المنطقة العربية في زمن الكورونا: تفشّي الصراعات

[المصدر: أي بي] [المصدر: أي بي]

المنطقة العربية في زمن الكورونا: تفشّي الصراعات

By : Hesham Gaafar هشام جعفر

أصاب الفيروس المنطقة وهي تتأرجح بالفعل تحت وطأة الصراعات المسلحة والحروب الأهلية، والاضطراب الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي، والمشاكل الاقتصادية. بالإضافة إلى توزع دولها وقوى دون الدولة علي محاور استقطاب متعددة. 

نحن ندرك أن الجائحة لحظة كاشفة لمجمل أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وليست الصحية فقط.  لكنها في نفس الوقت تؤدي إلي تسريع العوامل والديناميكيات الكامنة والظاهرة وتدفع إلى التفاعل بأشكال وصيغ جديدة ؛ فعلى حد قول أحد الباحثين: "فهي تظهر التطرف في كل شئ"، ويتسرب تأثيرها إلي المجالات كافة. 

التفكير في تداعيات الفيروس علي المنطقة تحكمه عدد من القواعد أهمها:

١-ليس من الواضح حتى الآن متى وأين سيكون الفيروس أشد وطأة، وكيف ستتفاعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لإثارة الأزمات أو تفاقمها. لكن يظل من محددات النظر مدى التفشي وكيفية إدارته. 

٢-الأماكن التي يتقاطع فيها التحدي الصحي مع الحروب أو الأوضاع السياسية مثل المؤسسات الضعيفة والتوترات المجتمعية، وانعدام الثقة في النظام السياسي، والدول الضعيفة والهشة، وتشهد تنافسات القوى العظمي والإقليمية؛ يمكن أن يؤدي إلي أزمات جديدة أو يفاقم الموجود منها. 

٣-ليس من المضمون أن تكون عواقب الوباء سلبية بشكل كامل، أو موحدة في كل مكان أو صعيد. فقد أدت الكوارث الطبيعية في بعض الأحيان إلى الحد من الصراع؛ بحيث كان على الاطراف المتصارعة العمل معًا، أو علي الأقل الحفاظ علي الهدوء للتركيز على معالجة تداعيات الجائحة. بل يزعم أحد المؤرخين أنه كلما غلب التشاؤم كلما قلت الحروب، وكلما زاد التفاؤل بالمستقبل زادت الحروب. 

وهناك اتجاهات متباينة في هذا الصدد: فبعض الحكومات تعمل على تخفيف التوترات والصراعات مثل الحالة اليمنية، والكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية وحماس، وبعض دول الخليج وإيران، ومن المحتمل أن يؤدي الوباء إلى تفاقم بعض الصراعات مثل حالة ليبيا. وقد تستغله بعض الأنظمة في الداخل للفتك بالمعارضة أو زيادة تسلطها أو إثارة الاستقطابات للتغطية علي تداعيات الفيروس. 

٤-الشهور القادمة ستكون محفوفة بالمخاطر بشكل كبير لأسباب متعددة. فقد تداعت العوامل على المنطقة كما تداعي الأكلة إلى قصعتها؛ فقد تزامن مع الجائحة انهيار أسعار النفط ليفاقم من التأثيرات على منطقة لم تشهد استقرارًا من عقد من السنين.

إلا أن التأثير سيتفاوت من دولة لأخرى؛ فبعض الدول التي تمتعت باستقرار نسبي أو إمكانيات مالية ضخمة قد تكون مهيأة بشكل أفضل للتعامل مع تفشي المرض، ولكنه في بعض الحالات قد يكون الاستقرار هشا، وحتى في الدول الأكثر ثباتًا مثل المغرب فإن اندماجها في السوق العالمي قد يزيد من تداعيات الفيروس عليها. 

