سيبقى الشعر الحقيقي واقفاً على قدميه: حوار مع الشاعر البنغالي أمين الرحمن

سيبقى الشعر الحقيقي واقفاً على قدميه: حوار مع الشاعر البنغالي أمين الرحمن

سيبقى الشعر الحقيقي واقفاً على قدميه: حوار مع الشاعر البنغالي أمين الرحمن

By : Jan Dost جان دوست

حاوره: جان دوست

تعرفت على الشاعر البنغالي أمين الرحمن (مواليد داكا 1966) أثناء حضوري مهرجان الشعر العالمي في تيتوفا بشمال مقدونيا في خريف 2019. لفت انتباهي بالزي التقليدي البنغالي الذي كان يرتديه. كنت مثله أرتدي الزي التقليدي الكردي، اللفة الحمراء، والشروال الواسع والسترة مع الحزام. لعل هذا ما جذبني إليه وجذبه إلي. كنا شاعرين ينتمي كل واحد منا إلى أمة عانت في سبيل لغتها الكثير. سرعان ما ازدادت معرفتي به عمقاً. شاعر يحمل الضوء وسحر الكلمة البنغالية في قلبه، يذهب بهما إلى أنحاء العالم يبشر بالحب والسلام. وكان هذا اللقاء معه.

* يقول الناقد البنغالي تاكر حسين: في قصائد أمين الرحمن، يشعر المرء بروح الوحدة والحزن الأساسي والشعور بالفراغ والخطاب العاطفي لقلب مهشم. من أين يأتي كل هذا الحزن؟

ليست الوحدة سبباً للحزن. ولا حتى القلوب المكسورة! الإنسان في الحقيقة هو كائن وحيد جدًا. لا يملك المرء أي شيء بدون ذاته. أنا شخصياً أستمتع بالوحدة، وأحيانًا كنت أفرض الوحدة على نفسي. أحب الثقافة -والحزن والوحدة. عندما يمكن لأي شخص أن يشعر بالوحدة أو الحزن فإنه من الأسهل ملامسة روحه. لقد حاولت دائمًا رؤية العوالم الداخلية للإنسان. وهذا مستحيل طبعاً بدون الوحدة.

* الشعر البنغالي غير معروف تقريباً للقراء العرب. ما هو السبب برأيك؟

لا أعلم. لكن في الأدب البنغالي نصادف الكثير من الكلمات والتاريخ والتعابير القادمة من الثقافة العربية. مير مشرف حسين كتب ملحمة (بيشاد سيندو) عن كربلاء منذ أكثر من 100 عام وهذه الملحمة كنز من كنوز الأدب البنغالي. استخدم الشاعر العظيم قاضي نصر الإسلام الكثير من الكلمات العربية والفارسية منذ 100 عام مضى، ونتاجه جزء لا يتجزأ من أدب البنغاليين الآن. البنغالية هي اللغة الأم لبنغلاديش حيث تزيد نسبة السكان المسلمين عن 90 في المائة. لقد كتب العديد من الكتاب والشعراء البنغاليين المسلمين العديد من النصوص التي تتعلق بالعالم العربي.

*اعتدنا على اعتبار الشاعر طاغور كشاعر هندي. لكنني قرأت في العديد من المواقع أنه بنغالي. هل هناك صراع حول الشاعر بين الهنود والبنغاليين؟

لا، لا يوجد ما يمكن أن نسميه صراعاً حول موضوع انتماء الشاعر طاغور، في بنغلاديش الشعب بنغالي ولغتهم البنغالية. اللغة المتداولة في البنغال الغربية في الهند هي اللغة البنغالية أيضًا. ولد طاغور وتوفي قبل التقسيم عام 1947 في كالكوتا بغرب البنغال. ولكن كان له تأثيرات قوية من بنغلاديش في إنشائه.

ولد رابيندراناث طاغور عام 1861 وتوفي عام 1941. وحصل على جائزة نوبل عام 1913. وحتى عام 1947 كانت شبه القارة الهندية بأكملها تضم الهند وباكستان وبنغلاديش. لذا كان طاغور ينتمي إلى شبه القارة الهندية التي كانت بنجغاديش جزءًا منها. قضى طاغور ما يقرب من 10 سنوات في بنغلاديش من عام 1889 إلى عام وبقي على مدى أيام يبحر بالقارب الذهبي في نهر بادما في بنغلاديش. كتب طاغور أعمالاً كثيرة وهو في بنغلاديش.

