وُلد لانس ديفد هينسون في واشنطن العاصمة سنة ١٩٤٤، وهو ينحدر من السكان الأصليين من قبيلة التشييني، واختار الإقامة في إيطاليا. نشر سبع عشرة مجموعة شعرية في الولايات المتحدة وخارجها وتُرجم شعره إلى خمس وعشرين لغة عالمية كما حصل على عدد من الجوائز الأدبية المرموقة.
يكتب هنسون بأسلوب مقتصد دون علامات ترقيم أو قافية أو وزن، وهو أسلوب شبيه بالأغاني التشيينية. يستلهم في شعره التراث والفلسفة التشيينية ويضمنه تعليقاته الاجتماعية والسياسية ويدافع عن حقوق السكان الأصليين ضد الظلم التاريخي الذي تعرضوا له والتهديدات الحديثة لثقافاتهم.
من أعمال لانس هينسون
كراسة تشيينية، قصائد مختارة (١٩٧٠-١٩٩١)
في ضباب مظلم (١٩٨٢)
مسافة أخرى (١٩٩١)
أغنية القلب القوي (١٩٩٧)
أنشودة أخرى لأمريكا (١٩٩٧)
اختيرت القصائد من دواوين مختلفة للشاعر.
هنا الريح نفسها
هنا الريحُ نفسها
عبْر جميع الحدود ترفعُ يديها المفتوحتين
يديها المكسورتين
هنا في أواخر الشتاء
في الممرات المختلفة لهذه الأيام كما لم يحدث من قبل
نسمعُ الاسم الذي لنا
يتكرّر مرة بعد أخرى
هنا ما انتُزِعَ من الظلام
يتوضّع في مكان باردٍ ويراقبنا
ما الذي يمكن تذكره هناك
ما الذي يمكن أن يغيّرنا
الأبواب تنفتح وتنغلق
في أحلامنا
في وجوهنا
وهنا….
في هذا المكان
البردُ يدخل إلى الغرفة
وفي الحال سيأتي الغسق
كما لو من عالم آخر
طيورٌ سوداء على حواف هذه الصفحة
في ظلّ شجرة بلوط
غرابٌ يراقب ابنتي تلعب في الحديقة
تلتقي أعينهما كما حدثَ مرّة
في الريح المجنّحة لحلم
الأسلاف
-١-
ثمة أيامٌ تولد بعيداً جداً عن بعضها
وكلمات بالغة الحزن من الصعب أن نعرف أنها كلمات
تعود جميع معانيها
لكن من دونها
-٢-
(إلى بيرثا كوك)
ذكرى قديمة تغتسلُ في أجراس منتصف الليل
أبحثُ عنكِ
جالساً قرب مصباح الكيروسين أكثر من أربعين سنة الآن
لم أفقدكِ
لقد فقدتُ نفسي
-٣-
يلتفّ الدخان خارج النافذة
صلاة رقيقة كالشاش
ملفوفة في صوت الريح
هنا الأشياء التي لا تحتاج إلينا
في الظلال
إلى جانبنا
-٤-
أنهارٌ صامتة مليئة بالمرايا
وبالوجوه المحطمة
تصلُ من الحروب
-٥-
كان يوم أمس
يتحرّك
بين
المصابيح
-٦-
قطعةُ قماش حمراء ممزقة تسقط على الأرض
حلمُ منْ
-٧-
تتساقط جميع الأصوات الحزينة
على حافة العالم
على حافة كل شيء
-٨-
انطلقْ في بلاد مفتوحة
اجلسْ في مكان واضح
واحرسْ الحياة
نصوص جزيرة إلبا
-١-
وصلَ في الأصيل
الصمت يتدلى من شباك الصيد
ونصف ضوء القمر يتوهج في الأشجار
هناك كثير من الجبهات التي يجب عبورها
ظلال كثيرين في جانب
وأجسادهم المصمتة في جانب آخر
أعثرُ على العزاء في اليد الصغيرة التي تدخل يدي
صوتُ طائرٍ يسقط في الأوراق المظلمة
-٢-
أذكر مطراً غزيراً تساقط على المرفأ الذي لا مستقبل له
سفينة ملأى
بأعين متملقة ولغات متعبة
قرب منتصف الليل كلب يعوي في برية
يراقب ببساطة
وضوءُ نجومٍ
يرفض أن يموت
بعد وقت طويل من انقطاع أنفاسها
٢٦-٤-٢٠٠٢
منتظراً قرب الفجر
صوتي عاجزٌ أن يغني لكِ
هذا الطريق هو الطريق إلى البحر
سنكون هناك
حين يندفع الزجاج المحطم والأجراس التي بلا صوت
من شاطئ في ألبانيا
الحيوانات المحطمة والأشجار المحطمة
تنظر إلى الخلف من المكان نفسه بالأعين نفسها
البشر هم الوحيدون الذين يصلّون لأنفسهم
٢٦-٤-٢٠٠٢
أوائل الصيف
بومات صغيرة تجلس حيث سيمرّ القمر
بين شجرتيْ صفصاف
جرسٌ يقرعُ قرب منتصف الليل.