٥-إن التداعيات ستكون خطيرة بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين يقعون في خضم الصراع، فهو يعطل المساعدات الانسانية، ويحد من عمليات السلام، ويؤخر أو يصرف أطراف النزاع عن الجهود الناشئة أو الجارية. ويمكن للقادة عديمي الضمير أن يستغلوا الوباء لتعزيز اهدافهم بطرق تؤدي إلى الأزمات المحلية والدولية وزيادة الاستقطاب الداخلي أو تصعيد الصراع مع الدول الاخرى لتخفيف الضغوط الداخلية، أو استغلالها لانشغال المجتمع الدولي. 

وإذا قدر لنا الحديث عن المنطقة في زمن الكورونا ؛ فإنه يمكن الإشارة إلى مسارات خمسة يمكن من خلالها فهم تأثير الفيروس على صراعاتها:

أولًا :عقد من الربيع العربي

يحاول البعض إلصاق عدم الاستقرار وتصاعد الصراعات بحقبة الربيع العربي؛ ففي رأيهم أنه قوض الاستقرار السياسي والاقتصادي في عدد من الدول، وأشعل حتى الآن ثلاث حروب أهلية، وترك ١٠ملايين لاجئ معظمهم في سوريا ولبنان والأردن وتركيا. 

هذا الحديث يغفل عددًا من الاعتبارات :

١-ضرورة التمييز بين جوهر الربيع العربي وبين عدم القدرة على إدارة مقتضيات الفترات الانتقالية. 

الربيع العربي في موجتيه تطلع الشعوب العربية وخاصة الفئات الشابة منها للحرية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد، واحتجاج على الفساد وسوء توزيع الدخل. هو تعبير -من وجهة نظري - عن تحول تاريخي في المنطقة يعلن نهاية الصيغ القديمة في السياسة والثقافة والاجتماع، وبحث عن جديد لم يتبلور بعد. هو إعلان عن نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة، فالمنطقة تعيش في طور انتقالي بين الحقبتين :القديم مرتحل والجديد لم يتمأسس بعد. ومن ثم فنحن نعيش مرحلة خلو العرش بتعبير زيجموند باومان في كتابه: "الحداثة والهولوكوست." 

أما الفشل في إدارة الفترات الانتقالية فحدث ولا حرج ومن كل الأطراف؛ قوى التغيير لم تدرك طبيعة الزمن الانتقالي فلم تسع إلي بناء التوافقات فتعض عليها بالنواجذ؛ فنجاح مسار بعد الثورات لا يعد دائما أمرًا مؤكدًا، وأحد محددات تحقيق الثورات أهدافها هو كيف تتصرف نخب التغيير.

وقوي الثورة المضادة- وطنيًا وإقليميا- حركتها ولا تزال مصالحها الضيقة الآنية فأشعلت الصراعات في كل ركن. 

٢-تأتي الجائحة متفاعلة مع نزاعات الفترات الانتقالية التي عادة ما تسودها الهواجس والمخاوف لا الحقائق والوقائع؛ ومن ثم فلا قدرة على بناء التوافقات المرحلية أو القطع مع الممارسات السياسية التي سبقت التغيير. 

ما يميز الفترات الانتقالية هو انبعاث التناقضات المسكوت عنها ؛حين يتصاعد الجهوي /المحلي، والاثني، واللغوي، والطائفي، والمذهبي والديني، بالإضافة إلى المطالب الاقتصادية والاجتماعية، ومن دون تطوير مقاربات واقتراحات جديدة للتعامل مع هذه التناقضات فسيكون تحقيق الاستقرار أمرًا مستحيلًا. 

نحن ندرك أن الجائحة لحظة كاشفة لمجمل أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وليست الصحية فقط. لكنها في نفس الوقت تؤدي إلي تسريع العوامل والديناميكيات الكامنة والظاهرة وتدفع إلى التفاعل بأشكال وصيغ جديدة..

