنه لم يكن يستطيع حلَّ الموقف بأي طريقةٍ أخرى، مأمور الشرطة هذا، نائب الشرطة هذا، هذا المواطن الأمريكي النبيل، بدأ في ضرب هؤلاء الناس بالهراوة. بعض هؤلاء الناس قد تربطهم به صلة دم. إنهم بلا ريب مرتبطون بالمربية السوداء في ذاكرته ورفاق لعبه السود في طفولته. وهكذا، لوهلةٍ بدا أنه يتوسّل الناس الذين يواجهونه: ألّا يُرغموه على ارتكاب جريمةٍ أخرى وألّا يزيدوا من عمق محيط الدمِّ الغارقِ فيه ضميرُه، ذاك المحيط الذي تهلك فيه رجولته. الناس لم يتراجعوا طبعًا؛ حين ينهض الناس، فإنهم لا يتراجعون أبدًا (معلومةٌ يتوجب تضمينها في كتيب إرشادات المارينز[6]). وهكذا ارتفعت هراوته، وسالت الدماء، فتراكمت مرارته وعذابه وذنبه.

ولقد رأيتُ ذلك في أعين الشرطة المبتدئين في هارلم،[7] شرطةٍ مبتدئين كانوا في الواقع الأشخاص الأكثر خوفًا في العالم، والذين كان عليهم أن يخدعوا أنفسهم بأن المدمن الأسود، الأم السوداء، الأب الأسود، الطفل الأسود كانوا من فصيلةٍ بشريةٍ مختلفةٍ عنهم. مأمورو الشرطة الجنوبيون والشرطة المبتدئون يعجزون، وأظن أنهم مازالوا عاجزين، عن التعامل مع حيواتهم وواجباتهم إلا عن طريق الاختباء خلف ستار اللون – ستار يصير فعليًا، في نهاية المطاف، تبريرهم الأساسي لحيواتهم التي يعيشونها.

ولذلك فهم سيتحصنون وراء هذا الستار ويستمرون في ارتكاب جريمتهم، يستمرون في الجريمة الكبرى غير المعترف بها،جريمة ما ارتكبوه في حق أنفسهم.

أيها الرجل الأبيض، اسمعني! الرجل رجلٌ، المرأة امرأةٌ، الطفل طفلٌ. إنكار هذه الحقائق فتحٌ للأبواب على فوضى أعمق وأشد فتكًا، فوضى تكون على مدى عمر الإنسان أكثر خلودًا وأبديةً من تصوّر القرون الوسطى للجحيم. أيها الرجل الأبيض، لقد توصلتَ أصلًا إلى هذه الهرطقة الفظيعة من أجل كسب المال. لا يمكنك مقاومة الأشياء التي تكتنزها -وهو السبب الوحيد لاكتنازك لها، مثل مدمنين يكلّفهم إدمانهم مئة دولار في اليوم-، وأموالك موجودةٌ على الورق فقط. فليُنقذك الرب في ذلك اليوم الذي يُصرّ فيه الشعب على معرفة ما يكمن وراء ذلك الورق. ولكن، حتى بتجاوز ذلك، من المرعب التفكير في الطبيعة الدقيقة للأشياء التي قد اشتريتَها بالأجساد التي بعتها – الأشياء التي مازلت تشتريها بالأجساد التي مازلت تبيعها. إلى أي شيءٍ تتجه، بالضبط؟ في سبيل أي مُنتَجٍ بشريٍّ، بالضبط، تبذل كل هذا الابتكار، كل هذه الطاقة؟

في رواية السفراء لهنري جميس، التي نُشرت -بفترةٍ وجيزةٍ- قبل موته، يروي المؤلف قصة رجلٍ في منتصف عمره من نيو-إنجلند، تكلّفه عروسته المستقبلية، أرملة في منتصف عمرها، بمهمة إنقاذ ابنها الوحيد من مواخير باريس. تريد من ابنها العودة حتى يتولى إدارة مصنع العائلة. في الرواية، كان الرجل النيو-إنجلنديّ الكهل، السفير، هو مَن أُغري؛ لم تغرِه باريس قدر ما أغرته نظرةٌ جديدةٌ أقل نفعيةً للحياة. إنه ينصح الشاب: "عِش، عِش قدر ما تستطيع، من الخطأ ألّا تفعل". وهو ما أترجم معناه إلى: "ثق بالحياة، وهي ستعلِّمك، في الأفراح والأتراح، كلَّ ما تحتاجُ لمعرفته". موسيقيو الجاز يعرفون هذا. شيوخ وعجائز مونتِجُمري - الذين لوّحوا وغنوا وبكوا دون أن يستطيعوا الانضمام إلى المسيرة[8]، ولكنهم أوصلوا كثيرين منا إلى المكان الذي نستطيع الانطلاق منه في مسيرة- يعرفون هذا. ولكن الأمريكيين البيض لا يعرفون هذا. إنهم متحصنون داخل تاريخهم، يبقون عالقين في ذاك المصنع الذي يعود إليه الابن، في رواية هنري جيمس. لا نعرف أبدًا ما الذي يُنتجه هذا المصنع، فجيمس لا يقول لنا ذلك. إنه يُلمّح فقط إلى أن المصنع، بتضحيةٍ بشريةٍ غير معقولة، يُنتج أشياء غير مسماة.