ليست الوحدة سبباً للحزن. ولا حتى القلوب المكسورة! الإنسان في الحقيقة هو كائن وحيد جدًا. لا يملك المرء أي شيء بدون ذاته. أنا شخصياً أستمتع بالوحدة، وأحيانًا كنت أفرض الوحدة على نفسي.

*لقد قمت بتمثيل بلدك بوضوح في العديد من المهرجانات الشعرية الدولية. هل تعتقد أن الشعر في هذه الحقبة يمكن أن يلعب دوراً في شرح القضايا الحاسمة للشعوب؟

ليس بشكل مباشر. إنما تجري الأمور بطريقة غير مباشرة. فالمهمة الرئيسية لأي شاعر هي كتابة القصائد. يمكن أيضًا إبراز الموضوعات الملحة والحاسمة في الشعر. ولن ننسى أن الشعر ساعد حتى على نشوب الثورات والتغني بالحرية وطرح العديد من المشاكل الاجتماعية في الماضي. يجتمع الشعراء خلال المهرجانات والشعر لتبادل الأفكار والتجارب وتكوين روابط شعرية حول العالم.

*كيف ترسم ملامح المشهد الشعري في بنغلاديش؟ هل توجد مدارس شعرية جامعة أم أن لكل شاعر سماء خاصة به يطير فيها؟

البنغالية هي لغة قديمة جدًا نشأت من اللغة السنسكريتية. قبل طاغور كان أهم شاعر كتب باللغة البنغالية هو ميكائيل مادهوسودان دوتا. أما في المرحلة التي تلت طاغور فقد كان الشاعر الأكثر أهمية هو قاضي نصر الإسلام، الشاعر الوطني لبنغلاديش. في ثلاثينيات القرن الماضي كان تأثير خمسة من الشعراء هائلاً، وكان من أهمهم جيباناناندا داس من بنغلاديش. في الواقع في بنغلاديش بدأت المرحلة الشعرية الحديثة في الخمسينيات. ففي عام 1952، تحرك الناس في نهاية المطاف في 21 فبراير / شباط، لحماية اللغة الأم. الشاعر شمس الرحمن، المحمود، فضل شهاب الدين، شهيد قادري، علاء الدين الأزاد، سيد شمس الحق، هناك شعراء معاصرون مهمون للغاية ساعدوا في خلق قاعدة صلبة من الأدب في بنغلاديش.

*كيف أثر الإسلام على الشعر البنغالي؟ هل هناك تأثيرات بوذية أو هندوسية متبقية في الأدب البنغالي بشكل عام؟

إن التأثير الإسلامي ليس كبيرًا للغاية في اللغة البنغالية، لكن الشاعر قاضي نصر الإسلام قام بإدخال العديد من الكلمات من العربية والفارسية إلى اللغة البنغالية. أما فروخ أحمد، إلى جانب آخن، فقد كان شاعرًا كتب العديد من القصائد الإسلامية الجيدة.

لقد تأثرت الثقافة البنغالية جزئياً بالثقافة الهندوسية، وبمستوى أقل بالثقافة البوذية. والسبب هو أن الهندوس حكموا أرض البنغال لسنوات عديدة. إن الثقافة البنغالية أصبحت أيضًا جزءًا من الثقافة الإسلامية. إنها حياة مشتركة فريدة حقاً.

* تتوزع تجربتك الشعرية على مجموعات شعرية عديدة. كيف ترى دور الشعر في هذا العصر الرقمي الذي يتسم بإيقاع سريع للغاية؟

ينتمي الشعر دائمًا إلى شريحة أدبية ذات إيقاع بطيء وثابت. وكنت دائما من أنصار هذه الفكرة. إن العالم يتحرك بسرعة كبيرة الآن، هذا صحيح، لكنني أعتقد أن الشعر يتحرك بموجب إيقاعه الخاص به، وبالتأكيد ليس بسرعة. أنا لا أرى أي تعارض بين الرقمية والتقليدية. الزمن كفيل بأن يتخذ تدابيره الخاصة مستقبلاً. بالتأكيد إن امتزاج أنواع وأجناس أدبية مختلفة سيمنحها وجهاً خاصاً ونقاط قوة مختلفة.