كما تتسم الفترات الانتقالية بطرح سؤال الهوية الوطنية. وقد أجمعت الدراسات أنه لا نجاح لتحول ديموقراطي دون التوافق علي هوية وطنية جامعة. ومع قناعتي أن الانتفاضات الديموقراطية العربية سوف تساهم في بلورة الهوية الوطنية كما يجري في لبنان والعراق، إلا إنه يجب أن نكون متنبهين لاستخدام معارك الهوية لتبرير الصراع السياسي وكذا محاولة بعض الهويات الفرعية الهيمنة على المشهد السياسي، مثل أكراد العراق أو شيعة لبنان أو مسيحيي مصر أو سنة البحرين؛ ساعين لتحقيق بعض المكاسب الجزئية علي حساب بناء الهوية الوطنية الجامعة. وفاقم الأمر؛ انبعاث الوعي بمشاريع متناقضة تثير حماسة جهات معينة وهواجس فئات اخرى مثل الحديث عن المشروع الإسلامي أو العثمانية الجديدة أو الهلال الشيعي. 

في الفترات الانتقالية التي تتحرك عليها تداعيات الفيروس تهيمن الهواجس علي الجميع لذا فلا حكم إلا بالتراضي. ويجب أن تكون هناك دائما سياسات وخطابات الطمأنة لمواجهة الشعور بعدم الأمان على المصالح؛ مصالح الدول والفئات الاجتماعية، والهوية، والقوى السياسية والحزبية الأضعف. 

يتسم الطور الانتقالي العربي بأن الدولة باتت محل تساؤل بحيث يصير من المطلوب بناؤها بإعادة التفكير فيها؛ فالتحدي الأساسي الذي تواجهه الجماعة الوطنية في كل قطر عربي هو إحداث تحول ديموقراطي ذا جوهر اجتماعي؛ أحد شروط نجاحه إعادة بناء الدولة ولكن من خلال طرح صيغ جديدة لإعادة البناء. فقد انتهت صيغة دولة ما بعد الاستقلال. ويجري ذلك في ظل تحلل لمفهوم الدولة في مخيال المواطن العربي وتبديد للرأسمال التاريخي الذي أنجز على مدار القرن الأخير في بعض الأقطار. والذي سمح بإنشاء عدد من المؤسسات ذات التقاليد الراسخة التي سمحت بقيام الدولة بأداء وظائفها باستقلال عن توجهات النظام السياسي. بحيث بتنا الآن أمام معضلة تصيب كل الدول العربية وهي أن استمرار الدولة مرهون باستمرار النظام السياسي الحاكم، خاصة في ظل تحلل الدولة الوطنية إلى عناصرها الأولية من طائفية وقبلية وإثنية وجهوية ومذهبية.

ثانيا :طبيعة نزاعات المنطقة:

تتقاطع صراعات المنطقة مع تعقد الوضع حيث تتعدد أنواع الصراع بين الجهوي والوطني والإقليمي بل والدولي، وتتعدد مجالاته بين السياسي والاجتماعي الاقتصادي والثقافي. وتتشابك العوامل الدافعة له ويكثر اللاعبون المنخرطون فيه. 

ويمكن الحديث عن عدد من السمات لصراعات المنطقة (انظر تفصيلا لذلك في تقرير مجموعة الأزمات حول الأمن الجماعي أبريل ٢٠٢٠): 

١.القابلية للانفجار غير المقصود، ففي الوقت التي أظهرت فيه أحداث ٢٠١٩[ضرب أرامكو والتحرش البحري في الخليج ] مخاطر اندلاع صراع غير مقصود، فليس هناك رغبة عند أي من اللاعبين الأساسيين في أن يبدأ حوارا مع خصومه، لذا فإن الصراعات تكون اكثر حدة. 