أغسطس/آب 1965

[ترجمة سارة مبارك وإبراهيم الشريف.]

المرجع:

Baldwin, James (1988). Collected Essays. New York: Library of America. pp721-727.

هوامش

[1] "الممر الأوسط" اسمٌ توصف به مرحلة من مراحل "تجارة العبيد المثلثية". كانت أوروبا تشحن البضائع إلى أفريقيا مقابل السود المستعبدين (الضلع الأول في المثلث)، ثم يُنقل السود المستعبدون إلى الأمريكيتين مقابل المواد الخام (الضلع الثاني في المثلث و"الممر الأوسط")، ثم تُشحن المواد الخام إلى أوروبا (الضلع الثالث) – المترجمة والمترجم.

[2] في القرن التاسع عشر تحولت مانشستر، في إنجلترا، إلى مدينة صناعية، وقد مثّلت مصانعها قمة الاستغلال الرأسمالي للطبقات العاملة (حيث كان يعمل الرجال والنساء والأطفال في المصانع مقابل أجورٍ زهيدة). من بين تلك المصانع كانت هناك مصانع نسيج تستقبل القطن من الولايات المتحدة، القطن الذي كان يقطفه المستعبدون السود في حقول الولايات الجنوبية الأمريكية، مثل ولاية مسيسيبي. جدير بالذكر أن عمال مصانع مانشستر تضامنوا بقوة مع قضية تحرير السود في الولايات المتحدة وأظهروا دعمهم لهم أثناء الحرب الأمريكية الأهلية - المترجمة والمترجم.

[3]  ارتبط تاريخ الولايات الجنوبية الأمريكية ارتباطًا وثيقًا بالعنصرية: استعباد السود في الحقول والمتاجرة بهم، رفض تحرير السود أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، وعرقلة تحقيق مطالب السود المدنية والدستورية في ستينيات القرن العشرين (زمن كتابة المقال) – المترجمة والمترجم.

[4] "الستار الحديدي" هو الحد الفاصل بين المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية) والمعسكر الغربي (دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة) أيام الحرب الباردة – المترجمة والمترجم.

[5]  عصي كهربائية تُستخدم لنخس الماشية لحثها على الحرث وذلك بصعقها بشحنة كهربائية. انتقل استخدام هذه العصي من نخس الماشية إلى ضرب البشر، فصارت من أسلحة رجال الأمن يستخدمونها ضد المتظاهرين والسجناء – المترجمة والمترجم.

[6] في الأغلب يشير بالدوين إلى كتيب إرشادات قوات المارينز الأمريكية، وهي قد تكون إِشارة ناقدة للحرب الفيتنامية (1955 – 1975)، أو قد تكون إشارة ناقدة لعسكرة الدولة، الأمر الذي يحدث كثيرًا في الولايات المتحدة لمواجهة مظاهرات السود، كما يحدث هذه الأيام (يونيو 2020) في مواجهة مظاهرات Black Lives Matter – المترجمة والمترجم.

[7]  هارلم حي من أحياء مدينة نيويورك الأمريكية، مشهور بسكانه السود ومرتبط بالثقافة السوداء في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر، ومنه خرج العديد من مشاهير النضال والفن الأسود في الولايات المتحدة، ومن بينهم جيمس بالدوين نفسه المولود في هارلم – المترجمة والمترجم.

[8]  مسيرة سليمة ضمن حراك الحقوق المدنية المناهض للعنصرية خلال الستينيات في الولايات المتحدة، سار فيها المتظاهرون من مدينة سيلما إلى مدينة مونتِجُمري في ولاية ألاباما (الجنوبية) احتجاجًا على السياسات العنصرية (مثل قوانين الفصل العنصري) ومطالبةً بحقوق السود المسلوبة (مثل حق التصويت) – المترجمة والمترجم.

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • سارة أحمد: الشكوى والنجاة

      سارة أحمد: الشكوى والنجاة

      إنه وقتٌ جارفٌ؛ من الصعب معرفةُ ما يجب فعله. بالنسبة لمن لسن من فئة العاملات الضروريات أو ليسوا من فئة العاملين الضروريين، فإن بقاءنا في المنزل، النأيَ بأنفسنا عن مخالطة الآخرين، هو الكيفية التي نُعبِّر بها عن وفائنا لهم، اهتمامنا بهم.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