لم تتضح بعد طبيعة الانفجار الذي حصل يوم الثلاثاء في مرفأ بيروت ومدى الأضرار التي سببها في أنحاء المدينة. هناك العديد من التقارير غير المؤكدة ومن الصعب اعتماد التصريحات الرسمية بسبب افتقارها للشفافية. لكن تأثيرات التفجير شُعر بها في أنحاء المدينة وخارجها. وبالنسبة للذين يعرفون الجغرافيا، شعرت مناطق مثل المنارة والحمرا وبرج حمود وسن الفيل وبرمانة بالانفجار. ودُمرت منطقة المرفأ إلى حد كبير، كما دُمرت الحارات المجاورة والتي أُفيد أنها بدت كساحة حرب. ولا يدخل إلى كثير من المناطق المتضررة الآن إلا من يبحثون عن الضحايا، واضطرت فرق الإنقاذ إلى الانتظار خارج ألسنة اللهب للتأكد أن الهياكل المتبقية لن تنهار عليهم. إن الحكايات والتقارير عن تهشم زجاج النوافذ وانهيار أبواب الشرفات والأسقف في بيروت (ناهيك عن الأضرار الخارجية في الشوارع المليئة اليوم بالزجاج المحطم) صحيحة وشهادة على قوة ذلك الانفجار.
في الساعة العاشرة مساء بتوقيت بيروت، الأربعاء في الخامس من آب، قالت التقديرات الرسمية إن عدد القتلى بلغ 135 والجرحى 5000 وهناك العشرات من المفقودين وشُرد تقريبا ثلاثمائة ألف شخص أو هم غير قادرين على استخدام بيوتهم بشكل ملائم. وعلى الأقل ثلاثة مستشفيات في بيروت إما أغلقت أو أفرغت أجزاء مهمة من منشآتها. وتُقدر الخسائر المادية وفق أحد المصادر من 3 إلى 5 مليار دولار.
رُوِّع الجميع تقريباً، وافترضوا على الفور سيناريو الحالة الأسوأ في أذهانهم، وتذكروا معاناتهم الخاصة من القصف الجوي والمدفعي، أو عاشوا من جديد نوعاً ما من الصدمة. ولقد جُرح كثير من الأشخاص الجالسين في بيوتهم، وآخرون كانوا يلتهون أو يلتقون أو يعملون في المقاهي والفنادق بعد أن سقط عليهم زجاج الواجهات. وتعرضت المكاتب وأبنية أخرى لأضرار مشابهة. وفي جميع الحالات خاف معظم الناس ودب فيهم الهلع.
كانت كثير من غرف الطوارئ مزدحمة في ليلة الانفجار وحتى في صباح اليوم التالي. وقالت بعض الروايات إن بعض الأشخاص اضطروا لزيارة عدة مستشفيات قبل أن يتمكنوا من تلقي العلاج، وذهب البعض إلى طرابلس وصيدا أو أجزاء من الشوف. وفي حالات أخرى، انتظر الناس ساعات كي يتصلوا بالدفاع المدني أو الصليب الأحمر. وصارت أصوات سيارات الإسعاف التي هي عادة تُسمع أسبوعياً (إذا حدث هذا) في بعض الحارات في الليل السمة الثابتة رغم أنها بعيدة نسبياً عن الانفجار.
أُصيب الناس بالهلع في بيروت وأنحاء البلاد. فقد حدث هذا الانفجار في أعقاب انتشار واسع النطاق لكوفيد 19، وأزمة تنمية وانهيار مالي ونقدي وتوترات داخلية وإقليمية متصاعدة. والجدير بالذكر أن مرفأ بيروت الذي يُعد المرفأ الرئيسي للأغذية ولاقتصاد سياسي معتمد على الاستيراد توقف الآن عن العمل بشكل كامل. كان مرفأ بيروت يؤمن ما يُقدر ب 60٪ من واردات لبنان. وإذا كانت نسبة البطالة بين السكان تبلغ 40٪ تقريباً وتصل نسبة الفقر إلى 60٪ ونسبة التضخم إلى 50٪ وهناك نقص في العملة الأجنبية والمرفأ الرئيسي مشلول، فكيف سيكون لبنان قادراً على تأمين المواد الضرورية لمعالجة الجرحى، وإصلاح المنازل وإعادة بناء المرفأ.