في بيت لحم يقرع الجرس نفسه
فوق المُجوَّعين
والمهجورين
الكافرين والمؤمنين
أجنحة من الضوء والدموع تحلق بعيداً
مرايا مليئة بالأيدي والصلوات تصل
من الجانب الآخر
قريبة جداً
لا أحد يصدق ما يراه
وهكذا يعيشون
في حزن مستعاد
٢٩-٢-٢٠٠٤
منتظراً القمر أستريحُ واسمكِ في يديّ
تنامين الآن بعيداً عن أبواب الثلج
قشُّ القمر يملأ الوادي بأزهاره من ريح البحر وقفازيه اللذين أفلتا
الساقطِين.
آخذ في نَفَسي أسماءهم وحين تستيقظين سأمنحها لك...
عيشي واتركي يديك مفتوحتين كي تمسكي بمن لا يتذكرهم أحد. من تذكّر أصواتهم وأعينهم كل يوم ستصبح الكؤوس الفارغة التي شربوا منها نهراً تستطيعين أن تشربي منه ولن تكوني وحيدة أبداً
أغنية لما هو حقيقي
-١-
زهرةٌ تنتظرُ لوقتٍ طويل وحيدةً
في ظلّ بذرتها
ما الذي تتذكر
أنها لا تمنحه لنا في تفتّحها؟
أمسكُ ورقة خريفية بنية
بالكاد تستقر في هذا العالم
في يدي
ستأتي الريح في الحال
مع المطر
المساء ينطلق
نحو الليل
-٢-
سنبدأ رحلةً
ضوء داكن متورد
يمسح بزيته في الساعة المتأخرة
الأشخاص المصنوعين من الأحلام
-٣-
بعد وقتٍ طويل من التذكر
ستكون هناك هذه العبارة من الليل
حيث قمرٌ مُؤاخى
سيطلع
فوق النهر
وهناك ستشاهدين
طريقاً طويلاً من الأسى
كونشيرتو بأربع حركات
-١-
الريح التي على وجهكِ تستيقظُ
موسيقى من الحزن
من الامتلاء
حيث سترقدين
إزاء الأغنية التي تعمّق
صوتكِ
أو في أسى أرض صغيرة
تلوح مودعةً
-٢-
راقبتُ لوقت طويل
الشاطئ الآخر الذي تسلقتِ عليه
مجففةً الأحلام
التي لم تبق في النهر
-٣-
في نصف الضوء
نراقب ما يحدث
يواصل الاقتراب
يواصل الحدوث
ظلُّ يديه على وجوهنا
-٤-
أين الساعة التي تتذكرك
تفكين من الجناحين
غير الثابتين لليوم
الكلمات التي لم تنطقيها
في الدوامة الكبيرة للمنفى
ستعثرين على صوتك
في عزلة صلاة
ستربطين اسمك
بالأبدية
هنا
هنا مكانٌ لا شيء يموتُ فيه
ظلمةٌ تعيش تحت الأوراق
نأخذ ليالينا إلى هناك دون أن ندري
نأخذ خوفنا إلى هناك قبل أن يبدأ الغناء
نأخذ أسماءنا الصامتة آملين أنه غُفر لنا
نأخذ أيدينا إلى هناك معطرّةً من نَهْرٍ
نُحْضر صلواتنا التي تختبئ وتراقبنا
المشهد الطبيعي حيث حملنا الريشات الفالتة
لطائر ساقط
واستيقظنا في أرض اللامرئيين
هنا مكان لا يمكن أن يموت فيه أي شيء
الأسلاف
عَرفْتِ أين كان القمر
كان هناك في نومكِ
في نَفَسِكِ
في عينيك اللتين كانتا تسافران
في الأيام الماضية
كان اليعسوب نفسه في ظله
في المطر الأخضر
مستيقظاً
من أصوات رصاصات حطمت إناء ماءٍ
في كوسوفو
هنا يغني النهر
أسماؤهم تصعد
في مطرٍ ضبابيّ وضعوا أيديهم
في مساراتنا
مصلين لنا
كما لو من مكان ممزق
تسقط الورقة
تاركة اسمها على الريح
والطيور في أغانيها
النهار مصنوعٌ من زجاج رقيق يتكسّر