٢. تعدد اللاعبين وتشظيهم السياسي، فالمنخرطون في الصراعات دول في الإقليم ومن خارجه، وقوى إقليمية وأخرى عظمى، أما القوى دون الدولة فهي كثيرة ومنقسمة على نفسها وتتقاطع تحالفاتها وتتباين فيما بينها، وبعضها أقوياء تصرفوا كأنهم دول حين اتخذوا مظاهر سيادية تشبه الدول. 

إن إضعاف الدولة العربية وتنامي عدد من اللاعبين دون الدولة يعطل أية جهود لتحقيق الاستقرار. ما من جهة واحدة تحتكر العنف داخل حدود جغرافية محددة، كما إن تدخلات العواصم الإقليمية في الصراعات قد غيرت في بنيتها. 

٣-الصراعات حزمة واحدة، فالتداخل بين صراعات مختلفة سواء على الأرض أو في تصورات الأطراف المختلفة يزيد من صعوبة معالجة الصراعات منفردة. 

٤-غياب وسيط قوي يتمتع بنفوذ حقيقي يمكنه من لعب دور المحكم بين الاطراف المتنازعة، ويتواكب مع ذلك محدودية الأدوات المستخدمة في احتواء الصراعات ومن ثم منع تصعيدها. 

ثالثًا :نقطة تحول في علاقات القوى العظمى في المنطقة

في غياب استراتيجية وسياسة أمريكية واضحة أصبحت المنطقة اكثر خطورة. ويبدو أن العزم الأمريكي لضمان الأمن والاستقرار آخذ في الانخفاض، وتحاول روسيا أن تملأ الفراغ الذي خلفته أمريكا إلا أن قدراتها تقصر عن ذلك. أما الصين فتركز علي تراكم النفوذ الاقتصادي فقط، والأوربيون نفوذهم يتقلص لذا فيبدو أنهم غير مهيئين لعلب دور أساسي في المنطقة. 

تتضاءل الإرادة السياسية في واشنطن مع ترامب للانخراط في المنطقة وقد بدأ بعض قادة المنطقة في مواجهة ما قد يبدو عليه مستقبلهم بدون قيادة أمريكية واضحة، ورغم هذا التوجه الا أن احتمالات المستقبل تظل مفتوحة مع احتمال مجئ بايدن إلي البيت الأبيض مطلع العام المقبل. فقد نشهد تعاظمًا للدور الأمريكي في المنطقة مرة أخرى. 

يختلف نهج روسيا بشكل كبير عن طريقة الولايات المتحدة، فهي تفضل الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الاطراف الفاعلة في الإقليم بغض النظر عن مواقفها تجاه بعضها البعض. وهذا يحفز كل دولة علي مواصلة العلاقات مع روسيا بغض النظر عن علاقات روسيا مع منافسيه. نهج روسيا الحالي في المنطقة هو التعاون بين الحكومات القائمة والوساطة بينها في نزاعاتها، ويمتد هذا الدور إلى النزاعات الأهلية أيضا. 

وقد نجحت موسكو في جعل إجراء مفاوضات أو اتخاذ أية خطوات لإنهاء الصراع دون مشاركتها وفي بعض الأحيان دون قيادتها، مستحيلاً. حاولت روسيا تصوير نفسها كوسيط قوي ملتزم بالحفاظ على استقرار المنطقة، ونجحت في جعل حل العديد من الأزمات دون تدخلها مستحيلاً. ومع ذلك فمن غير الواضح ما إذا كان بوسعها أن تفي بوعودها لضمان الاستقرار في المنطقة. وبغض النظر عن سمسرة موسكو في عمليات السلام ؛ فهي لا تمتلك القدرة للقيام بذلك :فهناك حدود علي دورها يتعلق بقدراتها الاقتصادية خاصة بعد انهيار سعر النفط وصعوبات إدارة تفشي الفيروس ،كما أن المخاوف الجيوسياسة الأكبر لها في أوراسيا قد تحول أنظارها عن المنطقة. 