وفي خضم الوفيات المباشرة والإصابات والخسائر المادية والصدمة الفردية\الجمعية لا توجد طريقة لمعرفة أي التفسيرات لسبب لانفجار هو الصحيح. إن غياب الوضوح والفوضى يفاقمان الإحساس بالدمار والغضب الذي يشعر به كثيرون حلت بهم أزمة أخرى نزعت إحساس الناس بالأمان، وتنامى الغضب من شبكة كثيفة ومتداخلة من مسؤولي الحكومة والبيروقراطيين وقادة الأحزاب ورجال الأعمال الذين لا يظهرون أية شفافية ويتهربون من أية مسؤولية عن السياسات والقرارات التي قادت مباشرة إلى هذا وإلى الكثير من الأزمات الأخرى.
ما نعرفه هو أن مخزناً يحتوي على 2750 طناً من نترات الأمونيوم أصبح بسرعة السبب المجمع عليه للانفجار الضخم (ملاحظة: استخدم تيموثي مكفي 2،3 طن من هذه المادة الممزوجة مع مادة أخرى في تفجيره سنة 1995 للمبنى الفدرالي في مدينة أوكلاهوما). كانت هذه المادة شديدة الانفجار، والتي تُستخدم للقنابل والسماد، موجودة في مرفأ بيروت لمدة ست سنوات. صودرت في البداية، وعرف عنها مسؤولو الصف الأول في البيروقراطية اللبنانية الحالية، ووجهت تحذيرات رسمية عدة عن الطبيعة الخطيرة للمادة وخزنها الحالي. إن ما سبب انفجار نترات الأمونيوم هذه غير معروف حتى الآن رغم أن لقطات فيديو مختلفة تظهر ناراً في الجوار لفتت سابقاً انتباه الناس والمسؤولين في المشهد.
لا نعرف الكثير غير ذلك، ولا توجد طريقة لتأكيد أو نفي الشرحين الأكثر انتشاراً (ناهيك عن احتمالات أخرى): الأول، شرارة عرضية من نوع ما سببت التقاط المواد القريبة (التي يقول البعض إنها مفرقعات) للنار وانفجارها، وفي النهاية وصلت إلى نترات الأمونيوم. إذا كان هذا صحيحاً فإن هذا مع جريمة ترك المادة المتفجرة دون معالجة لسنوات، مثال آخر حول كيف أن السياسات وإهمال الحكومات والوزارات وبيروقراطيات مختلفة في لبنان تكلف الناس حياتهم ومعيشتهم وإحساسهم بالأمن. الاحتمال الثاني هو أن حريقاً أو قنبلة أو صاروخاً استهدف الموقع إما من أجل زعزعة استقرار البلاد بعامة أو استهداف مستودع أو شحنة أسلحة في المرفأ لحزب الله. إذا كان هذا صحيحاً، فإنه مثال آخر على النزاعات الإقليمية وقدرة القوى الخارجية كالولايات المتحدة وإسرائيل على شن حروب وهجمات وعمليات قصف انتقائية بحصانة تكلف الناس حياتهم ومعيشتهم وإحساسهم بالأمن.
السيناريوهان قابلان للتصديق. ولا توجد طريقة الآن لتأكيد أو نفي أي من هذين التفسيرين بخصوص ما سبب انفجار نترات الأمونيوم. بالتالي، من الأفضل انتظار "التفسير" الرسمي الإجماعي في لبنان، ولكن حتى يحين وقت ذلك، وحتى بعد وقت طويل من ذلك، سيكون الناس الذين يعيشون في لبنان (سواء كانوا مواطنين أم لاجئين أم عمالاً مهاجرين أم آخرين) هم الذين يدفعون الثمن. وفي كلا السيناريوهين المحتملين إن جريمة خزن مواد متفجرة كهذه (نترات الأمونيوم) في المرفأ دون احتياطات ملائمة، ورغم التحذيرات المتكررة، هي شرط لاحتمال حصول كارثة من هذا النوع ونتائجها الإجمالية المدمرة. ورغم ذلك لم تكن هناك اعتذارات أو استقالات أو إدانات.
سيحين وقت لمزيد من التحليل (من حيث التغطية والجودة) للأسباب وللمسؤولية ولفهم حجم الخسائر المادية في المرفأ والمدينة والبلاد، وجميع الأمكنة السكنية. لكن الآن يجب أن يتركز الانتباه على الرعاية الطبية المباشرة للمحتاجين وعلى عمليات البحث والإنقاذ.
[ترجمة أسامة أسبر. لقراءة النسخة بالإنكليزية اضغط/ي هنا]