قصائد مختارة للشاعر الأميركي المنحدر من السكان الأصليين جوزف بروشاك
جوزف بروشاك شاعر وراوي قصص وموسيقي أميركي ينحدر من السكان الأصليين، من شعب الأبيناكي. ولد سنة 1942. يعكس شعره تأثره بأسلافه من الهنود الأبيناكي واهتمامه بالتاريخ والثقافة الهنديين. حصل على الليسانس من جامعة كورنيل وعلى الماجستير في الأدب من جامعة سيراكيوز وعلى شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من يونيون إنستيتيوت في أوهايو. أمضى ثلاثة أعوام كأستاذ متطوع في غانا في غرب أفريقيا، وعمل في التدريس الجامعي.
آمن بروشاك أنه إذا أراد المرء أن يصبح شاعراً عليه أن يقرأ كثيراً ويكتب بشكل منتظم، وأن يدعم الشعراء الآخرين بقراءة قصائدهم وشراء كتبهم وشراء المجلات الأدبية التي هي روح الشعر المعاصر، لكنها تصارع دوماً كي تواصل صدورها. وعلى الشاعر أن يتوقع ويقبل الرفض كجزء من الصفقة، لكن عليه ألا يستسلم إذا كان جاداً حيال عمله. لقد رُفض جميع الشعراء الجيدين (ومعظم الشعراء العظام) مرة في سياق حياتهم، لكن قبل أن يباشر الشاعر بالنشر الذاتي يجب أن يتذكر أن الكتابة السيئة ستُرفض ولهذا عليه أن يعثر على رعاة أكفاء وزملاء موثوقين يعرفون ما هو الشعر الجيد، وعليه أن يطلعهم على أشعاره ويستفيد من نقدهم البناء.
ألف بروشاك ما يقارب 120 كتاباً شملت الروايات والقصص. من دواوينه ”أرضنا: قصائد مختارة“، و ”لا حدود“، و“فوق الخط“.
1- المشي
يجب أن نمشي
كي نتعرّف على الأماكن المقدسة
إن الأقدام السليمة تشعرُ بنبض قلب
أمّنا الأرض،
قال سيتينك بول* هذا منذ وقت طويل
وعرفَ والت ويتمان هذا أيضاً.
حين نتجول على العجلات
ندور حول الأرض
كما لو أنها ليست
سوى أميال قمنا باجتيازها.
حين نسافر جواً
نقطع رؤيتنا
ويمكن أن تستغرق أرواحنا
وقتاً طويلاً
كي تلحق بأجسادنا
وأعيننا تكون فارغة من
كل شيء إلا الطيران.
يجب أن نمشي
كي نتذكر الأغاني
لا التي لنا فحسب
بل أغاني الطيور
المحفوظة في أذرع التلال والريح.
نحتاج إلى المشي
كي نتعرف على الأمكنة المقدسة
التي حولنا وفينا.
(* سيتينك بول أحد قادة الانتفاضات الهندية ضد سياسات الحكومة الأميركية).
2- الجد العجوز
جعلنا العجوز
نوقف سيارتنا
عشرين مرة على الأقل كي يخرج
ويجمع بيديه
الضفادع الصغيرة التي أعمتْها
أضواءنا وهي تتقافز
كقطرات المطر.
كان المطر يتساقط
وثمة ضباب على شعره الأبيض
واصلتُ القول:
لا تستطيع إنقاذها كلها
اقتنعْ بذلك، وعدْ
هناك أمكنة يجب أن نذهب إليها.
لكنه، بيدين متغضنتين مليئتين
بحياة بنية مبللة
وبركبة غائصةٍ عميقاً
في أعشاب الصيف
على جانب الطريق
ابتسم فقط وهو يقول:
لديها هي أيضاً أمكنة تذهب إليها.
3- قرب الجبال
قرب الجبال
كان وقْع الخطوات على الأرض
يصل إلى الأذن مجوفاً
كما لو كي يذكرنا
أن هذه الأرض طبل.
يجب أن نراقب خطواتنا بانتباه
كي نعزف اللحن الصحيح.
4- أشجار الصنوبر الفتية
أعرف أن الأسماء على هذه الأرض
تغيرت
وأنها طُبعت على خرائط
صنعها من
يدّعون ملكيتها.
يقول البعض:
لا شيء يبقى
لكن الريح
ما تزال تغني
أغنية نَفَسنا.
أشجارُ الهضبة
ما تزال تنحني كالراقصين
في طقوسٍ لم تنته أبداً.
أشجار الصنوبر الفتية
تنتصب، بينما تحميها
من ثِقَلِ الثلج
الأذرع المرفوعة
للأشجار التي هي أكبر منها.
5-رمل النار
بينما كنت أتمشى
في الغابات
في صباحٍ خريفي
وصلتُ إلى دائرة
أشعلنا فيها آخرَ نارٍ لنا
حيث تخلت الأغصان والجذوع
عن أشكالها
وأعادت حرارة الشمس
إلى الجو.
انحنيتُ
وغرفتُ حفنةَ رمادٍ،
رملاً نارياً، كما نسميه
تربة جديدة شكّلتْها النار
رمادية كالسماء قبل الفجر.