وبالتالي ينظر إلي روسيا علي أنها وسيط قوي ،في حين أن قدراتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية قد تحد من إمكانياتها علي الوفاء بهذا الدور. وينظر إلي الولايات المتحدة علي أنها تقلص من التزاماتها في المنطقة برغم من استمرار المصالح والقدرة الفائقة لضمان الأمن الإقليمي ،وفي نفس الوقت لا تنوي روسيا التخلي عن مكاسبها التي حققتها حتي الآن ،إلا أن القيود الموجودة في المجال الاقتصادي والدبلوماسي تؤخر أو تعترض مزيد من التقدم. 

وهناك ملمح استجد مع الفيروس وهو أنه إذا استمرت الصين والولايات المتحدة في إلقاء الطين علي بعضهما البعض بشأن المسئولية عن تفشيه ؛فسيؤدي ذلك إلي تفاقم التوترات في مناطق أخري أيضا ،كما أن المؤشرات تدل علي زيادة التنافس بين الولايات والصين بما سيكون له تداعيات علي المنطقة التي تمثل الصين لها الشريك التجاري الأول ؛ في حين تمثل الولايات المتحدة الشريك الاستراتيجي والأمني الأول. 

ومع الفيروس ستصبح القوي الدولية أقل قدرة علي الوساطة أو فرض ديناميكيات محددة في المنطقة مما يمنح القوي الإقليمية هامشًا أوسع للتصرف. 

رابعًا :أمن جماعي أو موت جماعي

حمل التقرير الأخير(٢٧أبريل ٢٠٢٠) لمجموعة الأزمات الدولية عنوان :"الشرق الاوسط بين الأمن الجماعي أو الانهيار الجماعي" ،ويخلص في نهايته إلي :

"مع تنامي المخاطرة بحدوث مواجهة عسكرية في الخليج، من الضروري إيجاد السبل لخفض تصعيد التوترات. إن التهديد الرئيسي الذيتواجهه المنطقة اليوم ليس حرباً تختارها بقدر ما هي حرب غير متعمدة تنتج عن خطأ في الحسابات، أو سوء تفسير أو غياب التواصل في الوقت المناسب. لقد أتقن اللاعبون في الشرق الأوسط لعبة حافة الهاوية إلى حد اللعب مباشرة على الحافة. وقد كانت النتيجة تمزق الخيط الذي يفصل بين الحرب واللا حرب."

ويختتم التقرير بهذه العبارة الموحية: "قد يكون لحوار إقليمي جماعي شامل يهدف إلى تخفيف حدة التوترات فرصة ضئيلة في النجاح. لكن في الظروف الراهنة، سيكون من قبيل انعدام المسؤولية عدم المحاولة."

وبرغم أن التقرير يركز اهتمامه على الأمن في منطقة الخليج أساسًا حين يجعل من إيران المحور الذي تدور عليه التوترات والنزاعات في المنطقة، إلا أن الكامن الذي يجب التقاطه من بين ثنايا التقرير أن المبادرة لحل صراعات المنطقة -التي سبق ووصفنا طبيعتها -هي مبادرة يجب أن تنبع من الإقليم أساسًا ثم تستدعي القوى الدولية لمساندتها. فمن الملاحظ أنه منذ الربيع العربي تزايد دور دول الإقليم في صنع سياساته وتحديد ملامح نزاعاته في ظل استقطاب تغذيه محاور ثلاثة : واحد بقيادة إيران، والثاني بقيادة تركيا وقطر، والثالث تقوده السعودية والإمارات. ويقف الكيان الصهيوني في خلفية المشهد وفي قلبه في أحيان كثيرة. هذه التحالفات لا تقتصر على الدول بل تمتد إلى قوى دون الدولة مما يعقد الصراع كما أسلفنا، وتستخدم فيه التدخلات العسكرية بكثرة. 