* اضطهدت السلطات الباكستانية اللغة البنغالية، وأراد الرئيس محمد علي جناح أن يقول إن الإسلام هو الهوية المشتركة، لكن البنغاليين حافظوا على خصوصيتهم ودافعوا عن لغتهم حتى سقط بعض الطلاب قتلى في الاحتجاجات لأجل الانتصار للغة البنغالية قبل سبعين عاماً. كيف ترى قضية اللغات المظلومة والمهمشة؟ لماذا اللغة مهمة في تعزيز الهوية؟

قبل حرب التحرير عام 1971، اعتبرت بنغلاديش شرق باكستان. لكن تم تقويض شرق باكستان وقمعها دائمًا بعد خروج البريطانيين من شبه القارة الهندية عام 1947. كان غالبية شعب باكستان الشرقية يتحدثون البنغالية أما في غرب باكستان فقد كانت الأردية هي اللغة المهيمنة. في عام 1948، أعلن محمد علي جناح أن اللغة الأردية ستكون لغة باكستان الموحدة، وكانت هذه هي نقطة البداية. في 21 فبراير 1952 بلغت الاحتجاجات ذروتها وقتلت السلطات العديد من الطلاب. وإلى الآن يتم الاحتفال بهذه الذكرى باعتبارها اليوم العالمي للغة الأم في جميع أنحاء العالم.

اللغة هي التي تحدد هوية الأمة. بالنسبة لنا فإن اللغة الأم في بنغلادش هي البنغالية. هذه هي هويتنا. يتحدث أكثر من 90 في المائة من السكان باللغة البنغالية فقط. إذا جاء شخص ذات يوم وقال لي إن والدتك أردية، هل تعتقد أنني سأقبل؟ لا بالطبع. لذا فالمسألة بسيطة للغاية، يمكنك تحديد هوية أمة بلغتها الأم. لا يوجد ضرر لمعرفة المزيد من اللغات ولكن اللغة الأم هي عادة واحدة على الرغم من وجود استثناءات أيضًا. في الحالة البنغالية أرادوا تغيير لغتنا الأم ومحو هويتنا من خلال ممارسة القوة. وهو أمر سخيف بطبيعة الحال.

ليست اللغة وعاء يستخدم لأغراض التواصل فقط ولكنها تحمل ثقافة الأمة وطقوسها التاريخية وملامحها أيضًا.

* لقد زرت العديد من البلدان وحضرت العديد من المهرجانات الشعرية. هل رأيت قاسمًا مشتركًا يجمع الشعر حول العالم؟ ألا تعتقد أن الشعر يفقد بريقه يومًا بعد يوم؟ هل سيصمد الشعر وينتصر في النهاية؟

نعم صحيح، لقد زرت العديد من البلدان وحضرت العديد من المهرجانات الشعرية في الـ 35 سنة الماضية. لا يمكن لمهرجانات الشعر أن تخلق وتنتج شعراً ولكنها ستساعد في إبرام صداقات بين الشعراء حول العالم. إن اللغات والثقافات تختلف لكننا نتشابه كثيراً. انظر مثلاً، لقد التقيت بك في مقدونيا العام الماضي في مهرجان الشعر، لم يكن أحدنا يعرف الآخر في وقت سابق. لكننا أصدقاء مقربون للغاية الآن. في المهرجانات الكبرى، قد لا يكون 50 بالمائة من الحاضرين شعراء جيدين جدًا، لكن 50 بالمائة هم عادة شعراء جيدون. وقد عاينت ذلك بنفسك. الصداقة بين الشعراء الصالحين دائما منتجة ومفيدة. في وقت سابق كانت مهرجانات الشعر الجيدة تتمتع بالسحر والهيبة ولكنها الآن بدأت تفقد ذلك المجد. قد يكون أحد أهم الأسباب هو أزمة المنظمين الاقتصادية. في حالات قليلة جداً، كان المنظمون يتنافسون لأجل تحقيق الجودة. على الرغم من كل شيء سيقف الشعراء شامخين، وسيبقى الشعر الحقيقي على المدى الطويل واقفاً على قدميه.