وهي تنسلّ عبر أصابعي
كانت تتلقفها ريح خفيفة
وترقص رقصة التدفق تلك نفسها
التي تعرفها الأشجار الفتية
بأغصانها الريانة الندية
رقصة تنتهي دوماً
مع الأرض.
تسرّبَ رمل النار
من بين أصابعي
متلهفاً كي يعود إلى التراب
كي ينضم مرة أخرى
إلى جذور الأشجار
ويرتفع مرة ثانية
ويصل إلى الشمس.
6- زراعة الأشجار
احفرْ أولاً حفرةً
حيث ستضع الغرسة
واجْعلها عريضة بما يكفي للجذور
وعميقة بما يكفي للنمو.
ثم ارْو الحفرة بالماء
ودع جوانبها تتشربه
كي يشرب التراب ما يكفيه
ويقتسمه مع ضيف جديد.
احفرْ حول الشجرة
التي ستزرعها
دائرة عريضة
مسافة لانتشار الجذور.
تذكّرْ أن جذور النباتات دائمة الخضرة
تكون ضحلة دوماً
بينما تدفع الأشجار ذات الأخشاب الصلبة جذورها الرئيسية
إلى الأسفل بما يقارب ارتفاعها.
لفَّ الغرسة بكيس، وارْبطه
كي يحافظ على كرة الغنائم سليمة
ويمسك شعرات جذور أدق
من الضباب كي لا تنكسر.
افعلْ كل هذا حين يقترب أوان
أول أو آخر صقيع
تماماً حين تستيقظ الأرض
أو تذهب إلى الراحة.
حين تقوم بزراعة الأشجار
تُجدّد ثقة قديمة
تُفسح مجالاً لأغصان جديدة
كي تظللنا بسلام.
7-تسلق
وأنتَ تتسلّق
كلما ظننتَ أنك وصلتَ إلى
ما تظن أنه القمة،
تتكشف قمةٌ أعلى.
”وراء الجبال هناك جبال“،
كما يقولون في هاييتي
حيث ترتفع قمم عديدة
فوق أرض حمراء محطمة
وحيث تلاشت الغابات
بعد أن قُطعت واحتُطبت لنار الطبخ
وما يشتهيه السواح.
قيل إن السعي إلى الله في الهند
مثل تسلق الجبال
كل قمة مزيفة تكشف عن
ارتفاعٍ أعلى.
في إحدى قصصنا الأبيناكية الأقدم
كان جلوسكونبا هو الذي
تسلق جبل كاتشي وادجو
كي يقيّد جناحيْ
نسر الريح العظيم
لكنه لم يفلح في مسعاه.
وهكذا كيف تنتهي
حكاية التسلق لديك؟
هل تتجمد إلى الأبد
كصاحب الحظ السيء على قمة إفرست
أو كفهد همنغواي
على قمة جبل كليمنجارو؟
أو إذا نجحت
في النزول
أية هدية ستحضر معك؟
أي جوع يمكن أن يحييك؟
وإلى أي جانب ستعود؟
8- الشمس تتحرك
في الأعلى
أقيس اليوم باتساع يدي
لا أفهم الدقائق،
الساعات أوالزمن
إلا في حركة الضوء
الشمس تقتسم معي دفئها
لكنني لا أستطيع الاحتفاظ به
لا أستطيع في الحقيقة أن أملك أي شيء
خارج جلدي.
لا أفهم الميزانيات،
العجز في الميزانيات
الدولارات،
الدفاع،
الردع
الشمس تغيب وراء التلال
ويذكرني الليل
أن الظلام يُحضر القصص
وأن الراحة حق.
لا أفهم
الرقصة اللانهائية المذعورة
للشاشات المضاءة.
أفهم النوم
أفهم الأحلام.
9- أسماك ميتة
تحوّلتْ أعينها الفضية إلى طَمْيٍ
كانت تستلقي في بركة
المياه الراكدة.
خضتُ في الماء،
حملتُها بكفي
وكانت زعانفها تهمس ضوءاً.
سمكة منوة،
بخطوطها السوداء
صلبة كقلم رصاص
إصبعان من سمك الترويت
طرفاهما أحمران كالنار.
كان يمكن أن أنقذ هذه الأسماك
لو وصلتُ في الحال
وحملتها عائداً
إلى منابع المياه
لكن نواياي الحسنة
لم تستطع منحها نَفَساً.
تركتها على حافة الماء
حيث ستعثر عليها الراكونات والذباب
وتذكّرت حكمة تقول:
لا شيء يضيع إذا تُرك
كي يلامس الأرض.
في خليج بي
في شمال نصف هذه القارة
يأكل شعب الكري الأسماك
المليئة بالزئبق
من مصانع تتاجر
بحيوات السكان الأصليين مقابل السلطة
وبعد تسعة أميال في اتجاه مجرى النهر من هنا فقط
كان قاع نهر الهدسون مسوداً
من المواد الكيماوية التي تنطق
أسماؤها الموت.
اليوم
أردد دعاء في صلاتي
أنه حين تحين ساعتي
وأموت
ألا يحمل جسدي
سوى القليل من الحضارة
وأن يعثر على حياة جديدة
في الموت.
[اختار القصائد وترجمها عن الإنجليزية: أسامة إسبر]