ويتوقع البعض أنه مع تضرر الاقتصاد الإيراني بشدة والعقوبات الخانقة وانهيار أسعار النفط، فمن المحتمل أن تلجأ ايران إلى زيادة حدة التوترات في المنطقة معتمدة في المقام الأول على وكلائها في المنطقة في محاولة لإحراز تقدم علي الأرض لإجبار المجتمع الدولي على تقديم تنازلات. 

المنطقة تعاني من الكثير من الدول والجماعات والقادة الذين هم على استعداد للقتال من أجل مصالح الآخرين، وإذا كانت إيران وتنظيم الدولة الإسلامية والإمارات وقطر قد قلبوا النظام الإقليمي رأسًا على عقب، فقد قاموا أيضًا بتضخيم طموحات الآخرين ، وخاصة طموحات تركيا؛  فلدى أردوغان الآن تصاميم على شمال سوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط.  إن رغبة أردوغان - وهو استبدادي غير عربي - "لتحرير" المجتمعات العربية من إيران - التي هي استبداد غير عربي أيضًا -، أو الوقوف ضد المحور السعودي الإماراتي؛ وهو استبدادي يقف وراءه ومن أمامه الكيان الصهيوني؛ هو وصفة لتفاقم عدم الاستقرار الإقليمي.

خامسا : تداعيات الفيروس:

علي مدار الأسابيع الماضية ناقش المحللون ومراكز التفكير والمؤسسات الدولية تأثير الجائحة على المنطقة. وقد أجمعوا على أن مستقبل المنطقة سيكون أكثر قتامة، مع تفشي عدم الاستقرار ليطال بلدانًا كانت تتمتع باستقرار نسبي مثل مصر. 

فقد بدأت الجائحة في نهاية عقد من الزمان تميز بالمنافسة المتزايدة بين محاور إقليمية ثلاثة كما قدمنا، وأزمات سياسية، وضغوط واضطرابات اقتصادية، واحتجاجات شعبية. كما أن تفشي الوباء لديه القدرة علي إحداث الفوضى في الدول الهشة؛ وهي كثيرة في المنطقة، وإثارة الاضطرابات على نطاق واسع، واختبار لقدرات النظام السياسي على إدارة الأزمات ومدى شرعيته. وتزداد تداعياته خطورة بالنسبة لأولئك الذين يقعون في مناطق الصراع. فالفيروس يضيف أبعادا جديدة لأزمات المنطقة. 

حديث التداعيات ينصرف إلى العناصر التالية:

١- الاقتصاد: سترتفع البطالة بمقدار ١.٢ نقطة ويتم خسران ١.٧مليون وظيفة -وفق تقرير الاسكوا ، وسينخفض الطلب المحلي، وستزيد عودة العمالة من دول الخليج خاصة بعد انهيار سعر النفط، وسيصير النمو سلبيا (يتوقع خبراء الصندوق والبنك الدوليين نموًا اقتصاديًا سلبيًا بنسبة ٣.٥-٤في المائة في هذا العام)، كما سينضم ملايين آخرون إلى طابور الفقراء (تقدر الأمم المتحدة أن الجائحة ستصيب ٨.٣مليون شخص جديد بالفقر، وهذا يعني أننا بإزاء ١٠١مليون شخص على الأقل من الفقراء)، وهناك توقع بزيادة أسعار الغذاء وارتفاع للتضخم. 

٢-العنف: يمكن أن يضع الفيروس ضغطا كبيرا على المجتمعات والأنظمة السياسية مما يخلق إمكانية للعنف. صحيح أنه على المدى القصير قد يلعب الخوف من الوباء دوره كرادع للاضطرابات الشعبية سواء تعلقا بدور حكوماتهم أو خوفا من التجمعات الكبيرة، ولكن تدلنا تجربة طرابلس لبنان مارس الماضي أن الهدوء قد يكون ظاهرة مؤقتة ومضللة. خاصة إذا تفاعل التأثير الاقتصادي الكارثي للفيروس مع أوضاع معيشية كانت بالفعل صعبة لبعض الفئات والمناطق، بالاضافة إلى التفاوتات في الثروة والدخل والفرص. 