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • كتب: اللاهي

      كتب: اللاهي

      "لدت فكرة الرواية من خلال التأمل في نصوص قرأتها سابقاً وعلى فترات متباعدة جداً ابتداءً من بداية شبابي إلى الآن. وفاءً لقراءاتي الكثيرة اخترت نصوصاً بعينها أعجبتني واشتغلت عليها."

    • حوار مع الفنان التشكيلي محمد سيدا

      حوار مع الفنان التشكيلي محمد سيدا

      في مستهل الألفية الثالثة، غادر الشاب محمد سيدا بلدته الصغيرة عامودا هاربًا بأنامله وخياله وحقيبة صغيرة تحمل ما تبقى من عطر تلك البلاد إلى شمال الدنيا.

    • الفنان الكردي مجو كندش: كثيرة هي الأوطان التي تحولت إلى منافي دائمة لمواطنيها

      الفنان الكردي مجو كندش: كثيرة هي الأوطان التي تحولت إلى منافي دائمة لمواطنيها

      ولد الفنان الكردي السوري مجو كندش في بلدة كوباني عام 1966، وهو مغني وملحن وعازف بزق عصامي. اهتم بالموسيقى منذ صغره وبرزت مواهبه في المدرسة وهو في العاشرة من العمر. انتقل مع زوجته الفرنسية عام 1999 إلى مدينة نيوشاتل في سويسرا واستقر هناك.

حول ترجمة الآداب العربية إلى الفارسية: حوار مع المترجم الإيراني ستار جليلزاده

تعود العلاقة بين الثقافتين العربية والفارسية القديمة إلى ما قبل الإسلام. لكن هذه العلاقة شهدت تطوراً هائلاً بعد دخول الإسلام إلى بلاد فارس وانزياح الثقافة الفارسية لصالح الثقافة العربية التي كان حاملها الأساسي القرآن الكريم بلغته العربية. وقد أحدث الإسلام صدمة كبيرة في المجتمعات الإيرانية، ولكن سرعان ما امتص الإيرانيون هذه الصدمة وتعافت اللغة الفارسية بعد حوالى قرن ونصف بتشجيع مباشر من الغزنويين والسامانيين الذين حكموا إيران حتى حدود الهند وبرزت إلى الوجود لغة فارسية بنكهة عربية. وقد نشطت حركة الترجمة من الفارسية ولكن بنسبة أقل بكثير من الحركة التي شهدتها ساحات الترجمة عن الفلسفة الإغريقية. وفي العصر الحديث زاد الاهتمام المتبادل بين الأدبين العربي والفارسي ثم تضاعف هذه الاهتمام مع بروز ونهوض فن الرواية لدى الإيرانيين والعرب على حد سواء.

في إيران الآن حركة ترجمة حثيثة تقودها طبقة من كبار المترجمين مثل رحيم فروغي، ستار جليلزاده، عظيم طهماسبي وموسى بيدج وغيرهم ممن أقبلوا على الروايات العربية فترجموها إلى لغة حافظ الشيرازي وعمر الخيام. في هذا الحوار يحدثنا المترجم ستار جليلزاده عن هموم الترجمة ومتعها اللانهائية.

ولد ستار جليلزاده في مدینة فلاحیة "شادگان" في محافظة عربستان (خوزستان) في سنة 1956. التحق بمعهد إعداد المعلمین وعکف بعد ذلك علی تدریس اللغتين الفارسیة والعربیة وآدابهما. حصل علی ماجستیر في اللغة والآداب العربیة من الجامعة الحرة في کرج قرب العاصمة الإيرانية طهران.

شارک في مؤتمرات أدبیة کثیرة ومن أهمها مهرجان گلاویژ الثقافي في السلیمانیة بإقلیم کردستان. ترجم الكثير من الروايات العربية إلى الفارسية، كما أصدر مختارات مترجمة من القصائد والقصص العربية القصيرة.

