[ترجمة: أسامة إسبر]
ولدت الشاعرة والروائية لويز إيردريك في ليتل فولز بولاية مينيسوتا سنة 1954. تنحدر من أم من قبيلة تشيبيوا الهندية وأب أميركي من أصل ألماني. تستقصي في كتاباتها موضوعات تتعلق بالسكان الأصليين، ومواضيع كونية كالهوية والنظام إزاء العشوائية والفوضى، ومعنى الحياة. نشرت ثلاث مجموعات شعرية احتفى بها النقاد هي مصباح يدوي (1984)، تعميد الرغبة (1989) ونار أصلية: قصائد جديدة ومختارة (2003). اشتهرت في أميركا كشاعرة وروائية وحصلت على جائزة الكتاب الوطنية في 2012 عن روايتها المنزل الدائري.
خداع الرب
يجب أن أصبح صغيرة وأختبئ حيث لا يستطيع الوصول.
يجب أن أصبح بليدة وثقيلة كوعاء حديدي.
يجب ألا أعرف الكلل كالصدأ
وأكون شجاعة كالجذور
يجب أن أنمو متغلغلةً عبر أقفال الأبواب
وأفتّت أحجار أساسات عرشه الأبدي.
يجب أن أكون غريبة كالشفقة كي يصدقني.
يجب أن أكون مخيفة وأمشط شعري بالفرشاة
كي يجدني جذابة.
ربما يجب أن أستحضر كلير، القديسة الراعية للتلفزيون
ربما يجب أن أصبح الصور
التي تعبر في خلايا دماغ امرأة.
يجب أن أصبح كبيرة جداً وأحجب نظره
يجب أن أكون حادة وعنيفة كالسكاكين
يجب أن أُدْخل نفسي في لحاء شجرة تفّاحهِ،
وأشقّ عظام أبقاره،
يجب أن أكون نقيَّ العظام
الذي يشربه في جسده المبلّل بالسحاب.
يجب أن أكون حذرة
وأضحك حين يضحك
يجب أن أزيح الأغطية وأقوده إلى السرير،
يجب أن أصنع أولاده من معجون اللعب بألوان زرقاء
وقرمزية وخضراء.
يجب أن أخرجهم من بين ساقيَّ
وأضعهم أمام التلفاز.
يجب أن أخفي ذاكرتي في حبوب الخردل
كي يبحث عنها مع مرور الزمن إلى أن يمرّ الزمن.
يجب أن أضيّع نفسي في احترام العالم واحتقاره.
يجب أن أبقى كما أنا ولا أسبب أية مشكلة.
يجب ألا أفعل أي شيء، كي ينسى.
سأجعل التراب خارج المتناول،
وصحناً واحداً من مجموعة،
زهرة مصنوعة من اللباد،
وقرص دواء من الحجم الخطأ يمكن أن يسبب الاختناق.
يجب أن أصبح مهمة وأصنّف كل شيء
وفْق نظامي الخاص
كي نستطيع التخلص منه ومن براهينه وأتباعه
يجب أن أكون الشكاكة في مدينة الإيمان
التي تقدس علاماته (آثار الأقدام الكبيرة
الطويلة كسيارات الليموزين، الطباعة الخشنة على الجدار).
وعلى الرصيف حيث يبدأ بيته
تركع نساء مغشياً عليهنّ. أنا لست بينهن
رغم أنهن يلمّعْنَ الألسنة النحاسية لأسوده بألسنتهن
ويتذوقن الحياة الأبدية.
نصيحة لنفسي
اتركي الصحون.
دعي الكرفس يتعفّن في درج البراد السفلي
اتركي الأوساخ تتصلّب على أرض المطبخ.
اتركي الفتات الأسود في قاع محمصة الخبز.
ارمي الإناء المُشعر بعيداً ولا تُلصقي الكوب كي تصلحيه
لا تلصقي أي شيء. لا تصلحي. اشتري دبابيس أمان.
لا تركّبي حتى زراً
دعي الريح تسلك طريقها، والتراب
الذي يغزو كغبار والموتى
الذين يرغون في لفافات رمادية تحت الأريكة.
تحدثي معهم. رحّبي بهم.
لا تحتفظي بجميع قطع اللغز
أو حذاء الدمية الصغير في زوجٍ، لا تهتمي
إذا استخدم أحدٌ فرشاة الآخر أو إذا تطابق أي
شيء، إطلاقاً
ما عدا كلمة مع أخرى، أو فكرة.
ابحثي عما هو أصيل،
لكن قرري أولاً ما هو الأصيل
ثم انطلقي خلفه بصدق وإخلاص.
إن قلبك هو المكان
الذي لا تفكرين بتنظيفه
خزانة مكتظة بتذكارات وحشية.
لا تفرزي مشابك الورق عن البراغي وأسنان الأطفال المحفوظة
ولا تقلقي إذا كنا نأكل جميعاً الحبوب على العشاء
مرة ثانية. لا تردي على الهاتف، أبداً،
أو تبكي على أي شيء ينكسر.
سينمو عفنٌ زهري داخل تلك العلب المختومة
في البراد. اقبلي أشكال الحياة الجديدة
وتحدّثي مع الموتى
الذين يندفعون عبر نوافذ مسدلة الستائر، الذين يقومون بالجباية
على قمم آنية الطعام والكتب.
عاودي تدوير البريد، لا تقرأيه، لا تقرأي أي شيء
إلا ما يدمّر المادة العازلة بين نفسك وتجربتك
أو ما يهدم، ما يضرب أو يقوّض
هذه الخدعة التي يسمونها الضرورة.
كنت أنام حيث تتحرك أشجار البلوط السوداء
راقبْنا النهر يفيض منتفخاً
راقبناه من المنزل
يائساً ومخيفاً في جسده غير المألوف
يصارع كل شيء ويقوم بابتلاعه.
المياه حاصرت الأشجار
وحطّمت عماد حياتها
فغرقتْ واحدة بعد الأخرى
وجرّ النهر تيجانها وأغصانها.
انكشفت أعشاش طيور بلشون،
جذورٌ غُسلت حتى بدت كالعظام،
قطع لحاء مبللة على خط الساحل:
سحبتْ أسنان الطوفان
غابة بأكملها.
طفتْ أشجارٌ على السطح
مفردةً، حيث تدفق النهر
في شرايين حقول تحت المحمية.
حين انتهى أخيراً الاقتلاع الذي استمر طويلاً،
صارت كلها خشباً جافاً.
مشينا بينها، وكانت أغصانها
تبيضُّ في ضوء الشمس النيء.
في الأعلى فوقنا حلّقتْ طيور البلشون
وحيدة، خشنة الصوت، ومنهكة
وكانت تدخل مناقيرها في التجاويف.
قال جدي: هذه أشباحُ شعب الأشجار
تتحرك بيننا، لا تعرف الراحة.
سنحلم لبعض الوقت
بطريق عودتنا إلى رقصة طيور البلشون.
أجنحتها الطويلة تلوي الهواء
في دوائر تسقط عبْرها.
ترتفع ثانية في إطارات متبدلة.
إلى متى يجب أن نعيش في أشكال متكسرة
تصنعها أعناقها، التي تضيّق السماء؟