عبْر أسمائنا
عبر قلوبنا
نداءُ طائر ضعيف
بعيداً جداً
حيث تقف الريح
شيء ما يتحرك
عبر ظلكِ
عبر ضحككِ
عبر دموعكِ
على الحافة
حياتك على الجانبين
تُصغي للآخر
كل بزوغ
كل بزوغ من الظلال هو حدودٌ
تشيح بوجهها بعيداً
تتعقب بعينيها اللتين لا تستطيعان الإغماض الدخان النتن
فوق الأنهار
الأنهار التي تمزج الأرض بأحزاننا
أحلامنا
وهجٌ يحيط بالريف القريب من باريس
أزهار تنام في التراب
ما الذي رآه القمر هذا المساء
في الحال بعد منتصف الليل جاء صوتكِ
متحطماً في أمواج صامتة على هذه الساعات
التي قادتني
إلى العزلة
كلمة واحدة وبقية العالم صارت معتمة
كيف لمستِ من مكان بعيد
لبَّ هذه الليلة
هذا النَفَس
أمس توهجتْ الشمس
في ضوئها في الأصيل
سقطتْ ورقة على الأرض
تحت الجوانب السفلية للنهار التي بلون الغراب
سرنا
نحو أمل الأحياء ورغباتهم المحمومة
بأيدينا المصنوعة من عظام طيور منقرضة
أقرباؤنا اللاجئون
يصلون إلى حقول عمياء
وقفنا في الصمت الأول
في الأخير
دون عنوان
سرتُ في شوارع مليئة
بالأشباح
زملاء مسافرون سرق منهم
حياتهم رجال مجانين
صاروا الريح المفاجئة التي تهبُّ
وتعبركِ وأنت تنتظرين أن يتغير
الضوء
من عالم لعالم
تمتلئ الساعة بهذه الأصوات
رواندا البوسنة وونديد ني
إيقاع قبليّ
من الأسلاف
يجري كما لو أن ذئباً فلت
من السماء
كي يذكرك بأن هذا العالم الذي فُقد
ليس لهم
المفقودون
في مكانٍ ما في الليلة المقمرة
تماماً قبل الفجر
امرأةٌ تُشعل شمعة
تمرّرُ يديها فوق
صورة ابن أو ابنة
ربما زوج
فوق وجهٍ غاب في ضباب الحرب
يسمونهم المفقودين
هذه الوجوه على مائة جدار
في جميع أنحاء العالم
تظهر في ألف مظاهرة
تحملها نساء في الشوارع
الطيور التي تحلق في الأعلى
تتعرف على المسارات المظلمة
لبكائهن
وتضيف أنشودتها لأنشودتهن
أَصْغوا
إنها تغنّي
رحلة أخرى في القطار
تماماً خارج آرلس
بدرٌ فوق نهر الرون
فيما كنتُ مسافراً إلى أوربا منذ أسبوع من أمريكا
جاءني إلحاح غامض وأجوف
في لوحة زن راهبان ضريران يعبران
جسراً خشبياً فوق نهر
يتحسسان طريقهما بأيديهما
كأعمامي التشيينيين قبلي
الرجال الذين اصطادتهم الديمقراطية وقتلتهم
أراقب الرياح المضطربة لصلاة غير منتهية
تصل إلى العالم البشري
أين يهدأ نسيج الصراع
ويعثر على راحته
في شوراع البوسنة
في الضباب الممزق والوعر لجنوب أفريقيا
أو في الشوارع الملطخة بالدم لأمازونيا
ينمو الليل في نفسه كفراشة مشتعلة
تماماً خارج تولوز
أتذكّر فتاة بشعر كستنائي اللون
على متن قطار آخر منذ عام
عبرنا جسر صداقة ورعبٍ
اختفت في ليل ساراييفو
أم هل كانت بلغراد أو شياباس
أو بابوا نيو غينيا حيث تبكي النجوم؟
أينما كانت لم تعد أبداً
هذه القصة تحدث ثانية
فيما العالم يواصل انكشافه
[الترجمة عن الإنجليزية: أسامة إسبر]