بداية لو تحدثنا عن سر اهتمامك باللغة العربية وآدابها؟ متى بدأ ذلك وما الذي جعلك تنجذب إلى هذا المجال؟

ولدت في مكان اشتهر بأرض النخيل والشعر وغدران المياه، في منطقة الفلاحية أو شادكان من توابع محافظة خوزستان التي يمتاز أهلها بالود والبساطة والطيبة، يمكن القول بكل جرأة إن 95% من أهلها يتحدثون اللغة العربية ولديهم آدابهم الخاصة، هذه المدينة ربت وأنشأت بين جنباتها الكثير من الشعراء الشعبيين، لقد أمضيتُ طفولتي وسط هؤلاء الناس الودودين. ارتدت المدرسة وحصلت على شهادة الدبلوم ومن ثم اضطررت من أجلجل متابعة التعليم إلى ترك المنطقة والتحقت بمعهد إعداد المعلمين، وعكفت على تدريس اللغة الفارسية والعربية وآدابهما في مدن عدة حتى استقر بي المطاف في مدينة كرج، وبسبب ميلي الشديد إلى اللغة العربية وآدابها قررت متابعة تحصيلي العلمي في هذا المجال، فالتحقت بجامعة كرج الحرة، وتعلمت آداب اللغة العربية وأتقنتها أكثر من أي وقت مضى على يد أساتذة خبراء متمرسين. وفي الحقيقة في تلك اللحظات اضطرمت شرارة الترجمة في خلدي وبدأت بالاتقاد، وتمكنت من ترجمة أول مجموعة شعرية تضم بين دفتيها مختارات شعرية لأربعة شعراء عرب مشهورين وهم نزار قباني، أدونيس، غادة السمان، قاسم حداد ونشرت باللغتين معاً. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن قمت بترجمة ونشر قرابة 15 أثراً في مجالات مختلفة في الشعر والقصة والرواية ومجموعة مقالات مترجمة.

ترجمت أعمال عديدة وهامة من العربية إلى الفارسية من أهمها مختارات من الشعر العربي المعاصر كما أخبرتنا في جوابك السابق وكذلك مختارات من القصة وروايات عديدة لأهم الروائيين العرب، كيف تختار هذه الأعمال؟

اختيار أثر ما مرتبط بعوامل عديدة منها هدف المترجم من ترجمة النص، المتلقي أو قارئ النص، نوع وأسلوب وسياق النص، وعليه أبذل جهدي آخذاً مجموع هذه العوامل بعين الاعتبار كي أوجد الأثر ذاته في القارئ أو أخلق المتعة والتأثير ذاته الذي خبره قارئ النص الأساسي.

نعم صدرت مجموعة تحمل عنوان "عالمٌ خالٍ من عيون مترقبة" (جهان از چشم‌های منتظر خالی‌ست) وفي الحقيقة هو عبارة عن أنطولوجيا للشعر العربي المعاصر، يقع في 950 صفحة ويتضمن بين دفتيه 104 شعراء عرب من 17 دولة عربية ومقتطفات مختصرة ومفيدة حول حياتهم وآثارهم إلى جانب نماذج من أشعارهم.

[غلاف كتاب لنزار قباني بالفارسية]

فيما يتعلق بالمجموعة القصصية أشير إلى أن هذه المجموعة تقع في 450 صفحة وتحمل عنوان "رماد فوق الجرح" (خاکستر روی زخم) وتشمل خمسين قصة قصيرة لخمسين كاتباً عربياً معاصراً من تسع دول عربية وهي (الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، مصر، سورية، العراق، فلسطين، الكويت) وأعمل حالياً على إعداد مجموعة ثانية منها تتضمن كُتّاباً من دول عربية أخرى، كما ترجمت مجموعة مقالات للدكتور هاشم صالح تحمل عنوان "العبقرية والجنون" (نبوغ وجنون) وتتضمن سبع مقالات له. بعدها ترجمت رواية "الضوء الأزرق" (نور آبی) لحسين جميل البرغوثي وهو روائي فلسطيني، كما نشرت أيضاً مجموعات شعرية عدة لشعراء عرب معاصرين باللغتين. "أيام العشق" (دوران عاشقی) مختارات من أشعار غادة السمان و"كوني من أبجديتي" (از حروف الفبایم باش) مختارات من أشعار نزار قباني وكتاب "والرفض إنجيلي" (و انکار انجیل من است) مختارات من أشعار أدونيس. كما ترجمت كتاب "اعترافات أبو نواس" للكاتب المصري كامل الشناوي وكتاب "حبيبي داعشي" (داعشی خاطر خواه) للكاتبة المصرية هاجر عبد الصمد وكتاب "عاشقة تحت المطر" (زنی عاشق زیر باران) مختارات من أشعار غادة السمان وكتاب "حرب الكلب الثانية" (جنگ دوم سگ) للكاتب المشهور إبراهيم نصرالله الحائز على جائزة البوكر العربية عام 2018، وكتاب "بابا سارتر" للكاتب العراقي علي بدر، وفي الوقت الراهن هناك آثار عديدة مترجمة قيد الطباعة.