٣-تكاد تجمع الدراسات على أن تأثير الفيروس سيكون أكثر حدة وأثره مضاعفا على الفئات الأكثر ضعفًا وهشاشة في المجتمع مثل النساء والأطفال والفقراء، بالإضافة إلى مناطق الصراع. 

٤-سيزداد عدم الاستقرار في البلدان التي تنخفض فيها الثقة في قيادتها السياسية ، أو تتمتع الحكومات بشرعية مشكوك فيها، أو لديها تاريخ من التلاعب في الانتخابات، إلا أن إدارة ناجحة للأزمة وتداعياتها قد تقوي النظام الحاكم وتجدد شرعيته. وفي المقابل فإن سوء الإدارة قد يؤدي إلى اندلاع احتجاجات شعبية واسعة، خاصة أن الاحتجاجات التي شهدتها بعض البلدان العربية قبل الوباء كانت تتحرك على أرضية مظالم اقتصادية واجتماعية وفساد وغياب للحكم الرشيد. 

٥-عودة داعش: فقد أكد المتابعون زيادة هجماتها في العراق وسوريا مؤخرا، وستعمل على استغلال الضعف والهشاشة والانشغال لزيادة نفوذها، وكسب مجندين جددا، وتجميع صفوفها، والقيام بعمليات جديدة، وزيادة نفوذها السياسي. 

٦-انتهاكات ضد الأقليات: في مناطق أخرى من العالم شهدنا مزيدا من الانتهاكات ضد الأقليات كالهند وميانمار، ولكننا في المنطقة حتى الآن لم نشهد مثل ذلك، إلا أن ذلك لا ينفي احتماله في المستقبل، فأزمة COVID-1 والاستجابة لها تؤدي إلى تفاقم الجذور الكامنة للصراع ، لا سيما عدم المساواة.

وما شهدناه هو زيادة في الكراهية ضد اللاجئين وتنمر ضد الأجانب؛ حين تصاعد المشاعر العنصرية في البلدان التي لديها أنماط استقطاب وتمييزواستبعاد ،كما  يتزايد العنف القائم على نوع الجنس، ويجد الضحايا صعوبة في العثور على المساعدة لأن برامج الدعم غير قادرة على الوصول إلى الاشخاص. 

ونختم فنقول أن هناك إجماعاً واسعاً بين الباحثين والمراقبين على أن المنطقة تمر بأزمة عميقة، وهي في خضم عملية ذات عواقب تاريخية تنطوي على صراع مضطرب على هويتها. يستمر هذا الصراع في مجالين ، ويمتد إلى نقاط خلاف مختلفة:

الأول ، التي تدور حول النظام الإقليمي، تُشن بين معسكرات معادية تتنافس على الأفكار، والسلطة ، والنفوذ، والبقاء. والآخر بين الحكام والجمهور داخل الدول نفسها ، حيث عانى الناس من مشاكل متعددة تفاقمت خلال سنوات الاضطراب.  لقد فاقمت أزمة الفيروس التاجي المشاكل الأساسية للبطالة، وعدم المساواة،وانخفاض الإنتاجي،والحكم، والفساد، والاعتماد على النفط والمساعدات  الخارجية، وأضافت بعدا جديدا من عدم اليقين لهم جميعا.

والخلاصة : إن المسارات الخمسة ستتفاعل مع سمة أساسية من سمات الجائحة وهي عدم اليقين والقدرة علي التحديد للاتجاهات المستقبلية. لذا فإن سيناريوهات المستقبل سيرسمها التناسق/التناغم الذي يمكن أن يحدث بين العوامل المكونة للمسارات الخمسة، وأرجو ألا يكون الحاكم فيها العوامل التي ترسم من خارج المنطقة.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