كيف تنظر إلى الترجمة كفعل معرفي حضاري؟ هل يمكن التعويل عليها في التقريب بين الشعوب في خضم هذه الحروب والنزاعات التي نشهدها؟

الإنسان كائن اجتماعي وبناءً على التجارب التاريخية فهو يمتلك مع نفسه وفي نفسه خلفية غنية تراكمية من أنواع الثقافات. لا يوجد إنسان أو ثقافة بإمكانها اعتبار نفسها بغنى عن تجارب الآخرين، لهذا السبب فإن تأثر الثقافات بعضها ببعض له أثر بالغ في ازدهار المجتمعات وتقدمها، وهنا لا يمكن إنكار دور الترجمة في نقل العناصر الثقافية. تعتبر الترجمة إحدى صلات الوصل الثقافية بين الأمم التي لا تجمعها لغة مشتركة كما تسهم في نقل الأفكار والعقائد والحكايات والفنون من لغة إلى لغة أخرى.

وحول القضايا المتعلقة بالنزاعات والحروب التي أشرت لها، فاليوم تتجلى أهمية الترجمة أكثر من أي وقت مضى. نحن نحتاج إلى إقامة اتصال وتفاعل مع الآخر، وكلما كان هذا التعامل والتفاعل أكثر عمقاً وثباتاً غدت الوشائج والعلاقات أكثر عمقاً وأشد رسوخاً. في الحقيقة الترجمة امتلكت هذه المقدرة وما تزال، فقد أزالت الحدود بين الدول ووسعت آفاق اتصال المجتمعات مع بعضها.

تشهد حركة الترجمة من العربية إلى الفارسية تصاعداً مستمراً لا سيما في مجال الرواية خاصة بعد ظهور جوائز روائية مشهورة في العالم العربي، كيف ترون استقبال القارئ الإيراني لترجماتكم وترجمات زملائكم الآخرين من المترجمين؟

في الواقع بما يتعلق بمجال ترجمة الآداب العربية المعاصرة سواء رواية أو قصة أو شعر قياساً باللغات الأخرى المترجمة إلى اللغة الفارسية مثل اللغة الإنكليزية والفرنسية والألمانية وغيرها، فإن حصة اللغة العربية لم تكن كبيرة وما تزال، على الرغم من أن حصة ترجمة الشعر أكبر من حصة بقية الأجناس الأدبية مثل الرواية والقصة والمسرحية، ويمكن القول بصراحة إنه تمت ترجمة ونشر أكثر من مائة أثر لشعراء عرب معاصرين، كان أبرزهم نزار قباني، غادة السمان، محمود درويش، وأدونيس.

[غلاف كتاب لغادة السمان بالفارسية]

إذا أردنا التطرق لمجال القصة، يتعين علينا العودة قليلاً إلى الوراء إلى مسير الترجمة من العربية إلى الفارسية إلى أواخر العهد القاجاري والبهلوي الأول والثاني، ولن نجد في ما تُرجم من رواية وقصة باستثناء الروايات التاريخية لجرجي زيدان وبضعة آثار أخرى مثل "الأيام" لطه حسين أو ترجمة مسرحيات توفيق الحكيم، ترجمات جدية حقيقة، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، هذه الجائزة لفتت أنظار المترجمين أكثر من ذي قبل إلى روايات نجيب محفوظ والروايات الأخرى للكتاب العرب المعاصرين، وفي العقد الأول الذي أعقب الثورة في إیران بتنا نلحظ ترجمات لروايات نجيب محفوظ والروائيين الآخرين مثل غسان كنفاني. لكن سرعة هذا المسير تعاظمت بشدة خلال العقد الأخير، وأحد أهم أسباب ذلك يرجع إلى ظهور جائزة البوكر للرواية العربية التي جذبت الكثير من المترجمين ومن بينهم أنا أيضاً. وحتى الآن تمت ترجمة آثار جيدة والتي بدورها باتت تحجز مكانها شيئاً فشيئاً وسط القراء الإيرانيين. على الرغم من أننا لن نصل إلى النقطة المثالية بيد أنني أقيم الأوضاع بنظرة متفائلة وأنا متأكد أن الرواية العربية مثل بقية الروايات الأخرى المترجمة عن الآداب الغربية ستكون موضع ترحيب أيضاً.

تعيش العلاقات السياسية بين إيران وبعض الدول العربية مرحلة حرجة قوامها التوتر وحتى حالات من العداء، برأيك هل يستطيع الأدب لعب دور ما في تخفيف التوتر السياسي لصالح شعوب المنطقة؟

العلاقات السياسية بين إيران والدول العربية مثل كافة العلاقات السياسية القائمة مع العالم، لا أحللها بمعزل عن بعضها.  

ولكي نحدد إلى أي مدى بإمكان الأدب وبمعزل عن التوترات أن يقّرب الشعوب بعضها إلى بعض، يتعين علينا أن نخوض غمار بحث في مجال علم الاجتماع الأدبي. أقول باختصار شديد إننا إذا اتفقنا على اعتبار الأدب محصلة الحياة الاجتماعية والمفاهيم الذهنية والمشاعر والأفكار البشرية، سنخلص إلى نتيجه مفادها أن الأدب ولا سيما "الرواية" بإمكانها أن تقّرب الشعوب بعضها من بعض من جوانب عدة.

هل هناك تنسيق بين المترجمين الإيرانيين في ضبط حركة الترجمة؟ أم أن المترجمين يعملون بشكل فردي؟ ما هي مشاكل الترجمة من العربية باختصار؟

طبعاً أمر يدعو للأسف القول إن كل المترجمين في مجال الأدب سواء أولئك الذين يترجمون من اللغة العربية أو سائر اللغات الأخرى، ليس بينهم أي تعاون إطلاقاً ويعملون بشكل فردي. ربما تحدث بعض الاستشارات من منطلق الصداقة، لكن فيما يتعلق بموضوع العمل المؤسساتي والجماعي  أستطيع أن أقول إنه لا يوجد شيء من هذا القبيل على الإطلاق.

أما عن الشق الآخر من السؤال، فالجواب أنه لدينا مترجمون محترفون ومتمرسون من بينهم: محمد جواهر کلام، رضا عامری، محمد رضا مرعشی، موسی بیدج، محمد حزبایی، کاظم آل یاسین، رحیم فروغی، محمد حمادی، عظیم طهماسبی، صادق دارابی، مریم حیدري، نرگس قندیل زاده، یداله ملایری، کریم پور زبید ومترجمون آخرون. وتتم دراسة الكثير من الأعمال المترجمة في الجامعات الإيرانية من خلال الأساتذة والطلاب في الأطروحات الجامعية، لكن الأمر الذي نعاني منه كمترجمين هو عدم وجود مرجع نقدي محترف للأعمال المترجمة.

المترجم الإيراني عظيم طهماسبي اشتكى في حوار سابق من قلة الاهتمام بترجماتكم؟ هل توافقه الرأي؟ ولماذا؟

لقد قرأت حوار زميلي المحترم عظيم طهماسبي بعناية واهتمام بالغ وسعدت به كثيراً، لكن بإيجاز أقول: أنا متفائل كثيراً بالتصاعد المتعاظم لترجمة الرواية العربية ومكانتها بين القراء الإيرانيين.

أنا متأكد من أن الرواية العربية ستكون موضع ترحيب كبقية الروايات الأخرى المترجمة عن الآداب الغربية. لم يمض سوى عقدين من الزمن على اهتمام المترجمين بالرواية العربية ويتعين الانتظار قليلاً، وأجزم أن هناك نتائج جيدة سوف تتحقق في هذا الصدد.

[أجرى الحوار: جان دوست]